آخر خطبة لسماحة الشيخ محمد السبيل‏، محذرًا فيها من سفك الدماء بين المسلمين


التصنيفات
القسم العلمي: 
القسم العلمي: 

آخر خطبة لسماحة الشيخ ‏‫محم السبيل‬‏ -رحمه الله- عام 1425هـ محذرًا فيها من سفك الدماء بين المسلمين

  • الشيخ: محمد السبيل
  • العنوان: آخر خطبة لسماحة الشيخ محمد السبيل‏، محذرًا فيها من سفك الدماء بين المسلمين
  • المدة: 7:17 دقائق (‏1.7 م.بايت)
  • التنسيق: MP3 Mono 22kHz 32Kbps (CBR)
التفريغ

عباد الله لقد عظم الله تعالى- حقوق العباد، وشدد في النهي على الاستطالة على دمائهم وأموالهم واعراضهم فقال - صلى الله عليه وسلم- في خطبة الوداع محذرا من ذلك: (فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا، فأعادها مراراً ثم رفع رأسه فقال: اللهم هل بلغت؟ اللهم هل بلغت؟ ـ قال ابن عباس رضي الله عنهما: فوالذي نفسي بيده إنها لوصيته إلى أمته ـ، فليبلغ الشاهدُ الغائب، لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض) رواه البخاري، إذا كان من أعظم الأمور التي نهى الإسلام عنها وشدد النكير على فاعلها بعد الشرك بالله، هو قتل النفس المعصومة فإن هذا إفساد في الأرض كبير، وهو أمر جلل وجريمة منكرة شنيعة حذر منها ربنا –تعالى- وحذر منها نبينا - صلى الله عليه وسلم- فقد قال -سبحانه وتعالى- في محكم كتابه:  { أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا } [ المائدة : 32]، وتوعد بعظيم الجزاء على من قتل مؤمنا فقال -عز وجل-: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا } [ النساء : 93]، وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما، وقال المصطفى - صلى الله عليه وسلم- لو أن أهل السماوات والأرض اجتمعوا على قتل مسلم فاكبوهم الله جميعًا على وجوههم في النار، بل حذر - صلى الله عليه وسلم - من مجرد الإعانة على القتل، وروي عنه - صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (من أعان على قتل مؤمن بشطر كلمة ؛ لقيَ الله – عزّ و جلّ – مكتوب بين عينيه : آيس من رحمة الله).

عباد الله أي نعم كل من يدعون الإسلام، أين دينهم؟ أين خوفهم من الله؟ ما هذا التساهل في أمر الدماء والقتل؟ أهان عليهم الأمر؟ حتى صار بعضهم يفتي لنفسه بحل دماء الناس، ثم يستحلها ولقد أخبرنا الصادق المصدوق خبرًا يوجب الحذر والخوف من الله، فقد جاء في الحديث عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال (إن بين يدي الساعة الهرج ، قالوا : و ما الهرج ؟ قال : القتل ، إنه ليس بقتلكم المشركين ، لكن قتل بعضكم بعضا ( حتى يقتل الرجل جاره و يقتل أخاه و يقتل عمه و يقتل ابن عمه ) قالوا : و معنا عقولنا يومئذ ؟ قال : إنه لتنزع عقول أهل ذلك الزمان ، و يخلف له هباء منالناس ، يحسب أكثرهم أنهم على شيء و ليسوا على شيء) فكيف يقدم القاتل على الفعل؟ وهو يعرف بشاعة جرمه وفضاعة فعله فقد رصد له خصمًا يوم القيامة وقد نصب له نصب يوم القيامة في الحديث عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال سمعت نبيكم - صلى الله عليه وسلم- يقول: (والمقتول ظلماً يجيء بقاتله يوم القيامة ناصيته ورأسُهُ في يده متعلقاً بالقاتل، وأوداجه تَشْخَبُ دماً، يقول: يا ربِّ سل هذا فيما قتلني) [رواه النسائي بألفاظ، وابن ماجه]، أفلا يتذكر القاتل كم نفسا أذى وكم قلب أفزع،... الوالدين المكلومان عصر الألم قلوبهما واذقهما كؤوس العلقم، فحنى الحزن ظهورهما وهز قوامهما، وأطفال صغار فقدوا عائلاتهم، ومربين يجدون الرحمة في قلوب الناس ربما تشتت أحوالهم وتغيرت أخلاقهم، في أي حفرة أردى القاتل فيها نفسه؟ وأي ورطة تورط فيها؟ يقول ابن عمر -رضي الله عنهما- إن من ورقات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حله .

عباد الله لقد شدد الإسلام على أمر القتل وعظمه ولم يعصم دم المسلم فحسب بل عصم دم المسلم ودم الكافر فحرم الاعتداء على من أمنه المسلمون، لأن المسلمين يد واحدة يسعى في ذمتهم أدناهم فمن قتل من أمنوه فقد خانهم واستحق عقاب الله، فقد اخرج البخاري عن عبدالله بن عمر - رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاما)، قال ابن حجر -رحمه الله-: والمراد به من له عهد مع المسلمين سواء كان بعقد جزئية أو هدنة مع سلطان أو أمان من مسلم.

عباد الله ما هذه السكرة التي يعيشها من روع المسلمين وخالف جماعتهم وسذ عن فريقهم أفلا يتفكرون الى أين يذهبون وما هم عاملون؟ إنهم يتهمون العلماء والمجتمع بالضلال وأنهم هم الأمرون بالمعروف الناهون عن المنكر في وقت تخاذل فيه الناس، فقاموا بسفك الدماء وترويع الناس ظنا أنهم للإسلام ناصرون وللحق مظهرون، وربما تمدوا حتى كفروا من كفروا وجعلوا ذلك ذريعة للقتل والتدمير والافساد، وهذه الفتن يا عباد الله مما حذرنا منه نبينا -صلى الله عليه وسلم – غاية التحذير وحفظها عنه صحابه الكرام ونقلها لنا الأئيمة الإعلام وبينوها لنا اتم بيان، فقد ذكر ما يحدث بعده من الفتن  ولدنا على ما يأمننا منها وما يحصل لنا به الحماية والسلامة منها، فقال -عليه الصلاة والسلام-: (أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد، فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثةٍ بدعة، وكل بدعة ضلالة).