لماذا هذين الإمامين ؟ الإمام بن تيمية و الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمهما الله - الشيخ محمد العنجري


التصنيفات
القسم العلمي: 
القسم العلمي: 
القسم العلمي: 

  • الشيخ: الشيخ محمد العنجري
  • العنوان: لماذا هذين الإمامين ؟ الإمام بن تيمية و الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمهما الله -
  • المدة: 51:04 دقائق (‏11.69 م.بايت)
  • التنسيق: MP3 Stereo 44kHz 32Kbps (CBR)
التفريغ

الشيخ العنجري:

 بِسْمِ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، والصَّلاةِ والسَّلامِ‏ عَلَى رَسُولُ اللَّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِه وَصَحْبِه وَسَلِّم.

هو هذا العنوان بمعنى لماذا يخُص أهل الباطل هذين الإمامين: ابن تيمية وابن عبد الوهاب بالنقد والتشويه، لماذا؟

لماذا يجتمع خصوم الحق من الرافضة سابِّي أبي بكر وعمر، ومِن من تأثر بالمدارس الغربية، وتأثر بالعلمنة وبالطرح الليبرالي، لماذا يخُص هؤلاء هذين الإمامين؟

 لماذا يتكلم الأحباش بهذين الإمامين؟ لماذا يتكلم أصحاب القبور والأضرحة ممن يشُد الرحال إلى عبادة القبور بالتوسل والتبرك بشيخ الإسلام؟

لماذا يخص أهل الأهواء والبدع من الخوارج وممن تشرَّب لغة الدماء في الطعن في شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- ؟ لماذا؟

 فقد يقول قائل: نعم الرافضة هذا ظاهر، الصوفية ممن يدعو إلى شدَّ الرحال للقبور والأضرحة نعم، للأشاعرة والمعتزلة نعم، ممن تأثر في أطروحات الليبرالية والديمقراطية نعم، والذين يؤمنون بالتعددية نعم.

 ولكن من يرفع لواء التكفير يطعن في شيخ الإسلام ﴿قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ [النمل:64].

 قلت لهذا وأمثاله: كتب عجيل النشمي في كتابه المعنون(طب القلوب) قال: وهو يُثبت هذه الحقيقة أن أبو الأعلى المودودي ينقد هذا الإمام شيخ الإسلام ابن تيمية لم يُحدث الانقلاب في نظام الحكم، وهذه النقطة يذكرها أبو أعلى المودودي بالنقد على شيخ الإسلام ابن تيمية.

 وأبو أعلى المودودي هو الشيخ هو الأستاذ هو المعلم لسيد قطب، فما أكثر ما يُحيل سيد في كتاباته لأبو أعلى المودودي، سواء في الظلال أو في غيره. بالتعيين والتنصيص أو بالمعنى بل هو الأستاذ الأكبر، بل ذُكر بأنه قرأ بعض كتب أبو أعلى المودودي أكثر من ثلاثين مرة، فهذا أبو أعلى المودودي يطعن في شيخ الإسلام بأنه لم يحدث الانقلاب في نظام الحكم.

 إذًا اجتمعت وتلاقت مشارب الفرق والجماعات على محاربة هذين الإمامين؛ بل أن الأحباش يقولون: بأن أخطر رجل في تاريخ الإسلام هو ابن تيمية، هكذا وبهذا المعنى!

 ما سبب اجتماع هذه الأمراض والسموم؟ ما سبب هذه الكتابات على مر العصور على هذا الإمام من قِبل من ؟ أعداء السنة أعداء ما كان عليه محمدٌ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه!

 السبب أن هذا الإمام شيخُ الإسلام ابن تيمية، دعا في دعوته إلى الأصول التي كان عليها أئمة أهل السنة، التي كانت أصل الأصول في فهم نصوص القرآن والسنة، استُمدت من فهم الصحابة -رضي الله عنهم وأرضاهم- فقد ردَّ هذا الإمام على البدع وعلى الانحرافات في فهم

الكتاب والسنة بعد زمن السلف الصالح ،وعلى المعتزلة والخوارج و الأشعرية والصوفية ودعوة التقليد، أبطل بدع المتكلمين بعين مصطلحاتهم، وكل ذلك تمَّ بإحياء مذهب السلف الصالح في الرد على أهل البدع.

كل هذه الردود تأصلت بطريقة سلفية أثرية، ضاق هؤلاء الأعداء من هذه المنهجية، فأحيا هذا النهج في الرد على أهل الكلام والتحريف والبدع. أعاد هذا الإمام، أعاد إحياء الاستدلال بكلام الله وكلام النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في كل مسائل الدين، في الفقه والاعتقاد والسلوك فوضَّح أن العمل بالكتاب والسنة واجبٌ، وممكنٌ خلافًا لمن زعم من المنحرفين أنه لا يمكن الاستدلال بالكتاب والسنة لفقد أهلية المستدل، فجاء بنهج سلفي  أثريٍ سلفي ليسقط  هذا الباطل، ويسقط هذه الدعوة، التي أودت بالمسلمين في بحور  والتقليد والجهل، والبعد عن الكتاب والسنة.

 أعلم الناس في هذا وعلمَّ الناس  الطريق في إحياء مذهب السلف،  في إحياء ما كان عليه أبي بكر وعمر في كل وقت، وعلمَّ المسلمين معنى الأخوة في الله، والتعاون على البر والتقوى، فأوجد إخوانًا يحملون عقيدته وهمَّه ورسالته، وأخرج العلم من حيز الكهنوت والاصطلاح وسراديب الصوفية وأقبية الحلق،  ليصل للناس في كل مكان بحسب الفهم والقدرة.

علمَّ هذا الإمام أهل العِلم كيف تكون الدعوة إلى السنة، وإحيائها والمعنى الحق لتعلم العلم بعيدًا عن الفلسفة والتكلف والاصطلاحات.

فأبرز في حياته وفي تدريسه وفي تعليمه وفي كتابه المنهج الحق، وبينَّ الباطل وأظهر منهج  ما كان عليه النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه في بيان القرآن والسنة.

وننتقل إلى الإمام محمد -رحمه الله تعالى- وما تميز به -رحمه الله- فهذا الإمام؛ الإمام محمد بن عبدالوهاب قربَّ ولخَّص وأحيا الانتفاع بجهود شيخ الإسلام ابن تيميه، بل لبىَ حاجة المسلمين المباشرة بتصانيف جامعةٍ قريبةٍ من حيث التناول، يسيرة في العبارة، حتى تلقى الملايين من المسلمين الإيمان والاعتقاد الصحيح بهذه الكتابات البعيدة عن التكلف، البعيدة عن الاصطناع، البعيدة عن التراكيب التي تُشكل على الناس.

أعطت مادةً ميسورةً مفهومةً يستطيع كل شخصٍ أيًا كان أن ينتفع بها فحقق، انظر أيها السلفي؛ فحقق صفة العموم التي بُنيت عليها رسالة الإسلام، وهنا ضاق بأهل البدع، ضاق بمن يريد الأتاوات، بمن يريد القُربات إلى الأضرحة والمزارات فما كان منهم إلا العداء.

 هنا كان أهل الكهنوت والتراتيب الغير شرعية والتي قطع النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أصولها في الهيئة، فلم يكن يعرفه الغريب بين أصحابه، وفي اللغة -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فتكلم بجوامع الكلم الواضحة التي يأخذ منه كلٌ بحسب طاقته وفهمه، وأوضح ذلك بالنهج الإلهي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وجعل أعظم عبادة تُصلى في أي مكان إذا حضُرت وجعلت الأرض مسجدًا وطهورا.

 وحسَمَ ومنعَ مادة التقريب،  الزركشة في اللباس في العبادة كما في حديث أبي جُهم فردَّها وقال: «لَقَدْ أَلْهَتْنِي» فردَّها وقال: «لَقَدْ أَلْهَتْنِي عَنْ صَلَاتِي»[أحاديث عمدة الأحكام:134] ، وحرم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- التحسين في دور العبادة في المساجد وفي المصاحف واعتبره -عَلَيْه الصَّلاةِ وَالسَّلامِ‏- من علامات آخر الزمان فنهى عن تزيين المصاحف وزخرفة المساجد.

وهذا بعينه ما أحياه الإمامان فأعادا للدين نضارته وجِدَّته بعيدًا عن التمثيل والكهنوت، فما أكثر ما نقرأ قول إمام السنة شيخ الإسلام ابن تيمية: الرسومات أو الرسوم،  أي الكهنوت أي التكلفات المنهي عنها، هكذا دعا هذين الإمامين أو هذان الإمامان.

 دعوته ودعوتهم هي دعوة التوحيد الخالص لله تعالى، فقد دعوا إلى ذلك وكان هذا الإمام ثمرة شيخ الإسلام ابن تيمية، الإمام محمد كان هو من ثمرات هذا الإمام المجدد، شيخ الإسلام بحق، من ثمراته هذا الإمام، الإمام محمد فكانت دعوته هي الدعوة إلى التوحيد، التي أثمرت قيام دولة تحكم بما أنزل الله في القرون المتأخرة في كافة الشئون، فأعطى أعظم مثالٍ على عظم الإصلاح الذي يتحقق بالسنة واللغة الأثرية أي اللغة السلفية.

وأنه لا يمكن تحكيم الشريعة بحقٍ إلا من خلالها. أقول: جدَّد هذان الإمامان الدين الحق بمنطوقٍ ومفهوم قول النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:

«يَحْمِلُ هَذَا الْعِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ ، يَنْفُونَ عَنْهُ تَحْرِيفَ الْغَالِينَ، وَانْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ، وَتَأْوِيلَ الْجَاهِلِينَ»[رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ تحقيق العلامة الألباني / مشكاة المصابيح كتاب العلم الفصل الأول الجزء1 ص/ 53]

أحيا هذان الإمامان العمل بالعلم والمخالطة، ومخالطة الناس وعدم انتظار إقبال الناس إليهم. وهذا له شواهد كثيرة جدا، حسبكُ منها رسائلهم الشخصية الكثيرة ، والتي أخرجت صورة طالب العلم من القيود إلى العيش مع الناس وأمرهم ونهيهم، والعيش مع الناس وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر.

 لذلك كان من المعلوم عن شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- أنه كان يصحبُ تلامذته وأصحابه فيمرون على الناس في مواضعهم، لاحظ! في مواضعهم يعلمونهم دينهم.

 هكذا؛ هكذا كان هؤلاء الأئمة، لا يريدون الاقتيات من هذا الدين والعلو والالتفات إليهم، إنما أرادوا إحياء السنة وإماته البدعة ، ونشر العلم وتعميم العلم، لا أن يكون هذا الدين خاصٌ بأناس دون أُناس.

 لذلك ثمرة ما تقدم ونتاج ما تقدم هذا العداء؛ ولذلك كلما كان الرجل أبعد عن الإسلام الحق، كلما كان أشد عداوةً للإمامين، وهذا دليلٌ ظاهرٌ على أن كلامهما يضيق على المبطلين وينقض أصولهم، ينقض أصول المتكلمين، ينقض أصول الرافضة سابيِّ أبي بكرٍ وعمر، ينقض أصول من يدعو إلى الفكر والعقل، يدعو إلى تعدد الآراء وقبول أهل الشرك والانحراف ، وسابيَّ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-.

فلذلك كلما كان الرجل أبعد عن الإسلام الحق كلما كان أشد عداوة للإمامين، وهذا هو الدليل الظاهر على عظم هذين الإمامين، هذا الذي أثار سيد قطب وهو إمام داعش وهو إمام داعش وأستاذ سيد قطب الأكبر أبو أعلى المودودي،  الذي نقد كما بينت في مطلع هذه المحاضرة طعن في شيخ الإسلام بأنه لم يحقق الانقلاب في نظام الحكم؛ لأنه لم يكفر كما هو اعتقاد أبو أعلى المودودي وسيد قطب والداعش، فالمدرسة الداعشية هى مدرسة تكفيرية استقت هذا الكأس من سيد قطب الذي صنعه بسموم كتاباته أبو أعلى المودودي.

لذلك من تتلمذ على هذين الإمامين، اعتقد أن دول المسلمين اليوم مسلمةٌ، وليست كافرةً، وولاة أمر المسلمين مسلمون وليسوا كافرين، خلافًا لأهل الأهواء والبدع، وما هذا الاعتقاد المبارك إلا ثمرة التمسك بالوحي على الفهم السني، على فهم أبي بكرٍ وعمر، وعلى فهم السَّلف فبإحياءِ هذين الإمامين لهذا النهج، كان العداءَ لداعش ولسيد قطب، وللمودودي، ولمن كان على هذا المنهج  من قبل أهل السنة.

وكان العداء من مدرسة محمد الغزالي، ومن شاكل محمد الغزالي، صاحب المدرسة العقلية النظرية الإخوانية، فلذلك كان لهؤلاء مواقف تجاه هذين الإمامين، لأن كتابات هذان الإمامان على خلاف مراد الجماعات الإسلامية الساسية البدعية، فكان من التأصيل عدم خوضهم في المهاترات والسياسات والقضايا السياسية التي كانت في الشارع، لا على طريقة السياسين الإسلاميين، وغير الإسلاميين، لأنهم يعتقدون أنهم جزء من شعوبهم، وجماعاتهم، هم يعتقدون أنهم جزء من جماعة المسلمين، وليست هناك أغراض، أو طموحات، وإنمايريدون الفوز بالجنة، بتحقيق العبودية لله؛ لذلك كانت الراية: ﴿وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾ [الفرقان:74] يريدون التقوى، يريدون الفوز بالآخرة، لا يريدون الكسب السياسي، لا يريدون الوصول إلى القرار السياسي، ولا يريدون الأموال، ولا يريدون المكاسب الدنيوية، هنا المفارقة بين دعوة الإمامين، وبين هذه الدعوات السياسية، التي تؤصِّل وتؤسِّس على هذا الأساس، الوصول إلى القرار السياسي.

لذلك قال حماد عن إبراهيم في قوله تعالى: ﴿وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾ [الفرقان:74]، قال: "أما إنهم لم يسألون أن يكونوا أمراء، ولكنهم سألوا أن يكونوا أئمة للخير يقتدى بهم."

هكذا هي الدعوة الأثرية، هكذا هي دعوة الإمامين، أما دعوة داعش، ودعوة الجماعات السياسية الإسلامية، كدعوة سيد قطب، ودعوة الإخوان، ودعوة سرور وسلمان وسفر وعبد الخالق، وقِس على ذلك من القاعدة، إنما يريدون الوصول إلى سُّدة الحكم، يريدون الوصول إلى القرار السياسي.

 أما من تتلمذ على كتابات هذين أو هذان الإمامان، لن يكونوا على هذه الطريقة، وعلى هذه المدرسة؛ لأنهم يعتقدون أن دول المسلمين اليوم -كما ذكرت-  مسلمةٌ وليست كافرةً، وولاة أمر المسلمين مسلمون، وليسوا كافرين، خلافًا للمدارس التكفيرية، وهذا الاعتقاد المبارك ثمرة التمسك بالوحيين، وبفهم السلف، وبهذا دعا هذين الإمامين.

ولذلك بينَّا أن من تأصيلاتهم ومن الاستيقاء من كتاباتهم عدم الخوض في المهاترات والإعلام، وفي السياسة والقضايا الساخنة على طريقة السياسين، لأنهم أي معشر أهل السنة الذين استقوا هذه المادة؛ أنهم جزء من جماعة المسلمين، لا يعتقدون بأجندات وموازين سياسية، وتنوع أحداث، إنما هم بضعةٌ من المسلمين، يفرحهم ما يفرح المسلمين، ويريبهم ما أراب المسلمين، وعاطفتهم مرتبطة بأحكام الله والشريعة، هذه هي مادة هؤلاء الأئمة.

أقول: لقد استطاعا هذان الإمامان أن يُحييا في نفوس المسلمين، أن التقوى لا تكون إلا مع السنة، وإن العلم لا يكون إلا مع  الإيمان والإخلاص،  والصدق والعمل الصالح، والجهاد المشروع السني في بيان الحق، والصدع في الحق، فأثبت تعريف الإيمان عند أهل السنة، عملاً، ولم يستعملاه آلة في تكفير المسلمين، وإرهابهم كالخوارج، ولذلك كان ، يقول شيخ الإسلام: "وأنتم وإن كفرتموني، فلستُ أكفركم، وإنما أعلمُ ما تقولونهُ كفرا"، لاحظ!

إنما يطلق التكفير على القول، كما كان إمام أهل السنة، يُطلق التكفير فيقول:  "من قال أن القرآن مخلوق فهو كافر"، ولكن ما كان يُكفِّر، هذه المقولة كُفرية، ولكن ما كان يُكفر الأعيان، فانظر يا من تأثَّر بالمدارس الداعشي. ابن أبي دؤاد كان يقول بخلق القرآن، ويدعو لذلك، والخليفة كذلك، وقام هذا الإمام بإبطال الحجج وبيَّن المحجة على الجهمية، إلا أنه لم يكفر الخليفة وقد أقام الحُجة، وأبطل الحُجج الباطلة، لماذا؟

الجواب: قال بما معناه أنهُ؛ قال -أعني شيخ الإسلام ابن تيمية - بإن الإمام أحمد  لم يكفِّر بسبب الاشتباه بهذه الشُبه الفاسدة، فاعتذر له ولهم بذلك ولم يُكفِّر، ومن نقل غير ذلك، فقد غلط على الإمام أحمد.

وقال شيخ الإسلام:  "وأحمد لم يكفٍّر أعيان القائلين بخلق القرآن" لماذا؟ لأن الأمر اشتُبه عليه هذا الخليفة، وهذا العالم أو الشيخ لجهله ولفساد الاستشهاد، ولوجود الشبه، فعذرهم بذلك،

لم يُكفر كما صنع هؤلاء، أبناء مدرسة المودودي، وأبناء مدرسة سيد قطب، ومن نتج عن هؤلاء من الداعشية ومن شاكلهم، والقاعدية وقِسَّ على ذلك.

أقول: لقد جهر بالحقِّ هؤلاء الأعلام، وقاموا بإعلان الحق وصدعوا كما أُمر النبي: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ﴾[المائدة:97﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ﴾[الحجر:94]

﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ﴾[آل عمران:110]

خلافًا للدعوات والتيارات القائمة التي تبحث عن القواسم المشتركة لتجعلها منطلقًا للتعاون، فلو قيل أن أهل السنة، يبحثون عن القواسم التي يفترق فيها  المبطلون عن الحق، حتى يفضحوا هذا الباطل، ويبينوا هذا الباطل، كان هذا بيان للحق، ومن باب فضح الباطل، وتوضيح لمن أراد الوضوح للحق.

وليس بعيب (التذاذ أهل السنة بمفهوم القربى)، وعليهم ببذل الأسباب المشروعة التي أمر بها الشرع، دون النظر إلى المكاسب السياسية، أو إرضاء الجماهير، كما هو حال الجماعات السياسية الإسلامية.

وفي الختام أقول: الذي يقرأ لهذين الإمامين، مع إيمان وصدق، يرتبط بالكتاب والسنة وهدي السلف، مع شرف النفس وعزة الإيمان، وحرية العقل الموافقة للشرع، على وجهٍ يضيق على أهل البدع والأهواء والمنتسبين للعلم، الذين  يريدون تقييد الناس بأشخاصهم، أو جماعاتهم، فهذان الإمامان يُذيقان المسلم طعم الارتباط بالوحي والصحابة، بحيث يصعب استرقاقه أو استرقاق عقله وقلبه، فيصبح صعب المراس للدعوات التي تبني الأصل على الانقياد والطاعة، رقٌ بلا ثمن، والانقياد لرأي الجماهير، بل نحن نأتمر إلى أمر الله، بالطاعة لله تعالى، وائتمارًا لأمره، وخضوعًا للوحيين، فسمعًا وطاعة لولاة الأمور بالمعروف، خضوعًا لأمر الكتاب والسنة.

 ولابد من بيان فضل هذان الإمامان، بعد الله -عز وجل- في إحياء معرفة التوحيد، توحيد الألوهية، وتوحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات، ودعوة المسلمين إلى عدم التبرك، وشد الرحال للصالحين، وإلى القبور والأضرحة، و إلى البعد عن البدع، وتحريف معاني الدين، وهذا ما يصعب على المخالفين قبول ذلك.

أقول: إن مادة هذين الإمامين بعد الكتاب والسنة وآثار السلف، تبقى مادةً قويةً، مشبَّعةً في استقاء وإحياء  مذهب  أهل السنة والجماعة، مما يقضُّ مضجع كل مبطل أيًا كانت درجته، وأيًا كانت درجة ضلاله والعياذ بالله.

وأقول كذلك، هناك من تأثَّر بالعلمانيين، من الكفار ونحوهم، فيتهم هذان الإمامان بأنهم سبب نشأة الجماعات السياسية الإسلامية البدعية، وهذا الاتهام كذب وباطل، ونسبة الجماعات إلى هذين الإمامين، من باب التشويه كون أن ينسب التكوين أو النشأة إليهما، هذا من الباطل ومن الافتراء! فمن قرأ لشيخ الإسلام الإمام محمد، أو شيخ الإسلام ابن تيمية، عرف أنّ هذان الإمامان يدعون إلى نقض أصول الجماعات السياسية لإسلامية البدعية.

 ولابد لي أن أقول: "من لم يقبل الحق، ابتلاه الله بقبول الباطل"، هذه مقولة شيخ الإسلام، وكما قال سفيان: "من جهل قدر الرجال، فهو بنفسهِ أجهل".

فقد كان لهذين الإمامين، الفضل العظيم، انظر إلى كتابات هذين الإمامين، كيف كان لواء  الرافضة سابيَّ أبي بكر وعمر، الجهد في الطعن في هذين الإمامين، وكيف لأعداء الدين ممن دعا إلى الإلحاد بنسبة الجماعات السياسية الإسلامية إلى هذين الإمامين، لتشويه صورة هذين الإمامين.

أقول: كتبوا ما كتبوا ،وما كانت هذه الكتابات إلا سبيل لتوصيل  المادة الأثرية السلفية، وكما قال شيخي الشيخ أحمد السبيعي -حفظه الله- : "فكانت كتب السلف المتن، وكان هذا الإمام الشارح لهذه المتون السلفية".

وكما قال الشاعر، بأن هذان الإمامان يحقُّ فيهما قول الشاعر:

 

 كتبتُ وقد أيقنتُ يومَ كتابتي       ***      بأن يدي تفنَى ويبقى كتابُها

فإن عملتْ خيرا ستجزى بمثله     ***     وإن عمِلتْ شرا عليَّ حسابُها

هكذا علماء السنة، يعتقدون بالمسؤولية.

 ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ﴾[المدثر:38].

 ﴿وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ ۖ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا﴿١٣﴾اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا﴾[الإسراء:13-14]

رحم الله هذين الإمامين وأسأل الله لهما الفردوس الأعلى، اللهم آمين.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.