الإمّعة .. لا يسأل عن الدليل والبرهان
الإمّعة .. لا يسأل عن الدليل والبرهان
أخبر الله تعالى أن
فرعون قال:
﴿أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى﴾.
وقال فرعون:
﴿يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلٰهٍ غَيْرِي﴾.
وقال فرعون:
﴿لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلٰهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ﴾.
وقال فرعون:
﴿مَا أُرِيكُمْ إلَّا مَا أَرَى﴾.
فقال الله تعالى:
﴿إِنَّهُ طَغَى﴾؛ أي: جاوز الحدَّ في كفره وكبره وظلمه وعدوانه، فادعى الربوبية والألوهية، وسفك الدماء ، كما قال تعالى: ﴿يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ﴾.
وقال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى:
إن فرعون طلب أن يكون إلٰهًا معبودًا دون الله تعالى.
فأمر الله تعالى نبيه بقوله:
﴿فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾،
قال الحافظ ابن كثير في "تفسيره": هذه الآية فيها عبرة عظيمة، وهو أن فرعون (رئيس الدولة) في غاية العتو والاستكبار، وموسى صفوة الله من خلقه إذ ذاك، ومع هذا أُمرَ ألَّا يخاطِب فرعون (رئيس الدولة) إلا بالملاطفة واللين.
قال تعالى:
﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ۗ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلٰكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾.
قال ابن تيمية رحمه الله :
ما من نفسٍ إلا وفيها ما في نفس فرعون، غير أن فرعون قَدَرَ فأظهَر، وغيره عجز فأضمر.
قال ابن تيمية رحمه الله :
فالنفس مشحونةٌ بحب العلو والرياسة بحسب إمكانها، فتجد أحدهم يوالي من يوافقه على هواه ويعادي من يخالفه في هواه... فمن وافق هواهم كان وليًّا وإن كان كافرًا مشركًا، ومن لم يوافق هواهم كان عدوًّا وإن كان من أولياء الله المتقين.
﴿مَا أُرِيكُمْ إلَّا مَا أَرَى﴾
مَن يدعوك إلي منهج التقليد الأعمى والطاعة العمياء ، ففيه شبهٌ من النَّهج الفرعوني .
قال ابن تيمية رحمه الله:
ومما يتعلق بهذا الباب أن يُعلم أن الرجل العظيم في العلم والدين ..... قد يحصل منه نوعٌ من الاجتهاد مقرونًا بالظن، ونوعٌ من الهوى الخفي، فيحصل بسبب ذٰلك ما لا ينبغي اتباعه فيه وإن كان من أولياء الله المتقين، ومثل هٰذا إذا وقع يصير فتنةً.
من هو الإمَّعة؟
• قال ابن مسعود رضي الله عنه:
كنا ندعو الإمعة في الجاهلية: الذي يُدعى إلى الطعام فيذهب معه بآخر، وهو فيكم اليوم المُحَقِّب دينَه الرجال؛ الذي يمنح دينه غيره.
• قال ابن منظور رحمه الله:
أَراد (ابن مسعود رضي الله عنه): الذي يُقَلِّد دينَه لكل أَحدٍ؛ أَي: يَجْعَلُ دِينَه تابعًا لدينِ غيره بلا حُجَّة ولا بُرْهانٍ ولا رَوِيَّةٍ، وهو من الإِرْدافِ على الحقيبة .
أَحْقَبَه: أَرْدَفَهُ.
• وقال ابن مسعود رضي الله عنه:
اغدُ عالمًا أو متعلمًا، ولا تغد إمعة بين ذلك.
• وقال ابن القيم رحمه الله:
كانوا (أي: السلف) يسمُّون المقلِّد: الإمعة، ومُحَقّب دينه، كما قال ابن مسعود: الإمعة الذي يحقب دينه الرجال. وكانوا يسمونه: الأعمى الذي لا بصيرة له.
• قال ابن عثيمين رحمه الله:
الذي ينبغي للمسلم أيضًا ألَّا يكون إمَّعَةً.
•« عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت : لما أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الأقصى أصبح يتحدث الناس بذلك، فارتد ناس ممن كانوا آمنوا به وصدقوه، وسعوا بذلك إلى أبي بكرـ رضي الله عنه ـ فقالوا: هل لك إلى صاحبك يزعم أنه أسري به الليلة إلى بيت المقدس؟ قال: أو قال ذلك؟ قالوا: نعم. قال: لئن كان قال ذلك لقد صدق، قالوا: أو تصدقه أنه ذهب الليلة إلى بيت المقدس وجاء قبل أن يصبح؟ قال: نعم إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك، أصدقه بخبر السماء في غدوة أو روحة » ، أعظم رجل بعد الأنبياء والرسل قال لهم رضي الله عنه بوضوح ( أَوَ قال النبي ذلك ؟ ) يسأل الصديق رضي الله عنه عن الدليل ، هذا منهج أهل الحق بعد الدليل الصحيح فالإتباع والإنقياد والتسليم للسنة .
قال الحق تعالى:
﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا ۚ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾
• قال الإمام الطبري: تلك الدار الآخرة نجعل نعيمها للذين لا يريدون تكبُّرًا عن الحقِّ في الأرض وتجبُّرًا عنه، ولا فسادًا.
•قال الثقة مسلم البطين : العلو التكبر في الحقّ ( أي أن يَتَكَبَر عن قَبُولِ الحَقِّ )، والفساد الأخذ بغير الحق ( أي أن يفسد ومن الإفساد الاعتداء على الناس ) قال تعالى (وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ )
♦♦الخاتمة الأولى♦♦
* المسلم دليلُه الكتاب والسنة على فهم الصحابة الكرام،
* قال ﷺ عن أهل الحق : «مَن كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي»،
* قال الإمام مالك: كلٌّ يؤخذ منه ويُرد إلا صاحب هذا القبر، وأشار إلى قبر النبي ﷺ،
* المسلم يوافق العالِم الذي قام عنده الدليل الصحيح من الكتاب والسنة على صحة ما قال؛ لأن المكلَّف متبِعٌ للدليل من الكتاب والسنة على فهم الصحابة الكرام.
* وللأسف هناك من يتغنى بعبارة الإمام مالك في كتاباته وأقواله، إلَّا أن أفعاله ومواقفه ناطقة بلسان حاله: ﴿مَا أُرِيكُمْ إلَّا مَا أَرَى﴾.
♦♦الخاتمة الثانية♦♦
* لا تُخرجوا الناس من تقليد شيخٍ إلى تقليد شيخٍ آخر، فهذا ليس من النصح، بل هذا من الجهل المركَّب، والداعي إلى الله يتمثل قول الحق تعالى:
﴿قُلْ هٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ ۚ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾،
وقوله تعالى:
﴿قُلِ اللهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ ۗ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى﴾.
فالاتباع نهج أهل الحق، كما قال الإمام أحمد:
”إنما هو الاتباع وترك الهوى“.
أنظر إلي توجيه الإمام أحمد وستعرف الفرق بين دعوة الحق ودعوة التقليد الأعمى .
قال الإمام ابوداود للإمام أحمد : أليس الأوزاعي أتبع من مالك ؟؟؟ فأجابه الإمام أحمد : لاتقلدْ دينكَ أحداً من هؤلاء ، ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فخذ به ، ثم التابعين ، بَعْدُ الرّجُلُ فيه مُخَيَر .
بقلم الشيخ الفاضل / محمد عثمان العنجري
الخميس 8 ربيع الآخر 1441 هـ
الموافق 5 / 12 / 2019
المرفق | الحجم |
---|---|
الإمّعة .. لا يسأل عن الدليل والبرهان.pdf | 318.85 ك.بايت |