لا يتحقق العدل الواجب إلا بالفرقان المفصَّل


التصنيفات
الشيخ: 
القسم: 
القسم العلمي: 

بسم الله الرحمٰن الرحيم

لا يتحقق العدل الواجب إلا بالفرقان المفصَّل

١- قال الله تعالى: ﴿‌تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ﴾.

٢- ولا يتحقق الفرقان إلا بالتفصيل، واتباع المفصَّل الكامل الذي أنزله الله ﴿فَصَّلْنَاهُ ‌تَفْصِيلًا﴾.

٣- والشر قريب من الإنسان -إلا ما رحم الله- عند كل غفلة، وكل جهل، وأشده عند سوء القصد، الذي يعبَّر عنه باتباع الهوى.

٤- وليس في السنة فوضوية، ولا أحكام عامة مسبقة، ولا اختيار لطريق غير السنة، وإنما تتبُّع الحق بتفصيله والحكم بعدلٍ على كل حالة ومقالة بحسبها.

٥- وهذا فيه من المشقة اللذيذة، والعناء الجميل، والهمِّ الصادق ما يجعل صاحب السنة يتقلب بين صفحات الحق بقلبه وعينه، ويتقلب في أحوال الحق في أحكامه وحياته، «فطوبى للغرباء».

٦- وتعجبني كلمة للإمام الألباني رحمه الله تعالى، معناها: ليس عندنا تكفير بالكوم.

٧- والإنسان ناقص، ولنقصه لوازم لا انفكاك منها، لكنها لا تضر الدين، ولا تضره إذا كان يستدركها بالتوبة، والتذكر، والإنابة، ومزيد الحسنات.

٨- ومن لوازم النقص في العلم: الخطأ الذي سببه العجلة، أو الغضب، أو الانفعال، أو نقص العلم، وغير ذلك من صفات النقص.

٩- فقد يخطئ مبتغي الحق في حكم، أو أسلوب وطريقة تناول.

١٠- لكن صاحب الهوى البحت يخطئ لفساد قصده، ولأن أناه وأنفه السابق لهواه سابق على هداه، فهو يتحرك في دينه بموجب هوى نفسه ومرادات شيطانه، فلا يأخذ ولا يذر إلا فيما يعتقد أنه يحقق له ولهواه ولنفسه شيئًا.

١١- أمّا صاحب السنة الذي راضته عبودية الله، وأدبته الآثار، وقدوته الصحابة الأخيار، فقد استيقن أنه لو أفنى عمره وجهده صادقًا مخلصًا فلا يزال صغيرًا في الحق أمام السابقين من أهل الحق. قال ابن الأعرابي: ما نحن فيمن سبق إلا كفسائل في أصول نخل طوال. أو ما معناه.

١٢- ومن هنا قال أهل السنة كلماتهم العظيمة؛ مثل: ما منّا إلا راد ومردود عليه، وقالوا: كلٌّ يؤخذ من قوله ويترك إلا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

١٣- فقد يخطئ صاحب السنة -أحيانًا لا هديًا- تبعًا لطبائعه وشخصيته، فيغضب وينفعل أو يستعجل، وقد يختار أسلوبًا غير مناسب اجتهادًا، وقد يخطئ في حكمٍ على معيَّن لما توافر عنده من معلومات ناقصة أو مشوَّشة أو اجتهادًا، لكنه لا يسلك مسالك أهل الباطل في أحكامهم وأساليبهم: لينًا أو غلظًا أو حكمًا.

١٤- وفرقٌ بين الخطأ في الأساليب والخطأ في الأحكام أيضًا؛ من جهة أن الأسلوب قد يتبع موقفًا عارضًا تغلب فيه الطبيعة، أما شأن الحكم فهو كشأن القضاء يوجب من التريث والتثبت ما يوجبه، فحذار من التسوية بينهما من كل وجه.

١٥- إن من جماع الشر ومناخ الشيطان هو شر النفس الذي يتفجر باتباع الهوى ابتغاء المنزلة في الخلق، وأشرها أن يكون ذلك باستعمال الدين. وقد يغيب العقل بالهوى مع حركته الذكية، فلا يزال الإنسان ناطقًا كاتبًا متكلمًا سائرًا غير شاعر بما بطن من أزِّ هواه، فيصير من أهل الأهواء أو يقرب منهم وهو لا يدري.

١٦- إن أهل السنة الذين هم أهلها أبعد الناس -بفضل الله وإعانته وتوفيقه- عن هذه الأمراض؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم قدوتهم، ومادتهم، وهواهم، واتباعهم هو غاية حياتهم. فأنّى للشيطان أن يدخل عليهم وقد أحكموا إغلاق منافذ قلوبهم إلا للحق، وعمروها بالإخلاص، وأخنسوا الشيطان بذكر الله؟! إلا أن يشاء الله، أو بأن يخونوا الصدق، ويعكروا الإخلاص، وينسوا التواصي بالحق والتواصي بالصبر.

١٧- لكن الذين معركتنا الحقة معهم هم من يتبع الهوى ويتواطأ عليه، ويصنع لنفسه ولصحبه جمعًا كشأن المنحرفين، ثم يبتدئ في الخوض في الشأن العام للمسلمين، ويلوِّح بهراوة التبديع إرهابًا لخصومه وحربًا لهم، مع فتح مداخل التكفير ومسالك أصحابه، وإن كان حريصًا على أن يُظهر السنة ويزعم الطاعة، كما في المثال المشهور الذي انقضت صورته الظاهرة في المدينة بحمد الله، ولا يزال تحت الركام وميض جمرٍ يتلظى بالهوى.

١٨- فهؤلاء وأمثالهم هم الذين تكون العناية الحقة بموضوعهم؛ لاستئصال ما قذفوه من أساليب وطرق وأحكام تعارض السنة، لتطهير سبيل الله للراغبين المسترشدين المهتدين، لا العراك معهم بالهذر ومبتذل القول والأساليب التي هي من عين دائهم!

١٩- الخلاصة: يا هناءة صاحب السنة بإخوانه في كل مكان، يحوطونه بحبهم في الله، وينصرونه بالحق، وينقدونه بالحق، وينصحونه بالحق، فكأنه ملّاحٌ أخذته على سفينة السنة غفوة ففلت منه زمام دفة السفينة للحظات، فلم يلبث إلا وإخوانه يمدّون أيديهم للدفة ليقوِّموا من السير، حتى يسيروا جميعًا على هدى من الله، ﴿وَيَوْمَئِذٍ ‌يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ • بِنَصْرِ اللهِ﴾.

 

كتبه الشيخ/ أحمد السبيعي

الجمعة 16 جمادى الثاني 1442ه

الموافق 29 يناير 2021م