خطوات العلم الحق الثقيلة !
بسم الله الرحمٰن الرحيم خطوات العلم الحق الثقيلة! (مسؤولية العلم هي في التدبر للوقائع، وحسن التصوّر لها، والحكم عليها بالوحي والأثر عدلًا، والتعبير عنها بوضوح) من أهم المهمات أن يكون نظر العقلاء للأشياء مبنيًّا على حقائق ثابتة واضحة، وحين نصف هذا الشيء الواقع ونصوره أن نحذر الألفاظ التهويلية التضخيمية بخلاف حجم الواقع الحقيقي؛ فهذه جريمة لا تقل عن الجريمة الأولى. فالأولى: الإخلال بها كذب على الواقع الثابت، والثانية: الإخلال بتصويره وحجمه. وهاتان المقدمتان: ١- ثبوت الشيء ٢- وحجمه الحقيقي، هما المقدمة لتقديم الحلول الحقيقية الصحيحة، وهما مسؤولية من يتولى أي جانب من هذه الجوانب، أيًّا كان موقعه. والله عز وجل قد صان أهل العلم والإيمان عن الوقوع في هذه المجازفة بما شرعه لهم: ففي باب التثبت من الوقائع كما هي، قال الله عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا﴾ أي: تثبتوا. وفي باب الوصف العام للشيء وترك الوصف التهويلي المبالغ فيه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا سمعتم رجلًا يقول: قد هلك الناس! فهو أهلكُهم». فهنا المبالغة التهويلية في وصف الشر جعلها النبي صلى الله عليه وسلم إفسادًا في نفسها، بله جعلها دليلًا على سوء مقصد المطلق المهيّج! ومن عجيب هذا الباب أن عالمًا من العلماء يبكي عزوف المسلمين عن الإقبال على تدبر القرآن، فأطلق وصفًا عامًّا للمجتمعات المسلمة: أن المسلمين قد هجروا القرآن! بتعبير قد يُفهم -لاعتياده من أبناء الزمان- على النحو الذي هو مهنة منحرفي هذا الزمان وولعهم وآلتهم في إطلاق الأوصاف العامة على المجتمعات بالشر. وإن كان قد يطلقه بعض الصالحين ألمًا وغيرة، بنوع من التكفير للمسلم الذي لا يقرأ القرآن! ولا شك أن العلم نقلٌ محض للوحي والأثر، لكن خدمة العلم بعد حسن فهمه تحتاج إلى نصح وعدل وحسن توصيل وحُكم لا يخلو من اجتهاد تقدير، يقف وراءه عقل وتحوطه نية ويحرِّض عليه نصح، ناهيك عن التنزه عن قاذورة حظ النفس ومنزلتها. فمن هنا قال الله عز وجل: ﴿إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا﴾. وهل القرآن كلام الله سلوة الروح وغذاء القلب وأنس المؤمن بعذوبته وكماله، فيه ثقل؟ نعم فيه ثقل؛ فثقله في مسؤولياته، وثقله في حسن فهمه والعمل به، وثقله في تنزيله على الوقائع بما يحقق مقصوده. ومن هنا ظهرت خطورة الخوارج على الدين والقرآن، بتعلقهم بالإكثار من تلاوة الألفاظ فقط! ومن هنا نعلم أن الأثرية في العلم معناها: بناء العلم على الوحي والأثر، مع حسن الفهم والتطبيق الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضوان الله عليهم. فمن رام الأثرية والاتباع من غير اجتهاد في الفهم وحسن التطبيق أفضى به الأمر إلى نوع ظاهرية جافية، ومن أوغل في المعاني بعيدًا عن الوحي والأثر وحسن فهم السلف صار إلى نوع عقلانية حافية. فحسن الفهم والتقدير، وإن كان اجتهادًا شخصيًّا متاحًا لكل ذي علم واهتداء يريد خدمة الحق، إلا أنه داخل في لب وصلب معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين». فاستعمل لفظ (الفقه) ليشمل حسن الفهم والتطبيق والتقدير قبلهما، فلا يكون صاحب السنة معتنٍ بتحسين صورة ظاهر علمه ومبناه غير مجتهدٍ في النصح لدينه ونفسه وإخوانه، فعقل المرء مخبوء تحت لسانه. لكن في الوقت ذاته قال صلى الله عليه وسلم لعليٍّ: «انفُذ على رسلك». ﴿وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا﴾! كتبه الشيخ/ أحمد السبيعي الثلاثاء 11 رجب 1442ه الموافق 23 فبراير 2021م
المرفق | الحجم |
---|---|
خطوات العلم الحق الثقيلة.pdf | 281.4 ك.بايت |