لا لإخضاع الدين للأهواء والتجارب !
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وسلم أما بعد
فقد اطلعت على مقال ينسب إلى عايض القرني يحكي فيه تجربته في السفر إلى فرنسا وما وجد هناك من صفات كثيرة وأخلاق أهل الإسلام أحق بها حسب كلامه.
وأقول اختصارا :
١-ما أشبه الليلة بالبارحة فمع مطالع القرن المنصرم أوفد عدد من علماء الأزهر ومصر إلى أوروبا فكانت ردة فعلهم المباشرة شبيهة جدا بما ذكره عايض من الانبهار والإعجاب -إن لم نقل الافتتان- حتى قال قائلهم وجدت إسلاما لا مسلمين.
٢-إن هذه الكلمات الصادرات من هؤلاء الدعاة دالة على أنه كان عندهم تصورا سابقا لواقع الغرب كانوا يحكمون من خلاله واكتشفوا أن تصوراتهم وأحكامهم غير مطابقة للواقع؛ وهذا لم يكن يوما من الأيام سبيل علماء المسلمين؛ إذ علماء الإسلام بحق كما ذكر شيخ الإسلام يعلمون من القرآن والسنة طرق الخير والشر من غير حاجة منهم لمقارفة الآثام أو معاينة الأشياء والوقائع بل بالنقل المأمون يستطيعون أن يحكموا بعلم وعدل؛ وهذا يدل على أن العلم الحق وحامليه يختلفون عن علماء أهل البدع في مصدرهم ومواردهم وأحكامهم؛ وأن المشكلة الحقة هي في حملة العلم الذين لا يبنون أمرهم على السنة قبل الواقع بما فيه.
٣-أن مدرسة المذاهب العصرانية الإسلامية أورثتها البدع ضعفا أمام الكفار فإما انبهار وانكسار وإما تقليد وانجرار وتأثر وأخذ لأمور قد أغنانا الإسلام عنها؛ أما علماء السنة فالأمور منضبطة عندهم ببصيرة الوحي وأحكام الحق فلا يفجأهم حدث ولا يبهرهم واقع ومعاملة الكفار ولاء وبراء وحبا وبغضا وعطاءا ومنعا كل ذلك في غاية من الانضباط والعلم والعدل وأقرأ كتاب "اقتضاء الصراط المستقيم" لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى.
٤- أنه لا ينبغي ولا يجوز المقارنة بين المسلمين والكفار لا سيما إذا كانت على سبيل الانتقاص للمسلمين أو الافتتان بدنياهم فإن هذا ضار ولا فائدة فيه
لذلك قال الله تعالى: {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ۚ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ}
وعن عمر -رضي الله عنه- أنه قال: دخلت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإذا هو مضطجع على رمال حصير ليس بينه وبينه فراش قد أثر الرمال بجنبه متكئا على وسادة من أدم حشوها ليف.
قلت: يا رسول الله ادع الله فليوسع على أمتك فإن فارس والروم قد وسع عليهم وهم لا يعبدون الله.
فقال: "أو في شك يا ابن الخطاب؟ أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا"
وفي رواية: "أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة؟" متفق عليه
٥-إن النظر النافع هو الذي يورث الاعتبار والاستفادة في الدنيا وأسبابها وخبراتها ونحو ذلك مما يسوغ الاستفادة من الكفار به
وهذا كما ورد في صحيح مسلم من حديث المستورد القرشي أنه قال عند عمرو بن العاص: "سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: تقوم الساعة والروم أكثر الناس. فقال له عمرو: أبصر ما تقول. قال: أقول ما سمعت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. قال: لئن قلت ذلك إن فيهم لخصالا أربعا: إنهم لأحلم الناس عند فتنة وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة وأوشكهم كرة بعد فرة وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف وخامسة حسنة جميلة وأمنعهم من ظلم الملوك"
والشاهد منه معرفة الطريق النافع الذي سلكه الصحابة في الملاحظة والنظر في أحوال الكافرين وأسبابهم لا في أخذ الأمور العامة الكلية الشاملة لسياسة الناس كالديمقراطية ونحو ذلك مما أغنانا الله عنه بالإسلام والذي يفعله بعض المسلمين.
والذي يزيد الطين بلة جعل الدين تابعا لتسويغه وإمراره وإقراره بتحريف الإسلام ليتمشى معه.
ولا ينقضي العجب من مذاهب الجماعات التي تبتدأ بالتكفير ثم تنتهي إلى تحقيق ما حذّر منه النبي -صلى الله عليه وسلم- في قوله: "لتتبعن سنن الذين من قبلكم شبرا بشبر أو ذراعا بذراع حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه. قالوا: اليهود و النصارى؟ قال: فمن؟"
ولست أزعم ان كل ما ذكرت ينطبق على كلام المذكور لكني توسعت ليشمل أضرابه تعميما للفائدة والله المسئول أن يصلح أحوالنا وأحوال المسلمين