رد الشيخ محمد العنجري على عجيل النشمي
نشر رد الشيخ محمد العنجري في جريدة القبس الكويتية بتاريخ الثلاثاء 10 ربيع الآخر 1424 هـ ـ 10 يونيو 2003
وهذا نصه :
الزكاة في القرآن الكريم قرينة الصلاة، وما امر الله عز وجل بالصلاة الا وقرن الزكاة فيها، قال تعالى: «واقيموا الصلاة وآتوا الزكاة»، وما جاء وصف للمؤمنين في القرآن، الا وذكر فيه انفاقهم، ورأس الانفاق هو الانفاق الواجب وهو الزكاة، قال صلى الله عليه وسلم: «ليس في المال حق سوى الزكاة».
والزكاة ركن من اركان الاسلام، قاتل خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم مانعيها وقال رضي الله عنه مقولته الشهيرة «لاقاتلن من فرق بين الزكاة والصلاة» واجمع الصحابة رضوان الله عنهم جميعا على ذلك، وقد حددت مصارف الزكاة بنص القرآن بقوله تعالى: «انما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم».
فمصارف الزكاة التي ورد ذكرها في القرآن الكريم محددة، وليس لاحد ان يقسمها على غير ما قسمها الله عز وجل، ومن خرج على ذلك فقد خرج عن هذه المصارف وخالف قول الحق تعالى: «ان الله يأمركم ان تؤدوا الامانات الى اهلها».
قرأت فتوى الدكتور عجيل النشمي عندما سأله سائل بقوله: «هل يجوز دفع الزكاة الى حزب او جماعة او جمعية اسلامية في بلد لا تقيم شرع الله، علما بأن هدف هذه الاحزاب او الجماعات او الجمعيات اقامة حكم الشريعة الاسلامية والدعوة الى الاسلام، وذلك بطرق ديموقراطية، وتحتاج إلى الوصول الى اهدافها الى مصروفات كثيرة لتنظيم دعايات وندوات اصدار وكتيبات لغرض الانتخابات وهذا كله يتطلب مبالغ كبيرة، فهل يجوز دفع الزكاة لهذا الغرض؟».
وقد افتى الدكتور عجيل النشمي مجيبا بالآتي:
«بين الله تبارك وتعالى الاصناف التي تستحق الزكاة وحصرها عز وجل في ثمانية اصناف وهي الواردة في قوله عز وجل: «انما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم»، وفي تفسير قوله تعالى «وفي سبيل الله» ذهب كثير من الفقهاء الى ان المراد به الجهاد والغزو في سبيل الله، وذهب آخرون الى ان «في سبيل الله» يشمل كل طريق موصل الى مرضاة الله عز وجل.
ونميل الى القول الثاني وهو التوسع في معنى «في سبيل الله»، وهذا الذي يسنده الدليل القوي فان لفظ «في سبيل الله» عام يشمل الجهاد بالسلاح لمحاربة الاعداء، وهذا اخص واهم من غيره، كما يشمل كل ما كان فيه مرضاة لله عز وجل، لان اللفظ عام ولم يرد دليل يخصصه في الجهاد فحسب، فيبقى على عمومه فيشمل مصالح المسلمين.
والجهاد الذي عناه الفقهاء قديما، هو الجهاد في ظل الدولة الاسلامية، دولة خلافة المسلمين، فتدفع الزكاة في اخص واهم القضايا وهي تقوية جيش الدولة ونشر الدعوة والجهاد والمضي الى يوم الدين.
ومما لا شك فيه اليوم ان استئناف الحياة الاسلامية لاقامة الدولة مطلب عظيم وواجب في عنق كل قادر على عمل شيء بقدر استطاعته، فالمقصود بالاول لمعنى «في سبيل الله» اليوم هو دعم كل جهد يكون سبيلا لدفع الكفر ونظمه، ولقيام الدولة الاسلامية.
وهذه الاحزاب والجماعات والجمعيات الاسلامية التي تروم استئناف الحياة الاسلامية وازاحة انظمة الكفر، واحلال شريعة الله مكانها، يجوز دفع الزكاة اليها وان غلب على الظن انها قادرة على التأثير في تحقيق ذلك ولو كان أمرا جزئيا يكبر مع الايام وتدفع الزكاة حينئذ لكل عمل يكون وسيلة لتحقيق الغاية المذكورة، لان الوسائل تأخذ بحكم الغايات، وما كان مقدمة لواجب كان واجبا، فما لا يتم الواجب الا به فهو واجب على ان تكون الوسائل المشروعة، فاذا كان القائمون على هذه الاحزاب والجماعات والجمعيات اهل ثقة، وكان عملهم منظما واتبعوا الوسائل المشروعة دون تبذير تأكد اعطاؤهم من الزكاة سواء اكانت وسائلهم تربوية ام ثقافية، ام اعلامية، ام دعائية انتخابية ام سياسية، ويتأكد دعمهم خاصة اذا لم تقم الحكومات الاسلامية بدعمهم وتقوية شوكتهم، او كان خصم الاسلام يدعم غيرهم، ويعوق مسيرهم» انتهى السؤال والاجابة وردا كاملين في جريدة «القبس» العدد 8135.
--------
> أفتى عجيل النشمي للجامعات والاحزاب الاسلامية بجواز الاخذ من زكاة المسلمين لينفقوها على الحملات الانتخابية لمرشحيهم، فالدكتور النشمي يجيز بهذه الفتوي للتنظيمات الاسلامية التي تخوض الانتخابات البرلمانية ان تصرف على الدعايات والندوات والكتيبات واللوحات من اموال زكاة المسلمين، وهذا قول منكر وتحريف لمعنى «في سبيل الله» ولم يقل أحد من السلف بذلك.
ولعظم خطر فتوى عجيل النشمي وبدعته أود أن أبين ما حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم أمته فقد قال صلى الله عليه وسلم في حديث رواه الإمام أحمد وغيره: «هلاك أمتي في الكتاب واللبن: قالوا: يا رسول الله ما الكتاب واللبن؟ قال صلى الله عليه وسلم: يتعلمون القرآن فيتأولونه على غير ما أنزل ويحبون اللبن فيدعون الجماعات والجمع ويبدون» صححه الإمام الألباني في السلسلة.
فهلاك الأمة بأناس يفسرون كلام الله على غير مراد الله، لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله» ـ رواه الحاكم في المستدرك وقال حديث صحيح، فالخطر الخطر ممن يجعل دين الله عز وجل ونصوص القرآن والسنة خادمة لأفكار حزبه وتنظيمه ومدرسته، فقد اتفق سلف الأمة رضي الله عنهم على ان المراد في قوله تعالى «في سبيل الله» هو الجهاد والغزو ولم يؤثر عن احد من علماء القرون الثلاثة الأولى المفضلة والعلماء المتقدمين من قال بخلاف ذلك إلا قليلا منهم اضاف الحج، لذلك قال ابن العربي: «لا أعلم خلافاً في ان المراد بـ«في سبيل الله» ها هنا الغزو من جملة سبيل الله إلا ما يؤثر عن احمد واسحق فإنهما قالا انه الحج» ـ أحكام القرآن الجزء الثاني ـ صفحة 957. فمن أين لعجيل النشمي ان يقول بقول لم يسبقه عليه أحد من علماء الأمة المتقدمين؟ وإني اذكر الدكتور عجيل ان الله اخبر وخبر الله حق بقوله تعالى: «يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا ان يتم نوره»، فشريعة النبي صلى الله عليه وسلم يجب ان تبقى نقية من الاحداث ظاهرة بالحجة وان كانت للبدعة صولات ودول على مر التاريخ فمآلها ان تفنى وتبقى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي هذا المقام اود أن اسأل الدكتور عجيل النشمي: هب اننا اخذنا بفتواك فهل تصرف اموال زكاة المسلمين على سبيل المثال لحزب الإخوان المسلمين اي الحركة الدستورية.. ام لتنظيم عبدالرحمن عبدالخالق وناظم المسباح التراثيين... ام لجماعة سرور التنظيمية السرية... ام لحزب التحرير... ام لمحبي بن لادن وأبو غيث وتنظيم القاعدة.. ام للتكفيريين ام للقطبيين.. ام لامثال الكبيسي والترابي والمسعري.. ام لمن فجر في السعودية.. ام لمن غذى فكر من قام بأحداث فيلكا.. ام لأتباع سلمان العودة وسفر الحوالي اصحاب المظاهرات والمواجهات الدموية في بريداء؟. اخبرني الى اي المرشحين من هؤلاء ستصرف زكاتنا فكلهم يرفع لواء الكتاب والسنة ويطالب باستئناف الحياة الاسلامية الصحيحة ويدعو الى اعادة الخلافة الراشدة؟ انتظر اجابتك.
وبناء على ما تقدم احذر جميع اخواني المسلمين من التفريط في توزيع اموال زكاتهم في غير مصارفها الشرعية فقد قال ابن عباس رضي الله عنه في الزكاة: «ضعوها موضعها» وقال سعيد بن جبير: «ضعها حيث امرك الله» وتذكر قول المولى عز وجل: «فريضة من الله» وقد اتفقت المذاهب الاربعة على ان المقصود في مصرف قوله تعالى: «في سبيل الله» الجهاد والغزو.
كما احذر شباب التنظيمات و الاحزاب الاسلامية من الاخذ بهذه الفتوى في استغلال اموال الزكاة التي استؤمنوا عليها في جمعياتهم الخيرية ولجانها وصناديقها، واستباحة اموال الزكاة في مثل ما ذكر، اصلحه الله، عجيل النشمي وخاصة اننا في هذه الايام على ابواب الانتخابات.
واذكركم بقوله تعالى: «كل نفس بما كسبت رهينة» وقوله جل شأنه: «وكل انسان ألزمناه طائرة في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا».
------------
> ملاحظة:
وممن يفتي ايضا بهذه الفتوى الدكتور عمر الاشقر الاستاذ في جامعة الكويت سابقا والزائر الدائم لدولة الكويت في بحث له على مشمولات مصرف «في سبيل الله» حيث اجاز اخذ اموال الزكاة للجماعات الاسلامية المنظمة بقوله: «لتمويل الحملات الانتخابية التي تمكن المسلمين في ديار الاسلام وتقربهم من الحكم بالاسلام واصلاح البلاد والقوانين».
وهذا يقول به كذلك القرضاوي في كتابه فقه الزكاة: «ان اهم واول ما يعتبر الآن «في سبيل الله» هو العمل الجاد لاستئناف حياة اسلامية صحيحة... ونعني بالعمل الجاد العمل الجماعي المنظم الهادف لتحقيق نظام الاسلام».
-----------