حكمة السنة وموعظة الهوى !
حكمة السنة وموعظة الهوى !
مراتب الدعوة الى الله التي ذكرها الله عز وجل في الآية العظيمة التي تبين منهاج صاحب السنة في الدعوة الى الله وهي قوله سبحانه (ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ):
١-فصاحب السنة ذي القلب السليم تبين له السنة فيقبلها ويتبعها ويعض عليها بالناجذ
٢-والغافل اللاهي عن امر الآخرة -كما ينبغي -يذكّر بالآخرة وبالجنة وبالنار والموت وما يحيي القلوب ويدفع عنها الغفلة من المواعظ السنية المشروعة بالوحي والتذكير بالله.
٣-والذي علقت في قلبه شبهة من سوء فهم او سماع ذي بدعة وهو مقبل على الله راغب في معرفة الحق مستسلم للحق منقاد له في الاصل ليس من ذوي الاهواء -الذين لهم أحكامهم الخاصة في التعامل والرد لباطلهم ومجادلتهم -فمثل هذا يجادل مجادلة الإعانة لتخليصه من هذه الشبهة التي يستشعر ألمها في قلبه ويريد التخلص منها فيساعده إخوانه من اهل العلم على التخلص منها والتطهّر والتزكي .
وكل ما تقدّم من فضل الله عز وجل وكرمه واضح بيّن إلا أن الخلط الذي يصنعه أهل الاهواء والبدع في امر الدين قد يجعل بعض هذه المراتب تتداخل او تضطرب في أفهام بعض المسلمين بسبب كيد أهل البدع والأهواء لنصرة نفوسهم وأهوائهم :
(ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم )كما قال ربنا ؛وهذا لا يمنع من قطع حيلة أهل الاهواء -حتى يحمي المسلم نفسه -ببيان صفة تخبّطهم حتى يكشفهم المسلم :
١-فيتعمد أهل الاهواء خلط مراتب المنتسبين الى الاسلام فيساوون بين المسلم والمسلمة المتبعين للنبي والصحابة وبين المتبعين للأهواء والفرق والبدع والجماعات
٢-يتعمد أهل الأهواء الخلط بين مراتب المسائل فيعاملون المسائل الواضحة في السنة والتي يستمد وضوحها من دلالة الوحي فيجعلونها في مرتبة المسائل العملية التي قد اختلف فيها اهل العلم .
٣-يتخذون الجدل منهجا وطريقا في التديّن خلافا لأهل العلم والسنة الذين ينهون عن الخصومات واضعين نصب أعينهم قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم :(ما ضَل قوم بعد هدى كانوا عليه الا أوتوا الجدل ثم تلى قول الله :ما ضربوه لك الا جدلا بل هم قوم خصمون ).
٤-يجادلون في الأمور الواضحة التي ليس فيها الا التسليم كما ذم الله هذا الامر بقوله (يجادلونك في الحق بعدما تبين كأنما يساقون الى الموت وهم ينظرون )
٥-يتقافز اهل الأهواء بين الموعظة واللجوء الى الدليل الى الجدل بطريقة فوضوية غير راسخة ؛. فمن التباكي على احوال المسلمين الى الطعن في اَهلُ السنة الى الرجوع الى ترقيق القلوب والتذكير بالآخرة والبكاء على وحدة المسلمين ثم الهجوم على دعوة السنة ثم ولوج دائرة المناظرة والجدل ثم إظهار النوايا الطيبة والتسليم لأهل السنة ثم الطعن عليهم بغير بينة ولا برهان ثم التشكيك وإيراد الواردات.
فيتلاعبون بمشاعر وعقول المسلمين فيظهرون التسليم للحق حتى يلين قلب المسلم معهم ثم يشككون فإذا انتبه لجأوا الى المواعظ .
فتجد سيرهم غير منضبط ولا مستقر على وتيرة واضحة واحدة لانه يعكس ما في قلوبهم من اضطراب وما في نفوسهم من اتباع للهوى .
خلافا لأهل السنة الذين يستمدون ثباتهم من اعتصامهم بالسنة .
ففرق بين قلب صاحب السنة السليم الذي يستمد مادته من الوحي والأثر والاعتصام بهما فتجده يسير بهدي واضح مريح هانيئ مستقر الا من عارض يُصْرَفُ بإذن الله بالاستعانة بالله والاهتداء به مع الاستعاذة من الشيطان .
أما صاحب الهوى الذي مرض قلبه باتباع الهوى واعتد برأيه ووسوس له الشيطان ؛فتجد سيره مضطربا متذبذبا متشككا تارة ومسلما اخرى ومتوقفا ثالثة فلا تدري ما الذي ينتهي اليه حاله.
وما أجمل ما قال بعض أئمتنا :ابحث عن شاك مثلك فجادله
او كما قال الشاعر :
يذكرني حاميم والسيف ناشزٌ
فهلا تلى حاميم قبل التقدم
قال الإمام ابن تيميّة رحمه الله :
"وقد عدلت المرجئة في هذا الأصل عن بيان الكتاب والسنة وأقوال الصحابة والتابعين لهم بإحسان ،
واعتمدوا على رأيهم ،وعلى ما تأولوه بفهمهم اللغة ،
وهذه طريقة أهل البدع ،
ولهذا كان الإمام أحمد يقول :أكثر ما يخطئ الناس من جهة التأويل والقياس “(الإيمان ١١٤).
بقلم الشيخ أحمد السبيعي
الإثنين 2 ربيع الأول 1439
20 نوفمبر 2017