قصة آدم و إبليس - الدرس الحادي عشر


التصنيفات
الشيخ: 
القسم العلمي: 
القسم العلمي: 
يسر إذاعة النهج الواضح
أن تقدم لكم المادة الصوتية
للدرس الحادي عشر
( قصة آدم و إبليس )
للإمام محمد بن عبدالوهاب
الشيخ الفاضل
أحمد حسين السبيعي
حفظه الله تعالى
الثلاثاء 23 شعبان 1434هـ
الموافق 02/ 07/ 2013
  • الشيخ: الشيخ أحمد السبيعي
  • العنوان: قصة آدم و إبليس - الدرس الحادي عشر
  • الألبوم: قصة آدم و إبليس
  • التتبع: 11
  • المدة: 63:15 دقائق (‏14.48 م.بايت)
  • التنسيق: MP3 Mono 22kHz 32Kbps (CBR)
التفريغ

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وسلم، قال الإمام محمد بن عبد الوهاب- رحمه الله تعالى-:"ومنها وهي من أعظمها تأدب المؤمن من معارضة أمر الله ورسوله بالرأي، كما استدل بها السلف على هذا الأمر، ولا يتخلص من هذا إلا من سبقت له من الله الحسنى ومنها"

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وسلم، أمّا بعد،

 

فتقدم الكلام على ما بُنِيت عليه هذه المسألة في الأسبوع الماضي وهي مسألة الرأي، وقد لخصنا  مذاهب أهل العلم في هذه المسألة الهامة، وتبيَّن لنا ما في أقوال السلف الصالح-رحمهم الله تعالى- من ذمِّ الرأي ومن شدّتهم في هذا الأمر، ومن أن الرأيَّ هو مظِّنةٌ للوقوع في القول على الله بغير علم، كما أنه مَركبٌ هنيءٌ وفي الحقيقة أنه وبيء، مَركبٌ وبيء للقول على الله بغير علم.

 كما بيَّن علّة القول بالرأي الفاروق-رضي الله عنه وأرضاه- وهو أنّه: " أقوامٌ أعيتهم السّنن أن يحفظوها فقالوا برأيهم".

 فإنّ المصير إلى الرأي إنّما يكون قرين اتباع الهوى، أمّا من كان أمر دينه مبني على اتباع الوحي ويريد أن يتبع ما أنزل الله- تبارك وتعالى- على رسوله- صلى الله عليه وآله وسلم-؛ فإنّ هديه ودأَبه وحبه أن يبنيّ كلّ أمره على شيءٍ من الآثار كما قال الإمام أحمد: " رأي الأوزاع رأي، ورأي فلان رأي وإنّما الحجة في الآثار"؛ لأنّ الله-جلّ وعلا- قد أنزل علينا دينًا كاملًا، متضمنًا فيما بين الدُّفتين المصحف، وفيما بعث به النبي-صلى الله عليه وسلم- من كلامه- صلى الله عليه وسلم-، وكذلك في الآثار الكثيرة عن الصحابة والتابعين، وفضلًا عن هذا وذاك، فأيضًا أقوال أئمة العلم والهدى والنور والسنة، الذين قيضهم الله- تبارك وتعالى- لبيان معاني ما أنزل الله على رسوله- صلى الله عليه وسلم - .

 فما أصبح المؤمن سواءٌ كان عالمًا فمن دونه، إلَّا أن يسعى في أن ينظر ما قال السلف الأوّلون في أي مسألة تَعرض له، وإنّه سيجد من العلم النافع ما  يكفيه، ويشفيه، ويهديه، فلماذا إذًا يقول برأيه؟! لماذا يقول برأيه؟!

 لا يجوز له القول بالرأي إلا في المرتبة الرابعة أو الخامسة فيما ذكرنا في الدرس الماضي، وهو أن تنزِل نازلة وأن تكون هذه النازلة ليس لها نظيرٌ سابق، أو أنّ الرجل يكون في موضع قضاء، أو موضعٌ لا يستطيع أن يجد فيه مهلة من الوقت ليفتش ويبحث ويتدبر، فهنا إذا كان عنده الأهلية وكان من أهل العلم؛ فيجتهد رأيه ويقول في هذه المسألة، ولا يقول كل قائل!!!  ليس كل أحد له الحقّ في أن يسارع إلى الكلام فيما ينزِل.

 بل إنّ للسلف الصالح- رحمهم الله تعالى- هدْيٌّ بيِّن في هذا الأمر، فكانوا- رحمهم الله تعالى- إذا وقع الشيء كما نقرأ كثيرًا في هديِّ عمر- رضي الله عنه وأرضاه-؛ المسألة الواحدة قد تكون في الطهارة يجمع لها المهاجرين والأنصار، ويطرح عليهم المسألة، ثم يتشاورون فيها، ويستذكر كلٌ منهم ما يعلمه من هدي النبي- صلى الله عليه وسلم-، ثم يتدبرونها، ويقصدون إلى إصابة الحق والصواب، فيقولون بها، كلُ هذا تعظيم لأمرِ الله-جلّ وعلا-، وكل هذا تعظيم لدين الله -تبارك وتعالى- .

كما عبر عن هذا المعنى ولا بأس من ذكره مرةً أخرى؛ "إني لأستحي أن يُتَعبَّد لله في أرضه برأيه" كما يقول بعض أئمّةُ السنّة-رحمهم الله تعالى-، ومع علمهم وورعِهم وإيمانهم وكمال مقاصدهم وقربهم من عصر النبوة ومشاهدتهم للتّنزيل؛ فكان الرجل منهم إذا اضطّر اضطرارًا أن يقول برأيهِ ويكون من أكابر أصحاب النبيّ–صلى الله عليه وعلى آله وسلم-؛ تجده يقول: "أقول فيها برأيي فإن يكن صواباً فمن الله، وإن يكن خطأً فمنيّ ومن الشيطان والله ورسوله بريئان منه" !!!

أنظر إلى هذا الإتقاء وهذه الدقة!  فما كانو يقولون بالرأيّ إلا إضطرارًا، ليكن ما تبني عليه أمرك الأثر، وخذ من الرأي ما يُفسِّرُ لك الحديث.

 تصير إلى جهة اللغة؛ تفسر لفظة، تسير إلى جهة معرفة مذاهب الصحابة- هكذا، أمّا أن يُحرف الدّين والعلم ويُبنى على الرأي! ويُبنى على القول بالرأي! ويصار إلى الإستفتاء كل من انتسب إلى العلم من غير معرفة مذهبه؛ هل هو على السنّة أو ليس على السنّة! أو هو على علم أو ليس على علم! فإنّ بمثل هذا تُفسد الأديان ويَضعف الأيمان ويُضلّ الخلق!

 

فالمقصود أنّ آفة إبليس؛ لأنّ نحن ندرس قصة إبليس وقصة آدم-عليه الصلاة والسلام-، ومعصية أبونا آدم-عليه الصلاة والسلام- التي تاب الله-جلّ وعلا- عليه فيها واجتباه وما حصل من إبليس، فمعصية إبليس هي رأيٌ بسبب مرضه بالكبر، واستكباره عن أمر الله-جلّ وعلا-، قال برأيه فامتنع من أن يمتثِل أمر الله-جلّ وعلا-، فحقّ عليه ما حقّ من لعنة الله-عزّ وجل- العادلة في حقّهِ وحقّ أمثاله ممن يتكبّرون على الربّ-جلّ وعلا-.

فالمقصود ومنها وهي من أعظمها: تأدّبُ المؤمن ومعارضةِ أمر الله ورسوله بالرأي، كما استدل بها السلف على هذا الأمر، كأنّه يشير-رحمه الله تعالى- إلى قولهم وقد سبق:" أنّ أول من قاس إبليس وبالقياس عُبدت الكواكب، فأول من استعمل القياس هو إبليس ".

 والقياس استعمال الرأي، والسلف الصالح كما قلت ماكانوا يستعملونهُ إلاّ بقدر وبضروره، ومع هذا ما كانوا يلزِمون النّاس برأيهم، ولا كانوا ينهَون عنه عن مخالفتهِ، يعني لا يعاملون أراءهُم، ورأيُهم لنا خيرٌ من رأينا لأنفسنا، ما كانو يعاملونا أراءهُم مثل معاملةِ الوحي-رحمهم الله تعالى ورضي الله عنهم-.

-يقول: " ولا يتخلَّص من هذا إلاّ من سبقت له من الله-سبحانه وتعالى-الحسنى "، وهذه في الحقيقة عبارة قويّ جداً، إذا تأملتها هنا تجد أنّ معناها قوي من الإمام-رحمه الله تعالى-، يقول:

" لا يتخلَّص من هذا (أي من معارضة أمر الله ورسوله-صلى الله عليه وسلم-بالرأي) إلاّ من سبقت له من الله الحسنى "! هذا أمر حقيقة أجده عظيمًا، لماذا؟

-لأنّ أنت لما تقرأ العبارة الأولى تقول: أنّه سيذكر ولم يتخلَّص من هذا إلاّ من ربّى نفسه مثلًا على طاعة الله ورسوله-صلى الله عليه وسلم-، والإستسلام للأدلة والانقياد لها وأن يتلو مثلًا مثل قول الله-جلّ وعلا-:}إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّـهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا{ ]النور:51[، أو قول الله-جلّ وعلا-:}فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ{ ]النساء:65[ أو نحو ذلك من الآيات لكن هنا يقول: "ولا يتخلَّص من هذا إلاّ من سبقتْ له من الله الحسنى "

فجعل عصمة العبد وحِفظَهُ من أن يقول برأيهِ على الوجه غير مشروع هو هدايةٌ من الله! ووقايةٌ من الله!

فكما أنّ الله هو الذي يهدى العبد، فإنّ الله-عزّ وجل-هو الذي يحفظ العبد من أن يقول بالرأى. وهذا يدلّ على خطورة هذا الأمر، يدلّ على خطورة الرأىّ، وأنّ الإنسان من الممكن جدًا أن يقع فى القول بالرأي من حيث يكون مذمومًا وهو لا يشعر.

ولذلك كان كلام السلف الصالح-رحمهم الله تعالى-قليلًا كثيرُ البركة، وكلام الخلف كثير- قليل البركة، لماذا؟

لأنّ كلام السلف كان مبني على الوحي وعلى الاتباع وعلى الحقّ. إذنًا فصاحب السنّة هو أولى النّاس بأن يكون هذا الموضوع نُصْبَ عينيه.

وقوله-رحمه الله تعالى-:"ومنها عدم الاحتجاج بالقدر عند المعصية،لقوله}:"رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي{ ]الحجر:39[، بل يقول كقول أبيه:}رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا{ ]الأعراف:23[.

-وقد تقدم طرفٌ من هذا من جهة أنّ الواجب أمام المقادير هو أحد ثلاثة أشياء ولا بأس من تكرارها حتى ترسخ، فإنّ الإنسان مايقع منه ثلاثة أشياء:

1- إمّا نعمة من نعم الله-جلّ وعلا-عليه فيجب عليه أن يشكر الله-سبحانه وتعالى-عليها.

2- وإمّا ذنب ومعصية فيجب أن يبادر إلى التوبة والإستغفار، وهذا يقتضي أن يعترف بذنبه.

3- والأمر الثالث: أن تكون مصيبة من المصائب فعليهِ أن يرضى بقضاء الله-جل وعلا-وقدره، فإن لم يستطع الرضى التام الكامل فعليه أن ينتقل إلى أن يصبر على مقادير الله-جلّ وعلا-.

 

فهذا هو الواجب أمام ما يقضيهِ الله-جلّ وعلا-ويُقَدّره، وهذا الواجب واللازم متضمن فى الإيمان بالله-تبارك وتعالى-ربًا، لأنّ المسلم إذا قال:  "رضيتُ بالله ربًا"  فما معنى ذلك؟ أنّه رضي به ربًا وإلهًا، أى أنّه ما يقضيه الله-جلّ وعلا-ويقدره فإنّه يعلم: أنّه تابع لربوبية الله، وأنّه مبنيٌّ على حكمتهِ-سبحانه وتعالى-، وأنّه مبنيٌّ على عدله-سبحانه وتعالى-لأنّه الربّ-جل وعلا-.

-كذلك من الرضى بالله-عزّ وجل- ربًا: أن يرضى به إلهًا ومعبودًا، فالله-جل وعلا-يبتلي عباده بنعمهِ ويبتليهم بغير ذلك حتى يُمَحِّصَهم.

 فالمقصود أنّ إبليس نسبَ الإغواء إلى الربّ-جل وعلا-، وهذا من سوء أدبهِ مع الله-عزّ وجل-والذي امتنع أن يسجد امتثالًا لأمر الله-تبارك وتعالى-؛ لا يُسْتَغرب منه سوءُ الأدب هذا، بأن ينسب الإغواء الذي وقع عليه إلى الله-جلّ وعلا-؛ فينسب النقص إلى الله كأنّه قد ظلمه-تبارك وتعالى-! وتعالى عمّا يقول إبليس علوًا كبيرًا.

فالمقصود؛ يقول: "ومنها عدم الاحتجاج بالقدر عند المعصية"، لأنه جهلٌ وظلمٌ وخروجٌ عن مقتضى الإيمان بالله-تبارك وتعالى-ربًا، وكذلك فإنّه لا ينفع العبد! بل هو مضرٌ له لأنّه يزيده إثم، لكن الإعتراف بالذنب "أبوءُ بنِعمَتِكَ عليَّ وأبوءُ لك بذنبي فاغفر لي"  اعترافه بذنبه؛ هذا الذي ينفعه عند الله-جل وعلا-، هذا الذي يهيِّئُهُ لما وراءه من تملُّقه وسؤالهِ الله-جلّ وعلا-أن يغفر له، أمّا معارضة المعصية لا أنا كذا أنا كذا يعتذر عن نفسه! فما هي منفعته؟! ما هي مصلحته من هذا الاعتذار؟!

-في الحقيقة أنّها زيادة إثم؛ وزيادة سيّئة؛ ولا تنفعه شيئًا وهذا من الجهل! بل يقول كقول أبيه: }رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا{ ]الأعراف:23[، الإعتراف بالذنب والإنكسار بين يدي الربّ– تبارك وتعالى– وسؤال الله -جلّ وعلا- المغفرة، فهذا هو المسلك وهذا هو الطريق الذي فعله آدم-عليه الصلاة والسلام-، ويفعله كلّ أنبياء الله-تبارك وتعالى-.

 فينتبه العبد أنّه دائمًا أمام أي قدر من المقادير؛ لا يعطي للشيطان مهلة أن يتسلط عليه، بل يبادر إلى الله-عزّ وجل-ذاكرًا لله، لاجئًا إليه حتى يكون مُتقيًا لله-عزّ وجل- فيما يحصل ويطرأ عليه، أمّا أن يستسلم لهوى نفسه وأن يعطي فسحةً للشيطان؛ فإنّ هذا خطرٌ عليه.

-وقوله رحمه-الله تعالى-:" ومنها معرفة قدر المتكبِّر عند الله خصوصًا مع قوله، قال:}فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا{ ]الأعراف:[13

ومنها الفخر بالأصل وقد ورد عن النبي – صلى الله عليه وسلم – التشديد في ذلك والفخر منهيٌّ عنه مطلقًا ولو كان بحقّ فكيف إذا كان بباطل" .

هنا فائدتين منها :

-معرفة قدر المتكبِّر عند الله- عزّ وجل-وهذا باب واسع، فالكبر كما تقدم: أنّ الكِبر هذا المرض هو من الأمراض التي تسبب؛ أنّ الإنسان يعارض الحق كما قال الله- جلّ وعلا-:}سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ{ ] الأعراف:[146 وحسبك في هذا الجرم  أو في إثم الكِبر؛ حسبك أنّ النبيّ-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-قال: (( لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر )) كما في حديث ابن مسعود في مسلم.

فذرّة من كِبر تمنع من دخول الجنّة، فالكِبر هذا مرض أسبابه كثيرة؛ ولكن أعظم سبب من أسبابه: ضعف التوحيد، ضعف توحيد الله-تبارك وتعالى-، لأنّ من يعرف الله-جلّ وعلا-ويعرف أنّ الله-عزّ وجل- هو المتكبِّر، ويعرف أنّ الله-جلّ وعلا-يقول:((العظمة إزاري والكبرياءُ ردائي فمن نازعني شيء منه ما قصمتهُ ))،كيف يتأتّى له أن يتكبر؟! الكِبر لا يكون ممدحتًا وكمالًا إلاّ لمستحقه، لمن حاز صفات الكمال كلِّها.

أمّا الإنسان النّاقص فليس له أن يتكبر في الأرض، نعم له الله-جلّ وعلا-أعطاهُ شيئًا يحافظ فيه على كيانه وعلى نفسه، وعلى عدم إذلال نفسه لكن هذا الشيء هو العزّة، الله-جلّ وعلا- عوّض عباده المؤمنين شيئًا، لأن النّاس قد يتصور بعضهم لا يحسن التفريق بين العزّة وبين الكِبر، ويظنُّ أنّ بينهما تعارض، فإذا لم أتكبر فكأنّه يقول: أكون ذليلًا ! لا، الكبر سيقودك إلى أن تتكبَّر على الله!

 يقابل الكبر أن تكون ذليلًا لله عبدًا له، ولذلك النبيّ-صلى الله عليه وسلم-حين ذكر الكِبر قال :

(( الكِبر بَطَر الحقّ وغَمْطُ النّاس )) وفي بعض الألفاظ (( غَمْصُ النّاس )) كما في المسند.

 فكيف الكِبر بَطَرُ الحقّ ؟! لأنّه يحمل على عدم الذلِّ التام لله– عزّ وجل-، ينافي العبودية لله-عزّ وجل-، العبودية (طبعًا) التامَّة الكاملة لله- عزّ وجل-، لأنّ المتكبر يكون عاصيًا لله– جلّ وعلا- إلاّ إذا حمله كِبره على ما حمله، كِبر إبليس فهذا أمر آخر.

 لكن المقصود أنّ الكِبر لا يقع إلاّ في قلب لم يحقق التوحيد لله-تبارك وتعالى-، ولم يعظِّم الربّ-جلّ وعلا-حقّ التعظيم- سبحانه وتعالى-، والله-جلّ وعلا-أعاظ عباده المؤمنين بالعزة}وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ{ ]المنافقون:8[.

 فالعزّة؛ هذه مطلوبة لكن العزّة فسرها رسول الله-صلى الله عليه وسلم-قال: (( وعزته استغنائهُ عن النّاس ))، ففسرها النبيّ– صلى الله عليه وسلم-ببعض لوازمها- صلى الله عليه و على آله و سلم-، وهو أنهّا تقتضي أن يكون غير ذليلٍ ولا محتاجٍ ولا منكسرٍ للنّاس، فهذه عزّة المؤمن، وأعظم عزة المؤمن   فهذه عزّتهُ في الدنيا، وأعظم عزّته هي في الدّين كما كان بعض السلف يقول:"اللهم أعزّني بطاعتك ولا تُذلَّني بمعصيتك".

 إذًا فالكِبر لا يُحتاج إليه، لا يحقق شيئًا إنمّا هو سببهُ النقص!  النّاس يظنّون أنّ الكبر؛ المتكبرين يظنّون أنّ ذلك جزء من كمالهم ومن زيادة صفاتهم! في الحقيقة الكِبر ماذا ؟ صفةُ نقص، نقصهُ الذي يدفعه إلى الكِبر لأنّه لو كان مخلصًا لله عبدًا لله؛ لما تكبّر على عباد الله – تبارك وتعالى -، كيف يتكبّر على من هو مثله؟! لأنّ العباد كلّهم سواء، عباد الله-جلّ وعلا – كلّهم مخلوقين من تراب ومن طين، وكلّهم أبوهم آدم – عليه الصلاة والسلام – ،وحتى لو فرضنا أنّ بعضهم حباه الله –جل وعلا –من الصفات ما لم يعطي إخوانه؛ فإنّ ذلك ليس دافعًا للكِبر! إنّما هو دافع لما سبق ذكره من شكر الله-تبارك وتعالى -على هذه النّعمة وهذا الفضل.

 إذًا فالكِبر: هذا مرض في الحقيقة يحرص الشيطان تمام الحرص على أن يوقع الناس فيه، وينبغي على العبد أن يحرص تمام الحرص إذا كان يريد تقوى الله-سبحانه وتعالى-؛ أن يتخلّص من أي شيء من هذه الأمراض، كما سبق وذكرنا كلام أهل العلم من أنّ كثيرًا من الناس يتطهرُّ من كثير من القاذورات الحسِّية، وقد يقع في أضعاف أضعافها من أمراض القلوب وهو لا يشعر!!!

 فالمقصود أن الإبليس لما وقع منه هذا الكِبر مع الإعجاب برأيهِ، ثمّ عصى الله – جلّ وعلا-، ولم يكتفي بهذا بل استدلَّ على معصيتهِ مقابلًا أمر الله-جلّ وعلا -؛ استحق هذه اللعنة إلى يوم الدّين أن يُلعن في مقابل هذه الصفة، فكيف بمن يقع في قلبه شيء من هذه الصفات يكون مُعرَّضًا لسخط الله – عزّ وجل –! وهذا خطر! وهذا معنى قول الإمام-رحمه الله-:" معرفة قدر المتكبر عند الله"، خصوصًا مع قول الله– جلّ وعلا-:}فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ{ ] الأعراف: 13[.

عامله الله-جلّ وعلا- بنقيض قصدهِ فجعله صاغرًا وهو كان يريد ماذا ؟ العلو.

ثمّ قال–رحمه الله تعالى-: "ومنها(أي من فوائدِ هذهِ القصّة) الفَخْرُ بالأصل"، ومُرادُهُ إستدلالُ إبليس لأنّ إبليس لمّا قاس ماذا قال؟ قال:{ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ} [الأعراف:12]، فاستدلَّ بأنّ عُنْصُرَهُ أو المادة التي خُلِقَ منها خيرٌ وهذا إعتِدادٌ بأصلِهِ، ومن المعلوم أنّ هذا الإعتداد بالأصل محرمٌ في الشريعة حُرْمَةً أكيدة، وجاء عن النبيّ–صلى الله عليه وسلم-في ذلك من الأحاديث الشيء الكثير، حتى أنَّ النبيّ–صلى الله عليه وسلم- في كثيرٍ من الأحاديث يَصِفُ هذا المرَض وهذا الفَخْر وهذه العصبيّة الجاهليه؛ يصِفُها تارةً بأنّها من الجاهليّة، وتارةً يصِفُها بأنّها كُفُر!

 فَحَسْبُكَ بذنبٍ يوصَف بهذه الأوصاف من النبيّ–صلى الله عليه وسلم-، كما قال النبيّ–صلى الله عليه وسلم-مثلًا: ((أربعٌ من أمّتي من أمرِ الجاهلية لا يَتْرُكونَهُنّ: الفَخْرُ بالأحْساب والطَّعْنُ في الأنْساب والإسْتِسْقاء بالنُّجومِ والنّياحة))، فجعلها النبيّ–صلى الله عليه وسلم- إيش؟ من أمرِ الجاهلية، وهذا ذمٌّ لها، لأنّ الشيء إذا نُسِبَ إلى الجاهلية؛ كان ذلك ذمٌّ وتحريمٌ له كما قال الله–جلّ وعلا-:{وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰۖ وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ } [الأحزاب:33]، فإذا نُسِبَ الفِعْلُ إلى الجاهلية؛ كان ذلك ذمٌّ له وتحريمٌ له.

 وهذا يدلُّ على أنّه من فِعْلِ أهلِ الجاهليّة، وكلُّ ما كان قبلَ بِعْثَةِ النبيِّ –صلى الله عليه وسلم- جاهليّة، والنبي –صلى الله عليه وسلم- خالَفَ المشركين في كثيرٍ من أمرِهِم –صلى الله عليه وآله وسلم-، ولمّا عَيَّرَ بعضُ أصحابِهِ رجُلًا بأُمِّهِ وهو أبو ذر-رضي الله عنه وأرضاه-، قال له –صلى الله عليه وسلم-: ((إنَّكَ امْرُئٌ فيكَ جاهِلِيَّة))، وهذا يدلُّ على تَبَعُّضِ خِصالِ الشَّرّ والكُفُر؛ كما أنَّ الإيمانَ يَتَبَعَّضُ، هذا من أدِلَّة أهل السّنة على هذه المسألة.

 فالمقصود أنّ كل ما كان قبل بعثة النبيّ –صلى الله عليه وسلم- جاهليّة، وأنّ أمرَ الجاهليّة على سبيلِ العموم مذموم، وهذا يدلُّ على أنّ ثَمَّةَ حقّ وخير وهُدى يقابلُهُ باطل، هذا من الأدلّة على أنّ الحقَّ لا يَتَبَعَّض –أيضًا- وأنّه واحد، ولذلك الله –جلّ وعلا- حينَ أوْجَبَ الحُكْمَ بِكِتابِهِ وبما أنْزَل؛ خَتَمَ الآياتَ في ذلك الله –تباركَ وتعالى-بقولهِ:{ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ۚ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّـهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ } [المائدة:50]، فَتَبَيَّنَ ماذا؟

تبيَّنَ أنَّ الأمرَ: إمّا إتّباعٌ للحقّ الذي بُعِثَ بهِ النبي –صلى الله عليه وسلم- وإمّا الجاهليّة.

 ونحن نتكلَّم هنا ينبغي أنْ يُنْتَبَه؛ لأنّ هناك خَلْط، وهذا الخَلْط قد يكونُ مُتَعَمَّدًا؛ الخَلْط بينَ أمرِ الدِّينِ وأمرِ الدنيا، نحن بَحْثُنا في الدين، ليس بحثُنا في الدنيا؛ فالدنيا أمرٌ مُشْتَرَكٌ بين جِنْسِ الإنسان، يَنْتَفِعُ الناس بعضهمُ بِبعض؛ مثلَ ما نحنُ ننتَفِع بالتَّكْييف والكهرباء وما نستَوْرِد والميكرفون وغيره، هذا أمرٌ ما زالَ الناس ينتَفِعونَ بأمور الدنيا، أمور الدنيا ما فيها بحث هذه، حتى لو كانت ترتيب، ترتيب شيء مثلًا في البناء، هذه الأصل فيها ماذا؟ الإباحة، لكن نحن نتكلّم عن أمرِ الدين، أمرُ الدين يَشْمَلُ ماذا؟ يشْمَلُ الإعتقادات والأخبار، يشمل العبادات وما يُتَقرَّب بِهِ إلى الله –عزّ وجل-، يشمَلُ الأخلاق، يشمل السّلوك، يشمَل العلاقة بين النّاس، يشمَل ما تُرَقَّقُ بِهِ القلوب، يشمل ما تَزكو بِهِ النّفوس، يشمل الحِكمة ما يُسمّى بالحكمة.

 إذًا فكلّ ما بُعِثَ به النبيّ-صلى الله عليه وسلم كلّ ما كان مقصد رسالةُ الرسول-صلى الله عليه وسلم-فهذا من أمر الدّين، هذا يُؤخذُ من جهةِ ماذا؟ من جهةِ الوحيّ فقط.

 ولذلك لما دخل عمر-رضي الله عنه وأرضاه-ومعهُ صحفٌ من التوراةِ يَسْتَجِيدُها ويستحسِنُ ما فيها، غضب عليه النبيّ! التوراة نحن نؤمن بها! نحن نؤمن بالكتب كلّها لكن نؤمن بأنّها ماذا؟ هذه الكتب الموجودة أنّها لم تبقى على صفتها الأولى، فيدخل معه توراة يَسْتحسِنُ ما فيها، ما بالك ما الذي سَيَستحسِنُه عمر؟! سَيَستحسِنُ شيئًا لا بُدّ وأن يكون ماذا؟ حسنًا جميلًا، لأنّه عمر–رضي الله عنه وأرضاه-، فيَستَحسِنُها ويَسْتجِيدُ ما فيها فيقول له النبيّ–صلى الله عليه وسلم-: ((أَمُتَهَوِّكُونَ أَنْتُمْ كَمَا تَهَوَّكَتْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى! فوَاَللَّهِ لَوْ أنّ أخي مُوسَى حَيًّا ما وَسِعَهُ إلَّا اتِّبَاعِي))

لما أصبح قومٌ من المسلمين يسألون بعض أهل الكتاب فأنكر عليهم عبدالله بن عباس–رضي الله عنهما- أشد الإنكار قال:((ما أراهم يسألونكم عما أُنزل عليكم كما تسألونهم))!! كما في البخاري.

ولذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله تعالى-: ما معناه " كل من اعتاد أن يأخذ الحكمة من جهة يونان والإغريق وغيرهم من هذه الأمم فإنه يُحْرَمها من جهة النبيّ–صلى الله عليه وسلم-"، ويقول –رحمه الله تعالى- ما معناه: " وكل ما يُقْدَر وجوده بين يدي الأمم مما فيه فائدةٌ أو منفعة فإنّك تجده من جهة النبيّ–صلى الله عليه وسلم- بأوضح عبارة وأقرب طريق".

 إذًا فالمصلحة الدينية يدخل فيها كل ما كان من مقصد بعثة رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم-، الفضائل والشمائل ، الأخلاق، ترقيق القلوب، تزكية النفوس، العلاقة بين الناس، آداب الحديث كل هذه من مقصد بعثة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- لا يحلُ لمسلم أن يأخذها من غير طريق النبي –صلى الله عليه وسلم- لماذا؟ لأنّه حتى لو فُرِض أنّ عندهم شيء حسن في هذه الأبواب؛ فنحن قد أغنانا الله –تبارك وتعالى-، نحن قد كفانا الله –عزّ وجل-، نحن بُعِث فينا محمد –صلى الله عليه وسلم- نحن بين أيدينا كلام النبي –صلى الله عليه وسلم- وكلام الصحابة، فما بال المسلمين اليوم (يا ليت) لو عُموم المسلمين! بل أهل اللحى الذين يزعمون تارة يأتون بِمَضلَّات، تارةً لإصلاح البيوت، وتارةً تحت ستارات قد يكون في بعض مباحثها فائدة للمسلمين كالتنمية أو الإدارة أو ما أشبه ذلك، لكن يأتيك هؤلاء ويُدخلون على المسلمين ما عليه الكفار، ويجعلون المسلمين يُهرولون خلف الكفار في طُرقهم وفي أمورهم ويُحبّبون الكفار وهديهم وسلوكهم إلى المسلمين، ويزعمون أنّ هذا جزءًا من إصلاحهم!

 أيُّ إصلاحٍ هذا؟!  أفسدوا بيوت المسلمين، أزالوا الحياء عن نساء المسلمين ورجالهم، علموهم الألفاظ التي ما تنبغي من ألفاظ التهتُّك وألفاظ كذا وكذا وكذا، إنّ الشر الذي يأتي (هذا بحث يعني أنا استطردت إليه حقيقةً ولكنه مهم فألخصه ولعلّنا نتذاكر فيه –إن شاء الله تعالى- مرة أخرى، ولكن أُلخص حتى لا نستطرد كثيرًا، فأُلخص الموضوع)، من أنّ الخطر من جهة الغرب والكفار؛ لن يأتيك على دين المسلمين لن يأتيك من جهة الكفار!  أبدًا.

 الرسول –صلى الله عليه وسلم- دعا بثلاث دعوات –صلى الله عليه وسلم-، فأجابه الله –تبارك وتعالى – في اثنتين ومنعه واحدة، قال –صلى الله عليه وسلم-: ((دعوتُ رَبِّي ثَلَاثًا فَأَعْطَانِي اثْنَتَيْنِ وَمَنَعَنِي وَاحِدَةً، دعوتهُ أَنْ لَا يُهْلِكَ أُمَّتِي بِسَنَةٍ بعامّة (يعني بعذاب يستأصل شأفتهم كالجنس ما حصل للأمم السابقة-قال:) فَأَعْطَانِيهَا وَسَأَلْتُهُ أَنْ لَا يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوى أنفُسِهم فيستَبيحُ بيضتهُم، حتى يكون بعضهم يقتُل بعضا ويسبي بعضا، قال-صلى الله عليه وسلم- فَأَعْطَانِيهَا)).

 إذًا الكفار لن يُسلّطوا على المسلمين بالمعنى الذي يُروّجهُ هؤلاء الذين ينقلون أمراض الكفار للمسلمين! حتى ينقلوا المعركة بدل أن تكون بين السنّة والبدعة أن تكون بين المسلمين وماذا ؟ والكفار، وهذا باب واسع، لكن المقصود أنّ النبيّ-صلى الله عليه وسلم- حتى حين ذكر الشّر الذي من الممكن أن يحيقه الكفار بالمسلمين لما قال-صلى الله عليه وسلم-: ((ستتداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكَلة على قَصعتِها قالوا: أوَمِن قلّةٌ نحن يا رسول الله؟ قال: " أنتم يومئذ كثير، ولكنّكم غثاء كغثاء السيل ويظهر فيكم السِمَن والوهن، قيل: وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت))، يفسّر هذا الحديث الذي ما زال الإمام الألباني-رحمه الله-يلهج به ويستدلّ به؛ وهو قوله-صلى الله عليه وسلم-: ((إذا تبايعتم بالعِينة واتبعتم أذناب البقر سلّط الله عليكم ذُلًّا لا يرفعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم)) أو كما قال-صلى الله عليه وسلم-.

فالمقصود أنّ الكفار كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله-: " لا يفسدون الدين إلا بالتَبع، وإنمّا يفسدون الأموال والدماء والأعراض "، أمور الدنيا، لكن الدّين اللي في القلوب ما يفسدونه، أمّا البدع فتفسد الدّين الذي في القلوب ابتداءً عياذًا بالله.

فالمقصود أن النبي -صلى الله عليه وسلم- حذرنا فقال : ((لتتّبِعُنّ سَنن من كان قبلكم حَذْوَ القُذَّةِ بالقُذّة وذراعًا بذراع وشبرًا بشبر حتى لو دخلوا جُحْرَ ضبٍّ لدخلتموه، قالوا اليهود والنصارى؟ قال: فَمَنِ القوم)).

إذا فمن الذي سيتبع هَدْيُ الكفار ويدخله على المسلمين؟!  هم من أبنائنا كما قال النبيّ-صلى الله عليه وسلم-في الحديث الآخر حديث حذيفة:(( هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا ))، هذه حقيقة جاءت على لسان النبيّ-صلى الله عليه وسلم-.

فالمقصود أنّ شرّ الكفار وأساليبهم في أمور التي استغنى عنها المسلمين بِبِعثة النبيّ-صلى الله عليه وسلم- لا يجوز أن تُؤخذ إلاّ من جهة النبيّ-صلى الله عليه وسلم-، أمّا مصالح الدّنيا فالحمد لله، هذه ما زال النّاس ما تحتاج بحث أصلًا، هندسة-طب-إدارة-نفط إلى آخره، وإن كان في استعمال بعض أمور الدنيا في مصالح الدّين شئ معين يستعمل في مصلحة دينية، فهذا قد يدخل فيما يسمى عند أهل العلم بماذا؟  بالمصلحة المرسلة، فهذا باب مثل ما أخذ النبيّ-صلى الله عليه وسلم-حفر الخندق، مثل ما جمع أصحاب النبيّ-صلى الله عليه وسلم- القرآن وما أشبه ذلك.

إذًا فينبغي هذه المسألة أن ينتبه لها المسلم تماما، فالمقصود أنّ النبيّ-صلى الله عليه وسلم- في ذكر الجاهلية: أنّ الجاهلية هي كل ما يقابل بعثة النبيّ-صلى الله عليه وسلم-، حتى لو فرضنا أنّه شئ قد يكون من جهة العقول؛ حسن، أو يكون تدبير مضى على الأمم في بنائهِ، أو في ترسيخه مئات السنين وأُلوف العقول لو فرضنا، لأنَّ كلّ أُمة عندها سياسات، عندها نُظم، عندها أفكار ليس بالضرورة أن تكون هذه الأسباب غير مؤدّية لأغراضها، قد تكون أسباب نافعة لهم هم، قد تكون أشياء جيدة له هم، ما عندهم نبوة! ما عندهم هدي النبيَّ-صلى الله عليه وسلم-، ما عندهم كتاب الله!

 لكن أنَّ المسلمين يتركون كتاب الله وسُنَّة الرسول-صلى الله عليه وسلم- ويُقبلون على ما عليه الكفار!!!  فهذا أمرٌ خلافُ هدي السلف الصالح –رحمه الله تعالى-، وهو من أبواب الشّر على دين المسلمين، والتي حذَّر منها النبيَّ-صلى الله عليه وسلم-كما قال:((لتتبعن سَنن من كان قبلكم)).

 

والمقصود أنَّ من الجاهلية: الفخر في الأحساب والطَّعن في الأنساب، وهو أنَّ الإنسانَ يعتبر عُنصرهُ سَبيل لأن يَترفَّع على خَلقِ الله أو يَنتقِصَهُم!  فهذا أمرٌ مُحرم سمَّاه النبيَّ-صلى الله عليه وسلم-في بعض الأحاديث كُفر! والنبيَّ-صلى الله عليه وسلم-في أحاديث أخرى نهى عن العُبِّية الجاهلية وفخرها بأحسابها وقال: (( إنمّا الناس مؤمنٌ تقي أو فاجرٌ شقي، والنَّاسُ لآدم وآدم خُلق من تُراب ))، ويقول-صلى الله عليه وآله وسلم- كما في مسلم: ((من بطَّأ به عمله لم يُسرع به نسبه)).

 وقال الله –جلَّ وعلا-:}وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ{ [المؤمنون:101]

ويقول الله –جلَّ وعلا- أيضاً:}وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَىٰ إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا{ ]سبإ:37[.

إذنًا فهذا بابٌ واضح، وإبليس هنا وقع  في هذا الأمر من الإعتداد بأصلهِ، ومن الإعتداد بعنصره وجعل عُنصره أفضل من عُنصر آدم! واستنبط أنّه لا ينبغي له أن يسجد لآدم وهو أعلى منه قدراً !

وطبعاً من فائدة هذه الباب أنَّ هذا لا يعني أنَّ الله -جلَّ وعلا-لا يُفضِّلُ بعض الأنساب على بعض! فاللهُ-جلَّ وعلا- قد فضَّل نسب العرب على غيرهم لأنّ فيهم محمد-صلى الله عليه وسلم-، لابد أن نعتقد ذلك، لأنَّ أنت لما تعتقد أنَّ نسب العرب خيراً من غيرهم فهذا من كمال الإيمان، وفيه فائدةٌ للدين إذا دُخل إليه من بابه الصحيح وفُقِه فقهاً صحيحاً، ولذلك مازال الأئمة يَنُصُّون على هذا الأمر كما قال معاوية –رضي الله عنه-: ((العربُ مادةُ الإسلام)).

وكما قال الإمامُ أحمد : "إياك وقول الشُعُوبيّة وأراضي للموالي الذين ينتقصون العرب فإنَّ هذا بدعة" أو كما قال–رحمه الله-.

لأنّ العرب هؤلاء هم الذين نزل فيهم الوحي على نبيّنا-صلى الله عليه وسلم-، لكن هذا الفضل في النسب فيهم وإن وجب اعتقاده؛ لا يعني أن يُخالَف حكم الله –جلَّ وعلا-، نعم قد يترتبُ عليه خلافٌ عند أهل العلم في مسألة ما يُعرف بالكفاءة بالنسب، فهذه مسألة من الأحكام، تُبحث من جهة الأدّلة الشرعية، واضح؟  أيضاً هذا الباب ينبغي أن يُتفقه فيه جيداً، والمقصود أنَّ من الأمور:

-الفخر بالأصل وأنّه فعلُ إبليس، فكلّ من اعتدَّ بأصلهِ وفَخَر بجنسهِ وترفَّع على عباد الله؛ قدوته في ذلك إبليس.

يقول: "وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم التشديد في ذلك والفخر منهيٌّ عنه مُطلقاً ولو كان بحق فكيف إذا كان بباطل!" .

طبعاً هنا يُشير-رحمه الله تعالى- إلى إبطال قياس إبليس، هذه العبارة التي ختم فيها –رحمه الله تعالى- قال: "إذا كان الفخر بالنسب حتى لو كان بحق محرَّم، فكيف إذا كان هذا الفخرُ بباطل"، يقصد بذلك –رحمه الله-أنّهُ يُفنِّد ليرد قياس إبليس، لماذا؟  لأنّ أهل العلم قالوا قياس إبليس فاسد وباطل، فمن أسباب فساد قول إبليس وقياسه؛ هذه واحدة ذكرها الإمام-رحمه الله-، وهو أنّ إبليس ماذا قاس؟

قاس النّار؛ جعله أفضل من الطين وهذا لا يُسلّم، قال أهل العلم: إنّ في الطين من الاستقرارِ والتماسكِ والثباتِ ما ليس في النّار من الحدةِ والطيش! فهذا الذي قاس عليه أصلًا غير مُسَلّم! وهذا يدلُّك على أنّ الشّيء إذا قيل بالرأي يكون عُرضةً للخطأ دائمًا وعُرضه للنقص، ليس فيه عصمة.

 كذلك ذكروا مِن تَخْطِئة قياس إبليس أيضًا: ما تقدم ذكره فَخْره بعنصره وأصلهِ على سُنّة الجاهلية، وهذا من المعلوم أنّ الفضل الخاص أو الفضل المُعَيّن لو ثَبَتَ؛ لا يقتضي التفضيل المُطلق، وهذا يدلُّ على خطأ إبليس في قياسهِ.

 كذلك فإن آدم عليه- الصلاة والسلام-نفخ الله -جلّ وعلا-فيه من روحه، فهذه الصفة الشريفة التي فُضّل بها آدم ليس لإبليس مثلها، فآدم أفضل من هذه الناحية.

 كذلك فإنّ آدم عليه-الصلاة والسلام-خلقهُ الله-جلّ وعلا-بيديه، وهذه ليس لإبليس مثلها. والخامسةُ أنّه لو فُرِض أنّ إبليس أفضل من آدم، أو أنّ أفضل ومفضول، فما المانع من أنّ المفضول يقوم بالشكر أو يقوم بشيء لمن هو أفضل منه؟!  فهذا ليس بمرذول لا في العقول ولا في الشرائع بل هو مُمتدح، فكيف إذا كان إمتثالًا لأمر الله- تبارك وتعالى-؟!

 فأتضح إذًا أنّ قياسَ إبليس هذا عند علماء أهل السنّة فَنّدُوه بالحُجّة والبرهان، وبَيّنوا أنّه قياسٌ فاسد، فانظر إلى قيمةِ أهل العلم وعمق علومهم وفهومهم-رحمهم الله تعالى-أنّ القياس الذي قاسهُ إبليس؛ فَنّدوه بالأدلةِ القاطعة وبَيّنوا نقصهُ وبَيّنوا مخالفته، وهذا يدلُّك على فضلِ أهل العلم وعلى وجوب الإنتفاع بهم والرجوع إليهم-رحمهم الله تعالى-.

 ونكتفي بهذا القدر والله أعلم وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وسلم .

-السؤال الأول:

-يقول: إذا كان الإمام شافعيّ، والشافعيّة يَرونَ أنَ سجود السهو سنّه ولم يسجد للسهو؛ فهل يلزمني أن أسجد أم أتبعه؟ وأنا أرى أنّ سجود السهو واجب؟

-الجواب:

-لا، ((إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ)) يقول النبيّ- صلى الله عليه وسلم-:((إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ))، فأنت تتبع إمامك فيما يفعله إذا لم يُتَمكّن أن يُصلى إلا خلف مثله، والواجب على المسلمين أن يسعوا دائمًا في أن يُتقدم في الإمامة من يكون على سنّه، ما يكون من أهل البدع .

-السؤال الثاني:

-يقول: هل كل من دافع عن الشيخ محمد أمان الجامي يكون على السنّه؟ وهل من يدافع عن منهج الشيخ محمد أمان-رحمه الله- يلزم منه الدفاع عن منهج الشيخ ربيع والشيخ عبيد الجابري ؟

-الجواب:

-ما أدري ما الذي بَعث السائل على هذا السؤال حقيقةً!  ما أدري ما هو في خَلَدهِ أو مخيلتهِ أو عقلهِ! من التصور أو الفهم إليّ دفع لمثل هذا السؤال؟!  ولكن أقول: ما سبق وذَكَرتَه من قبل تلخيصًا للفائدة: أنّ الأئمة الثلاثة-رحمهم الله تعالى-ابن باز والألباني وابن عثيمين؛ ثمار دعوتهم الصحيحة عمليًّا إنّما قامت على أكتاف هؤلاء المذكورين جميعًا من أهل السنّة، وأنّه بفضل الله-جلّ وعلا-صار لأهل السنّة مجالسهم المختصة وأعمالهم المختصة، مما لم يكن له نظير خلال العقود التي كانت للجماعات الإسلامية السياسية تأكل الأخضر واليابس من عقول الشباب والدعوات، ففضل الله- جل وعلا- ثمار الدعوة الصحيحة لهؤلاء الأئمة قامت على أكتاف هؤلاء المذكورين.

-وأمّا ما أشار إليه السائل من جهة الشيخ ربيع وكذا و؛ فنقول: طبعًا هناك طوائف معينة يحبون ذِكر الشيخ محمد أمان؛ ولا يحبون ذكر قضية الشيخ ربيع، فهؤلاء في حيص بيص كما يقال، هم كالشاة العائرة بين الغنمين، هؤلاء من اصطلحنا على تسميتهم بماذا؟ ببطانة الجماعات، فهؤلاء لن يمهلهم الزمان ولا الفتن-نسأل الله العافية والسلامة-حتى يتّضح أمرهم لكل أحد، فالآن الصبر والدعاء وتبيِين السنّة، ويحصل به إن شاء الله المقصود.

-السؤال الثالث:

-يقول: أفتى بعض العلماء بعدم جواز العمل السياسي، أو الانشغال به مطلقًا للسنّي صاحب السنّة، فكيف نوفق بين هذه الفتوى وبين موقف الصحابة الذين كانوا أصحاب السنّة؛ ومع ذلك كانوا يجاهدون ويتعاملون بالسياسة مع الأعداء؛ بوضع خطط القتال والمكر بالكفار وخديعتهم؟

-الجواب:

-هذا السؤال حتى يُجاوب جوابًا  كاملًا أو شافيًّا؛ يحتاج الكلام على أكثر من مسألة حقيقةً، والذي يظهر أنّ السائل؛ ما أدري شنو المواد إلّي هو فاهمها ومتعرِّض لها؟! أهل السنّة يفرقون بين عمل الدُول وبين عمل سائر المسلمين، بين عمل الأمراء وبين عمل غيرهم. أهل البدع لا، يجعلون كل ما خُوطِبَ به الأمراء هو خِطاب لكل مسلم! هذا فارق بين أهل السنّة وبين أهل البدعة، فأهل السنّة عندهم الدُول؛ هذه الموجودة دول إسلامية، والأمراء الموجودين هم مسلمين تنطبق عليهم أحاديث الرسول- صلى الله عليه وسلم-، ولهم السمع والطاعة ولا يجوز الخروج عليهم، والأمور المتعلقة شرعًا بهم مثل:

 الجهاد وإعلانه، مثل الأشياء التي هي ترجع إلى الأحكام السُّلطانية فمرجعها إلى هؤلاء الدُول، ونحن مَنْهِيّين على لسان النبيّ- صلى الله عليه وسلم-أن نُنازع الأمر أهله.

 فأهل السنّة لا يتدخلون بعمل الدُول، أما أهل البدعة فعندهم أنّ كلّ خطاب لإمام أو أمير هو خطابٌ لكل مسلم، وأنّه يجب أنّ كل مسلم يقوم بدور الدول!

 وهذا خلاف ما دلَّت عليه الأدلّة، وخلاف عمل السلف الصالح كما قال الشيخ محمد بن عثيمين- رحمه الله-:" إشغال النّاس وكلامهم في السياسة؛ خلاف ما كان عليه الصحابة وخلاف منهاج السلف الصالح ".

 فالمقصود أنّ هذه المسألة مثل ما يقولون طويلة الذيول في البحث! لها متعلقات لكن أهم شيء، أهم شيء ما ذَكر من الصحابة؛ الصحابة كانوا تحت إمرة النبيّ- صلى الله عليه وسلم-، أمّا اليوم هؤلاء الذين يخرجون عن الأمراء ويبتدئِون الأمور من تلقاء أنفسهم؛ فمثل هؤلاء خارجين عن طاعة السّلطان.

 وكون السّلطان لا يُعلن بالنّكير عليهم ولا يتتبع أفرادهُم بضعفه، أو لوجود قانون يمنع من مثل ذلك لا يستدلون بذلك على إقراره!  كما يصنع بعضهم اليوم لما يحاصر من جهة الأدلّة الشّرعية يقول:

 أنا أذهب وأفعل كذا ولم يأتني شُرَط!  ولم يأتني أحد!  فيستدلُّ بتركهِ على مشروعية فعله وإقرار السلطان-لا، هذا غير صحيح هذا الإستدلال.

 إقرار السّلطان يكون صراحةً منه بأمر ملموس، وحقه لا يجوز منازعته حتى لو أنّه لم ينكر عليك إذا نازعته!

 فالمقصود أنّ هذه المسألة في الحقيقة لعل نرجع إليها أيضًا مرة أخرى بشرح أكثر إن شاء الله.

-السؤال الرابع:

-طبعًا في السؤال عن البُغاة والخوارج وكذا، فالمهم في هذا الموضوع أنّ يبنى على أحاديث النبيّ–صلى الله عليه وسلم-، والرسول –صلى الله عليه وسلم-بيّن (( أن من خَرج على أمّتي يضرب برَّها وفاجِرها ولا يتَّقي من مُؤمِنِها فأقتلوه كائنًا من كان )).

 فأيّ نوع من الوقوف في وجه السلطان هو خروج، أمّا حكم هذا الخارجي بنفسهِ؛ فهذا قد يختلف لكن المهم أنّه لا ينبغي أن يُلتفت إلى هذه الشبهة التي تثار اليوم، أنّ هؤلاء يعني يقولون مثلًا:

 أنّه لا يصحّ أن تُطلق عليهم خوارج!  فالأئِمة –رحمهم الله- كلُّهم حتى الشيخ الفوزان وغيرهم يطلقون على من يخرج اليوم ولا يرى الطّاعة خارجي بإطلاق، لكن إطلاق؛ الإطلاق لا يعني التعين أولًا.

 وثانيًا هؤلاء يقولون: إنّ الخوراج لا يصحّ أن تُطلق على هؤلاء اليوم أنّهم خوارج لماذا؟!

 يقولون: لأنهّم لا يكفِّرون بالكبيرة، فنقول: مسألة وصف الخارجي بالخروج لأنّه يكفر بالكبيرة هاي مسألة إصطلاحية، لم يشترطها الرسول–صلى الله عليه وسلم-.

 النبيّ-صلى الله عليه وسلم-أحاديثه فيها: أنّ من نازع الإمام وجب الوقوف له بالمرصاد، ووجب قتاله! هذه أحاديث الرسول-صلى الله عليه وسلم-! فلا تُشغِل بالك أيّه السائل كثيرًا في التدقيق العلمي أو الإصطلاحي بين أنواع ماذا؟

 البغاة والخوارج وإلى آخره، فإنّ هذا سيفتح لك بابًا من شُبهِ القوم قد تشكِّكك أو تضعف إيمانك في هذه القضية، أنت عليك بأحاديث الرسول-صلى الله عليه وسلم-، أحاديث الرسول –صلى الله عليه وسلم- واضحة! من خرج؛ حكمه كذا.

 فهذا هو الذي ينبغي أن تُبنى عليه هذه المسألة، أي إنسان يعصي السلطان ويخرج عليه ويحرض النّاس عليه؛ يعامل معاملة الخوارج، أمّا حُكمه في عَينِه فهذا عند القضاء.

-السؤال الخامس:

-يقول: هناك من يقول بأنّ الشيخ الألباني –رحمه الله – الذي قال: "إنّ من السياسة ترك السياسة" كان يطَّلع على الأخبار والراديو! فكأنّه يقول: بأنّهُ لا بأس أن يكون المرء على شيء من ما أدري إيش يعني الإطلاع بالسياسة؟

 -الجواب:

-في فرق بين الإنسان الذي يتفرج على الشيء؛ والإنسان من طبعه حُبّ المعرفة، ومن طبعه كما قال الشيخ ربيع: " بضاعة "، يُحب أنّه ينظر ماذا يرد عليه أو الأمور، فهذا أمر من طبيعة الإنسان، أنت ما تستطيع أنّك تمنع الإنسان من إنّه يتابع شيء أو كذا!

 لكن هذا ليس له شأنٌ في حكم الدين، كون الإنسان مثلًا الآن يخرج ويرى حادث، فيُحب مثلًا كما بعض النّاس-هداهم الله جلّ وعلا- أن ينظر! فهنا قد لا يكون حرام عليه، هذا أمر من الفُرجة، يعني الفُرج والأمور هذه ما فيها إشكال.

 لكن البدعة هنا في أن يتديَّن بمتابعة أحوال السياسة كما تقول الجماعات، البدعة هو أن يجعل التفاعل مع أحداث السياسة أمر لابد منه في دين المسلم لا يتمُّ إيمانه إلاّ به!

 فهذه هي البدعة، هذه هي البدعة، فكون الألباني-رحمه الله-يسمع الراديو طبيعي سوف يسمع في بعض الأحيان، ماذا تريد سيتابع الألباني حتى يخرج من إنشغاله بالعلم وغير ذلك إذا أراد الإسترواح؟!

بعض أهل العلم يقرأ مثلًا في التاريخ، بعض أهل العلم يقرأ في الأدب، بعض أهل العلم يُجِمُّ نفسه بكذا وكذا.

 هذه أمور ما ينَبني عليها أحكام شرعية، فجعلْ هذا مُعارض فهذا يدلّ على أنّه ينبغي أن يُفهم أين البدعة في عمل الجماعات!

 البدعة: هو في منازعة عمل السّلطان المختصّ به، ومنازعة عمل الدُول، البدعة في جعل هذا الأمر مشروع وواجب وأنّه لابدّ منه، البدعة في أنّهم يُؤثمِّون من لا يتابع أحوال المسلمين، البدعة أنّ قضايا المسلمين والإسلام تُصبح تُؤخذ من ماذا؟

 من الأحداث ومن الواقع! ما تُؤخذ من كتاب الله ومن سنّة النبيّ–صلى الله عليه وسلم-!

 هذه هي بدع الجماعات، تارةً تحت مسمى فقه الواقع وتارةً تحت مسميات آخرى، هذه بدعتهم، لأنّهم ما يعترفون بهذه الدول، عندهم هذه الدول أصلًا غير مشروعة، هذا الأصل في إعتقاد الجماعات!

 حتى منهم اليوم من صار نوعًا ما بفضل الله-جلّ وعلا-وجهود وجهاد أهل السنّة؛ صار يقول ببعض أقوال أهل السنّة في مسألة الطاعة وغيرها، فحتى هؤلاء أيضًا في قولهم من الدَخَن والخَلل ما فيه لأنّهم يُقيِّدون السمع والطاعة بالدستور والقوانين.

 وهذا يدلُّ على أنّه لم تنشرح صدورهم تمامًا ولم تؤمن تمامًا بالإعتقاد! المؤمن يأخذ إعتقاده من فِيِّي رسول الله-صلى الله عليه وسلم-مباشرة من غير واسطة ويَعتقد ويتدَيّن به .

كل ما يأتي بعد ذلك هذا لا إلتفات إليه، أمّا هؤلاء يقولون بالسمع والطاعة ثمّ يلجأون في تنظيم العلاقة بين الحاكم والمحكوم إلى ماذا؟ إلى الدستور!!! فأين الإيمان بالسمع والطاعة؟ هذا تناقض!

 هذا تناقض فنسأل الله-تبارك وتعالى-أن يوفقهم للتوبة النصوح.