إنّ الحمد لله، نحمدُه ونسْتعينُه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضل له، ومن يُضْلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمدًا عبده ورسوله، أمّا بعد.
فمرحبا بإخواني في هذا اللقاء، الذي نتذاكر فيه سويًّا، في بعض مسائل الصيام، وما ينبغي أن يكون عليه المسلم في هذا الوقت من العبادة، ومن استغلاله للفضل، الذي جعله الله –عزّ وجل- في هذا الشهر المبارك، فسأستهل إن شاء الله كلمتي بنصيحة، وذكرى لنفسي، ثم لإخواني، ثمّ بعد ذلك إن وُجِد شيءٌ من الأسئلة، بحيث نُجيب على ما تيسر منها، من باب الفائدة، فيَعْقُبُ ذلك تلك الكلمة.
فأقول أنعم الله -عزّ وجل- على هذه الأمة بنعمٍ عظيمة، ومن تلك النعم التي لا تعدّ، ولا تُحصى، ما أنعم الله -عزّ وجل- على المسلمين بنعمة الصيام، وبنعمة القيام، وقد جمع النبي -عليه الصلاة والسلام- بينهما في حديث واحد، الصيام والقيام، كما عند البخاري في صحيحهِ -رحمه الله-، أنّ النبي -عليه الصلاة والسلام - قال: ((من قام رمضان إيمانا واحتسابا، غُفر له ما تقدّم من ذنبه))،فقد جمع هذا الحديث بين هاتين العبادتين، العظيمتين، عبادة القيام، وعبادة الصيام، من قام رمضان، من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدّم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غُفر له ما تقدّم من ذنبه، أخرجاه في الصحيحين، وهذا يُبيّن لك عظيم فضل الله–عزّ وجل-، بأن الله -سبحانه وتعالى- شرع للمسلمين الصيام، وشرع لهم القيام، وبشّر النبي -صلى الله عليه وسلم- من قام بهاذين الواجبين، أو بواجب الصيام، وبنافلة القيام، بأنّ من قام بهاتين الشعيرتين، بأنّه يخرج من رمضان، وقد تطّهر من ذنوبه كُلّها.
وأنت إذا تأملت ما وَرَدَ في تطهير المسلم في الصيام والقيام، تجد مثلهُ في الحجّ، كما قال –صلى الله عليه وسلم- فيما رواه الإمام البخاري في صحيحه: ((من حجّ فلم يرفُث، ولم يفسُق، رجع كيوم ولدته أمّه))، وهنا تناسب عظيم بين هاتين العبادتين في الأدب فيهما، والفضل المترتب عليهما، فإذا تأملت فضل الحج، وجدت أنّ من شرط المغفرة التي رتبها الشّارِع على أداء الفريضة، ((من حجّ فلم يرفُث، ولم يفسُق))، فإذا حجَّ المسلم ولم يرفُث ولم يفسُق استحق بفضل الله -عزّ وجل- أن يرجع من حجِّه طاهراً قد طهَّره الله -عزّ وجل- من كُلِّ ذنب، رجع كيوم ولدته أمُّه.
فإذا تأملت ما ورد في الصيام، وجدت في الشرط فيه ما وجدت في الحجَّ، كما جاء عند البُخاري: ((إذا كان صومُ يوم أحدكم، فلا يرفُث ولا يفسُق، فإن سابه أحدٌ أو قاتله، فليقل إني صائم ))، وفي رواية ((إني امرؤٌ صائم ))، فتجد في هاتين العبادتين، تلاقياً وتناسُباً في مغفرة الذنوب مع الأدب الشرعي في ترك ما يتنافى مع هاتين العبادتين العظيمتين، من ترك الفسق، ومن ترك الرَّفث، ومن ترك ما لا ينبغي للحاج والصائم، فعُلِم من هذا أن من مقصود تشريع الله -عزّ وجل- لهاتين العبادتين أن تَحْسُن أخلاق المسلمين، وأن تزداد حُسناً، وأن يتحصلوا الأدب في تعاملهم، بأن يؤدّوا ما استطاعوا من حقِّ ربهم، وأن يؤدّوا حقوق الناس فلا يظلمون أحداً بمنع حق، ولا يعتدون، ولا يظلمون أنفسهم بترك ما أوجب الله -عزّ وجل- عليهم.
فمقصود الصيام: هو طهارةُ الأبدان، طهارة الأبدان من المعاصي، ومن الفسق، والأذى، ولذلك بيَّن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- فيما يتعلق بطهارة الصائم، وأنَّ الصوم يحمله على الاجتهاد والجُهد في طاعة ربه -عزّ وجل-، وكما روى الإمام البخاري في صحيحه أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال:((يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وِجاء))، فالصومُ وجاءٌ، يمنعُك من أن تأتي ما حرم الله عليك من الشهوة في المعصية، ولذلك جاء في الحديث عند البخاري وغيره في الصائم: ((كُلَّ عمل ابني آدم له إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به، يمنعُ أحدكم من طعامه وشرابه وشهوته))،فأنت تترك ما أباح الله لك من الشهوة في نهار رمضان، ويَحْرُم عليك أن تقرُب امرأتَك وهيَّ حلالٌ لك؛لتعلم أنَّ هذا الحلال هو حلالٌ وقتما يشاء الله -عزّ وجل-، ثم هذا الحلال يمنعُك الله -عزّ وجل- عنه في نهار رمضان، ويُحرّم عليك الجماع، حتى يقوى في العبد همَّةُ الطاعة.
وإذا تأملت المباحات التي يُحرمُها الله -عزّ وجل- في نهار رمضان، فيُحرّم عليك الطعام، يُحرّم عليك الشراب، ويُحرّم عليك امرأتك، وكذا في الحجِّ، يُحرمُّ عليك الملبس إلا ملبسًا معلومًا، ويُحرّم عليك في الحجِّ امرأتك، فلا تقربها حتى تتحلل التحلل الأكبر، فهناك في الحجَّ يُحرّم عليك أيضًا صيد البر، ﴿وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا﴾ [المائدة:96].
فيتأمل العبد ما الحكمة في أن يحرّم الله -عزّ وجل- هذه الأمور الحلال، في الحج، وفي الصيام، الطعام في الصيام في النهار والشراب، وصيد البر في الحج، المرأة، زوجتك، في الصيام،في الحج؟ كل ذلك حتى يقوى العبد على مخالفة الهوى، وعلى الاهتمام بعبادة ربه، وحتى يكون صاحب عزيمة، فإذا كان الحلال قد يُحرّمه الله في وقتٍ ما، فأنت بعد ذلك ما كان محرّمًا لذاته، كالخمر، والزنا، والرشوة، والكذب، فأنت أشدُ اجتنابًا له، إذ أن الله -جل وعلا- قوّاك على أن تجتنب ما حُرِّمَ عليك لسببٍ عارض.
فَعُلِم من هذا، أن المسلم ينبغي له أن يكون صاحب همة، وأن يكون صاحب عزيمة، وأن يستعين بالله –عزّ وجل-، وأن يكون قوي الهمّة، لا يَضْعُف، ولذلك فإن النَّبي –صلى الله عليه وسلم-كما تقول عائشة: ((كان يقوم حتى تتفطر قدماه، فقلت: يا رسول الله، لِمَ تصنع ذلك وقد غُفر لك ما تقدم من ذنبك، فقال: يا عائشة، أفلا أكون عبدًا شكورًا))، فكان- صلى الله عليه وسلم- قوي الهمة في طاعة ربه، وأعظم الهمة، وأجلُّ العبادة أن تتقي المحارم، كما قال- صلى الله عليه وسلم-: ((اتَّقِ المحارم، تكن أعبد الناس))، فإذا اتقيت ما حرَّم الله عليك، فحينئذٍ تكون من أعبد الناس، وأقواهم، وأجلدُهم في طاعة الله – جل وعلا-، فالله يحب أن يُطاع بقوة، فأمر الله -عزّ وجل- نبيه يحيى فقال–عزّ وجل-: ﴿ يَا يَحْيَىٰ خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ ۖ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا ﴾ [مريم:12]،فالله–عزّ وجل- أمر يحيى نبيه الكريم- عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام- بأن يأخذ أحكام الله بالقوة والهمة، وأمر الله- عزّ وجل- بني إسرائيل فقال: ﴿ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ﴾ [البقرة:63].
فينبغي على المؤمن أن يأخذ أمر الله -عزّ وجل- بالقوة، وبالهمة، مستعينًا بالله، متوكلًا على الله، وقد كان سلفنا الصالح -رحمهم الله- من أجلد الخلق بعد الأنبياء والرسل في همة الطاعة والعبادة.
حتى أن الرجل في وقت الشدة والمحنة، بل في وقت القتل، يكون مهتمًا بشأن العبادة، وقد أخرج الإمام البخاري- رحمة الله- قصة الصحابي خُبيب، حينما أمسك به المشركون، وحبسوه في مكة، ثم تقول المرأة التي كان محبوسًا عندهم، تقول: والله لقد رأيته يومًا يأكل قِطفًا من عنب، تقول: ووالله ما بمكة يومئذٍ من عنب، وكانوا يرَوْن أنه رزقٌ ساقه الله-عزّوجل-إليه، ثم لما قرر هؤلاء أن يقتلوه-رضي الله عنه-، خرجوا به إلى الحِلْ، فاستأذن منهم أن يضعوه يصلي، فصلّى ركعتين وتجوّز فيهما، ثم قال: أما والله لولا أن تقولوا إنما حمله الجزع لأطلت فيهما، أي أنه صلّى ركعتين خفيفتين، ثم بيّن لهم أن الذي منعه من أن يطيل الركعتين، إنما الذي منعه من ذلك خشية أن يظنوا إنما أطال الصلاة ليتهرب من القتل، فرجل مُقدمٌ على القتل، ورجل يعلم أنه يُقتل، ولكنه عُلِّقت همته بعبادة الله-جل وعلا-حتى قام وصلّى ركعتين، قال الراوي كما في صحيح البخاري، فكان هو أول من سنَّ الركعتين لمن يُقتل عند قتله، فكان أول من سنَّ ركعتين عند القتل.
وأيضًا تتعجب كيف كانوا -رضي الله عنهم- في عبادتهم، وذاك الصحابي، وقد صحَّحَ الحديث الإمام الألباني، حيث جعله النبي -صلى الله عليه وسلم- على ثغرٍ من الثغور، وكان رجلٌ من المشركين قد قُتلت امرأته، فأقبل وقال: والله لا أرجع حتى أقتُل رجلًا من المسلمين، فأتى إلى هذا الصحابي -رضي الله عنه-، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- قد وضعه على هذا الثغر ومعه آخر، وقام يُصلي، فقام المشرك فأخذ بالسهم، ورمى به ذاك الصحابي -رضي الله عنه- فخرج الدم، فاستمر في الصلاة، فرماه بسهمٍ آخر، فاستمر، حتى خَشِيَ أن يُؤتى المسلمون من ثغره، فأيقظ صاحبه، فزَجَرَهُ، وغضب، قال: هلاَّ أيقظتني في أول ما رماك، فقال: والله، لولا إني خشيتُ أن يُؤتى المسلمون من ثغرٍ جعلني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عليه لما أيقظتُك.
فتأمل كيف كانت همتهم في عبادة ربهم، يقارِب الرّجل الموت، أو القتل، وهو صاحب همة، وهو منشغلٌ بالعبادة، وهو مُقبِلٌ على ربه -تبارك وتعالى- بعبادته، وهمته، ومحبته لله -جل وعلا-، فربُّوا أنفسهم -رضي الله عنهم- على الهمة في طاعة ربهم.
وانظر أيضًا ما جاء في قصة الفتى الأنصاري، وقد صحَّحَهُ الألباني وغيره، أنه رجع ذات ليلة هذا الفتى الأنصاري، فوَجَد معاذًا يُصلي بالناس، فقام وصلّى خلفه، فأطال معاذٌ -رضي الله عنه-، فلمّا أطال، انفصل هذا الفتى الأنصاري عن إمامه، وأتمَّ صلاته، فلما أُخبِر مُعاذٌ- رضي الله عنه- قال: إنهُ مُنافق، فَغَضِبَ الفتى الأنصاريّ، وأتى النبيَّ -صلى الله عليه وسلم-، فشكى لهُ ما قالَ مُعاذ، فأَنكرَ النبيُّ- صلى الله عليه وسلم- على مُعاذ، وقال: ((إنَّ منكُم مُنفّرين، مَن أَمَّ الناس، فَليُخفف))، ثُمَّ قالَ هَذا الفَتى الأَنصاري: (سَيَعلمُ مُعاذٌ حِينَّ يَلتقي القَومُ غَدا)، أَي سَيعلُم مُعاذ هَل أنا مُنافِق أم لا، فلما كَانت الغَزوة بَعد ذلك، وُجِدَ هذا الفتى الأنصاري مقتولًا، فسألَ النبي- صلى الله عليه وسلم- عنه، فَاُخبِر بأنهُ قُتِل في سبيل الله، فقال النبيُّ- صلى الله عليهِ وسلم- لِمُعاذ:((يا مُعاذ ما فعلَ خصمي وخصمُك؟ فقالَ مُعاذ: يا رسول الله: صَدَق اللهَ وكَذَبتُ))، أي هو صدَق الله في قولهِ، وأنا َكَذَبت حينَ قُلتُ بأنهُ مُنافِق.
فهكذا، هذه هي همةُ القوم، في عبادتهم، وفي تجلُدهِم، وفي طاعتِهم لربهم -عزّ وجل-، ولذلك تسمع من جهادِهم، وتجلدهم، وبذلِ أنفسهِم لدين الله -عزّ وجل- ما يذهلُ منهُ عقلُ الإنسان،ولذلك لمَّا كانوا في تلك الغزوة، كما عندَ البُخاري، فقُتِلَ أنسُ ابنُ النضر، يقول فوجدناه وقد مثَّلَ بهِ المُشركون، ووجدنا فيهِ كذا وكذا ثمانين طعنة،مابينَ طعنةٍ برُمح، وبينَ ضربةٍ بسيف، وقد وجدناهُ وقد مَثَّل به المُشركون، فلم يعرفهُ أحدٌ إلا أُختهُ ببِنانهِ، هكذا كانت تهونُ عليهم أبدانهم، وتُقَطَّع أجسادُهُم، وتهونُ عليِهم في عبادتِهم لربهم -عزّ وجل-، وكما جاءَ أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- في غزاة، فكانَ أبودُجانة يعرضُ نفسهُ دونَ رسول الله -صلى الله عليهِ وسلم-، فيقولُ يا رسول الله:(نحري دونَ نَحرِك، ونفسي دونَ نفسِك).
فهذه هي الهمَّة في عبادتهم، وفي طاعتهم لله -عزّ وجل-، حتى أنهُ جاءَ بالإسناد الصحيح، أن عُثمانَ -رضي الله عنه- قامَ ليلةً أَتمَّ بها كتاب الله–عزّ وجل- من أولهِ إلى آخرهِ، وقامَ بهِ في ليلةٍ واحِدة -رضي الله عنه-، وهذا إسنادٌ ثابتٌ صحيحٌ عن عُثمانَ -رضي الله عنه-.
فهذا مما يُذكرُنا بطاعة الله -جل وعلا-، وأن نقتدي بأصحابِ النبيَّ -صلى اللهعليه وسلم- في أخلاقِهِم، وفي عقائِدِهِم، وفي عباداتِهِم، وفي هممهم العالية في طاعة ربهم، فإنَّ الله -جل وعلا- بيّنَ أن من اتبعَهُم في إيمانِهِم فهو مُهتدٍ، فقالَ تعالى:﴿فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا﴾[البقرة:137]، فمن سلكَ سبيلَ أصحاب النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- في علمهم، وهديهِم، وسَمتِهِم، وعقائِدِهِم، وعباداتِهِم، يُرجى له من الخير ما ذكرَ اللهُ -عزّ وجل- في كتابه، من الثناءِ على من اتبعهم بأنهُ مُهتدٍ، وأنهُ قد اقتفى آثارَهُم.
فهذه كلمة مختصرة، أحْبَبت أَن أُنبه نفسي، وإِخواني، وفقَ الله الجميع لِما فيه رِضاه، والله أَجَلُّ وأعلم.
السؤال:
هُنا أَرسل بعض إخواني سُؤالاً، يقول بعد المقدمة الأدبية لهُ، يقول: كيف الجمعُ بين هاذين الحديثين؟ في الحديث الأول،((الصومُلي،وأناأجزِيبِهِ، يدَعُشهوتَه))، والحديث الثاني، حديثُ عائشة -رضي الله عنها-أَنهُ كان يباشرها وهو صائم؟
الجواب:
هذا سُؤال جيد، والِإجابة أن السُّنة تُفَسرُ المقصود من الشهوةِ المتروكة، فالحديث عِند البُخاري ((يدَعُشَهْوَتَهُ))، ما هي الشَّهوة التي تَحْرُمُ على الصائم؟ إذا كان النبيُّ-صلى الله عليه وسلم-يُباشِرُ وهو صائِم، ويُقَبّلُ زوجَتَهُ وهو صائم، وَيُباشر من غيرِ جماعٍ وهو صائم، فكيف يُجمع بين هذا وذاك؟
الجواب أنَّ الشهوةَ المحرمة هي الجِماع، فالمعنى:((يدَعُشَهْوَتَهُ))، أي: يدعُ شهوتهُ التي هي مُعاشرةُ أهله، ومما يَدُلُك على أن الشهوة تُطلقُ يرادُ بها الجِماع، ما جاء فالحديث الصحيح عند مسلم أو غيره، أن النبيَّ-صلى الله عليه وسلم-قال: ((وفيبُضْعِأَحَدِكُمصدقةٌ، قالوا: يارسولَاللهِ،أَيَأْتِيأحَدُناشَهْوَتَهُوَيكونُلهفيهاأجْرٌ؟فقال: أَرَأَيْتُمْإنوَضَعَهَافِيحرامِكانعليْهِوِزْرٌ؟فَكَذَلِكَإِنوَضَعَهافِيحَلَال كان لَهُ بِهأجرٌ))، فقولهم:((أَيَأْتِيأحَدُناشَهْوَتَهُوَلهبهاأجْرٌ؟))،أي أن يأتي الرجل امرأته ويُعاشرها، له أجر في ذلك؟
فمما يدُلك على أن الشهوة تطلق ويُراد بها المعاشرة، فالحاصل أن الحديث ((يدَعُشَهْوَتَهُ))، لا يعارض أن النبيَّ–صلى الله عليه وسلم-كان يباشر، وكان يُقبِّل وهو صائم؛ لأن الشهوة الواجبُ تركها هي الجِماع، لا ما دونهُ من مُباشَرَةٍ، وتقبيل، ونحو ذلك، إذا أَمِنَ على نفسه ألا يَصِلَ إلى ما هو أبْلَغُ من ذلك.
سؤال:
سؤال الثاني هنا يقول: هل خُروج المَنِيِ يُفَطِرُ الصائِم؟ وجزاكم الله خيرًا.
الجواب:
وإياك، خُروج المني له حالان:
الحال الأول: هُو أنْ يخرج المني في الاحتلام، فمن احْتَلَمَ في نَهارِ رَمضان فلا شيءَ عليه، ويُتِمُ صومه.
وأما إذا خَرَجَ المني في نَهارِ رمضان بقصد، فَفِيهِ نزاعٌ بين العُلماء، فمن العلماء من رأى بأن خروج المنيِ نهارا بقصدٍ يفسِدُ الصيام، وعليه القضاء، ورُبَما قال بعضهم: وعليه الكَفارةُ أيضًا، وقال جماعة من أهل العلم، خروج المني بقصد أو بغير قصد؛ لا يبطل الصوم، وهؤلاء العلماء قالوا: من المعلوم أن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم-كان يُقبِّل وهو صائم، وكان يباشر كما جاء في الصحيح وهو صائم.
ومن المعلوم أن طبائع الرجال تختلف، فإذا كان قد جوّز القبلة للصائم والمباشرة مع أنه قد يعقب ذلك عند بعض الناس خروج المني إذا قبّل أو باشر بدهي من غير جماع، فدلّ ذلك على أنه لا يبطل خروج المني صوم العبد، وهذا قول طائفة من العلماء، وربما فيما يظهر –والله أعلم- أن هذا هو الصواب، فإنه لا دليل يدل على أن خروج المني في نهار رمضان أنه يبطل الصيام.
وأما قياس ذلك على الجماع فغير ظاهر، فإن الجماع محرّم، وإن لم يعقبه خروج المني، أي أن من جامع امرأته في نهار رمضان، فقد بطل صومه باتفاق العلماء؛ أنزل أو لم ينزل، فقياس مسألة خروج المني على الجماع قياس غير ظاهر، فإنه لو كان القياس صحيحًا لقيل بأن من جامع ولم ينزل لا شيء عليه، إذ جُعلت العلّة هي خروج المني، لكن العلماء متفقون لا خلاف بينهم، أن من جامع امرأته في نهار رمضان فقد بطل صومه؛أنزل أو لم ينزل، وفي هذا ردٌّ على من زعم من علمائنا، وفقهائنا، بأن العلّة متعلقة إذا خرج المني بقصد بطل الصوم، فلا دليل أعلمه يدل على ذلك، وهذا الذي يظهر والله أعلم.
سؤال:
هذا أخوكم يسأل يقول: حديث النبيَّ–صلى الله عليه وسلم-((يدع طعامه وشرابه وشهوته)) فيه أنه إذا خرج منه المني لم يدع شهوته، هكذا السؤال؟
أقول وفي هذا السؤال من أخيكم تكرار لما سبق بيانه، فأضطر أن أعيد بعض ما ذكرت،((يدع شهوته))،ما المراد بالشهوة المتروكة؟
الجواب:
إذا علِمنا في الصحيحين أن النبيَّ–صلى الله عليهوسلم-كان يباشر أهله وهو صائم، إذا علِمنا أنه كان يقبّل عائشة وهو صائم، أليس هذا من الشهوة؟ هذا بدهي أنه من الشهوة، إذًا فما هي الشهوة المرادة بقوله: ((يدعُ شهوته))، وقد علمنا أن النبيَّ–صلى الله عليه وسلم-كان يقبّل، وكان يباشر، إذًا الشهوة الواجب تركها، لابد من بيان السُّنة لها، وإلا لو جرينا على حديث ((يدع شهوته))، لحرّمنا على الرجل أن يُقبّل، ولحرّمنا على الرجل أن يباشر امرأته، وهذا خطأ، إذًا بيان السُّنة، أن النبيَّ–صلى الله عليه وسلم-حين باشر،وأن النبيَّ–صلى الله عليه وسلم-حين قبّلوهو صائم فلم يدع شهوته، فيه بيان أن الشهوة التي يجب تركها هي الجماع، وقد ذكرت لإخواني حديث الإمام مسلم ((قالوا: يا رَسولُ الله أَيَأْتي أَحَدُنا شَهْوَتَهُ وَلَهُ فيها أَجْرٌ؟))، إذًا هنا الشهوة، يجب أن نضم الأحاديث ببعضها، فالشهوة الواجب تركها هي: شهوة الجماع.
يزيد الوضوح أن العلماء الذين قالوا: بأنه إذا أنزل في رمضان، قالوا: أنه إذا استمتع، ولم يصل به حد الإنزال، أنه لا شيء عليه، مع أنه باشر شهوته، إذًا فالحاصل من هذا أننا نحتاج إلى دليل يُبين، وقد ثَبت عن ابن عباس أنه قال: إني لأقبض بيدي على كذا من جاريتي وأنا صائم، وصحّ هذا عن ابن عباس – رضي الله عنهما –.
فالحاصل باختصار حتى نقول أنّخروج المني هو من المبطلات، وأنه من الشهوة التي يَحْرُم على الإنسان، هذا يحتاج إلى دليل خاصٍّ به، فلو أنه نظر إلى امرأة من غير قصد، فتحركت شهوته فأنزل، فماذا نقول في هذا؟
على كل حال كما ذكرت في أول الكلام المسألة فيها خلاف، ولست أعلم دليلاً صحيحًا صريحًا يدل على أن خروج المني هو العلة، بل قد ذكرت في كلامي أن العلماء متفقون، أن الرجل إذا جامع ولم يُنزِل أنه قد بَطل صومه، فالعلة غير متعلقة بالإنزال، وهم قاسوا خروج المني على الجماع، مع أن العلة في الجماع هي الجماع، أنزل أو لم ينزل، فلو كانت العلة هي الإنزال، لكان يمكن أن يقال في الذي جامع لا شيء عليه حتى ينزل ليصح القياس.
وعلى كل حال عليك بالشيخ طارق فعنده ما يغنيك عما أقول، هذا الذي تحرر عندي في هذه المسألة -والله أعلم-.
سؤال:
السؤال يسأل أخوكم يقول: الحديث((فَإِنْ امْرُؤُ سابَهُ أَوْ قاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ إِنّي صائِمٌ))وفي رواية: ((فَلْيَقُلْ إِنّي امْرِؤٌ صائِمٌ))،السؤال يسأل أخوكم يقول: هل يقولها في نفسه؟ أم يقولها مُسمعًا إياها لمن يقاتله؟
الجواب:
أن الحديث مطلق، فليقل إني صائم، فقد يقولها على هذا الوجه، وقد يقولها على الوجه الآخر، إيه مطلق، وإذا جاء النص المطلق لم يجز أن يقيد إلا بدليل، فليقل إني صائم، قد يقولها على هذا الوجه، وقد يقولها على هذا الوجه.
سؤال:
يقول هنا أخوكم: هل الكلام في أهل البدع في رمضان فيه مانع؟
الجواب:
أقول بارك الله فيك، إذا كان الكلام في أهل البدع من باب التحذير، ومن باب الديّانة، فإن الواجب الشرعي لا يختلف في رمضان ولا في غير رمضان، فتُرى لو جاء رجل من أهل البدع، ونَشَطَ في رمضان، فَسنَّ للناس ضلالاتٍ، وبدعًا،وخُرافات، فهل يسكتُ أهل العلم عنه لأنهم صائمون؟ حتى يُضِلَّ الناس، هذا خطأ، وهذا فتحٌ لباب الشر، لذلك نقول إذا كان بابُ الجرح والتعديل من أمر الدين، وقائمٌ على النُّصح والبيان، فإنه لا فرق بين أن يُقيم هذا الواجب لا في رمضان ولا في غير رمضان، بل الواجب أن يُقام هذا الواجب عند مُقتضيه.
السؤال:
هذا سؤال في مسألة التي سمَّاها السائل الجاثوم، ثمَّ فسَّر هذا بقوله:وهو ما يُسمى بالجاثوم، وهو ما يجْثُم على صدر الرجل وقت النوم؟
الجواب:
إحنا عندنا في مصر نُسميه كابوس، هذا الكابوس، أو الجاثوم، أو عبّر عنه ما شئت، هذا قد يكون باب من أبواب المرض العضوي: كالصرع مثلًا، فالصرع ينقسم إلى قسمين:
صرعٌ طبيٌّ عضوي.
وصرعٌ مسٌّ من الشيطان.
فقد يكون هذا الجاثوم، أو الكابوس على لهجة المصريين عندنا، قد يكون من النوع الطبي، فهذا ينبغي عليك أن تعرض نفسك على الطبيب، حتى يرى حالتك، وحتى يُعالجك بإذن الله.
وأما إذا كان من النوع الآخر، وهو من تسلط الشيطان على الإنسان عند منامه، فهذا كما أخبر النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-أنه إذا أخذ الإنسان مضجعه، على حديث أبي هريرة ((حين أمسك الشيطان ثلاث ليالٍ، فقال له الشيطان في الليلة الثالثة: دعني، حتى أعلمك آية، إذا قرأتها لا يزالُ معك من الله حافظ ولا يقربُك شيطانٌ حتى تُصبح، فعلَّمه آية الكرسي، فقال -صلى الله عليه وسلم- أما إنه قد صدقك وهو كذوب)).
فإذا حصل مثل هذا للإنسان، وتسلط الشيطان عليه في منامه، فعليه أن يستعين بالله، وأن يقرأ آية الكُرسي، وأن يتفُل عن يساره ثلاثًا، وأن يستعيذ بالله، وأن يتحول عن مجلسه، إذا كان نائماً على جهة يُغير نومته، كما جاء في الحديث، وليتفُل عن يساره ثلاثًا، وليتعوذ بالله، فعليه أن يلجأ إلى الله، وأن يذكر الله ليدفع الله عنَّا وعنه الشر.
السؤال:
هنا يقول أخونا يقول: كيف تفعلُ المرأة التي فات وقتُ نفاسها ستين يومًا أو أكثر، وما زالت تجدُ أثرًا، هل تصوم وتُصلي أم لا؟
الجواب:
المرأة النُفساء إذا جاوزت الأربعين يومًا، فماذا تفعل؟
اختلف الفقهاء على قولين:
1-قال بعض أهل العلم:إن استمر بها الدمّ وإن زاد على الأربعين؛ فإنّها تمتنع عن الصلاة والصوم، وإن زاد عن الأربعين.
2-وقال بعض العلماء:إن جاوز الدمّ الأربعين؛ فإنّها تتطهر، وتصلّي وهي مستحاضة في ما زاد على الأربعين، وهذا يؤيّدهُ ما صحّ من الأثر، وصححه الألباني وغيره: كانت النُفساء تجلس على عهد رسول الله-صلى الله عليه وسلم- أربعين يومًا، فهذا تحديدٌ للعدد، فهو تقييد لأعلى النفاس، فإذا جاوزت الأربعين؛ كانت مستحاضة، ففيهِ دليل على أنّ النبيَّ-صلى الله عليه وسلم- إنّما شَرَعَ للنُفساء أن تجلس إلى أقصى غاية وهو الأربعون، وأمّا إذا انقطع الدمّ قبل الأربعين وتبيّن طُهرها؛وجب عليها الصلاة والصيام، وأمّا إن جاوز الأربعين فقولان:أصحّهما: أنّها تصلي وتصوم، وهي مستحاضة في ما زاد على الأربعين، والدِّلالة على ذلك ما تقدّم من هذا الأثر، الذي فيه تقييد ذلك بعدد الأربعين.
سؤال:
يقول: حديث((ذهب الظمأ، وابتلت العروق، وثَبَتَ الأجر إن شاء الله))،هل هذا دعاء؟ وكيف نفهمُ إذا كان دعاءً التعليق بالمشيئة؟
الجواب:
يعني المقصودُ من السؤال: أنّه إذا دعا العبدُ ربّه، فلا يقُل: إن شاء الله، كما جاء في الحديث: ((إذا سأل أحدُكم ربّه فليعزم المسألة، ولا يقُل: اللهم أعطني إن شئت، وإنّما لِيعزم المسألة))، أي أنّك إذا دعوت الله-عزّ وجل- لا تقل: اللهم ارزقني إن شئت، اللهم أكرمني إن شئت، هذا خطأ، وهذا ممّا يتنافى مع أدب الدعاء.
سؤال:
فأخوكم يسأل: أنّ هذا الذي يعلمه، كيف يوفّق بين هذا، وبين الحديث:((وثَبَتَ الأجر إن شاء الله))؟
الجواب:
أنّ هذا الحديث((ذهب الظمأ))، حسّنه الإمام الألباني، ((ذهب الظمأ، وابتلت العروق، وثَبَتَ الأجر إن شاء الله))،هذا خرج مَخْرَجَ الخبر، كأنّه يقول: بعد أن أدّى العبادة قد ذهب الظمأ، وابتلت العروق، فيُخبر يرجو مُخبرًا بأنّه قد ثبت الأجر إن شاء الله، فلمّا خرج مخرج الخبر، ناسب التأدّب فيه، أن لا يقطع بأنّ الأجر قد ثبت، فمن يُدريك؛ لعلّه ثبت أو لم يثبُت، لأنّك لم تقم بالصّيام الّذي أُمرت به حتى يُتقبّل، فناسب هنا لمّا خرج مخرج الخبر، أن يقول: إن شاء الله، وأمّا إذا دعا ابتداءً؛ فلا يُعلّق بالمشيئة، فهذا وجه الجمع بين الحديثين والله أعلم.
سؤال:
يقول السائل هنا: رجلٌ خارج الكويت، ودخل عليه رمضان، يوم السبت الماضي وهو موجودٌ في تلك الدولة،ثم عاد إلى الكويت، فهل يصوم ذلك اليوم؟
الجواب:
رمضان كان عندنا هنا مختلف عنهم؟ ايوه يعني رمضان هنا كان الأحد، وهو في تلك الدولة كان السبت، إذا كان الرجل في دولة ما، ورُؤيَ فيها الهلال، فإنه يجبُ أن يُتابع الناس في صومهم، فيصوم مع تلك الدولة التي رُؤيَ فيها الهلال، فإذا كانوا قد أعلنوا أن الهلال قد رُؤيَ في هذه البلد يوم السبت، فالواجب أن تصوم معهم، فإذا رجعت إلى دولتك، فحينئذٍ تُكمل الصيام على وُفق البلد الذي استقررت فيها، فإذا كان قد أدركك السبت هناك، وَجَبَ أن تصوم، وأمّا إذا أدركك ابتداءالسبت هناك، ثم رجعت إلى بلدك، فلم تجد صيامًا، يعني كأن يكون مثلًا أدركه السبت إلى الظهر في تلك البلد، ثم أتى الكويت ما وجد صومًا، فأنت تسير على وفق البلد التي استقررت فيها، لما جاء في الحديث ((الصوم يوم تصومون، والأضحى يوم تُضَحّون))، هذا الذي أراه والله أعلم.
سؤال:
سؤال أخوكم يقول: أنه أول من سنَّ القتل أنه هذا فعل صحابي، فكيف نُوجّه هل هذا أقرّه النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- أم لا؟
الجواب:
أقول: في الحديث نفسه، أن هذا كان معروفًا عندهم، فإنه لو لم يجري على ذلك فِعلُهم، فخُبيب سنَّ ركعتين لمن يُقتل، يقول في الحديث نفسه:((فكان أول من سن ركعتين عند القتل))، إذًا معنى ذلك الحديث فيه الإشعار بأن هذا مما قُبِل، ومما صار سُنّة، وجرى عليها عملهم، وأقرّها النبيَّ -صلى الله عليه وسلم-، لأنها لو لم تُقر، فحينئذٍ كيف نتصور أن يقول أو من سنَّ القتل مع أنها لم تصبح باقية، ولا أثر لها، فقوله هذا دليل على وجودها، وعلى أنها أُقرِّت، وهذا إيضاحه له مثال: مثلًا أن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- في حجته يقول: ((لبيك اللهم لبيك))، لزم تلبيته، وكان الناس يلبون فيقولون:"لبيك ذا الفواضل، لبيك ذا المعارج، .." إلى غير ذلك، فلم يُنكر عليهم وهو لزم تلبيته، فهذا يتضح لك أن هذا صار سُنةً، مقرًّا عليها، ولم يأتِ في ذلك إنكار، وإلا لو تصورنا أنه لم يجري على ذلك عملهم في زمن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، فلا يتصور هنا معنى من قوله: كان أول من سنَّ القتل، مع أنها غير معمول بها، هذا الذي يحضرني في هذا.
سؤال:
صوته غير واضح.
الجواب:
﴿ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾[البقرة:184]،حتى لو طال، أنس بن مالك مكث، أو ابن عمر مكث ستة أشهر يُقصر الصلاة، فالصلاة كالصِّيام.
سؤال:
صوته غير واضح.
الجواب:
أولاً ما يتعلَّقُ بالوتر أو دعاء في رمضان، هنا تنبيهات يغفلُ عنها كثير من الأئمة في رمضان، أولاً دعاء قنوت الوتر، الذي أخرجهُ النَّسائي من حديث الحسن بن علي، وصحَّحهُ الإمام الألباني وغيره، أن النبيَّ– صلى الله عليه وسلم – علمهُ دعاء قنوت الوتر قبل الركوع، هكذا الرواية، قنوت الوتر قال: قبل الركوع((اللهمَّ اهدِني فيمَن هدَيت، وعافِني))الحديث،هذا القنوت هو قنوت الوتر، وليس قنوت رمضان، إيضاحهُ؟ إيضاحهُ ما رواه ابن خزيمة وغيرهُ، وصححَّهُ الألباني وغيره، أنَّ أصحاب النبيِّ– صلى الله عليه وسلم – كانوا يقنتون في النصف الآخر من رمضان، فيقنتون بعد الرفع من الركوع، ويدعون للمؤمنين، ويدعون على الكافرين، إذًا هذا القنوت هو قنوت رمضان، لا يكون في أول رمضان، وإنَّما يكون في النصف الآخر من رمضان، هذا وجه، الوجه الثَّاني أنَّهُ بعد الركوع، بينما قنوت الوتر قبل الركوع، الوجه الثَّالث أنَّ قنوت الوتر مُحدَّد بألفاظ معلومة لا يُزاد عليها، وأما قنوت رمضان في النصف الآخر، فيدعو بحسب مُقتضى الحال، يدعو للمؤمنين، ويدعو على الكافرين، فتبيَّن الفرق بين قنوت الوتر وبين قنوت رمضان،قنوت الوتر في سائر السَّنة كلِّها، يُفعل أحيانًا ويُترك أحيانًا، قنوت رمضان في النصف الآخر، قنوت الوتر قبل الركوع، قنوت رمضان بعد الركوع، قنوت الوتر بألفاظ معلومة: وهي دعاء قنوت الوتر المعلوم، قنوت رمضان بما يقتضي مُقتضى الحال، فيقنتون ويدعون للمؤمنين ويدعون على الكافرين، أما دمج القنوتين على شيء واحد، فهذا خطأ ومُخالف لسُنَّة الصحابة – رضي الله عنهم- ولما جرى عليه عملهم، زدْ كما يقال: (ضغثًا على إبَّالة)، وهو مسألة التَّغني بالدعاء، حتى لا يدري السَّامع الذي لا علم لهُ بحفظ كتاب الله، لا يدري هل هذا الذي يقولهُ الخطيب الآن هو قرآن أم ليس بقرآن، ثُمْ أن يُنزِل أحكام التلاوة في دعاء القنوت، هذا من البدع المُحدثة، فتجده يتعامل مع دعاء القنوت كأنه يقرأ قرآنا،وهذا من البدع المحدثات، زد على ذلك إذا كان الإمام مُفوَّهًا، فخُذْ من السَّجع ما يُمِلَّك من نفسِك، هذا كلُّهُ من الضَّلال، والبدع، والانحرافات، واتباع الهوى، والواجب التَّأدب.
أمَّا التمطيط، والتَّغني، والتَّلحين، هذا لم يكن من هدي السَّلف، فقد بوَّب الإمام الدَّارمي- صاحب السُنن – في آخر باب من كتابه، قال: باب كراهية الألحان في القرآن، وقال الإمام أحمد: أكره للرجل أن يُلحِّن بالقرآن، إلا رجلاً يقرأ بصوتٍ حسن، أي دون تكلُّف، أمَّا أنَّه يُنزل القرآن، ويُنزل الأدعية على أوتار الغناء، وعلى النغمة الموسيقية، هذا لا هو من الأدب، ولا هو من الديّانة، ولا هو من فعل السَّلف، بل كره السلف قاطبةً كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية، اللَّحن أو التَّلحين في القرآن، فهذا كُلُّهُ مما ينبغي أن يُنتبه، وأن أن يُتحفَّظ فيه.
سؤال:
أفهم السؤال هل يقرأ دعاء الاستفتاح في أول استفتاحه في التراويح، أم يكرر دعاء الاستفتاح في كل ركعتين؟
الجواب:
هذه المسألة إذا كانت لغير المأموم، المأموم ﴿ وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا ﴾ ]الأعراف:204[، لكن مسألتك تأتي بالنسبة للإمام، وبنسبة للمنفرد، أما المأموم لا يستفتح إذا جهر الإمام بالقراءة، النبيُّ –صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إذا صلّى أحدكم خلف الإمام فلا يقرأ إلاّ بفاتحة الكتاب، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب))، فإذا ما شرع الإمام وجب الإنصات من المأمون، هذه المسألة حقيقة، من المسائل التي تحتاج إلى تأمل، فعند البخاري كان –صلى الله عليه وسلم- يستفتح صلاة الليل يقول: ((اللهم أنت الحق، وقولك الحق، ووعدك الحق، ولقائك حق، إلى آخره))، فظاهر هذا أنه يستفتح في أول قيامه لليل، لا أنه يستفتح في كل ركعتين، وهذا حديث البخاري، كان إذا استفتح صلاته من الليل قال، وإذا نظرت إلى حديث المسيء صلاته، فقد علّمَه إذا صلّى، أن يحمد الله، وأن يكبره، وأن يهلِّله، وأن يقرأ ما تيسر معه من القرآن، فكما أنه يقرأ ما تيسر في كل صلاة مستجد فيها، كذلك يستفتح، فهذا في الحقيقة يحتاج إلى تأمل ونظر، وأنا، يعني هذه المسألة من المسائل التي أحتاج فيها إلى مراجعة، وإلى تأمل والنظر في كلام العلماء، لكن هذا الذي يحضرني الآن.
سؤال:
صوته غير واضح.
الجواب:
هذا من خطأ المأمومين، فإنه لا يزل من واليت، عندنا في مصر نشهد، ولا يعز من عاديت، يا الله، ما أدري هل وصلكم هذا الخير، هذه بدع وخرافات، المأموم ليس له إذا أمّن خلف الإمام إلا التأمين، ثبت عن السلف، وجاء في الآثار أنهم يؤمّنون خلفه، آمين آمين، ولا يزيدعلى ذلك شيئًا، لا نشهد، ولا يا الله، ولا مثل هذه الألفاظ المحدثة التي لم تنقل عن السلف.
سؤال:
غير واضح صوته.
الجواب:
المريض الذي لا يقدر على أن يصوم، قد ثبت بإسناد صحيح، أنّ أنس ابن مالك –رضي الله عنه- لما أسنّ، وعجز عن الصيام، فكان في آخر شهر رمضان، يجمع ثلاثين مسكينًا، فيُطعمهم لحمًا وخبزًا، وقد صححه الإمام الألباني، فمن كان عاجزًا عن القضاءلكبر سنٍّوضعفٍ، أو لمرض، ولا يستطيع أن يصوم، ولا أن يقضي، فعليه أن يُطعم عن كل يومٍ مسكينًا، وقد صحّ عن أنس كما ذكرت، أنه كان في آخر الشهر يجمع ثلاثين مسكينًا، فيُطعمهم لحمًاوخبزًا، يُطعمهم ما يُشبعهم، ويُغنيهم.
سؤال:
صوته غير واضح.
الجواب:
إقامة المحاضراتوالدروس بين التراويح، بين أربع ركعات، ثم يُعطي أو يُدرّس كلمة، إذا كان هناك شيءٌ عارضلموعظةٍ عارضة، فهذا لا بأس به، أما أن يُتّخذ وتيرةً، وهديًا، كما نراه الآن في كثير من البلدان، أنه يُصلي أربع ركعات، ثم يُحاضر، ثم يصلي أربع ركعات وهكذا، هذا شيءٌ لم يُنقل عن السلفوهم أحرص على الخير منا، فاتخاذ ذلك على هديٍ راتب، وعلى صورة مستمرة، مخالف لهدي النبيِّ –صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، فإنهم كانوا يقومون في زمن عمر، كما حديث البخاري، أنه جمعهم على قارئٍ واحد، فقال نِعمة البدعة هذه، والتي ينامون عنها أفضل، وكذلك صلى بهم النَّبي –صلى الله عليه وسلم- كما هو في الصحيحين، ليلة وليلتين ولم يخرج لهم في الثالثة، فلم يكن من هديه –عليه الصلاة والسلام- أن يجعل الدرس أو الكلمة في التراويح، على الوجه الذي يفعله الآن كثير من الأئمة، فهذا مخالف لهدي السلف، وأما كلمة عابرة عارضة لمقتضي، بشيءٍ عارض أحيانًا، هذا لا بأس به، وأما أن تُتخذ سُنَّة على هذا الوجه، فهذا ليست من هدي السّلف الصالح، ولا من فعل النبيِّ –عليه الصلاة والسلام-، هذا الذي عندي في هذا.
سؤال:
صوته غير واضح.
الجواب:
هذا سفه وتكلُّف في الدين، الخشوع لا علاقة له بهذه الأضواء المُقامة، ولا بالسُّرُج، الخشوع إنما هو في قلب العبد، فيما يسمع من ذكر ربه –عزّ وجل-، وأما أن يعمد أن يُطفئ السراج، فهذا ضرب من ضروب أفعال الصوفية، وهذا تكلُّف في دين الله –عزّ وجل-، وما نحن من المتكلفين، بارك الله فيك.
وفق الله الجميع وصلى الله وسلم على محمد وآله.