بسم الله، والحمدلله، والصلاة والسلام على رسول الله، أمّا بعد:
فهذا اليوم الخامس من شوال، لِسَنَةِ خمسٍ وثلاثين وأربعمئة وألف من الهجرة، في هذه الحلقة الثانية من حلقات الجلسات الحديثِيَّة في قِراءة هذه الأجزاء الحديثِيَّة المُبارَكة – بِإِذْنِ الله -، ونُرَحِّب بِالمَشايِخ الفضلاء، الشيخ الفاضِل: أَبي مُحَمَّد خالد بن عبدالرحمن المصري – حفظه اللهُ تعالى -، والشيخ الفاضِل: أَبي محمد أحمد بن حُسَيْن السُّبَيعي – حفظه الله تعالى ، والشيخ الفاضِل: أَبي عُمَر أَحمد بن عُمَر بازمول – حَفِظَهُ الله تبارَكَ وتعالى -، والشيخ الفاضِل: أَبي العَبّاس عادِل بن منصور اليَماني – حفظه اللهُ تبارَكَ وتعالى -، نَسْأَلُ الله – عزَّ وجَلَّ - لَنا ولَهُم ولِلقائِمينَ على إِذاعَةِ النَّهْجِ الواضِح (...) التَّوْفيقَ والسَّداد؛ لِبَثِّ مِثْلِ هذِهِ الدُّروس المُبارَكة، وقَد أَتْمَمْنا القِراءَةَ في رسالةِ الإِمام أَبي داود السِّجِسْتاني إِلى أَهل مكة في وَصْفِ سُنَنِهِ بِالأَمْسِ القَريب، وأَتْمَمْنا قِراءَتَها مَعَ تَعْليقاتٍ مِنَ المَشايِخ الفُضَلاء، نَرْجو اللهَ – تعالى - أَن يُوَفِّقَنا لِقِراءَةِ هذِهِ الرِّسالَة المُبارَكَة (شُروط الأَئِمَّةِ السِّتَّة) لِلحافِظ أَبي الفَضْل محمد بنِ طاهِر المَقْدِسي – رَحِمَهُ اللهُ تَعالى -، المُتَوَفّى سَنَةَ سَبْعٍ وخَمْسْمِئَة مِنَ الهِجْرَة، ونَشْرَعُ في قِراءَةِ الرِّسالَة:
المتن: (بَسْمِ اللهِ الرَّحْمن الرَّحيم، وصلى اللهُ على سَيِّدِنا محمَّد وعلى آلهِ وسلَّم، قالَ: أَنْبَأَنا أَبو الحَسَن علي بنُ عبدِالله بن الحَسَن بن المُعْتَزّ البَغْدادي، عَن أَبي المَعْمَر المُبارَك بن أَحْمَدَ بن عَبْدِالله بنِ عبدالعَزيز بن المَعْمَر الأَنْصارِيِّ قال: قالَ الإِمامُ الحافِظُ أَبو الفَضْل مُحَمَّدُ بن طاهِر بن عَلِيّ المَقْدِسِيّ – رَحِمَهُ اللهُ تَعالى -: فَإِنْ قيل إِنَّ كُلَّ واحِدٍ مِن هؤلاءِ الأَئِمَّة السِّتَّة – يَعْني البُخارِيَّ ومُسْلِمًا وأَبا داودَ والتِّرْمِذِيَّ والنَّسائِيَّ وابْنَ ماجَه صَنَّفَ كِتابًا على حِدَة، ولَمْ يَتَّفِقوا على ما أَخْرَجَ الأَوَّلُ مِن غَيْرِ زِيادَةٍ ولا نُقْصان، فَهَل تَجْري كُلُّها مَجْرًا واحِدًا في الصِّحَّةِ؟ أَم تَتَبايَنُ في المَعْنى؟)
الشيخ : الحَمْدُلله، والصلاةُ السلام على رَسولِ الله، وعلى الِهِ وسلَّم، أَمّا بَعْد:
فَقَوْلُهُ – رَحِمَهُ اللهُ تَعالى -: (فَإِن قيل) فَبِما أَنَّ هذِهِ اللَّفْظَة قَدْ جاءَت بَعْدَ إِسْنادٍ مَقْطوع بِما يُفيدُ أَنَّهُ مِن قَولِ المُصَنِّف، ولا يوجَدُ ما يُثْبِتُ أَو ما يُفْهِمُ أَنَّ ثَمَّةَ سَقْط، فَيُحْمَلُ كلامُهُ – رَحِمَهُ اللهُ تَعالى – على أَنَّ مُرادَهُ هُوَ أَنَّهُ – رَحِمَهُ اللهُ تَعالى – يُريدُ أَنْ يُبَيِّنَ ما الذي سَيَتَكَلَّم عَنْه، واضِعًا هذا السُّؤال بَيْنَ يَدَيْ بَحْثِهِ، ثُمَّ يُجيبُ عَن هذا السُّؤال الذي سَيَكونُ مَوضوعَ رِسالَتِهِ، وقَدْ يَقولُ قائِل: كَيْفَ صَحَّ أَنْ يَبْتَدِئَ (فَإِن قيلَ) على هذا السَّبيل أَو بِهذا السِّياق؟ وكَأَنَّ في الكَلامِ نَقْصٌ أَوِ اضْطِّراب، فالجَوابُ عَن ذلِك أَن يُقال: إِنَّ المُصَنِّفَ – رَحِمَهُ اللهُ تَعالى – وهُوَ المُتَوَفّى في عام سَبْعَة وخَمْسْمِئَة لِلهِجْرَة – رَحِمَهُ اللهُ تَعالى -؛ نَظَرًا لاشْتِغالِهِ في الحَديث – رَحِمَهُ اللهُ تَعالى – فَإِنَّهُ جاءَتْهُ بَرَكَةُ أَو شَيْءٌ مِن صِفَةِ بَرَكَةِ السَّلَفِ الصّالِحِ أو شيء من صفة بركة السلف الصالح في ترك التكلف الاصطلاحي والولوج إلى المقصود بالعبارات الظاهرة فلا إشكال في أنه يبتدأ هذه البداية وأحب هنا أن أشير من باب الفائدة والنصيحة للطلاب عامة أن أقول أنه ينبغي لنا أن نتقفر هدي السلف الصالح -رحمهم الله تعالى- في مثل ما صنع المصنف هنا من ترك التكلف، وترك التركيز على المصطلحات على نحو يغيب الذهن والعقل والقلب على المقصود الأكبر، من جمع الهمة على التفقه في معاني كلام الله، وكلام النبي -صلى الله عليه وسلم- كما كان عليه السلف الصالح، فالسلف الصالح -رحمهم الله تعالى- ما اصطلحوا على ما اصطلحوا عليه من المصطلحات الحديثية إلا لوجود مقتضى شرعي، ولوجود معاني علمية، فلما وُجِدت الأسانيد وحملة الرواة والكتب احتيج احتياجًا لمثل هذه المصطلحات فتكلموا فيها ولذلك تجد أن تصرفاتهم في هذا الباب إنما دفع إليها الحاجة العلمية الشرعية الماسة، لا إرادة التفنن والتفلسف ونحو ذلك، وأضرب مثالًا على هذا الحديث الحسن فكانوا -رحمهم الله تعالى- في غالب أحوالهم وعامة تصرفاتهم يقسمون الحديث إلى صحيح وضعيف، ولم يكن لفظ الحسن بالمعنى الذي تكلف المتأخرون في تبيين حدوده وشروطه وإلى ذلك أشار الناظم بقوله ،والأكثرون (قسموا هذي السنن إلى صحيح وضعيف وحسن)
فنبه بقوله الأكثرين أي من المصنفين في المصطلح ما بين حاشى طبعًا بعض الأئمة -رحمهم الله تعالى- الذين لهم اصطلاحات خاصة ولهم إطلال خاص، ولكن المقصود هنا من الاستشهاد أن هذا التصرف من السلف الصالح حين جاء الأئمة المتأخرون أهل الاستقراء كالذهبي -رحمهم الله تعالى- وعرج على هذه المسألة فجعل الحدود التي وضعت للحسن من الأمور المشكلة كما أشار في (الموقضة) فهذا ذلك على أنه رجع إلى الاعتبار الذي لاحظه السلف الصالح، وهو تقسيم الحديث إلى ما يثبت ويحتج به وإلى غير ذلك، وهذه مجرد اشارة فأقول ينبغي أن يتحرز من طريقين وخيمين قد (فشى) يعني بحسب ما نرى يعني في زمننا هذا أحدهما طريق أهل العقوق والحقد والغلو وهم الحدادية ومن شايعهم، ممن يزعمون أن أهل العلم منقسمين إلى فريقين متقدمين ومتأخرين، وأنهم يريدون الرجوع إلى المتقدمين ويسقطون ما بين ذلك، وفي الحقيقة أنهم لا يريدون الرجوع إلى المتقدمين إنما يريدون الرجوع إلى أنفسهم، عياذًا بالله -تبارك وتعالى- والطائفة الأخرى هم طائفة الذين يصح أن يطلق عليهم الطائفة الطاووسية التمثيلية، التي تتخذ من صناعة العلم ومن صناعة الاصطلاح بهرجًا تدل به على انفرادها بصفات دون الناس، وهذا لا يعني بكل الأحوال التزهيد في شيء مما كتب أهل العلم، بل ينبغي للطالب أن يقرأ خاصة المتخصص في الحديث كل ما كتب في الحديث والله أعلم
المتن: قال رحمه الله تعالى: ( الجواب ) أن بعض أهل الصَّنعة سألني ببغداد عن شرط كل واحد من هؤلاء الائمة في كتابه فأجبته بجواب أنا أذكره ههنا بعينه ورمته
الشيخ : هذا فيه يعني بيان السبب الذي بعثه على التصنيف وهو أنه سؤال وجه إليه، وهذا فيه التصريح أنه سئل عن شرط هؤلاء الأئمة -رحمهم الله تعالى- وقال -رحمه الله تعالى- إمعانًا في النصح
(فأنا أجبته بجواب أنا اذكره ها هنا بعينه ورمته)، فدل على أنه ارتجل الجواب للسائل، ثم لما رأى فائدة جوابه عمد إلى أن يكتبه حتى تعم فائدته.
المتن: قال قلت اعلم أن البخاري ومسلمًا ومن ذكرنا بعدهم لم ينقل عن واحدٍ منهم أنه قال شرطت أن أُخرج في كتابي ما يكون على الشرط الفلاني، وإنما يعرف ذلك من سبر كتبهم فيعلم بذلك شرط كل رجلٍ منهم .
قال واعلم أن شرط البخاري ومسلم من أن يخرج الحديث المتفق على ثقة نقلته إلى الصحابي المشهور، من غير اختلافٍ بين الثقات الأثبات، ويكون إسناده متصلًا غير مقطوع، فإن كان للصحابي راويان فصاعدًا فحسن، وإن لم يكن له إلا راوٍ واحدٍ إذا صح الطريق إلى ذلك الراوي أخرجاه، إلا أن مسلمًا أخرج أحاديث أقوامٍ ترك البخاري حديثهم، لشبهةٍ وقعت في نفسه، أخرج مسلمٌ أحاديثهم بإزالة الشبهة، مثل حماد ابن سلمة وسهيل ابن أبي صالح وداوود ابن أبي هند وأبي الزبير والعلاء ابن عبد الرحمن وغيرهم، جعلنا هؤلاء الخمسة مثالًا لغيرهم؛ لكثرة روايتهم وشهرتهم، فلما تُكُلِّمَ في هؤلاء لما لا يزيل العدالة والثقة ترك البخاري إخراج حديثهم معتمدًا عليهم تحريا، وأخرج مسلمٌ أحاديثهم بإزالة الشبهة، ومثال ذلك أن سهيل ابن أبي صالح تُكُلِّمَ في سماعه من أبيه، فقيل : صحيفةً، فترك البخاري هذا الأصل واستغنى عنه بغيره من أصحاب أبيه، ومسلمٌ اعتمد عليه لما سبر أحاديثه، فوجده مرةً يحدث عن عبد الله ابن دينار عن أبيه، ومرةً عن الأعمش عن أبيه ومرةً يحدث عن أخيه عن أبيه بأحاديث فاتته من أبيه، فصح عنده أنه سمع من أبيه، إذ لو كان سماعه صحيفةً لكان يروي هذه الأحاديث مثل تلك الأُخر، وكذلك حماد ابن سلمة إمامٌ كبير مدحهُ الأئمة واطنبوا، ولما تكلم فيه بعض منتحلي المعرفة أن بعض الكذبة أدخل في حديثه ما ليس منه لم يُخرِج عنه معتمدًا عليه، بل استشهد به في مواضع ليبين أنه ثقة، وأخرج أحاديثه التي يرويها من حديث غيره من أقرانه، كشعبة وحماد ابن عزيد وأبي عوانة وأبي الأحوص وغيرهم، ومسلمٌ اعتمد عليه؛ لأنه رأى جماعةً من أصحابهم قدماء والمتأخرين رأَوْوا عنه حديثًا لم يختلفوا عليه، وشاهد مسلمٌ منهم جماعةً وأخذ عنهم ثم عدالة الرجل في نفسه وإجماع أئمة النقل على ثقته وإمامته، فهذا الكلام فيما اختلف فيه من إخراج أحاديث هؤلاء وما جرى مجراهم .
الشيخ: الحمدلله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد،اله وصحبه وسلم أجمعين، هنا يبين الإمام أو يبين الحافظ ابن طاهر- رحمه الله- ما يتعلق بشرطي البخاري ومسلم من جهة، وما يتعلق باختلافهما في إخراج أحاديث رواةٍ تفرّد بهم مسلم دون البخاري، فهنا مبحثان، مبحثٌ يتعلق ببيان شرطهما- أعني البخاري ومسلم- ومبحثٌ آخر وهو ما يتعلق بالرواة الذين تفرد مسلمٌ -رحمه الله- بالرواية عنهم دون شيخه البخاري، أما المبحث الأول فالشرط الذي يتفقان عليه ولا يختلفان فيه، أنهما لا يُخرجان إلا حديث الثقة، ولا يُخرجان إلا الحديث الموصول، ولا يُخرجان ما عُلم ضعفه، ولا يُخرجان ما يرى أحدهما أو كلاهما أنه ضعيف، فهما في هذه الشروط رحمة الله عليهما لا يختلفون في اعتبارها، فهما كلاهما لا يخرجان المُرسل، ولا يخرجان الُمنقطع، ولا يخرجان الحديث المعروف بالعلّة، ولا يخرجان حديثًا في إسناده من يعتقدان أو يعتقد أحدهما ضعفه، ولا يُخرّجان الحديث المنقطع، إلى غير ذلك مما هو معلوم.
وأما الشرط الذي اختلف فيه، ولم يعرج عليه هنا، الحافظ ابن الطاهر –رحمه الله- ولم يذكره مبينًا له، فهو ما يتعلق بشرط الاتصال كيف يكون، فعند مسلم يكتفي –رحمه الله- بمعاصرة الراويين، عمن عاصر عنه، ما لم يعلم عنه تدليس، فإذا كان راوي الثقة لا يُعلم أنه مدلس، فإن مسلمًا –رحمه الله- يُخرّج حديثه إذا ثبتت معاصرته لشيخه، دون أن يلتفت إلى أن يشترط أن يكون قد سمع منه أو لقيّه، ما لم ينفي ذلك علماء الحديث، فهاهنا شرط مسلم، أنه يعتبر المعاصرة، ما لم يكن الشيخ معروفًا بالتدليس، وما لم يُتَكَلم في روايته بانقطاعٍ عن شيخه، فإذا وجد هاذان الشرطان، فإن مسلمًا يحتج به ويخرجه.
بينما البخاري –رحمه الله- يضيف إلى ذلك اللقاء، بأن يكون التلميذ ثبت عنه لقاء شيخه، وسماعه منه، ولو مرّة واحدة، فإذا لم يثبت سماعه منه، أو لم ينقل سماعه منه، إما نفيًّا وإما إثباتًا، فإن البخاري –رحمه الله- يحتاط فيقف في تخريج أحاديث هؤلاء، إلا على وجه الشوائب والمتابعة، فكان شرطه في هذا الباب، أطوّمُ وأشدُّ من شرط مسلم –رحمة الله عليهما-
ومن هنا اتفقوا من هذه الجهة، على أن الأحاديث عند البخاري في الجملة أصح من الأحاديث عند مسلم في جملتها، وإن كان مسلم قد يخرج أحاديث أصح من أحاديث البخاري، إلا أن الغالب الأول.
هذا ما يتعلق بشرطِهما، فيما اتفقا عليه، وفيما اختلفا فيه، وأما المبحث الآخر، وهو اختلافهما في انتقاء الرواة، فإن البخاري –رحمه الله- في انتقاء الرواة الذين يُخرج لهم في صحيحه، شرطه في هذا الباب أشدّ من شرط مسلم –رحمه الله-، لذلك فمن تُكلم فيه من الرواة في البخاري، بلا شك كما يقول الحافظ ابن حجر، وغيره من النُقاد، بأنهم أقل من الرواة الذين انتُقِدوا على مسلم، ذلك أن شرط البخاري في باب الانتقاء أشد من شرط مُسلم -رحمة الله عليهما-، فمسلمٌ خرّج لجماعة كأبي الزبير، وحماد ابن أبي سلمة، وداود ابن أبي هند، وصهيب ابن أبي صالح، والعلاء ابن عبد الرحمن، وغيرهم من هذه الطبقة الذين هم في مرتبة الحديث الحسن، في غالب الأمرِ، وإن كان بعضهم يُصحح لأمثال هؤلاء، فتحاشى الإمام البخاري حمّاد ابن سلمة، حين جاء عن جماعة من النقاد، أن حماد تغير بأثره، وقد عاب ابن حبان ذلك على البخاري –رحمه الله-، وقال ابن حبان: (ومن العجيب أن يعمل بعضهم فيُخرجوا لبعض من تُكلم فيه، فيخرج لفليح ابن سليمان وفلان، ويدع شيخ الإسلام حماد ابن سلمة)، فحماد –رحمه الله- كما يقول جماعة من النقاد، تغير بأثره، فلما دخل عليه التغير، فإنه –رحمه الله- جنح البخاري إلى الاستغناء عن حديثه، فلم يُخرِج له إلا في باب المتابعات والشواهد، خوفًا من تَغيُره الذي طرأ عليه، ولكن انتُقِد على البخاري –رحمه الله- تخريج حديث من هو دون حماد، كفليح ابن سليمان وغيره، أما مسلم فإنه كان يحتاط في الرواية عن حمّاد في وقت التغير، وإنما خرّج لحماد قديم حديثه، وما رواه الأثبات واتفقوا عليه، وتوبع على أكثره، فانتقى –رحمه الله- واحتجّ بحديث حمّاد وخالف شيخه البخاري –رحمة الله عليه.
وكذلك الحال في حديث أبي الزبير، وحديث أبي الزبير، وأبو الزبير معلوم بالتدليس –رحمه الله- وهو وسط، حسن الحديث، تكلم فيه بعضهم من جهة تدليسه، ومن جهة حفظه، فأخرج الإمام مسلم منتقيًا أحاديث أبا الزبير وأكثَرَ عن أبي الزبير من طريق الليث بن سعد عن أبي الزبير، إذا أن أبا الزبير مع حديث الليث بن سعد له من الخصيصة والمزية ما شَجعّت مسلمًا على أن يُخرّج حديثه من طريق الليث، فإن الليث بن سعد أتى أبا الزبير وقال له: أعطني صحيفتك، وقرأ عليه صحيفته ثم انصرف ثم تنبّه الليث فرجع إلى أبي الزبير فقال له: علّم لي على ما سمعت من جابر وما لم تسمع، فأخرج له أبو الزبير الصحيفة، وعلّم له ما سمع من جابر وما لم يسمع، فتبيّن من هذا أن مسلمًا انتقى من أحاديث أبي الزبير كانتقائه فيما رواه الليث بن سعد عن أبي الزبير –رحمه الله- وهذا محمولٌ على الاتصال إذ أن الليث لا يروي عن أبي الزبير إلا صحيح حديثه.
وكذلك مثل هذا انتُقِد على الإمام البخاري، ولكن البخاري احتجَّ بمثل ما وقع فيه مسلم من هذه الإنتقاء، فقد خرّج البخاري لحميد عن أنس، وقد عُلِم أن حُميدًا الطويل جُلّ ما يرويه إنما يرويه بواسطة ثابت البناني عن أنس، فتجوّز البخاري بذلك، إذا أن مدار الحديث من طريق حُميد فيما عنعنه، أو فيما كان محتملًا للتدليس، إنما يرجع إلى رواية حميد عن ثابت البناني، وثابت ثقة، فهذا قريب من صنع الإمام مسلم –رحمه الله- وكذلك ما ذُكر من الخمسة إنما خرّج من حديث العلاء بن عبدالرحمن أحاديث قليلة تُعد على الأصابع منها ما رواه من طريق العلاء بن عبدالرحمن عن أبيه عن أبي هريرة وهو قليلٌ جدًا –رحمه الله في التخريج، وكذلك ما رواه من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه، وربما كان الصواب عن أخيه وما أشبه ذلك، فحيث ما دار الإسناد دار على ثقة، إلى غير ذلك من البيان والإيضاح مما يدل على أن الإمام مسلم –رحمه الله- قد تنبّه لأحاديث هؤلاء، فاحتاط لما يرويه عنهم، وقد وقع البخاري –رحمه الله- في مثل ذلك كروايته عن فُليح بن سليمان وعن غيره ممن تُكلم فيه، لكن البخاري كذلك ما رواه عن الأويسي وغيره، إلا أن البخاري انتقى من أحاديث هؤلاء.
فتبيّن من هذا الاختصار أن البخاري ومسلمًا كل واحدًا منهما قد أخرج لرواه تحاشى هؤلاء الرواة الآخر، كذلك الإمام البخاري –رحمه الله- احتج بعكرمة وتحاشا عكرمة مسلم فلم يخرج له شيئًا إلا متابعة ومقرونا، واحتج به الإمام البخاري –رحمه الله.
وفي الجملة ينتهي البحث إلى أن انتقاء البخاري للرواة هو أقوى وأقوم من انتقاء مسلم –رحمهم الله جميعا.
ثم مما يُنتبه إليه أنه حين نتكلم أو تكلّم علماء الحديث عن شروط الأئمة سيما الشيخين البخاري ومسلم، إنما ذلك يُعرف بطريق السَبر والتتبع، وهنا يحتاج طالب العلم أن يعرف معنى السّبر.
السّبر هو الذي يُعبر عنه في اصطلاحنا المحدث أو اصطلاحنا الحديث هو الاستقراء، فيستقرأ ما رواه الإمام في كتبه أو في كتابه من الحديث، فيتبيّن من خلال هذا الاستقراء يتبين من ذلك شرطُه وطريقتُه في التعامل، وقد كان أئمتنا قديمًا علماء الحديث والأثر يُسمون هذا السّبر، أي يسمون الاستقراء هو السّبر، وثمّة شرطٌ عظيم جليلٌ في الفرق بين السبر وبين الاستقراء، فإنه في مادة اللغة إذا رُجع إلى معنى السّبر عند أئمة اللغة العربية، فإنهم قالوا سَبَر الأمر أي إذا جرّبه، ففي السّر ما يقتضي معنى المعايشة للعلم وما يقتضي معنى المداخلة والملازمة لأبواب العلم ومن خلالها يستطيع أن يستخلص المُحَدِث قواعد من خلال سبّره، أي من استقراءه ومن معايشته، بخلاف معنى الاستقراء فإنه في لغة العرب أو في اللغة عمومًا لا يدل على معنى المعايشة، بقدر ما يدل لفظ السبّر لمروياة الراوي أو لطريقة الناقد من علماء الحديث، ومعنى ذلك أن المُحَدِث يعيش عمرًا ودهرًا مع الحديث، أو مع كتب الحديث، فيتبين له ذلك الشروط فيستخرج تلك القواعد بعد سبرٍ وبعد استقراءٍ وتتبعٍ كبير، وبعد عمرٍ مديد وبعد تجربةٍ ومعايشه لهذه الكتب، ولرواة الحديث، وهذا يدلنا أنه لا ينبغي لطالب العلم أن يستعجل في استخراج قواعد، وأن يَدّعِي أنه اسْتَقْرَأ وسَبَرَ وتتبع مع أنه لم يقف على هذا العلم منه إلا القليل، أو أقل من القليل، وإنما يُعتمد في أبواب السبّر والتقسيم والاستقراء على كلام الأئمة النقاد الذين سَبَروا واستقروا كتب الحديث، ورواة الحديث، والله أعلم .
الشيخ :نظرًا لأهمية هذه المسألة وهي مسألة السبّر فأحب أن أدخل مداخلة أُأكد المعنى الذي تفضل به فضيلة الشيخ وفقه الله -تبارك وتعالى- وهو أن السبّر لا يعني فقط أن يُطّلَع على المادة المكتوبة كلها بالتتبع فقط إنما السبّر أمرٌ غايةٌ في العمق، فإذا كان الحافظ ابن حجر- رحمه الله -تعالى- يدعو الله -جل وعلا- أن يمنحه حفظًا الذهبي ويقول عنه أنه من أهل الاستقراء التام، ويقول الذهبي وهو الذي وصف بذلك عن أهل الحديث أنه لم يبقى له ذكرٌ إلا في كتابٍ أو تحت تراب، ويقول عن علم الحديث أنه صلف، فليس السبّر كما يظنه بعض الحدادية ومن يُفتن بهم من الجُهال، أنه هو ما يشتغلون به وما يظهرونه وما يتريشون به، إنما هو أمرٌ يحتاج إلى أمانه ويحتاج إلى مَلَكَه، ويحتاج إلى دِقّه، فليس كل أحدٍ يُفتح له في علم الحديث فهاهم العلماء رحمهم الله -تعالى- من الذين يبرزوا فيهم من الحديث في علم الحديث؟ قد يُبَرّزُ في الفقه أقوام، وقد يُبرز في غيره، ولكنَّ الحديث لا يُبرز فيه إلا الرجل تلو الرجل، على مر العصور، وخاصةً فيما يتعلق بالعلل، فلا يَغُرّن مسلم ولا يَغُرّن طالب صورة البحث في ترتيبها، ولكن عليه إذا أراد أن يعرف عمق بحث فعليه أن يتتبع البحث، فَإنَّ عِلمَ الحديث لا يمكن أن يُعرف مرتبة المُشْتَغل به بِمُجرد قراءة كلامه الظاهر، لكنك لا تعرف منزلة الرجل في الحديث حتى تأخذ أفراد مسأئلهِ وأحكامه، فتبحث من وراءه فيتجلى لك منزلته والله أعلم.
الشيخ عادل منصور: جزاكم الله خيرًا، والحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه
أما بعد،
فلا شك أنَّ الإشارة والحديث عن الانحراف الحاصل في باب علوم الشرع من قِبل كثيرٍ من المنتسبين والمشتغلين بها، هذا داخلٌ في حراستها، وفي النَّصيحة لله ولدينه ولعامة المسلمين ومن ذلك أننا بُلينا في عصرنا هذا بأقوامٍ لم يعرفوا قدر أنفسهم أولًا، ثم لم يعرفوا قدر أئمة الإسلام ثانياً، وابتلوا بالاعتداد بالنفس، ومن أولئكم الحدَّادية في باب الحديث وهم سائرون على طريقة الملبرالية أيضا، فَتجدّ الواحد منهم في بدايات قراءات علوم المصطلح ثم يتجه إلى مسألةٍ عويصة أو إلى راوٍ اضطربت فيه أقوال الأئمة، فيقول لك بملىء فيه أنا قد تتبعتُ! أنا نظرت في أحاديث هذا الرَّاوي! أنا قد استقرأتُ! ونحو هذه العبارات التي لا يغتر بها إلا من كان مثلهم في الجهالة والغواية ويُلّبسون بها على الجُهال، ومن أسباب -الشيء بالشيء يُذكر- ومن أسباب ذلك سهولة ممارساتهم للبحث الإلكتروني عن طريق مواقع الإنترنت وعن طريق المكتبات الإلكترونية كالشاملة أو الجامع الكبير أو الحديث وغير ذلك من الموسوعات الإلكترونية, حتى أنَّ بعض هؤلاء يقول أنا عندي هذا الكمبيوتر إيش الدار قطني وإيش غيره ؟ أنا عندي الكمبيوتر، وعندي الشاملة إيش الدار قطني وإيش غيره؟ مع أنَّ هذا الذي يصحُّ في حقَّه وأمثاله قول الإمام الألباني في مسألةٍ أخرى : "غرَّ هؤلاء جهلهم " جَهِلوا غرَّ هؤلاء جهلهم جهلوا قدر أنفسهم وجهلوا قدر الأئمة، إلى اليوم في علل الدَّار قطني يُشير إلى رواياتٍ يُعلقُها لم يجدها الباحثون في المصادر التي تحت أيديهم الآن لا عبر المكتبات الإلكترونية، ولا غير ذلك من وسائل البحث، فتيسر لهؤلاء أنَّ أحدهم إذا أحسن استخدام الأجهزة الإلكترونية والمكتبات البحثية والبرامج البحثية، أصبح يعُدُّ نفسه من أهل الاستقراء، سواءً للأحاديث أو للكلام في الرواة وهذا جهل لأنَّ وسائل ابحث الإلكتروني نعم تقدم لك مادة ولكنها لا تُعطيك آلية الاستقراء ولا التَّتبْع .
على سبيل المثال وباختصار -إن شاء الله تعالى- أنَّ الراوي إذا تُكُلِّم فيه وأُريد جمعُ رواياته وأحاديثه فهناك أجزاء وروايات من الحديث وغيره لم تُطبع أو لم يُعثر عليها أو لم تُدخل في هذه البرامج الحاسوبية.
ثانياً: أنَّ في هذه المواطن لا يُذكر الرَّاوي في كل موطنٍ باسمه الكامل، فمعروفٌ من طرائق الأئمة والرواة أنهم تارةً ينسبونه إلى جده، وتارةً ينسبونه إلى أبيه وتارةً يذكرونه بالكُنية، وتارةً يذكرونه بالاسم فقط للعلم به، وغير ذلك أو لتقدُّم إسناده ،وقد وجدنا أُناساً اليوم يُحققون كُتُباً فيأتي مثلاً إلى كتاب الطهور لأبي عُبيد أو لغيره، فيقول حدَّثنا ابن أبي مريم يعني سعيد الإمام الجبل، فيُقال إسناده صحيح، ثم بعدها بعشرة أحاديث حدثنا ابن أبي مريم ما يُسميه سعيد، فيأتي هذا المحقق فيقول إسناده ضعيف ابن أبي مريم هو أبو بكر، لأنه هكذا حفِظَ من أطراف العلم، ومن أطراف المجالس والكتب، أنَّ هناك راوياً أسمه أبو بكر بن أبي مريم، بينما هو قد تقدَّم التصريحُ باسمه قبل قليل، هذا أمرٌ موجود،بل وجدنا يا إخوتي من يُحقق رسالةً علمية في الاعتقاد جيد فيقول مؤلفُها حدثني عبد الله بن سليمان، فيقول لم أجد له ترجمة في ما بين يدي من كتب الحديث، وهذا عبد الله بن سليمان بن الأشعث بن أبي داوود الإمام الجليل المعروف، لم أجِدْ له ترجمة في بابين (مِن يديّ) مِن كُتبِ الحديث، وهذا هو عبد الله بن سليمان بن الأشعث ابن أبي داود الإمام الجليل المعروف، تقدّم ذكرهُ قبلُ بأسانيد، وهكذا وجدْنا مَن حققّ كِتابًا آخر؛ ككِتاب السُنّة لعبدِ الله بن أحمد، ثمّ يقول: حدّثنا بن معاذ بن معاذ قال: حدّثني أبي! فيُترجِمْ له وينقُل توثيق الأئمّة له، ثمّ بعدها بِمواطن: حدّثنا معاذ ويقول:لم أجِد له ترجمة، هكذا يصنعون ثمّ يقولون نحنُ مِن أهلِ الاسْتقراء، أيُّ استقراء هذا !!
فإذًا وجودُ الراوي أو بحثُك بطريقةٍ مِن طُرقِ البحثِ الحاسوبيّة؛ لا يوقِفُك على أحاديث الراوي مِن حيثُ الجملة، لأنّهُم يذكرونهُ بِصورٍ مُختلِفة في الأساليب، هذا أولًا.
ثانيًا: أنّ الاستقراء ليس فقط لأقوالِ الأئمّة، ولكنْ يَسْبُرون الروايات ويجمعونَ الأقوال، ويُميّزون بينَ ما صحّ وما لمْ يَصِّح مِنها، ثمّ يبنون الحُكم.
فالشّاهد: أنّ هذه ِفتنة سببُها: هذه الطفرة الإلكترونيّة إنْ صحّ التّعبير، وهذه القفزة الحاسوبيّة، مع وجود هذه الأمراض النفسيّة في دواخِلِهم، نسألُ الله-العافيةّ والسلامة.
الشيخ خالد عبدالرحمن: وهنا فائدة يُخْتم بها إنْ شاء الله: ما يتعلّقُ بمسألةِ التتّبعْ والاستقراء، فقدْ (سُئِل) الإمامُ الألباني -رحمه الله- في عدّةِ مواضِع، كما تجِدونَه في سلسلةِ الهُدى والنّور: (سُئِل) في عدّةِ مناسبات، وفي عدّةِ مواضِع: عن الرّجل أو عِن طالب العلم؛ المشتَغلِ بالحديث الذي (يستقرِءُ) حالَ راوٍ ما؛ هل يجوزُ أنْ يعتمِدَ على ما ذهب إليهِ استقْرائهُ؟
فقال الإمامُ الألباني: نعم، ولكن بشرطْ؛ أنْ لا يُخالف النقّاد والأئمِة، فقيل له: كيف؟
قال: مثلًا: فإذا اختلفَ الأئمّةُ والنّقاد؛ في راوٍ ما؛ فقال بعضُهم ثِقة، وقال بعضُهم ضعيف، فلك إنْ كُنت مُتخصّصًا في هذا الفنّ: أنْ تستقرِئَ مرويّاتِه، ثمّ تختار أحد قولَيهِما، إمّا توثيقًا؛ وإمّا تجريحًا وتضعيفا، قال الإمامُ الألباني- رحمه الله-: أمّا أنْ تعمد إلى رجُلٍ وثّقوهُ، واتّفقوا على توثيقهِ، فتقول: استقرأتُ أحاديثهُ فتبيّن لي ضعفهُ، أو تعمدْ إلى رجل اتفقوا على تضْعيفِه، فتسْتقرئْ وتقول: صحّ عندي صحّةُ أحاديثِهِ فهو ثِقة؛ فهذا في الحقيقة ضربُ لِعلمِ الحديث، ومُخالفة لسبيلِ المؤمنين،
والله-تعالى- يقول { وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [ النساء 115]
الشيخ: لا بدّ لنا هنا أنْ نذكُرْ نسب هؤلاء، فهذا يُذكّرنا بِمقولةِ جِهِيمان وفتنتِه حين كان يقول: (إنّ الرجل مِن أصحابِنا؛ لا يحتاجُ إلاّ إلى أسبوع؛ حتى يعرِف أنْ يُصحِّح ويُضعّف)، فهذا يدلُّك على نسبِ هؤلاء، وصِلَتهم ووشيجتِهِم بالتكفير.
الشيخ: جزاكم الله خير-، أيضًا هذا: بارك الله-فيكم- في ما قلتم، كانت نُقطة (يعني) أنْ أتكلّم فيها، وأشار -جزاهُ الله خيرٍ- الشيخ أحمد لها، وهي: أنّ عِلم الحديث؛ كما يقول الألباني ويقول غيرهم مِن أهل الحديث: يحتاج إلى عُمر يمُضيهِ طالب الحديث، وطالب العلم فيه، هذا العمرِ الذي يُمضيه؛ يجعل عِلمَ الحديث يجري في دمهِ، فيكون كالخادم مع سيّدهِ، يعرِفُ كُلّ ما تعلّق بهِ، فهؤلاء مثل ما تفضّلتْ، عمرُهمُ الحديثي ضئيل جدًا، بِجانب ما يشتغلّون به مِن تكفير، وتبديع للأئمّة، وطعن في أهل السنّة، فلا شكّ أنّ البركة منهُم والخير ممحوق ومسحوب -نسأل الله السّلامة والعافية-.
أيضًا هُم جهِلوا هؤلاءِ الحدّاديّةوالمِلِباريّة؛ جَهِلوا طريقة أئمّةِ الحديث؛ وهي أنّ لِكُلِّ حديث نظرٌ خاص، أنّ لِكُلِّ حديثٍ نظرًا خاصًا بهِ، فلا يمكن التعميم أنْ تجري على جماعة مِنَ الأحاديث نفس الحُكم، ولذلك هم غفلوا أو تغافلوا؛ أو أوقَعهُمُ الله-عزّ وجل- في شرِّ أعمالِهم، فكانوا مِنْ أبعدِ النّاس نُصحًا للأمّة، ومِنْ أبعدِ النّاس فقهًا لأحاديثِ النبيّ-صلى الله عليه وسلم-،
وما ذكرهُ ابن طاهر- رحمهُ اللهُ تعالى- ممّا يتعلّقُ بِمعرفةِ شروطِ أهلِ هذه الكُتب (يعني)، يَقودُنا إلى التّكلُّم عن قضيّة مهمّة أو سؤالٍ للجواب، أو الجواب عن سؤال مهمّ, وهو كيف السبيل لمعرفة مناهج المحدثين في مصنفاتهم؟
نظر أهل العلم في ذلك فقالوا: يمكن معرفة منهجه من أحد الطرق التالية؛ منها وهو أفضلها: أن يصرح المصنف بشرطه, كما فعل أبو داود –رحمه الله تعالى- في رسالته لأهل مكة حينما ذكر السنن وطريقته فيها.
ومنها أن يكون شرطه واضحًا من عنوان اسم كتابه, كما فعل البخاري –رحمه الله تعالى – حيث سمى كتابه (الجامع الصحيح المسند المختصر من حديث رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وسننه وأيامه), فقوله "الجامع" أي أنه مصنف على طريقة المحدثين في الجوامع, قالوا: والجوامع كتاب عند المحدثين يجمع جميع أبواب الدين من الإيمان والطهارة والعقائد والأحكام والرقاق والآداب والتفسير والسير والتاريخ والفتن وأشراط الساعة والمناقب والمثالب. فإذن هو كتاب جامع لهذه الأمور, "الصحيح المسند" فالصحيح اشترط فيه الصحة, وأما المسند فمعناه أنه اتصل سنده إلى النبي –صلى الله عليه وآله وسلم- وأما "المختصر" فيعني أنه لم يستوعب جميع الصحيح من حديث رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أي لم يدخل الآثار عن الصحابة أو عن التابعين في الأصل وإنما في ثنايا الكلام "وسننه وأيامه"
فإذن نستفيد من تسمية الكتاب معرفة منهج المصنف –رحمه الله تعالى-.
أيضًا من السبل في ذلك: أن يبيّن أو أن يُسأل صاحب الكتاب أو أن ينقل عنه كلام يفيد في طريقته في الكتاب, مثلما سئل مالك –رحمه الله تعالى- عن رجل فقال: هل وجدته في كتابي؟ وكما سئل الإمام أحمد –رحمه الله تعالى- أو تكلم عن المسند وأنه جامع لحديث رسول الله –صلى الله عليه وسلم-.
ومنها أيضًا: أن يُفهم شرطه عن طريق السَّبر والتقسيم واستعمالاته واصطلاحاته في الكتاب, فيستخرج العلماء من طريقته ومن كلامه شرطه ومنهجه في هذا الكتاب.
فهذه بعض الأمور التي يمكن عن طريقها معرفة شرط صاحب الكتاب, وأيضًا كما هو معلوم أن بعض العلماء الكبار قد ينصوا على أن شرط فلان في كتابه هو كذا وكذا, فهذا مما يرجع إليه العلماء ويعتمدون عليه في كتبهم.
الشيخ: جزى الله المشايخ خيرًا على ما تقدموا به من هذا التعليق المبارك –بإذن الله-, وأحب أن أذكر شيئًا فيما يتعلق بالسبر وهو إمكانية وقوع سبر في هذه الأعصار ،فإن كثيرًا من الأغمار المتعالمين من الحدادية يزعم هذا السبر في نظره في هذه المصنفات الـمطبوعة في هذا الوقت، وإنما يعثر في هذا لكثير من الأسباب منها: أن كثيرًا من هذه المصنفات لم تخرج من حيز المخطوط إلى المطبوع.
الأمر الثاني: أن كثيرًا من هذه المصنفات قد انتقت من هؤلاء الرواة ما صح من حديثهم.
الأمر الثالث: أن كثيرًا من هؤلاء الرواة يعسر وجود رواياتهم أو مروياتهم في الكتب التي لم تخرج، فإن دعوى السبر في هذه المصنفات والمطبوعات يكاد يكون كالمستحيل, إلا أن بعض الأئمة ممن له دربة في مثل هذا الميدان وبلغ في العلم رسوخًا قد سبر بعض هذه الكتب ومناهجهم, فلذلك وجب التنبيه والتنويه على هذه الملاحظة.
نكمل هذه الرسالة،قال المؤلف –رحمه الله تعالى-: ( وأما أبو داود فمن بعده فإن كتبهم تنقسم على ثلاثة أقسام، القسم الأول : صحيح وهو الجنس المخرج في هذين الكتابين بخاري ومسلم فإن أكثر ما في هذه الكتب مخرج في هذين الكتابين والكلام عليه كالكلام على الصحيحين فيما اتفقا عليه و اختلفا فيه .
والقسم الثاني : صحيح على شرطهم، حكي أبو عبد الله ابن منده أن شرط أبي داود والنسائي هي إخراج أحاديث أقوام لم يجمع على تركهم،إذا صح الحديث باتصال الإسناد من غير قطع ولا إرسال، ويكون هذا القسم من الصحيح، فإن البخاري قال : (أحفظ مئة ألف حديث صحيح ومائتي ألف حديث غير صحيح) ومسلم قال : (أخرجت المسند الصحيح من ثلاثمائة ألف حديث مسموعة)
ثم إنا رأينهما أخرجا في كتابيهما ما اتفقا عليه وما انفردا به قريب عشرة الآلف تزيد أو تنقص، فعلمنا أنه قد بقي من الصحيح الكثير، إلا أن طريقة لا يكون كطريق ما أخرجاه في هاذين الكتابين، فما أخرجوه مما انفردوا به دونهما فإنه من جملة ما تركه البخاري ومسلم من جملة الصحيح.
الشيخ عادل منصور : إذا أذن المشايخ – جزاكم الله خيرًا – أولًا في أول الرسالة يقول – رحمه الله – فإن قيل أن كل واحد من هؤلاء الأئمة الستة، كان من قبل ابن طاهر كما ذكر ابن عساكر – رحمه الله – وأيده ودلل عليه جمعٌ منهم الحافظ ومنهم ابن حجر في النكت، كانوا يعدون الأصول الإسلام في المصنفات خمسة ولا يعدون منها : ابن ماجة، ومن عدَّ منهم فكان يُدخل : الموطأ، لجلالة الإمام، أو يُدخل الدارمي، فكان ابن طاهر قيل هو أول من أضاف ابن ماجه إلى الكتب الستة في موطنين، في هذا الكتاب، وفي كتابه رجال الكتب الستة، الذي تبعه بعد ذلك عبد الغني ثم المِزي في تهريب الكمال، وهكذا الكتب التي جاءت عقب ذلك، فكلها تبعٌ لابن طاهر في إدخال ابن ماجة.
وقد ذكر الحافظ بن حجر أن سبب ذلك أن زيادات الموطأ على الصحيحين على الكتب الخمسة قليل وأما زيادات ابن ماجه على الكتب الخمسة فإنها كثيرة جدًا فكان في إدخال سنن ابن ماجه مع الكتب الخمسة تتمة للستة، يعني إدخال مصدر يشتمل على أحاديث كثيرة من سنن رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – وقد قيل أن ما زاده
( أعني ابن ماجه ) على الكتب الستة هو فوق الألف حديث وهي التي عُني بالكلام عليها البوصيري في كتابه، فمن أجل ذلك أدخلوا سنن ابن ماجه – رحمه الله – لكثرة زياداته على الكتب الخمسة الأخرى، هذا أمر، الأمر الثاني : فيما ذكره من القسم الثاني أنه صحيح على شرطهم، أي شرط هؤلاء ( أبي داود والترمذي والنسائي ..إلى آخره ) ثم نقل عن أبي منده أن أبا داود والنسائي يخرجان أحاديث أقوام لم يُجمع على تركهم، تقدم معنا أمس في رسالة أبي داود بيان معنى هذه الكلمة من الحافظ بن حجر وغيره أن المقصود بذلك : الطبقة، الطبقة الواحدة تشتمل على من في عبارتة شدة الجرح أو تساهل أو توسط، فإذا كان علماء تلك الطبقة تكلموا في هذا الرجل فهذا هو المقصود بالإجماع، يجمع على تركه إجماعًا خاصًا وهذا تقدم بيانه.
الأمر الثالث : هذا القسم الثاني وما لحقه من كلمة المصنف فيها ما يسمى بالالزامات، تعلمون أن الدار قطني – رحمه الله – قام بكتاب، بعمل رسالته العظيمة الإلزامات ورسالة أخرى التتبع، وهما مطبوعتان بعمل وتعليق، شيخنا العلامة : مقبل بن هادي الوادعي – رحمه الله تعالى رحمة واسعة .
والحقيقة أن الكلام على الأحاديث الصحيحة خارج الصحيحين يعطينا أمورًا، الأمر الأول : أن هناك أحاديث صحيحة خارج الصحيحين وهما لم يلتزما بإخراج كل حديث صحيح خارجهما، لهذه العبارات التي سينقلها ابن طاهر.
وأيضًا لأنهما كالبخاري مثلًا سُئِلَ عن أحاديث صححها ولم يُخرجها في صحيحه، وكما تقدم في كلمة الشيخ أحمد أنَّ كتابهُ مختصر، فلم يَسُق كل الأحاديث الصحيحة.
وفي هذا رد على من زعم الاكتفاء بالصحيحين وقد كان يتبنى هذه الدعوة بعض الناس فكانت حافزًا لشيخنا مقبل -رحمه الله- أن أَلَفَّ كتابه (صحيح المسند مما ليس في الصحيحين) ردًا على هذه الدعوى وهي الاقتصار على القرآن والصحيحين، فهناك أحاديث صحيحة خارج الصحيحين لم يُخرجّها أحدُ الشيخين -رحمهم الله تعالى- لأنهما لم يقصدا الاستيعاب فلا يلزمهما إخراج كل حديث صحيح.
لهذا فذكر هذه الأقوال لهذا ذكر- رحمه الله- قال (قد فعلمنا أنه بقيَّ من الصحيح) ثم قال (من الذي تركه البخاري ومسلم من جملة الصحيح): فلا يُستّدل بعدم تخريج الشيخين للحديث على ضعفه، أو على وهائه، فهما لم يلتزما إخراج كل حديث صحيح والله اعلم .
وللدلالة على ذلك أن أيضا أهل الأهواء والبدع- اعتذر- تعرفون أن من المصنفات شيئًا يُسمى المستدرك، وشيء من المصنفات يسمى المستخرج
فالمستخرج: أن يعمد مصنف الكتاب،أن يعمد الحافظ أو المحدث إلى كتاب من الكتب فَيُخرج أحاديث ذلك الكتاب خاصة بأسانيد نفسه ويقع له فيها زيادات وتصريح مدلسين بالسماع للأسانيد، وغير ذلك، أما المستدرك فهو أن يُخرِج أحاديثه بأسانيده ليست موجودة عند ذلك الكتاب أو عند ذلك المُصَنِف، فيضيفها إليها وقد كان من أسباب تأليف الحاكم لكتابه المستدرك الرد على أهل الأهواء والبدع، لأنهم كانوا يطعنون في أهل الحديث ويغمزون فيهم ويقولون أنتم ماعندكم من الأحاديث إلا الخمسة آلاف أو عشرة آلاف التي جمعها لكم البخاري ومسلم) قال (فأردت أن أرد على أهل الأهواء والبدع وأُبيّن لهم أن عندنا من الأحاديث الصحيحة غير مافي البخاري وفي مسلم) إلا انه يقع له الأوهام في استدراكه إما بقوله لم يخرجاه وقد خرجاه و احدهما فيقع له الوهم، وأما في ذكره أن الحديث على شرطهما وليس كذلك،فلايكون على شرطهما فقد يكون على شرط أحدهما وقد يكون ليس على شرط واحد منهما،ولذلك تُعقِب كما تجدونه في كتاب التخاريج من حيث التفصيل في الأحاديث ومن كتب المصطلح من حيث الإجمال في بيان ونقد بعض طريقته في الاستدراك والله تعالى اعلم، لكن عفوًا أيضا قبل هذا قوله (أن هؤلاء رحمهم الله لم يُصرحوا بمنهجهم ولا بشروطهم وانما يؤخذ فقط بالسبر) الحقيقة أن هذا لايتفق في مثل أبي داود، فإنه قد ذكر شرطه في رسالته، وكذلك الإمام مسلم فإنه قد ذكر شرطه ونهجه وطريقته في مقدمة صحيحه، فيكون المصنف -رحمه الله- قد أشار إلى الطريقة الأكثر التي تشمل هذه الكتب وغيرها وهي طريقة السبر,والسبر أما أن يكون ذاتي من الباحث وتقدم الكلام عليه، ولو عُدِلَ السبر بتنصيص إمام مُعتَبر، لكان أدقّ هنا في هذا الوقت أن يقال بعنوان كتابه بذكره له في مقدمته، أو في جواب سؤالٍ سُئله، أو بتنصيص إمام معتبر ،أن شرط فلان هو كذا وكذا في كتابه، وعلى العموم هذه الرسالة
(شروط الأئمة الستة ) ومصنفها كما قلنا أول من ادخل ابن ماجه لقد عُلِّق على بعض المواطن من قبل الحفاظ الذين جاءوا بعده كما تجدونه في كتب الحافظ العراقي، وفي النكت لابن حجر وفي توضيح الأفكار للصنعاني، ولعل الله ييسر في بعض المواقف أن نذكرها، ومالم نذكره فإنما هو اختصار للوقت.
المتن: قال رحمه الله -تعالى- والقسم الثالث أحاديث أخرجوها للضّدية في الباب المتقدم وأوردوها لا قطعًا منهم بصحتها، وربما أبان المُخَرّجُ لها عن علتها بما يفهمه أهل المعرفة .
الشيخ: قبل ذلك أحب أن أتكلم عن شرط أبي داوود لأنه قد ذكر- رحمه الله- قبل ذلك ما يتعلق في أبي داوود والنسائي، بالنسبة لأبي داوود فنحن حديثو عهدٍ بأبي داوود لأننا البارحه بالأمس قد قرأنا رسالته كامله ولذلك فلا أحب أن أعيد تفاريق ما جاء فيها ولكن أُظْهر شَرْطَه رحمه الله تعالى في مسائل أُعَنْوِنُها إذا استمع إليها الطالب بتركيز ثم قَصَد إلى رسالته فقرأها فارجوا الله -تبارك وتعالى- أن يُحيطَ بها علما، فارتب الكلام كالآتي أنه رحمه الله -تعالى- يذكر ما هو ثابتٌ.
ثانيًا أن مُراده بالثابت ما يحسن الإحتجاج به ويلحق هذا الكلام على المراسيل.
الثالث أنه يذكر ما احتج به الفقهاء من جوامِع أصول الأدلة ، الرابع أنه نص على أنه لا يستوعب الطرق حتى لا يكون تصنيفه وعرًا على غير المشتغِلِ في الصنعه.
الخامس أنه يترك بعض الأحاديث لعلةٍ فيها أو إيثارٍ لغيرها بخصوص لفظةٍ زائدة الفائدة حتى لا يتوهم متوهم أنه قد فاته شيء.
السادس أنه يحرص رحمه الله -تعالى- على المشهور المتداول ويترك الغريب الشاذ جريًا على سنن أهل العلم والسلف الصالح.
السابع أنه يترك حديث المتروكين وذلك بحسب اجتهاده أو ما اجمعو على أنه متروك على التفسيرين في ذلك.
الثامن أنه يبين ما كان فيه ضعف ظاهر وقد يسكت عن ما ليس وأنه قال وما فيه وهنٌ شديدٌ بيّنته، وإن كان قد يسكت أحيانًا عن أحاديث ويكون سببُ كما نصّ النووي رحمه الله -تعالى- على أنه يتركها لظهور ضعفها، التاسع أنه قصد جمع أحاديث الأحكام.
هذا التلخيص لرسالته فإذا قرأ الطالب بعد ذلك رسالته سيستطيع أن يحيط بها علمًا لكن لعله يحسن أن نتكلم فيما يتعلق في مسألةٍ لها أهميةٌ خاصه عند أهل العلم في شرط أبي داوود وهو ما سكت عنه وقوله فيه أنه صالح، فالحقيقه أنه أصلح لفظةٍ للإمام أبي داوود رحمه الله -تعالى- في ذلك هي اللفظه التي قال فيها : (وما سَكّتُ عنه فهو حسن) فهذه اللفظه هي من أصرح الألفاظ عنه رحمه الله -تعالى- في الدلاله على من انتحل بعضهم في أن ما سكت عنه فإنه معتمدٌ ومقبول ومصحح، وفي الحقيقة أن هذه اللفظة، إنما رويت بعباراتٍ مضعفه يروا ونحو ذلك، ولذلك حتى من انتصر بالقول بترجيح ما سكت عليه أبي داوود تصحيحًا كإبن الصلاح أعرض عنها وضرب عنها صفحًا، فالمقصود أنه رحمه الله -تعالى- قال بعض الأقاويل يحسن بالطالب أن يجمعها، ومن أحسن ما جاء في ذلك وأنا ألخص ممن كلام الألباني رحمه الله -تعالى- في مقدمتة،
في صحيح أبي داوود، وهي وإن كانت أربع ورقات إلا أنها من أحكم ما يكون –رحمه الله تعالى-، فقوله –رحمه الله تعالى- (ما يُفهَم من قوله أنه ما فيه أنه وهنٌ شديدٌ بيّنته)، وقوله الآخر (وما لم أذكر فيه شيئًا فهو صالح) فالعبارة الأولى مفهومُها يفيد أن ما ليس فيه وهنٌ شديد فإنه لا يذكره، ومنطوق قوله (وما لم أذكر فيه شيئًا فهو صالح) يفيد أنه ما سكت عنه فهو صالح، يقول الإمام الألباني –رحمه الله تعالى- معنى ذلك إن الصالح عند أبي داوود يشمل الحديث الضعيف الذي لم يشتد ضعفه، وهو الذي جنح إليه الحاكم ابن حجر –رحمه الله تعالى-، وكلام ابن حجر –رحمه الله – نقله منصور علي ناصر في التاج الجامع للأصول، فقال الحافظ: (ولفظ صالح في كلامه أعم من أن يكون للإحتجاج أو للإعتبار، فما ارتقى إلى الحُسنِ ثم الصحيح، فهو في المعنى الأول للإحتجاج، وما عداهما فهو المعنى الثاني الإعتبار، وما قصر عن ذلك فهو ما فيه وهنٌ شديد)، فهذا من حيث الأصل، يقول الألباني –رحمه الله تعالى- منبهًا على أن منها أحاديث واهية السند، ظاهرة الضعف، يسكُت عليها أبو داوود، حتى أن النووي –رحمه الله تعالى- يقول في بعضها وإنما لم يُصرّح أبو داوود بضعفه لأنه ظاهر، فتبيّن بذلك أنما سكت عنه أبو داوود ينبغي أن يُنظر فيه مليًا خاصة أنه يسكت عن أشياء مما يدلُّ على ضعف القول، باعتماد ما يسكت عنه، أنه يسكت عن أشياء يكون قد تكلّم عليها هو –رحمه الله تعالى- في السُؤالات، وهذا يدل على أنه لا يعتبر كل ما سكت عنه أنه مُمَشىً عنده ومُعتمد، هذا والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد .
المتن: فاٍن قيل لم أودعوها كتبهم ولم تصح عندهم ؟ فالجواب من ثلاثة أوجه : { أحداهما } رواية قوم لها واحتجاجهم بها فأوردوها وبينوا سقمها لتزول الشبهة . {والثانى } أنهم لم يشترطوا ما ترجمه " البخارى ومسلم " رضى الله عنهما على ظهر كتابيهما من التسمية بالصحة فاٍن " البخارى " قال ما أخرجت فى كتابى اٍلا ماصح وتركت من الصحاح لحال الطول . " ومسلم " قال ليس كل حديث صحيح أودعته هذا الكتاب واٍنما أخرجت ما أجمعوا عليه،
ومن بعدهما لم يقولوا ذلك فاٍنهم كانوا يخرجون الشئ وضده .
الشيخ: في النسخة هنا عندي (ومن بعدهم)
المتن: ( ومن بعدهما)
الشيخ: جيد، هنا النسخة التي استشكلناها أمس، هنا النُسخة( ومن بعدهم) البخاري ومسلم يعني.
المتن: قال {والثالث} أن يقال لقائل هذا الكلام رأينا الفقهاء وسائر العلماء يوردون أدلة الخصم فى كتبهم مع علمهم أن ذلك ليس بدليل فكان فعلهما هذا كفعل الفقهاء والله أعلم.
وأما" أبو عيسى الترمذى " رحمه الله فكتابه وحده على أربعة أقسام : قسم صحيح مقطوع به وهو ما وافق فيه " البخارى " و " مسلما "، وقسم على شرط الثلاثة دونهما كما بينا، وقسم أخرجه للضدية وأبان عن علته ولم يغفله، وقسم رابع أبان هو عنه فقال ما أخرجت فى كتابى اٍلا حديثاُ قد عمل به بعض الفقهاء، وهذا شرط واسع، فاٍن على هذا الأصل كل حديث احتج به محتج أو عمل بموجبه عامل أخرجه سواء صح طريقه أو لم يصح، وقد أزاح عن نفسه الكلام فاٍنه شفى فى تصنيفه وتكلم على كل حديث بما يقتضيه . وكان من طريقته- رحمة الله عليه- أن يترجم الباب الذى فيه حديث مشهور عن صحابى قد صح الطريق اٍليه وأُخرج من حديثه فى الكتب الصحاح، فيورد فى الباب ذلك الحكم من حديث صحابى أخر لم يُخرجوا حديثة، ولا تكون الطرق اليه كالطريق الاول واٍن كان الحكم صحيحاُ، ثم يتبعه بأن يقول ( وفى الباب عن فلان وفلان ) ويعد جماعة فيهم ذلك الصحابى المشهور وأكثر . وقلما يسلك هذه الطريقة اٍلا فى أبواب معدودة ، والله أعلم.
الشيخ عادل منصور: حقيقة أن الحديث عن الإمام الترمذي _رحمه الله_ أولًا الإمام الترمذي في تبويباته يذكر ما جاء عن النبي _ صلى الله عليه وسلم_ من الأحاديث بابًا بابًا، ولكن بسط مصطلحاته في رسالته في آخر السنن وهي المعروفة بالعلل الصغير المطبوع في آخر سننه، فإنه تكلم هناك عن الجرح والتعديل وتكلم عن شرطه وعن معاني بعض المصطلحات كقوله حسن وكقوله غريب وغير ذلك من المسائل وزيادة الثقة ونحوها، تكلم في ذلك كثيرًا رحمه الله تعالى رحمًة واسعًة، الإمام الترمذي أحاديثه يتكلم عليها من جهات أولًا: من حيث الحكم على أساليبها، فيبين الضعيف، فيتكلم عن الرواة ويتكلم عن اﻷحاديث، والجهة الثانية: أنه -رحمه الله- يتكلم من حيث العمل من عدمه، فهذا وجه من أوجه التعليل، فحسب ما يبلغه علمه فإنه بعد أن يذكر الحديث يقول وبهذا الحديث قال فلان وفلان وفلان والفقهاء من أصحاب النبي _ صلى الله عليه وسلم_ ثم يسمي، وهذه الحقيقة فائدة عظيمة ما تميز به الإمام الترمذي في سننه أن كتابه كتاب حديث وكتاب جرح وتعديل وكتاب علل وأيضا كتاب فقه وتفقه، فإنه رحمه الله عُني عناية خاصة بنقل فتاوي أصحاب محمد- صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وفتاوي أئمة الفتوى المعتبرين في البلدان بعدهم، لأن الدين إنما يؤخذ عن أهله المعتبرين، فهو رحمه الله يعلمنا بهذه الطريقة كيف نتلقى الدين؟ وكيف نأخذ الدين؟ -رحمة الله وتبارك وتعالى عليه-، وقد شرح شرطه ورسالته أو العلل الصغير الحافظ ابن رجب _رحمه الله_ شرحًا معروفًا مطبوعًا وهو شرح علل الترمذي، فالحقيقة أن علل الترمذي أو أن كتاب الترمذي _رحمه الله_ كتاب جامع وكتاب أيضا كتاب علل، ويتطرق بالروايات، وما اختتم فيه وصلًا ووقفًا.
المسألةالتي تليها قوله (وفي الباب) وهذا امتاز به الإمام الترمذي _رحمه الله تعالى_ أنه يقول وفي الباب عن فلان وفلان وفلان، وهنا أنبه تنبيه تنبيهين مختصرين، الأول أن قوله وفي (والباب) لا يعني بلفظ هذا الحديث، ولكن في ما يتعلق بلفظه ومعناه وما يحصل بهِ لهذا الحديث من تخصيص أو تقييد أو بيان و نحو ذلك، فهذا معنى قوله ( وفي الباب)، فيخرج أحاديث أولئك.
التنبيه الثاني: أن من جاء بعد الترمذي قد عنوا بالتخريج لما قال فيه الترمذي( وفي الباب) كما في كتاب الحافظ بن حجر وبعض البحوث المعاصرة في ذلك والمباركفوري _رحمه الله تعالى_ في تحفة اﻷحوذي له جهد بارز في ذلك من حيث أنه يُخرّج ما يقول فيه وفي الباب، وقد يكون ما قال فيه وفي الباب عن ابن عمر مثلا يكون موجود في الصحيحين، أو أحدهما ،فيخرج الحديث من طريق أبي هريرة ثم يقول وفي الباب عن ابن عمر وابن مسعود وعائشة فتجد أحاديث ابن مسعود وابن عمر وعائشة في الصحيحين وهذا يدل على أهميته، والحقيقة أن الحديث عن الترمذي وعن سننه يطول والله أعلم.
الشيخ : هنا -جزاك الله خيرا- سؤال في ما يتعلق بابن حزم فإنه لم يذكره فيما صنفه من المصنفات، فهل هذا ﻷنه لم يصله المصنف؟ جزاكم الله خيرا.
الشيخ عادل منصور: قد قيل بأن ابن حزم _رحمه الله_ قال عن أبي عيسى نفسه الترمذي، محمد بن عيسى (ومن أبو عيسى الترمذي) يعني أنه جهل المصنف فمن باب أولى أيضا أن يجهل المصنف؛ ﻷنه لا تلازم بين العلم بالمصنف وأصول كتابه، فقد ذكر في العجالة للناجي ذكر الناجي في العجالة أن البيهقي_رحمه الله_ لم يقع له أغلب السنن اﻷربع ثلاث من السنن اﻷربع لم تقع للبيهقي، لم يقع للبيهقي إلا سنن أبي داود ويرويها _رحمه الله_ أما باقي السنن فلم تقع له، إنَّ هذا أن باقي السُّنن لم تَقع لهُ مع العِّلم البيْهقي بالتِّرمذي، وعلم البيهقي بالنِّسائي، وابن ماجَه، إلا أنَّه لم تَقع له هذه السُّنن حيثُ الرِّوايه فلا تلازُم بينَ العِّلم بالإمام المصَّنف وبينَ كِتابه، ولكِن الذَّي ذُكِر أن ابن حَزْمٍ وقَع فيهِ أنَّه لم يَعلم المصنِّف ولم يعْلم بالمصنَّف كذلِك .
المتن: قالَ المؤلِّف – رحمه الله تعالى – قال السائِل فإنَّ الحاكِم أبا عبدالله النَّيسَروبي الحافظ ذَكر في كِتاب المدخل .
الشيخ عادل منصور: (إذا أذنتم) إذًا سننْتقِل إلى سُؤالٍ ثاني وهذا يعني أنَّ الإمام- رحمهُ الله-تكلَّم عن سُؤالين، السُؤال الأول عن شُروط الأئِمة السِّتة، وتَقدم الكلام عن السَّادس ابنُ ماجَه وإدخاله .
الأمر الثَّاني: القسم الثَّالث قال (أحاديث أخْرجوها لضِّديه أنَّهم يُبيِّنونَ عِللَها) ألا نُلاحِظ من هذا السِّياق أنه لم يَجْعل البُّخاري ومُسلمًا يُخرِّجان الحَّديث للْعلل، لم يَجعل أن البخاريَّ ومسلِما يُخرجان الأحاديثَ للعلل، كما نسْمع اليَّوم من يَقول (أن صحيحَ مسلِمٍ كتابُ علَل) هكَذا يقولون صحيحُ مسلِم كِتابُ عِلَّل ويَصدون ويَردون تَصريحَ مسلِم في مُقدِّمتِه، أنَّ سبب تَصنيفِه أن رجُلًا جاءَهُ يقول إخْتلط عليْه صحيحُ الحَّديث من ضَعيفِه ،سَقيمِه من معْلولِه وأنه يُريدُ جُملةً صحيحةً من تَخرجِ رسولِ الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – يَبني عليْهِ دينَه ويَتجنَّب الضَّعيف وغيرَ ذلِك، فإنَّ الملّيباريَّةوالحدَّادية أصبحَ بعضُهم والله يَصل إلى البُخاري حتَّى أن واحِدٌ مِنهم بالأردن يَقول صحيح البُّخاري كِتاب العِّلل! ويَدْرُس صحيح البُّخاري من جِهة التَّعليل وأنَّه كِتاب علل، ولاحظْنا هُنا أن ابن طاهر يَجعل إخراج الحديث وضِده لِبيان عِلَّته إنَّما هو ممن بعد الشَّيخين. فهُنا لابُد من الإشارة طَّيب، مامعنى قَول الإمام مسلِم – رحمه الله تبارك وتعالى – أنَّه إذا جاء إلى الأحاديث المعللة بيَّنها في مواضِعها،
بيَّنها في مواضِعها، من زِياداتٍ في الألفاظ أو ذِكر الاخْتلاف، والأمر الثَّاني مامعنى ذَهب إليه الحَّاكم وابنُ الصَّلاح واحتجَّ بِكلامِهما وبنى عليْها أبراجًا ضَخمة الملباريَّة في زَعمهم أن مسلِمًا يَبدأ في أولِ البَّاب بِأصحِّ الحَّديث فقط الحديث الثَّابت عند مُسلم يُصدَّر بِه البَّاب، ثمَّ بعد ذلِك يَسوقُ ايش الأحاديث التَّي فيها عِلل، فَكُل الأحاديث التَّي بعد في البَّاب تَكون معلَّة، وهذا ليْس بِصريح في الحَّكم وابنُ الصَّلاح أولًا، ثانِيًا الحاكِم وابنُ الصَّلاح عندَهم مَعاشِر الملِّباريَّةوالحَّدادية وهُم من المتأخِّرين فما بالُهم هنا يَعتَمدون عليها! ولكنَّها شُبه التَّناقُض والاضَطراب عند أهلُ الأهواء والبِّدع قديمِهم والحَّديث وإلا فهُم من المتأخِّرين، ثانِيًا هُم لم يُعمِّموا هذا التَّعميم ثالِثًا قدْ عُرف عندَ المخْتصِّين والمشْتغلينَّ بِصحيح مسلم خاصة أنَّه لم يَضع الأبواب – رحمه الله – فكيف يُقال في أول الباب؟ !
مسلِمٌ إنَّما طُبع الكُّتب وأمَّا الأبواب فَتختَلفُ نُسخه فتجِد الابواب عِند المازِني في شَرحه غير، وتختلِفُ الأبواب عنهُ عند الاكْمال عند القَّاضي عِياض وتَختلِف الأبواب عنه عندَ النَّووي، والنُسخَةٌ اليوم المشتهِرةٌ عند النَّاس اليَّوم عند مسلِمٍ وضِعت عليْها تبْويباتُ العَّلامة النَّووي – رحمه الله تبارك وتعالى – وكلُّ شارِح يَنتسِبُ إلى مَذهبٍ فيُبوِّب على هذه الأحاديث بما يَختارُه من المذهب، فإن كان الشَّارحُ مالِكيًّا أو كانَ الشَّارح شافِعيًّا وضعت له التَّرجَمة التَّي يرى أنها تُنبِوء عن مذْهبِه وفَهمِه للحَديث، فكيف يُقال كان البُخاري ومُسلم يكتُب باب ثمَّ يَسوق أول الحَّديث ثمَّ البَّاقي للعِّلل!! وقد تَصدى لهذه الهَّجمة الشَّرسه على صَحيح الإمام مُسلم، بل وعلى كُتب السُّنه شيْخُنا العَّلامة المحدِّث ربيع بن هادي – حفِظه الله – وأطالَ في عُمره على طاعة الله – تبارك وتعالى وسدَّده -تَصدى لهذه الهَّجمةِ الشَّرسة في شَخص الملباري حمزة نفسِه وفي هذه الدَّعوة، وكذلك علَّق في كِتاب المدخَل للحاكم على الصَّحيح للحاكِم ابن عبدالله – رحمه الله تعالى - علّق على هذا القول، وأنَّ مُسلِمًا يُخرِج الحديث ليُبين علتهِ،فكتب الصحيحين، يجب أن نعرف جلالتهما وعلوّ منزلتهما، وعلوّ قدرِهما، وإنهما كتابان أُلفا لصحيحِ حديثِ رسول الله- صلى الله عليه وعلى آله وسلمم.
المتن: قال رحمه الله تعالى – قال السائِل فإن الحاكم أبا عبدالله.
الشيخ عادل منصور : عفوًا أنا قلت في قوله إذا جئتُ للحديث وإنهُ يُبين علتهُ، الإمام مسلم- رحمه الله- ذكر أنَّ الرواة ثلاث طبقات، وإنهُ يُخرِجُ أحاديث الطبقة الأولى، حتى إذا استوفى حديثها، خَرَجَ من أحاديث الطبقة التي تليها، ليس فيهِ أنهُ يُخرجها مُعارِضًة أو معلل، فإذا قالَ وأما الطبقة الثالثة فإننا لا نتشاغل بتخريجِ أحاديثها، فإذًا هو لا يتشاغل بالطبقة الثالثة، وأما الطبقتين الأولى والثانية فإذا فرغ من الأولى، فقيل مات بعد أن فرغ من تخريج أحاديث الطبقة الأولى ولم يُخرج للطبقة الثانية، وقيلِ بل أنه وفىّ بشرطه واشتمل كتابهُ على أحاديث الطبقتين وهذا الذي ترجعون إلى مصدر الشيخ حفظهُ الله في حاشيتهِ على المدخل لأن الوقت يضيق جدًا.
المتن: قَالَ -رَحِمَه الله تَعالى – قَال السَائِل فَإِنَّ الحَاكِم أَبا عَبدالله النَيسابُوري الحَافِظ ذَكَر في كِتابِ الَمدخَل إلى مَعرفةِ كِتاب الإِكليل شرطًا على غيرِ هذا النحو، قلت نعم أخبرناه " أبو بكر أحمد بن على الاُديب الشيرازى بنيسابور " قال قال " أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ.
الشيخ: إذًا لهُ مدخلان الحاكم، كما لا يخفاكم، المدخل إلى الصحيح وهو الذي خرج في أربع مُجلدات بعملِ شيخنا- حفظهُ الله- وطُبِع طبعات أخرى، وهناك المدخل إلى الإكليل، وذلك إن الإكليل كتابٌ كبير أيضًا في الحديث ألفهُ ثم كتب هذا المدخل تعريفًا به وبيان مراتبه للأمير أو للذي أرسلَ لهُ هذا الكتاب، نعم.
المتن: " قَالَ قَالَ " أَبُو عَبدِ الله مُحَمَد بن عَبْد الله الحَافظ "القِسم الاُول مِن المُتفق عَليه اخْتِياره " البُخارى وَمُسلِم " وَهُو الدَرَجَه الأُولى مِنْ الصَحِيح وَمِثَالة الحَديث الذى يَرويِةالصَحَابى المشهور عن " رسول الله صلى الله عليه وألة وسلم " وله روايتان ثقتان ثم يروية عنة التابعى المشهور بالرواية عن الصحابى وله راويان ثقتان ثم يروية عنة من أتباع التابعين الحافظ المتقن المشهور ولة رواة من الطبقة الرابعة ثم يكون شيخ " البخارى " أو " مسلم " حافظاً متقناً مشهوراً بالعدالة .فهذة الدرجة الاُولى من الصحيح .
( الجواب ): أن البخارى ومسلماً لم يشترطا هذا الشرط، ولا نقل عن واحد منهما أنه قال ذلك، " والحاكم " قدَّر هذا التقدير وشرط لهما هذا الشرط على ماظن . ولعمرى، إنة شرطٌ حسن لو كان موجوداً فى كتابيهما إلا أنا وجدنا هذة القاعدة التى أسسها"الحاكم " منتقضةً فى الكتابين جميعا فمن ذلك فى الصحابة أن " البخارى" أخرج حديث " قيس بن أبى حازم عن مرداس الآسلمى " (( يذهب الصالحون أولا فأولا ــ الحديث )) وليس لمرداس راو غير قيس . وأخرج هو " ومسلم " حديث " المسيب أبن حزن " فى وفاة " أبى طالب " ولم يرو عنة غير ابنه " سعيد " وأخرج " البخارى " حديث " الحسن البصرى " عن " عمرو بن تغلب " (( إنى لآعطى الرجل والذى أدع أحب إلى ــ الحديث ))ولم يرو عن " عمرو " غير " الحسن " هذا فى أشياء عند " البخارى " على هذا النحو، وأما " مسلم " فإنة أخرج حديث " الآغر المزنى " (( إنة ليغان على قلبى )ولم يرو عنة غير " أبى بردة " . وأخرج حديث " أبى رفاعة العدوى " ولم يرو عنة غير " حميد بن هلال العدوى " . وأخرج حديث " رافع بن عمرو الغفارى " ولم يرو عنة غير " عبد الله بن الصامت " وأخرج حديث " ربيعة بن كعب الأسلمى " ولم يرو عنة غير " أبى سلمة بن عبد الرحمن " . هذا فى أشياء كثيرة أقتصرنا منها على هذا القدر ،ليُعلَم أن القاعدة التى أسسها منتقضة لا أصل لها، ولو أشتغلنا بنقض هذا الفصل الواحد فى التابعين وأتباعهم ومن روى عنهم إلى عصر الشيخين لأربى على كتابة المدخل أجمع، إلا أن الإشتغال بنقض كلام " الحاكم " لا يسدي فائدة ، ولهُ في سائرِ كُتُبِه مثْلُ هذا كثير، عفا اللهُ عنَّا وعنهُ، وأمَّا الإمام الحافِظ المُتقِن.
الشيخ: إذًا الوَهَم، الوهمُ عند الحاكم، يعني الآن الحافِظُ ابنُ طاهِر يقول: إنَّا لا نحتاج إلى أن نشتغِل، وليس فيه كبير فائدة، وإلاَّ في الحقيقة أنَّ الكلام المٌتقدِّم قدْ عُنِيَ بهِ العُلماء، ومنهُم من بيَّن مُراد الحاكِم، وأنَّ الموجود في ( معرفة علوم الحديث)، غير الموجود في ( المُسْتَدْرَك)، من حيثُ هذا الشَّرط، ونقل الحافِظ السَّخاوي في ( فتحِ المُغيث)، أنَّ الحاكِم استثنى طبقة الصَّحابة، وأنَّ كلامَهُ بعد ذلك مُوجَّهٌ مُسْتقيم، وإنَّ رواية الإثنين هِي من حيثُ الجُملة، لأنَّ الرّاوي قدْ روى عنهُ اثنان أو أكثر، لا من حيثُ الصِّحة واشتِراطُها في صحة الحديث، كما يشترطُهُ مثلاً بعضُ المُعتزلة وغيره، فقولُ الحاكِم غيرُ قولِ هؤلاء، والحافِظُ ابنُ حجر أبان هذا أيضًا قبل السَّخاوي في كتابِهِ (النُّكت)، وأشار إليه إشارة خفيفة في كِتابِهِ( النُّزهة)، الحقيقة أنَّ المسألة فيها فائدة، إلا إنَّ قولَهُ : ( ولَهُ في كُتُبِه ) هذا يشير إلى وقوع الأوهام، والحقيقة أنَّ الحاكِم في كتابهِ المُستَدرَك نعم يقع لهُ الأوهام وهي في أجزاءه الأُخرى الأخيرة منهُ أكثر منها في الأولى
وقد قيل أنَّ سببُ ذلك، أنَّهُ سوَّدهُ ثُمَّ بدَأَ في تبييضِهِ فمات فجأة –رحِمهُ الله- دخل الحمام ثُمَّ خرج وعليهِ مِأْزَرَهُ فقال: ( آه)، فسقط مغشيًا عليه، وأنَّهُ لم يُكمِل تنقيح الكلام على الكِتاب، لذلك كانت الأوهام في الجزأين الأخيرين والثُلثين الأخيرين من الكِتاب أكثر منهُ في أوَّلِهِ، فيقع لهُ الأوهام، فالظَّاهر أنَّ وهمَهُ لا يخلو من الوهم من حيثُ الجُملة، ولكِن أوهامُهُ في (المُسْتدْرك ) أكثر من كُتُبِهِ الأخرى، بدليل أنَّهُ يُصحِّح في (المُسْتدر ك)، بل ويرتقي إلى أن يُلزم الشيخين بتخريج أحاديث راوٍ هُو بعينِهِ ذَكَرهُ في المدخل، فتكلَّم عليهِ بكلامٍ شديد، أو ذكرهُ في علوم الحديث، مِثالاً للحديث الذي لا يُخرَّج في حد الصَّحيح.
المتن: الإمام الحافِظ المُتقِن أبي عبدِ الله مُحمَّد بن إسحاق بن منْدَه، فأشار إلى نحوِ ما ذكرناه، وهو خِلاف ما رسَمَهُ الحاكِم، قال: أخْبرنا أبو عمرٍ عبد الوهَّاب بن عبد الله بنِ منْدَهْ (قال: قالَ أبي) من حُكم الصَّحابي الذي إذا روى عنْهُ تابعيٌ واحِدٌ وإن كان مشهورًا مِثل الشِّعبي وسعيد بنُ المُسيَّب، يُنسبُ إلى الجهالة، فإذا روى عنهُ رجُلان صار مشهورًا واحْتُجَّ به، وعلى هذا بنى محمد بنُ إسماعيل البُخاري ومُسْلِم بن الحجَّاج كِتابيهِما الصَّحيحين إلا أحْرُفا تبيَّن أمرُها، فأمَّا الغريبُ من الحديث كحديث الزُّهري وقتادة وأشباهِهِما من الأئمة، ممن يُجمع أحاديثهُم إذا انفرد الرجُلُ عنهُم بالحديث يُسمَّى غريبًا، فإذا روى عنهُ رجُلان أو ثلاثة اشتركوا في حديث سُمِّي عزيزًا، إذا روى عنهُ الجماعة حديثًا سُمِّي مشهورًا، فاستثنى عبدُ الله بن منْدَه أحرُفًا، وهُو هَذا النَّوعُ الذي أشرتُ إليه، فقد صَحَّ لديك بيانُ لما قدَّمتُهُ إليك، واللهُ أعلمُ بالصَّواب، قال : أخبرَنا أبو عبدِ الله مُحمَّد بن أبي النصر الأندلسي
الشيخ: هُنا قولُهُ –رحِمهُ الله- عن الصَّحابي قال:( من حُكم الصَّحابي ألذي إذا روى عنْهُ تابعيٌ واحِدٌ وإن كان مشهورًا مِثل الشِّعبي وسعيد بنُ المُسيَّب، يُنسبُ إلى الجهالة)، فهُنا أريدُ أنْ أُنبِّه إلى قضية وهِي أنَّ هُنا
( الجهالة)، اصطِلاحٌ خاص ليس بمعنى الجهالة : الغير معروف، لأنَّ الصَّحابة –رُضوانُ اللهِ عليهِم- جميعُهُم عدولٌ ثِقات، لا يحتاجون إلى مُعدِّل، ولا إلى بيانِ درجتِهم – رضِي اللهُ عنهُم وأرْضاهُم- ولكن الاصطلاحُ الخاص أنَّ (الجَهَالة) بمعنى ( قليلُ الحديث)، كلامُ الحاكِم السَّابق الذي انتقدهُ (..)ابنُ طاهِر – رحمةُ اللهِ عليهِم جميعًا- ، قالوا: إذا أراد أن يكون الحديث بهذا الوصف، يرويه الصَّحابي عنهُ اثنان من التَّابعين، وعن كُل تابعي اثنان وهكذا، فأنَّهُ لا يوجَد بهذه الصيغة في الصَّحيحين، أو في أحدِهِما، ولكن كونُهُ الرُّواة هؤلاء يرويه اثنان عن كُلِّ واحِدٍ يرويه عن جماعة، قد وُجِد مِثْلُ هذا.
المتن:قال: أخبرَنا أبو عبدِ الله بن محمد بن أبي النصر الأندلسي، قال: سمعتُ أبا مُحمَّد علي بن أحمد بن سعيد الحافظ الفقيه.
الشيخ: الأندلسي هذا هُو الحُميْدِي وشيخُهُ أبو محمَّد معروف هو ابنُ حزم
المتن: قال: وقدْ جرى ذِكرُ الصَّحيحين فعظَّم منهُما ورفَعَ من شأنِهِما، وذكَرَ أنَّ سعيد بن السَّكن اجتمَعَ غليهِ يومًا قومٌ مِن أصحابِ الحديث فقالوا لهُ: إنَّ الكُتُب في الحديث قدْ كَثُرتْ عَليْنا، فَلَوْ دلَّنا الشَّيخُ على شيءٍ نقتصِرُ عليه مِنها، فسَكَتَ الشَّيخُ وَدخَلَ إِلى بيْتِه وأخْرَجَ أربعَ رُزم، ووضَعَ بعضَها على بعض، وقال: هذِهّ قَواعِدُ الإسْلامِ: كِتابُ مُسْلِم وكِتابُ البُخاري وكِتابُ أبي داود، وكِتاب النَّسائي
الشيخ: هذا يؤكد أن ابن حزم -رحمه الله تعالى- ما كان يعرف الترمذي، لأنه نقل عن ابن السكن، مسلم والبخاري وأبي داوود والنسائي، والحافظ ابن حجر يقول عن ابن حزم لما ذكر الترمذي قال مرة هو مجهول، فقال يعني أن ابن حزم يعني لو قال: لا أعرفه، خير من أن يطلق عليه مجهول، قال هذه عادته فيمن لا يعرفه يقول مجهول وليس بلازم.
شيخ آخر: حقيقة قوله وقد جرى ذكر الصحيحين بين يدين ابن السكن أو ابن الحزم (فعظَّم شئنهما ورفع من شئنهما) إي والله هكذا يجب على أهل الحديث، أن يعظِّم شأن الصحيحين، وأن يعرف جلالة قدرهما ومنزلتهما عند الأمة، قال العلامة النووي في تهذيب الأسماء لغات، قال: اجمع المسلمون على أن أصح الكتب بعد كتاب الله –عز وجل-، صحيح البخاري وصحيح مسلم، فهناك في هذا العصر هجمة شرسة على الصحيحين وقد سمعنا شيخنا العلامة ربيع بن هادي –حفظه الله- مرارًا وتكرارًا ويتكلم بحرقةٍ شديدة، ووالله يصل في بعض الأحيان إلى أن يتأثر فتدمع عينه غيرةً على حديث رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وغيرةً على الصحيحين، وهجوم الأدعياء وهجوم أهل الباطل على الصحيحين، فوجدناهُ –حفظه الله تعالى- لـمَّـا تَعرَّض أبو الحسن المأربي لأحاديث الصحيحين ومتى تفيد الظن ومتى تفيد اليقين، فّأَجْلَبَ بِشُبَهِ أهل الأهواءِ والبدع، وذكر من شبه الروافض المعتزلة والمتكلمين، ما يقرب من ثلاثة عشرة شبهة، على أخبار الصحيحين وعلى أخبار الآحاد عامة، وأخبار الآحاد في الصحيحين، إلا أنه فنّدها الشيخ- حفظه الله -وردها ردودًا قوية، وبقي بعض المرضى يتأملون هذه المعركة ولم يشاركوا فيها ولو حتى بالدعاء والتأييد له، فنصره الله –عز وجل- وقمع بدعة هؤلاء، وهكذا لما جاءت بحوث الميليباري التي فيها تهويل من صحيح الإمام مسلم، حتى نطق بعض هؤلاء من المليبارية المصريين أنه يقول: إن الإمام مسلم متساهل في التصحيح، وعلى هذا يعتبر أن صحيح مسلم إنما هو صحيح عند مسلم، وإلا فإن هناك أحاديث بناها مسلم على شرطه المتساهل، كما يعلق عليها بعضهم، فإن هناك هجمة شرسة والله على السُّنة عمومًا وعلى هذين المصدرين العظيمين والأصليين الجليلين صحيح الإمام البخاري وصحيح الإمام مسلم، وتحمل وزر هذه الهجمة بعض المستشرقين وبعض الذين لهم نفس خبيث كما تجدونه في عدنان إبراهيم وكما تجدونه في هؤلاء من العقلانيين ومن الروافض ومن أهل الإعتزال ومن الحدَّادية وغيرهم، فيما يتعلق بالنيل من الصحيحين أو من أحدهما، فحق والله أن يُعَظِّم شأنهما وأن يرفع من شأنهما ومن قدرهما رفعه الله في الدارين.
الشيخ خالد بن عبدالرحمن: وهنا فائدة في ذكر هذه الأربع كتب أو الأربعة كتب دون غيرها أنه يُلحظ في الصحيحين ما يتعلق بمسلم يلحظ فيه مراعات ألفاظ الروايات، ويلحظ عند البخاري، -رحمه الله-فقهه فى التبويبات،ويُلْحَظ عند أبي داود جمعه لأحاديث الأحكام،ويُلْحَظ عند النسائي تبويباته وتعليلاته لألفاظ الرواة أو للأسانيد
الشيخ:ولذلك لو تأملنا قوله أيضًا-رحمه الله-قول ابن السَكَن: "هذه قواعد الإسلام" يأتينا سؤال: لماذا يحرص المليبارية وهؤلاء أصحاب منهج المتقدمين والمتأخرين والذين يُفَرِّقون بين المتقدمين والمتأخرين ويُهْدِرُون أعمال الأئمة السابقين كالحافظ ابن حجر وابن الصلاح وغيرهم،لماذا يفعلون هذا؟ يفعلون هذا للتفرقة بين الأمة وبين المصدر الأساسي بعد القرآن: السنة النبوية،ولذلك تَابَعَت كلمات العلماء كالشيخ حماد الأنصارى-رحمه الله تعالى- الشيخ الألباني-رحمة الله عليه-أن هذا المنهج المليبارى المُفَرِّق بين المُتَقدمين والمتأخرين، هو هدم للسنة من الداخل،وكم كان الشيخ ربيع شيخنا الإمام حامل راية الجرح والتعديل ربيع بن هادى المدخلى-حفظه الله تعالى-يشُنُّ الغارات، ويشُنُّ الضربات الجامدة على هذا المنهج الفاسد،ومما قام به-حفظه الله تعالى وسدده-أن دَرَّسَ صحيح مسلم كاملاً من أوله إلى آخره،قُرِئَ عليه حديثًا حديثًا،وكان فى كل مجلس يستعرض علينا الروايات والأحاديث والأبواب وكأنه-حفظه الله تعالى-يحفظها، وكان مرة يقول: أنا أحفظ مسلم أو أكاد أحفظه كاملاً،فكان إذا قرأنا عليه الباب يقول من غير أن ينظر للكتاب،يقول أورَدَ مُسْلِم الحديث الفلانى من رواية فلان وفلان وفلان،وتابعه فلان وفلان ويُعَدِّد لنا الروايات وكأنه مستحضر لهم
وإلى الآن الشيخ-الله يحفظه-مع كِبَر سِنِّه وضعفه الجسدي إلا أن إيمانه وعلمه نسأل الله-عزوجل-أن يبارك له فيهما،إلى الآن يُقرَأ عليه صحيح البخارى فى طريقه وفى بيته وفى كل وقته،بل كم دخلنا عليه وصحيح مسلم عن يمينه والبخارى أيضًا أمامه وكتب السُنَّة الصِحاح أمامه يعتنى بها درسًا وتعليمًا واستدلالاً ودفاعًا وذبًا،فنسأل الله-عزوجل-أن يحفظه وأن يُسَدده، إذًا هذه الكتب هى قواعد الإسلام،مَن أراد أن يضربها فقد أراد أن يضرب الإسلام، فعلينا أن نحذر من هذا المنهج الحدادى الخبيث، منهج المليبارية وغيره.
المتن: قال المُصَنِّف-رحمه الله تعالى-:"سمعت الإمام أبا إسماعيل عبدالله بن محمد الأنصارى بهراة،وجرى بين يديه ذِكر أبي عيسى الترمذي وكتابه فقال:كتابه عندى أنفع من كِتَابَي البخارى ومسلمٍ،لأن كتابي البخارى ومسلم لا يقف على الفائدة منهما إلا المُتَبَحِّر العالِم،وكتاب أبي عيسى يصل إلى فائدته كل أحدٍ من الناس.
الشيخ: وفى هذا فائدة عظيمة،أن أبا إسماعيل الأنصارى-رحمه الله- مع علمه بأن البخاري ومسلماً هما أصحّ من كتاب الترمذي-رحمه الله-،لكنه مع ذلك يقول هو أنفع منهما، لماذا؟ لِما فى البخارى-رحمه الله-من الفقه العظيم الجليل، الذي لا يكاد يدركه إلا طالب علمٍ قوى، كذلك مُسلم-رحمه الله-لم يتكلم عن الأحكام وإنما روى الأحاديث مُرَتَّبة على الأحكام،وأما الترمذى فإنه يذكر الأحكام ، يذكر ما اختلف فيه الفقهاء، يذكر ما اتفقوا فيه ويذكر معانى الأحاديث عن أهل الحديث ، يذكر الجَمع بين الأحاديث المختلفة ويذكر التضعيف والتصحيح إلى غير ذلك من الفوائد العظيمة التى تسهل حتى على طالب العلم المتوسط
وسمِعتُ أستاذنا الشيخ أحمد السبيعي يقول أن الشيخ حماد الأنصارى-رحمه الله-كان يقول بنحو هذا الكلام الذي يقوله أبو إسماعيل الأنصارى، وكان الشيخ حماد يقول:أرى أن طالب العلم حين يبتدئ يبتدئ بالترمذي لما فيه من التيسير والسهولة،ثم بعد ذلك ينطلق إلى الصحيحين.
الشيخ: هنا أيضًا تنبيه لا يُفهم من هذا الكلام تفضيل الترمذي على البُخاري، ومسلم إلا في جزئيةٍ معينة وهذه الجزئية لا تجعل الترمذي أعلى من البخاري ومسلم فهذه الجزئية، أو هذا التفضيل نسبي، كذلك وهذه المسألة أو هذا التنبيه، لو أن طالب العلم تنبهَ لهُ وأعملهُ في جميع مسائل العلم حينما يختلف قول أهل العلم في الشيء الواحد، ويرى أنهم يُفضلونه بالنسبة لشيءٍ معين فلا تناقض ولا تضارب بين الأقوال وبالتالي هذه النسبية خاصة بكتاب الترمذي، نعم من هذه الجهة.
الشيخ خالد عبدالرحمن: فيما يتعلق في مسلم- رحمه الله تعالى- أُحب أن أُنبه أنَّ من عناية الشيخ ربيع- حفظهُ الله تعالى- في صحيح الإمام مسلم أن رسالتهُ كانت في إنتخابِ مئة حديث من صحيح مسلم مما تكلم فيهِ الإمام الدارقطني- رحمه الله-وعقدَ مُقارنةً بين القولينِ مع الترجيح بينهما والمناقشة، ورحمهُ اللهُ تعالى- هذا الكتاب الذي صَنَفهُ الإمام ربيع، الشيخ ربيع حفظهُ الله تعالى- يعتبر في الحقيقة أنهُ من أعظم التعظيم والخدمة لصحيحِ الإمام مُسلِم، وفائدةُ هذا الكتاب أنه تطبيق عملي لفهم كلام الأئمة المتقدمين- رحمهم الله تعالى- فهمًا صحيحًا، فينبغي لكل طالب أن يعتني بهذا الكتاب، ثم لا ننسى أنَّ الشيخ- حفظه الله تعالى- وأطالَ في عمره أنهُ صنف هذا الكتاب في وقتٍ كانت المصادر كثيرٌ منها غير مطبوع، وكان كثيرٌ منها مخطوط ولم تكن آلات البحث مثل ماهو موجود، ومع هذا صنف هذا الكتاب الذي يعتبر اليوم عمدةً كبيرة، فهذا من الخدمة لصحيحِ الإمام مسلم- رحمهُ الله تعالى- من قِبلِ الشيخ ربيع.
أما فيما يتعلق في الترمذي- رحمهُ اللهُ تعالى- فينبغي الإنتباه إلى أن المقصود بقرب فائدة الترمذي وحُسنِ شرحهِ، لا يفهمنَّ فاهم أنَّ معنى ذلك أن الطالب يهجم على هذه الكتب يقرأها منفردًا، ولكن يقرأها إذا أمكن على الشيوخ، وليس المقصود أنهُ ينفردُ بقراءتها، كذلك فالذي يظهرُ لي والعلمُ عند الله- تبارك وتعالى- من الكلام المنقول هنا في ما يتعلق في الترمذي أن فائدتهُ الكبرى لطالب الحديث خاصة، لماذا؟ لأنَّ الترمذي يُترجم لبعض رواة الذين يُحتاج إليهم، ويُنبه على أُصول الأحاديث، ويُصحح ويُضعِف، ويصفُ فيُيسِر، فمن ناحية الفائدة الحديثية والتدريب وتعليم الطالب يعني يحصلُ في الترمذي- رحمه الله تعالى- ما لا يحصلُ في البُخاري ومسلم- رحمهم الله تعالى،نعم.
المتن:قالَ رحمهُ الله رأيت على ظهر جزء قديم بالري حكاية كتبها أبو حاتم الحافظ المعروف بخاموش، قال أبوزرعة الرازي :طالعتُ كتابَ أبي عبدالله ابنِ ماجة فلم أجد فيهِ إلا قدرًا يسيرًا ما فيه شيء، وذكر قريب بضعةَ عشر أو كلامًا هذا معناه.
الشيخ عادل منصور: هذا النقل الذي نقلهُ ابن طاهر عن أبي زُرعة والإمام الجليل الجبل الحافظ النقاد رحمه الله – كان للعلماء بعد الحافظ ابن طاهر موقفان:الموقف الأول من شكك في صحتها عن أبي زُرعة، وأنها لا تصح.
والموقف الثاني وهو الذي جنح إليهِ ابنُ الملقن وابنُ دقيق العيد في شرح الإلمام، إلى أنها لها وجوه ولابُد أن تُحمل على محمل صحيح، لابد أن تُحمل هذه الكلمة على محملٍ صحيحٍ، فكانت من مُشكِل الكلام لماذا؟ لجلالة قدر أبي زُرعة ولكثرة الضعيف المُطرح، طيب، مدام قلنا أنها قد رويت من وجوه غير هذه الموجودة على طُرة الكتاب على حد ما ذكر ابن المُلقن وغيره، يقول لولا إنها جاءت من وجوه لكذبتها عنهُ، فنقول ما هي الأوجه التي حملوا عليها كلمة أبي زُرعة؟
آستَحْضِرُ الآن وجهين، الوجه الأول أنَّ أبا زرعةَ قصد شديدة السقوط والبُطلان والوضع، وعلى نحوِ هذا الوجه كلام الحافظ الذهبي- رحمهُ الله- وأما الضِعاف فلم يقصدها أبا زُرعة لأنها كثيرة، بل إنَّ هُناك أحاديث ابن ماجة إلى رجعنا إلى علل بْنُ حَاتم وهي سؤالاته لأبيهِ وأبي زُرعَة، نجد أنَّ أبا زُرعةَ نفسهُ حَكَمَ على تلك الأحاديث بالبُطلان والسقوط والوضع والنكارة، جيد، فكان الوجهُ أنهُ، الوجه الأول ما جنح إليهِ الذهبي ومن تابعهُ أنَّ هذا محمول على الشديد جدًا فيه البُطلان.
الوجه الثاني: أنَّ ابنُ ماجة كانَ كتابهُ خمسة أجزاءٍ، فوقع جزءٌ منها للحافظ أبي زُرعة فنظرَ في ذلك الجزأ، فحكمَ عليهِ بذلِكَ الحُكُم بإعتبارِ نَظرهِ في ذلك الجزأ المُصَنّف، هذانِ وجهان مما قال فيه ابن دقيق العيد لابُد من أن يُحمَلَ على محملٍ صحيحٍ حسنٍ لأنَّ هذه الكلمة لا تتفق واقع كتاب سُنن ابن ماجة، وابنُ ماجة إنما يتفقُ في حقهِ طريقة السبرِ لمعرفة نهجهِ وطريقتهِ، ولكنهُ إمتاز-رحمه الله- كما قُلنا بكثرة الزيادات على الأصول الخمسة، وأيضًا امتاز بحُسن التبويب والترتيب وعدمِ كثرة التكرار والإطالة مما جعلَ لكتابهِ ميزة مُستقلة في هذا الباب، والعِلمُ مِنحٌ من اللهِ - تبارك وتعالى- هذا الذي يحضُرني بخصوص كلمة أبي زُرعة- رحمةُ الله تبارك وتعالى عليه- وبخصوص أيضًا سُنن ابنِ ماجة. ومن نظر في عمل الإمام الألباني- رحمه الله- يجد كم هي الأحاديث التي حَكَمَ عليها بالوضع والبُطلان، وكم هي الأحاديث التي حَكَمَ عليها بالضعف، واللهُ تعالى أعلم.
الشيخ بازمول: والذهبي- رحمهُ اللهُ تعالى ذكرَ إنَّ الأحاديث الضعيفة في بن ماجة قُرابة الألف، قُرابة الألف، ويمكن أن يُقال جواب آخر وهو إنَّ ابن ماجة صَنّفَ السُنن وعرضها على أبي زُرعة، ومعلوم أنَّ المُصنِف يزيد في كتابة فربما زاد هذه الروايات وحصلَت له بعد ما رآها أبوزُرعة، عمومًا القول- فيما يظهر- ثابت عن أبي زُرعة والتوجيه وارد، واللهُ أعلم.
المتن:قالَ رحمهُ اللهُ تعالى ورأيتُ بقزوين له تاريخًا على الرجال والأمصار من عهد الصَحابةِ إلى عصرهِ وفي آخرهِ بِخطِ جعفر بنِ إدريس صاحبهِ ماتَ أبوعبدالله مُحمدُ بن يَزيد ابن ماجة، المعروف بابن ماجة يوم الأثنين ودُفِنَ ليلة الثلاثاء لثمانٍ بقين من شهرِ رمضان، من سنة ثلاث وسبعين مئتين، وسمعتهُ يقول وُلِدتُ في سنة تسع ومئتين، وماتَ ولهُ أربع وستون سنة، وصلى عليهِ أخوهُ أبوبكر وتولى دفنهُ أبوبكر وأبوعبدالله أخواه وابنهُ عبدالله.
الشيخ: ابن ماجة لهُ هذا الكتاب في التاريخ ولهُ أيضًا السُنن كما هو معلوم، ولهُ أيضًا التفسير،وابن ماجة كما يقول عنهُ ابن كثير أنه مُتّبِعٌ للسُنة في الأصولِ والفروع و صاحِب عقيدة سُنية سَلفية، نعم.
المتن:قالَ أَخبرنا أبوزيد واقد بن خليل
الشيخ خالد عبدالرحمن مُقاطعًا: وهنا فائدة مهمة وهو أنه ليس هناك أحدٌ أكبرُ من النقد يعني مُناقشة الحاكم، ومناقشة كلمة أبي زُرعة على جلالتهِ أنَّ السلف الصالح والأئمة والعُلماء يجعلون كُل كلام قابل لأن يُنقَد وهذا يدل على أنَّ الجرح والتعديل يُحتاجُ إليهِ في الكُتُبِ مثلما يُحتاجُ إليهِ في الرِجال وكذلك فإنهُ كما يُجرَحُ ويُنقَد فإنهُ قد يُحتاجُ إلى الثناءِ والإشادة ، وإنَّ هذا من فائدة العِلِم، فكلام أبوزُرعة هنا في المدحِ والثناء يدلُ على أنَّ العلِمُ يُحتاجُ في إقامتهِ ونصرهِ وإظهارهِ إلى كلا الأمرين معًا.
الشيخ: جزاك اللهُ خيرًا هنا الشيء بالشيء يُذكر قد يحتجّ بعضُهُم بأنَّ الألباني- رحمهُ اللهُ تعالى- وغيرهُ من الأئمةِ انتقدوا الصحيحين،وأحاديث فيهما، وأحاديث فيهما، فلماذا لا يسلك مثل ذالك فيما بتعلق في الصحيحين كما يسلك في سائر كتب السنن؟
الشيخ خالد عبدالرحمن: من المعلوم أن الصحيحين فيهما أحاديث يسيرة منتقدة، انتقدها الحفاظ رحمهم الله تعالى كالغساني والدارقطني -رحمهم الله- وغيرهما، فوجود بعض الأحرف اليسيرة القابلة للنقض هذا لا يمتنع من أن ينقد النقد العلمي الذي فيه فائدة العلم، وإن كان كثيرا مما نقد في الصحيحين كما لا يخفى أن الكفة الراجحة فيه هي ما قرره البخاري ومسلم وما أوردوه فضلا عن أن ما يمكن أن يسلم من النقد فيهما فإن غايته و كثير منه غايته علل يصح أن يقال أنها صناعية بمعنى أنها لا تضر في ثبوت هذه الأحاديث، والألباني رحمه الله تعالى، الإمام الألباني رحمه الله تعالى كما نرى وكما سنقرأ مثلا حين يقال عن أبي داود أنه أُلين له الحديث كما ألين لداود عليه الصلاة وسلام الحديد، فإن الألباني لا يقاس بغيره من كل وجه، الالباني رحمه الله تعالى لا يقاس بغيره من كل وجه فهو إمام عظيم، يقول الشيخ ربيع حفظه الله تعالى وسمعته منه في مجلس يقول: لم يأتي بعد الحافظ بن حجر -رحمه الله- تعالى مثل الألباني، لم يأتي بعد الحافظ بن حجر -رحمه الله- مثل الألباني، فالألباني -رحمه الله تعالى- حين ابتدأ الكتابة نشر كان قد جعل رزم رأيتها بعيني حين كان يجعل الأحاديث كلها، كل حديث يجعله في قرطاس ثم كل ما عنت له فائدة أضافها إلى موضعها على الحديث، فإذا جاء يبحث في الأحاديث لا يصنع مثلما يصنع هؤلاء الحدادية بأنهم للتور وللفور يبحثون ثم ينشرون، إنما بحث وتراكمت عنده الأسانيد والفوائد والدراسة للأحاديث حتى وجد عنده مصدر عظيم فيه من الجهد العلمي الكبير، ثم أخد يستلّ منه هذه الفوائد وبدليل أن الأمة بفضل الله تبارك وتعالى والمقصود بالأمة أهل العلم تلقوا ما كتبه في أحاديث رسول الله –صلى الله عليه وسلم- بالقبول حتى نُقل أن الإمام بن باز رحمه الله تعالى يقول: ( ليس تحت أديم السماء في هذا الزمان أعلم بحديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الألباني) فأنا أقول من أراد أن يتخذ من الألباني قدوة في انفراده أو في نقده لبعض الأحاديث البخاري، فهلاّ لا اقتدى به في مسلكه في طلب العلم وفي جده واجتهاده
الشيخ: أيضا الألباني- رحمه الله تعالى- كان لما يتعامل مع هذه الأحاديث يتعامل مع التعظيم الصحيحين وهيبتهم واحترامهما وتقديرهما إلى إلى اخره ليس كتعامل هؤلاء السفهاء الذين يتسلطون على سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبكل سفاهة وبكل سذاجة فينبغي التفريق بينهما.
الشيخ عادل منصور: أضف إلى ذلك أن الألباني إذا تكلم على بعض الألفاظ وروايات لابد أن يكون مسبوقا بإمام قبله وإلا فالألباني مع م أوتي مما سمعتم كان يعرف أنه لا يتكلم على الصحيحين أو على بعض ألفاظ في الصحيحين إذا لم يكن له سلف من الأئمة، اتونا بمثال: الألباني -رحمه الله تبارك تعالى- استقل بنفسه مع ما أتاه الله من العلم والأدوات والإمامة في نقض (لفظه من الأحاديث دون أن يكون له سلف من أئمة الحفاظ النقاد سبقوه، سلف في عين الحديث، لا أقول سلف في أصل الكلام على الألفاظ، فإنه -رحمة الله تبارك و تعالى- عليه معظم للصحيحين وقال (لا يقول بقول ليس له فيه قول إمام) أما هؤلاء يتجرأون هذه الجرأة على سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم- كما زعم ذلكم الترابي ورد عليه أيضا شيخنا مقبل -رحمه الله -وكما زعم محمد سليمان الأشقر الإخواني الأردني الفلسطيني ثم الأردني وكان كما تعرفونه في الكويت وفي غيرها هذا المتجرأ يعني الأشقر على صاحب رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أبي بكر والمكلم له والمفسق والمُتطاوِل على صحيح البُخاري، وأنَّهُ فيهِ موضوعات يجِبُ أن تُخرَّج، وغيرِ ذلك من أنواعِ الجراءة، ولا أعلمُ أحدًا ممن ردَّ على الأشقر هذا، ردَّ ردًا سُنيًا قويًا واضِحًا، حقيقةً إلا الشيخ ربيع، فليقُل من شاء ما شاء، وليقولوا غُلاة كما يحلو لبعضِ السُّفهاء الحمقى أن يقول أن عادِل منصور قد عرفَ السَّلفيون غُلُوَّهُ في الشَّيخ ربيع، أي غُلُو؟ هذه المادة وهذا الميدان، كما يُقال يا حُميدان، هذه مادةُ الشَّيخ وهذه كُتُبُه، لقد ردَّ على محمد سليمان الأشقر كُثُر في بابِ طعنِهِ في صاحِبِ رسولِ الله صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- وفي طعنِهِ في صحيح البخاري، ومع طعنِهِ في صاحِبِ رسول الله الصَّريح الذي لا إجمال فيه، وفي صحيح البُخاري، لا يزال عند البعض – غفِر اللهُ لهُم- من أفاضِل العُلماء، فالمقصد أنَّ هؤلاء تهجَّموا على الصَّحيحين، أعني التُّرابي والأشقر على البُخاري وغيرِه، فكان الشيخ مُقبِل- رحمهُ الله- يتندَّر بالتَّرابي ويقول : أتريدُنا أيُّها التُّرابي -ترَّب اللهُ وجهكَ-، أن نقول : رواهُ البخاري وحسَّنهُ التُرابي، رواهُ البخاري و ضعَّفهُ التُرابي، قال: ليس هذا قدْرُكَ ولا منزِلتُك، فلا يُقال هؤلاء من الأئمة، وأيضًا قضية (السَّلفية عند) الألباني.
الشيخ: ثُمَّ لا ننسى أنَّ الألباني –رحِمهُ اللهُ تعالى- لم يكُن في زمانِه من المُشتغلين في الحديث المُحقِّقين لهُ لا النَّزر اليسير من أهلِ العِلم، ومع هذا قصدَ إلى الاستِفادة من أقرانِهِ ومن نُظرائهِ فزار الشيخ أحمد شاكِر –رحِمهُ الله – واغتنمَ حجّهُ ووجود الشيخ أحمد شاكِر، لأنَّهُ كان يقرأ عِنايته في هذا الشَّأن، وقصدَ إلى الفائدةَ فيه، فأين هؤلاء من الألباني –رحِمهُ اللهُ تعالى-.
الشيخ خالد عبدالرحمن: وهُنا فائدة، يقول الألباني: أنا لا أذهب أُضعِّفُ حديثًا أو لفظًا، ما من حديث في الصَّحيحين إلا أن أرى أن كان قد ضعَّفهُ قبلي بعضُ الأئمة، ثُمَّ قال :(بلْ وللهِ الحمد قدْ أنقذتُ) ، هكذا لفظُه، ( بل قد أنقذتُ بعضَ الأحاديث التي في الصَّحيحين أو أحدهما من طريق بعض الرواة، الذين تُكُلِّم فيهم، فأُتعِبُ نفسي غاية التعب لأجمع الطُّرق التي تُقوِّي هذا الحديث، ومثالُ ذلك حديث (من عادَى لِي وَلِيًا)،
الشيخ: هذا الحديث يقول الذَّهبي فيه: لولا هيبةُ الصَّحيح لضَعَّفتُه، فأوردهُ الألباني –رحِمهُ الله- في الصَّحيحة، وأورد لهُ طُرُقًا كثيرة، وقال: لا شكَّ أنَّ الحديث بمجموعِ هذه الطُّرق لا ينزِل عن مرتبة الحسن
الشيخ: من أعظم الأدلة على حُسنِ مقصد الألباني –رحِمهُ اللهُ- لأنَّهُ يريد زيادة الخير في الأمة، أمَّا هؤلاء لا تجِد إلا رغبتهُم في التَّعليل والتضعيف.
المتن: قال رحِمهُ الله: أخبرنا أبو زيد واقد بن الخليل القز ويني الخطيب بالري أنبأنا والدي الخليل أبن عبد الله الحافظ في كتاب قزوين قال أبو عبد الله محمد بن يزيد يعرف بماجة مولى ربيعة لهُ سنن وتفسير وتاريخ وكان عارفاً بهذا الشأن ارتحل إلى العراقين البصرة والكوفة وبغداد ومكة والشام ومصر والري لكَتْبِ الحديث مات سنة ثلاث وسبعين ومائتين
الشيخ: هُناك سُؤال يرِد لابُدَّ منهُ، لماذا لم يصنع في حق الأئمة الآخرين مِثل هذهِ التَّراجِم، والنَّقل والثَّناء؟ الجواب: ليجيبك عن سبب إدخالِهِ ابن ماجه، مع الخمسة الآخرين فجعلهُم سِتة، فلمَّا كان مُتفرِّدًا في إدخال ابنِ ماجِه، سبَّاقًا في ذلك، استطرد في ترجمة ابنِ ماجه
المتن: قال:أخبرنا أبو القاسم عبد الله بن طاهر التميمي الفقيه، قال قدم علينا الري حاجاً أنبأنا على بن محمد بن نصر الدينوري حدثنا القاضي أبو الحسن على بن الحسن بن محمد المالكي قال حدثنا أبو القاسم الحسن بن محمد بن أحمد حدثني أبو بكر محمد بن أسحق حدثنا الصولي، قال سمعت أبا يحي زكريا بن يحي الساجي يقول ( كتاب الله عز وجل أصل الإسلام وكتاب السنن لأبى داود عهد الإسلام
قالَ أخبرنا أبو القاسم على بن عبد العزيز الخشاب بنيسابور، قال أنبأنا محمد بن عبد الله البيع فيما أذن لنا، قال سمعت أبا سليمان الخطابي يقول سمعت إسماعيل بن محمد الصفار يقول سمعت محمد بن اسحق الصاغاني يقول أُلينَ لأبى داود السجستاني الحديث كما ألين لداود عليهِ الصلاة والسلام الحديد
وقال أخبرنا الحسن بن أحمد أبو محمد السمرقندي مناولة، قالَ أنبأنا أبو بشر عبد الله أبن محمد بن محمد بن عمرو، قال حدثنا أبو سعيد عبد الرحمن بن محمد الإدريسي الحافظ قال : محمد بن عيسى بن سورة الترمذي الحافظ الضرير أحد الأئمة الذين يُقتدى بهم في علم الحديث صنف كتاب الجامع والتواريخ والعلل، تصنيف رجل عالم متقن كان يضرب به المثل في الحفظ . قال الإدريسي سمعت أبا بكر محمد بن أحمد أبن محمد بن الحارث المروزي الفقيه يقول سمعت أحمد بن عبد الله بن داود المروزي يقول سمعت أبا عيسى محمد بن عيسى الحافظ يقول كنت في طريق مكة، وكنت قد كتبت جزأين من أحاديث شيخٍ، فمر بنا ذلك الشيخ فسألت عنه فقالوا فلان فذهبت إليه وأنا أظن أن الجزأين معي وحملت معي في محملي جزأين كنت ظننت أنهما الجزءان اللذان له، فلما ظفرت به وسألته أجابني إلى ذلك، أخذتُ الجزأين، فإذا هُما بياض، فتَحيّرتُ فجعلَ الشيخُ يقرأُ عليّ من حفظهِ ثُمَّ ينظُر إلي فرأى البياض في يدي، فقال أما تستحي منى قلت لا وقصصت علية القصة، وقلت أحفظهُ كله، فقال اقرأ، فقرأت جميع ما قرأ على الولاء، فلم يصدقني وقال استظهرت قبل أن تجينيء؟ فقلت حدثني بغيرهِ، فقرأ عليَّ أربعين حديثاً من غرائب حديثة ثم قال هات اقرأ فقرأت عليه من أوله إلى آخره كما قرأ ما أخطأتُ في حرف ٍ، فقال :لي ما رأيت مثلك قال أنبأنا أبو بشر عبدالله قالَ أخبرنا أبوبكر الأديب قال أنبأنا محمد بن عبدالله البيع إجازةً قال سمعتُ أبا الحسن أحمد بن محبوب الرمليّ بمكةَ يقول، سمعتُ أبا عبدالرحمن أحمد بن شُعيب النَسائيَّ يقول يقول : لما عزمت على جمع كتاب السنن استخرت الله تعالى في الرواية عن شيوخ كان في القلب منهم بعض الشيء، فوقعت الخيرة على تركهم ، فتركت جملة من الحديث كنت أعلو فيه عنهم، قالَ سألتُ الإمامَ أبي القاسِم سعد بن عليٍ الزَجَاني بمكةَ عن حالِ رجلٍ من الرواةِ فوثقهُ، فقُلتُ إنَّ أبا عبدالرحمن النَسائِيَّ ضَعَفهُ! فقالَ يا بُنيّ: إنَّ لأبي عبدالرحمن في الرِجال شرطًا أشدَّ من شرطِ البُخاريّ ومُسلِم، قالَ قرأتُ على أبي القاسِم الفضل بن أبي حرب الجُرجاني بنيسابور، قال أخبركم أبوعبدالرحمن محمد بن حسين السلميَّ الصوفي فيما أذِن لك، قال سألتُ أبي الحسن عليّ بن عمر الدارقطنيَّ الحافظ فقُلتُ إذا حَدّثَ محمد بن اسحاق ابن خُزيمة وأحمد بن شُعيب النَسائيُّ حديثًا من تُقدمُ منهما؟ قالَ النَسائيَّ، لأنهُ أَسند،على أنِّي لا أقدم على النَّسائيِّ أحداً, وإن كان ابنُ خزيمة إماما, ثبتاً معدوم النَّظير".وقالَ سمعتُ أبا طالبٍ الحافظ يقول من يصبر على ما يصبرُ عليهِ أبوعبدالرحمن النسائي،قال: "وقال سمعتُ أبا طالب الحافظ, يقول: من يَصبر على ما يصبر عليه أبو عبد الرَّحمن النَّسائيُّ؟! كان عنده حديثُ ابن لهيعة ترجمةً ترجمة, فما حدَّث بها, وكان لا يَرى أن يُحدِّثَ بحديث ابن لهيعة". قالَ سمعتُ أبا زكريا الحافِظ يقول سمعتُ عمي أبا القاسِم الحافظَ يقول، سمعتُ أبي الإمامَ الحافظ أبا عبدالله بن منده يقول، ما رأيتُ في إختلاف الحديث والإتقان أحفظَ من أبي عليٍ الحُسين بن عليّ بن داود اليزدي النيسابوري، قالَ تمَ وكَمُلَ بحمد الله وعونهِ وصلواته على نبينا محمد وآلهِ وصحبته وعترته وسلم تسليمًا كثيرًا، آخرُ الجواب والله الموفق للصواب، بهذا نكونُ أتممنا قراءة الكتابَ جميعهُ على المشايخ الفُضلاء جزاهم الله عنا وعن الإسلام خيرًا
الشيخ خالد عبدالرحمن : نعم، وهُنا نُنبه إن شاء الله على ماتقدم في كلام الشيخ- حفظهُ الله- في ذكر الدينَوريّ فقد ضَبَطها السمعاني -رحمه الله- في الأنساب على هذا قالَ الدينَوَريّ على ما تقدم في اللفظ المُتقدم وانتقدَ بعضهم السمعاني وقال بعد أنذكرَ كلامَ، قالَ ابنُ خَلَكان في الرد على السمعاني في هذا أنهُ قالَ بفتحِها، قالَ ابنُ خَلَكان "وليس بصحيح" ثُمَّ قال "وسكون الياء المُثناه من تحتها وفتح النون والواو بعدها، نعم فضُبِطَت على هذين الوجهين، وجاءَ أيضًا فيما تَقَدَمَ القراءة قالَ أخبرني الشيخ "بمناولةً"، وما معنى مُناولةً؟ أي أنَّ الشيخَ يُعطي الكتابَ لتلميذه ثُمَّ يَأذَن لهُ بروايةكتابهِ عنه، فهذا معنى مُناولة وما يتعلقُ بشرطِ النسائي- رحمه الله- شرطهُ – رحمه الله-متوافقٌ مع الشيخين في جانب ويزيدُ عليهما في جانب فهو لا يروي إلا ما صحّ من الحديث المتصل الإسناد الذي يُعلّهُ رحمه الله- فهو ينتقي مرواياتهِ في الصحيح، ثُم بعد ذلك يروي أحاديثَ أقوام يُعلُها فيذكُرُ ما فيها من الخلاف والوفاق وإنما شرطهُ- رحمهُ الله أنهُ في غالِبِ ما يروي يتقصّد الصحة إلا ما أعلّهُ فيقول ( بابُ ذكرِ اختلاف الناقلين لحديثِ فلان) ثُم يوردُ الخلافَ ويُرجِحُ بينَ الأقوال، ورُبما ذكرَ الخلاف ولم يُرجّح، ويعتمِدُ- رحمهُ الله- على روايةِ الثقةِ، وعن السند المُتَصِل، وربما أخرج بأقوامٍ مجهولين سَبٍرَ وتتبَعَ أحاديثَهُم فأنفردّ- رحمهُ الله- بتصحيحِ أحاديثِ هؤلاء لذلكَ أُوجِبَ لهُ من التوثيق والتصحيح لروايات بعض المجهولين وذلك قائمٌ على سبرهِ وتتبعهِ- رحمه الله.
الشيخ بازمول: مما أُحبُ أنّ أُنبّهَ عليه أنَّ هذا الكلام للمقدسي شروط الأئمة الستة هناك أيضًا كتابانِ آخران في هذا الباب فهناك شروط الأئمة الخمسة لحازمي، وكتاب شروط الأئمة لابن مندة، ولا نعرف غير هذه الكُتب للأئمة السابقين- رحمهم الله تعالى- تتكلم في هذا الموضوع، أيضًا مما أحبُ أن أُنبه إليه أنهُ جاء في قولِ ابن طاهِر عن الترمذي قال (الحافظ الضرير)، ثم مرت معنا القصة التي فيها أنهُ قرأَ الجزأين فقد كان يُبصِر، ولذلك بعض أهل قال أن الترمذي كانَ ضريرًا منذُ ولادته، وهذا خطأ والصواب أنه كانَ بصيرً ثُمَّ أضرَّ بعد ذلك، وجاءَ أيضًا عن قوله عن أبي عبدالرحمن محمد بن الحسين السُلمي قال (الصوفي) نسبة إلى الصوفيّة، وأبوعبدالرحمن السُلمي كانَ على مذهب أهل الحديث ثُم أنهُ اختلط بجدهِ لأمهِ فتأثّرَ بالصوفيّة حتى ضيّعَ حديثه، ولذلك الأئمة قالوا في ترجمتهِ أنه متهمٌ بالكذب، لا أنهُ يكذِب، وإنما لزهده واشتغالهِ بالتصوف الغالظ ضيّع الحديث حتى أُتُهِم، ولذلك العلماء يعتبرون رواية البيهقي عنه فإذا قال حدّثنا أبوعبدالرحمن السُلميّ من كتابهِ قالوا هذه الرواية جيدة، والصوفيّ نسبة إلى التصوّف المذموم عند أهل العلِم هنا في هذا الرجل لأنَّه أغلظ في التصوف وبالغ في هذا الأمر، وقد يكون الصوفي نسبة إلى جد من أجداده، لكن السُلميّ نسبة لهُ ونسبة أيضًا إلى جده واللهُ أعلم.
الشيخ: جزاكم الله خيرًا نريدُ منكم تعليقًا أبا العباس-جزاكم الله خيرًا – فيما يتعلق ُفي قولهِ (صوفيّ) تفضل جزاك الله خير.
الشيخ عادل منصور( أبوالعباس): يبدو أن السؤال عندك مُتأخر لأنَّ تقدّم في جواب الشيخ- حفظهُ الله- الكلام على أبي عبدالرحمن السُلميّ وأنهُ نسبة إلى التصوّف، والحقيقة أن التصوّف في العصور المتأخرة أصبحَ مِلّةً كما أنَّ (الرَفضَ) مِلّة ودخلهُ من أديانِ غير المُسلمين الشيء العظيم، بل بلغَ ببعضعهم إلى الوصول إلى أنواعٍ من الكفرِ والإلحاد لا يوجد عند اليهود ولا النصارى بالذات أصحاب الوِحدة والإتحاد والحلول ونحو ذلك، أما في الزمان المُتقدِم كان كما ذكرهُ شيخ الإسلام-ما يتعلق بالبصرة بالتنسك وزيادة التعبّد، ثم انضاف إليهِ شيءٌ من السياحةِ في الأرض، ثم انضاف إليهِ شيءٌ من ترك الأسباب مع كان الغالِب عليهِ لزوم السُنة ولهذا تجد مثلاً الأصبهاني أبو القاسم في كتابهِ الحُجة في شرحِ اعتقادِ أهل السُنة والمَحجّة، ينقُل عقائِد سلفيّة عن من يصفهم بعد ذلك بقوله فُلان ابن فُلان الصوفيّ، وأنهُ كانَ على عقائِد أهل الأثر، وعلى عقائِد أهل السُنة، ولكن كان انحرافهم في شيءٍ مع تحصلهم على علمٍ غزيرفي السُنة هَذّبَهُم وحَرَسَهُم من الشَطَحات التي وقعَ فيها غيرُهُم إلا أنّ كان يغلب عليهم فيما يتعلق بالزُهديات، والسياحة في الأرض وبعض الأراء المُتعلِقة بمبحث الأسباب والتوكُل، أما بعد ذلك، بعد ما وصل إليه أبوعبدالرحمن السُلميّ ومن بعدهُ وصلوا إلى درجةٍ الله –عزَّ وجلّ- بها عليم من الإنحراف الشديد فيما يسمى بالتصوف، وهناك رسالة لشيخ الإسلام في نشأة التصوف وغيره، وهناك فقرات في هذه الرسالة العظيمة، تركنا وأغفلنا للتعليق عليها، مراعاةً لظرف الوقت، والحمد لله مررنا عليها والمشايخ أفادونا، جزاهم الله –تبارك وتعالى- خير الجزاء.
سؤال: جزاكم الله خيرًا، يجد الطالب السلفي السني بعض من يشتغل في الحديث من الصوفية المعاصرين، تحقيقًا، وإجازةً، وكتابةً، فهل له أن يستفيد من هذه الكتب جزاكم الله خيرًا؟شيخنا أحمد.
الشيخ أحمد: طبعًا الأصل في ذلك أن تعمل السنة، فما وجد طريقه من طريق أهل السنة ينبغي المصير إليه، ولا يُتنزل إلى أمثال هؤلاء، إلا للضرورة القصوى، حين لا توجد بين يدي الطالب نسخة إلا عن طريقهم، فهنا عليه أن يسير مع الحذر من تصرفاتهم في المتون، فإنهم غير مأمومين، فينبغي إذا أمكن، خاصةً في هذا الزمن الذي يعني يوجد فيه إن كان الوصول إلى سائر النسخ، أن يختبر خاصة ما يحتاج إليه، أن يعمن النظر فيه، وألا يسني النقل عنهم، فإنهم عقارب غير مأمونة، أما ما جاء من ذكر وصف أبو عبد الرحمن السلمي بالصوفي، فليُعلم هنا أن هذا لا يدل وصفه بذلك إلا التعريف، ولا يعني أنه سمي بذلك الإقرار على إطلاق هذا اللفظ، فليتنبه لذلك، يعني الكوثري في رسالة أبي داود، اللي قرأناها بالأمس، تعرض فيها لعبد الله بن مبارك –رحمه الله- وطعن فيه، وصنع أشياء كثيرة في هذه الرسالة المحدودة الصغيرة، صنع أشياء من نصرة مذهبه، وانتصر له عبد الفتاح أبو غُدّة، فأهل البدع لا يؤتمنون على الدين، ولا يجوز أن يؤتمنوا، ولا ينبغي للطالب أن تأخذه شهوة العلم، فيتساهل في أصول السنة في معاملة أهل البدع، فإن الحفاظ على الدين، وعلى السنة، خير من زيادة المعلومات، وتعريض الإنسان لنفسه للفتنة، الشيخ عادل منصور: سؤالك اشتمل على أمور منها، أن هناك من المتصوفة المعاصرين من يشتغلون بعلم الحديث، وقد أخذ اشتغالهم بعلم الحديث صورتين، الصورة الأولى الإجازات فيه وعقد مجال السماع له، والصورة الثانية تحقيق كتبه والتعليق على مصنفاته، فكيف يتعامل طالب العلم، تقدم بجواب الشيخ أحمد –حفظه الله تعالى- أن الفعل يكون على وفق السنة، فإذا تيسرت الإجازة من علماء السنة، وكذلك إذا تيسرت النسخة التي قام على طباعتها عالم سُنة، مأمون الجانب في ضبط المتن، وفي الحواشي، لأن الخلل في عمل هؤلاء، أعني المتصوفة من جهتين، إما التحريف في الأبواب والتراجم، وليس بخافٍ عليكم مثلًا، أما صنعه محمد عوّام معنا أقرب مثال يحضره الآن، لما جاء في سنن أبي داود، في طبعته، وأتى بنسخة عند الهنود، وإذا فيها بعض ما جاء في زيارة القبر، قبر النبي –صلى الله عليه وسلم-، بينما كانت التراجم في النسخ، باب ما جاء في زيارة القبور، الزيارة الشرعية، ولكن خصها بقبر النبي –صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، فهم من الخلل يدخل، من جهة ضبطهم في أعلى المتن، والخلل الثاني يدخل من جهة حواشيهم وتعليقاتهم، فلابد أن نعرف، فإذن عمل المتصوفة، أو المنتسبين للتصوف في هذا العصر، في كتب الحديث على قسمين، أو في علم الحديث، إما إجازات، وإما تحقيقات، والتحقيقات (خالق) من جهتين، من جهة التحريف في متن الكتاب، وإما من جهة وضع السموم في حواشيه، ولقد تقدم معكم، لما درسنا بعض الإخوان في الكويت، مقدمة (الدارمي)، أن بعض الصوفية أيضًا، قام على تعليقها، وممن يرى أن إمام أهل السنة والجماعة محمد علي المالكي، وإذا به يقرر جواز الاستغاثة بالأولياء ودعائهم، في تعليقه على قصة هناك سبق البيان لها، فلا تؤمن حواشيهم، ولا يؤمن أمورهم، وإذا كان بعض كتب أهل السنة، قد يحصل فيها تصحيح، أو تحريف، ويحققها أناس ينتسبون للسنة، ويكون فيها خلل عقدي، ومع ذلك لا ينتبهون، فكيف ب إذا كان المحقق من أهل البدع أصلًا، ومشربه وعقيدته، تملي عليه وضع ذلك، وأقرب مثال أستطيع أن نذكره الآن، (والشيء شيء يذكر)، ما طبع عدة مرات، بتحقيق عدد من المحققين،كتاب القاعدة الجليلة في التوسل والوسيلة، لشيخ الإسلام ابن تيمية، مثلًا طُبع بتحقيق الأرناؤوط الطبعة الأولى، طُبع بتحقيق عطية سالم الطبعة الأولى، وكانت بعض هذه الطبعات توزّع عن طريق دار الإفتاء في الرياض، يعني تحت ظل العلماء واطلاعهم، جيد، وجاء أُناس ونقلوا عن شيخ الإسلام من هذه الرسالة بالخطأ نفسه، وخطأه ليس بالهين، أنهم يقولون قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (والرغبة إلى الله ورسوله)، فيقرأ هذه الفقرة العلامة الجهبذ ربيع بن هادي عمير المدخلي، وهنا أُنبّه إلى مسألة أن بعضهم يقول إذا أردت أن تسأل في الفِرق والجماعات اسأل الشيخ ربيع، أما إذا أردت العقيدة اسأل الشيخ فلان، هذا كذّاب أو جاهل من يقول هذا مكّار، كيف تسنّى لربيع بن هادي أن يرد على الفِرق الضالة المخالفة في العقيدة إن لم يكن في العقيدة جبل، ليست العقيدة شرح متون كتب العقيدة، ليس هذا العلم في العقيدة، ليس العلم أن فلان عالم بالعقيدة لكثرة ما شرح من كتب العقيدة أو علّق فأعاد ما في المتن وضعّه في الحاشية، ليس هذا، يظهر علم الرجل بالعقيدة بقوة نقده لما خالف العقيدة، بالولاء والبراء لما خالف العقيدة، بالصدع أمام المخالفين للعقيدة والموقف منهم، هنا يظهر علمه بالعقيدة، الشيخ ربيع جبل في علم الاعتقاد وإلا لما تسنّى له هذا النقد العظيم للفرق الضالة المخالفة، نقدهم في جانب التكفير، نقدهم في جانب الإرجاء، وردّ على مرجئة الحنفية وغيرهم، مرجئة جماعة التبليغ، نقدهم في أبواب كثيرة، الشاهد لما قرأ الشيخ هذه العبارة قال هذا لا يمكن أن يقوله ابن تيمية، لأن الرغبة عبادة لله لا يجوز صرفها لغير الله، من صرفها لغير الله فقد كفر وأشرك الشرك الأكبر، فخاطب الشيخ ابن باز وطلب منهم مخطوطات وبيّن له، فبعث الشيخ ابن باز من أتى بالمخطوطة من الظاهرية، فلما وصلت المخطوطة إلى يد الشيخ ربيع قال: أول ما اتجهت إلى القراءة إلى هذا الموطن، قال: فوجدت ما يصدّق ظني في شيخ الإسلام حيث لا يمكن أن يقول هذه العبارة، وأنها من تصحيفات الطبّاعين والمحققين، وأن صواب العبارة "والرغبة إلى الله وسؤاله" فإذا كان هذه هي الدقة في التحقيق، ليس التحقيق إكثار الحواشي، وليس العلم بكثرة شرح المتن، مع أنه لا ينتبه للأخطاء، أتريدون دقة من نوع آخر؟! هذا هو العلامة الجبل فعلًا ركنٌ في علم الاعتقاد، محمد أمان علي الجامي –رحمه الله- لما درّس الحموية، وقد درسها غيره من مشايخنا ولكن لما درّسها وجاء عند عبارة "طريقة السلف أسلم وطريقة الخلف أعلم وأحكم"، هناك عبارة من السطر زيدت فيها وموجودة في مجموع الفتاوي في المجلد الخامس ، وموجودة في مواطن، قال: وإن كان بعض العلماء قد يقول هذه الكلمة ويريد بها معنًى صحيحًا، فقال محمد أمان: لا يمكن أن يكون لهذه الكلمة معنًى صحيحًا، هذه كلمة باطلة، ولا يمكن أن يقولها مثل ابن تيمية، ثم قال واستدللنا على ذلك بأننا رأينا تلميذه ابن عبدالهادي ينقلها في ترجمة ابن تيمية، ينقل الحموية وليس فيها هذه اللفظة فدلّ أنها من دس النُّسّاخ الذين دسّوها، هنا يظهر العلم في الاعتقاد بالتّنبيه على مثل هذه المواطن وهذه الفقرات، أسأل الله أن يحفظ علم أهل الإسلام وأن يحفظ مصادر السُّنة وأن يحفظ أهل السُّنة وشبابها ورجالها ونسائها من كيد الكائدين ومكر الماكرين، وصلوات ربي وسلامه ورحمته وبركاته على عبده ورسوله الأمين محمد بن عبدالله وعلى آله وصحبه أجمعين، وجزاكم الله خيرًا المشايخ الفضلاء على ما أفادونا به وأكرمونا به من هذه الإفادات، والله تعالى أعلم.
الشيخ: جزى الله المشايخ على ما أفادونا في هذه التعليقات المباركات، ونسأل الله –عزّ وجل- أن يوفقنا لمزيد من هذه الرسائل القيمة النافعة المباركة، وأن يوفق القائمين على إذاعة النهج الواضح لمزيد من عقد هذه الحلقات العظيمة، هذا والله أعلم، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين.