مناظرة علمية - الشيخ خالد عبدالرحمن و الشيخ محمد العنجري


التصنيفات
الشيخ: 
القسم العلمي: 
القسم العلمي: 
مناظرة علمية - الشيخ خالد عبدالرحمن و الشيخ محمد العنجري، الأحد الموافق 23 مارس 3014
  • الشيخ: مجموعة مشايخ
  • العنوان: مناظرة علمية - الشيخ خالد عبدالرحمن و الشيخ محمد العنجري
  • المدة: 75:11 دقائق (‏17.21 م.بايت)
  • التنسيق: MP3 Mono 22kHz 32Kbps (CBR)
التفريغ

اسأل الله- عز وجل- أن يكون هذا المجلس مبارك القائم من ذلك التقرب إلى الله- تعالى- بالتذاكر وبنشر العلم وبإحياء السنة وإماتة البدعة، وكان اللقاء اليوم إن شاء الله عُنْوِن بالمناظرة، المناظرة منهيٌّ عنها كما هو منصوص في كتب الاعتقاد، وأن لا نناظر فيه، كما يقول الإمام أحمد في أصول السنة، ولكن المقصود مناظرة أهل البدع، فمناظرة أهل البدع مذمومةٌ عند السلف بالاتفاق، إلا أن يضطر إلى ذلك اضطرارًا، لا أصلًا، لا هديًا، فالمناظرة من قِبل السلف- رحمهم الله تعالى- كان ذلك منهم اضطرارًا، لا أصلًا، لا هديًا، كما كان ذلك من ابن عباسٍ- رضي الله عنه وأرضاه- حينما أُمر من علي- رضي الله عنهما- وكذلك في العهد العباسي عندما اضطر الإمام أحمد إلى مناظرة من قال بخلق القرآن، فكان هذا الأمر اضطرارًا، لا أصلًا، ولكن المناظرة عند السلف تأتي أيضًا بمعنى آخر، تأتي بمعنى المشاورة، المناظرة بمعنى ماذا؟ المشاورة، هذه مناظرة مشاورةٍ، لا مناظرة مجادلةٍ، وهنا فارق، هذه مناظرة مشاورة، لا مناظرة ماذا؟ مجادلة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فيقبل منه هذا السؤال في مناظرةِ المشاورةِ، لا في مناظرةِ المجادلة"، ففرغ شيخ الإسلام بين مناظرة المجادلة، ومناظرة ماذا؟ المشاورة، وقلنا ابتداءً مناظرة أهل البدع مذمومةٌ عند السلف، والأصل في النصوص أن لا يجادَل فيها بعد ظهور الحق، ولكن مناظرة أهل البدع فيها سبيل إلى كسر هذا التأصيل، وأود من الشيخ خالد المشاركة في هذه الجزئية وبيان هذه الجزئية، فليتفضل مشكورًا.

الشيخ خالد عبدالرحمن: جزاك الله خيرًا، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على محمدٍ وآله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فكما سمعتم من فضيلة الشيخ أبي عثمان- حفظه الله وسدده الله وإيانا- ما يتعلق بالمناظرةِ عند السلف، تارةً يطلق ويراد بها المعنى الذي هو إقامة الحجة وإلزام الخصم الحجة والدليل إذا كان سيما من أهل البدع، وهذا الباب كما تقدم من شيخنا أبي عثمان هو منهيٌّ عنه، إلا أن يضطر عالمٌ إلى ذلك، كما نصَّ على ذلك أحمد وغيره من الأئمة كالبلبهاري وغيره، والباب الثاني هو ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمة الله عليه- حيث قال كما في مجموعه- رحمه الله- قال: "الصحابةُ والتابعون ومن بعدهم كانوا إذا اختلفوا صاروا إلى ما أمرهم الله- عز وجل- به:  }فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّـهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴿٥٩﴾ {  ] النساء: ٥٩[، قال- رحمه الله- : "فكانوا يتناظرون مناظرة مشاورةٍ ومناصحة" قال: مُناظرةَ مُشاورةٍ ومُناصَحة، لذلك فالمُناظرة هنا على هذا المعنى تُطلَقُ والمُرادُ بها استخراجُ الفائدة من أهل العلمِ ومن طلاب العلمِ في مُناظراتهم ، وفي مسائِلِهِم كما تَجدونَ عن السلَف ناظرتُ أحمد في مسألة كذا أو قول الشافعي ناظرتُ فُلانًا، ناظرتُ إسحاق، أو قول الإمام أحمد تناظرَ أحمد وإسحاق، وهذه سُنةٌ جارية عند السلف أنهم كانوا يتناظرون لاستخراجِ ما عندَ الغيرِ من الفوائد والخير، نسأل الله أن يسلك بنا مَسلَكَ القوم- رضي الله عنهم ورحمهم الله.

الشيخ محمد العنجري: لذلك هذا ما قالهُ ابن تيمية "وقد كانَ العلماءُ من الصحابة والتابعين ومن بعدهم إذا تنازعوا في الأمرِ، إلى أن قال، وكانوا يتناظرون في المسألة مناظرة مشاورة ومناصحة"، إذًا كان هذا هديّ مَنْ ؟ هديّ العلماء من الصحابةِ وماذا؟ والتابعين، أما البحث في هذا اليوم سيكون عن تفسير القُرآن بالرأي وهو التفسير المذموم، وما يُطلق عليه اليوم بالتفسير العقلي أو بالتفسير المنطقي، فأجد لهذه العِبارات انتشار بطريقةٍ أو بأُخرى، دون الرجوع إلى الأحاديث والآثار، وهذا يقتضي، تفسير القُرآنِ بالأهواء وبالآراء وبالأقْيسة العقلية، ولكن قد يأتي هذا وذاك بإستشهاداتٍ يُفهمُ منها بأنَّ هذا مَسلَك قُرآني، وهو في الحقيقة يُفسِر برأيهِ، محضّ الرأي، فأرجو من الشيخ خالد إعطاء نُبذة عن هذه المدرسة وانتشار هذه المدرسة في هذا العَصر.

الشيخ خالد عبدالرحمن: هذا مذهبٌ ظهرَ قديمًا واستنكرهُ أئمة السَلَف، وهو أصلًا مذهبُ المُعتزلة في التعامل في فهم الآيات دون النظر في الأحاديث، كذلك أيضًا شاركَ المُعتَزِلةَ في هذا الخوارج، وإذا أردنا أن نضرب مثلًا على كيف تفهمُ هذه الفِرق من الخوارج والمعتزلة كيف كانوا يفهمون القُرآن على غير طريقة الصحابة- رضي الله عنهم- فأنتم تجودَ مثلًا ما رواه مُسلِم في صحيحه لما جاءَ بعضُ الخوارِج وقالَ لجابِر بن عبدالله، ما هذه الأحاديث التي تذكرونها في الشفاعة والله عز وجل يقول: { رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ } [آل عمران 192 ]، إذًا هذا الرجل الخارجي يُنكرُ الشفاعة وبماذا يحتجّ على جابِر بن عبدالله، يحتجُ عليهِ بالقُرآن، :{رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ } [آل عمران 192 ] فكيف تُثبتون الشفاعة؟

كذلك لو أتيتَ إلى بابِهم أيضًا في التعامل مع الولاة، فإنَّ الخوارِج كما نصّ على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية، إنما انتزعوا بقوله تعالى: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّـهُ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ﴿٤٤} [المائدة 44]، انتزعوا من هذه الآية مسألةَ كُفرِ الحاكِم إذا حكم بغيرِ ما أنزلَ الله ومن ذلك فارقوا السلَف كما صحّ عن ابنِ عباسٍ عند عبدالرزاق في المُصنف وغيره أنهُ فسّر قوله تعالى{وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّـهُ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ﴿٤٤} [المائدة 44]، قال كفرٌ دون كُفر، كما قالَ الإمامُ أحمد في المسائِل أنَّ العلماء حينَ سألهُ أبو داود عن قوله تعالى{وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّـهُ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ﴿٤٤} [المائدة 44]، قالَ أحمد هو كما قال ابن عباس، هو كما قال ابن عباس، كفر دون كفر.

إذًا إذا لاحظتم استدلال أهل البدع من الخوارج ومن المعتزلة ومَن لَفَّ لفَّهم وسلك مسلكهم تجدون أنهم يتفقون في باب الاستدلال بالقرآن على أن يستدلوا بالقرآن بمنأى عن الحديث وبمنأى عن الآثار.
ولذلك يأتون إلى الآيات فيُحَمِّلُونها ما يحتاجونه من الدلالات الفاسدة وهم لا يلتفتون إلى تفسير النبي-صلى الله عليه وسلم- ومن باب أولى إلى تفسير الصحابة،لا يلتفتون إليهم لتفسير القرآن. لذلك كان الصحابة يُحَذِّرون من هذا المسلك، أن تأتى إلى آية فتستدل بظاهر منها تظنه دون أن تنظر إلى فَهْم الصحابة -رضي الله عنهم- الذين استقوه عن النبي-صلى الله عليه وسلم-.
وهذا يتضح لكم بهذا المثال الذي أختم به: أنهم كانوا في غزوة وكان معهم أبو أيوب الأنصاري، فحمل رجل من القوم-أي من المسلمين-على الكفار فابتدره الكفار بسيوفهم، فقال القوم: ألقى بيده إلى التهلكة، فقال أبو أيوب: أيها الناس إنكم تتأولون الآية على غير ما أُنْزِلَت، إنَّ هذه الآية أُنزِلت فينا -معشر الأنصار- لمّا مَكَّن الله لدينه ولما مكَّن الله لنبيه، قلنا لو أننا جلسنا نُصلح ما فسد من أموالنا، فنزلت هذه الآية : }وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ{ ] البقرة: 195[، قال فكانت التهلكة في تركنا للجهاد وفى جلوسنا لإصلاح ما فسد من أموالنا.
إذن تأمل الآن، هؤلاء الذين استدلوا بهذه الآية بمحضر بعض الصحابة حينما حمل الرجل قالوا ألقى بيده إلى التهلكة، فقال إنكم تأَوَلون هذه الآية على غير تأويلها. إذن فمسلك أهل البدع من الخوارج ومن المعتزلة ومن سلك مسلكهم قديمًا وحديثًا أنهم يَعْمَدُون إلى القرآن ثم يُحَمِّلُون دلالات القرآن ما لا تحتمل.
ولذلك جاء في بعض الآثار عن السلف قال: "إن القرآن حمَّالُ وجوه، فإذا جادلوكم بالقرآن فجادلوهم بالسُنَّة" أي أن السنة هي التي تُبَيّن ما يمكن أن يَزِلَّ فيه المُبتدع في الاستدلال حين يذهب برأيه وحين يعتد بعقله، فيستغني بنفسه عن بيان السنة، وقد قال الله-تعالى-: }وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴿٤٤﴾{ ]النحل: 44[

الشيخ محمد العنجري - حفظه الله-:
قال – تعالى - : } وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴿٤٤﴾{ ]النحل: 44[، إذًا التَفَكُّر بعد ماذا؟ بعدما يبين لنا النبي - صلى الله عليه وسلم-، فالتفكُّر لا يأتي ابتداء ولكن يأتي بعد بيان النبي - صلى الله عليه وسلم - لمعاني القرآن، إذن التأصيل عند أهل السنة أن يكون بيان القرآن من بيان النبي - صلى الله عليه وسلم - لمعاني القرآن، ومِن ثَمَّ يكون للإنسان الأخذ بهذا المعنى الذي قد بينه النبي  - صلى الله عليه وسلم - لنا. لذلك قال الصِدِّيق -رضي الله عنه- وهو أعظم رجل بعد الأنبياء والرُسُل:" أي سماءٌ تظلني وأي أرضٍ تَقُلُّني إذا قُلتُ في القرآنِ برأيي"، وهو يُسأَلُ عن ماذا؟ "وَفَاكِهَةً وأَبَّا"، هنا السؤال مجرد هذه الآية قال ماذا؟ قال أيُّ أرضٍ تقلني - تحملني -، وأيُّ سماء تظلني، لماذا؟ بِأن أُفَسِّر معنى الأَب، فكيف بمَن يأتي اليوم ويُفَسّر القرآن بمحض رأيه، هنا الاستشكال، كيف يجرؤ هذا الإنسان أن يفسر القرآن بمجرد الفكر والرأي والعقل والأقيسة؟!
ومن أصول معتَقد أهل السنة كما قال الإمام أحمد في "أصول السنة": "والسنة تفسر القرآن وهي دلائل القرآن، وليس في السنة قياس، ولا تُدْرَك بالعقول ولا الأهواء، إنما هو الاتباع وترك الهوى." هذا تأصيل أهل السنة؛ "وليس في السنة قياس" أي: لا يكون في السنة أقيسة عقلية مجرد الرأي والهوى. و"السنة تفسر القرآن، وهي دلائل القرآن"؛ دليل الشيء: بيانه وتفسيره، والسنة تفسر القرآن، " وليس في السنة قياس، ولا تُدْرَك بالعقول ولا الأهواء، إنما هو الاتباع وترك الهوى."

هذا هو التأصيل الذي ذكره لنا الإمام أحمد –رحمه الله- في أصول السنة، وللشيخ خالد –جزاه الله خيرًا- تفسير القرآن بما ثبت من الأحاديث والآثار، طبع منه الآن خمس مجلدات والسادس تحت الطبع، يعني هو واصل إلى الجزء العشرين، لذلك لماذا يا شيخ خالد عنونت هذا التفسير بـ"بما ثبت من الأحاديث والآثار"؟ أرجو البيان.

الشيخ خالد عبدالرحمن: والله هذا الأمر الأصل عند أهل السنة أن كتاب الله –سبحانه وتعالى- لا يجوز تفسيره إلا بأصول، وعلى رأس تلك الأصول هو تفسير القرآن بالسنة، إذ أن السنة هي البيان للقرآن، كذلك تفسير القرآن بالآثار من أقوال الصحابة والأئمة الذين تكلموا في تفسير كتاب الله من الصحابة –رضي الله عنهم- كابن عبّاس فهو من أكثر الصحابة تفسيرًا لكتاب الله، كذلك من التابعين كمجاهد وسعيد بن جبير وقتادة وغيرهم من أئمة التابعين، كذلك أتباع التابعين إلى أن صنّف الأئمة كتبَ التفسير.

لذلك فإن مدار تفسير كتاب الله على السنة وعلى الآثار، وهنا من الطرائف أن والدَنا الشيخ ربيع حين وقف على عنوان الكتاب قال: في الطبعة الجديدة سمِّه تفسير (تفسير القرآن بالقرآن وبالسنة وما ثبت من الأحاديث والآثار)، فلفت النظر الشيخ إلى تفسير القرآن بالقرآن وبالسنة وما ثبت من الأحاديث والآثار، فضحكت تبسّمت وقلت: أنا فعلت هذا عمليًّا في التفسير أن القرآن بالقرآن لكن انصرف ذهني إلى عنوان تفسير القرآن بما ثبت من الأحاديث والآثار. فأضاف الشيخ هذه الزيادة التي أرادها في العنوان، والله أعلم.

 

الشيخ محمد العنجري: يقول مكحول الشامي وهو تابعي، يقول: "القرآن أحوجُ إلى السنة من السنة للقرآن"، انظر إلى قول هذا التابعي من استقى العلم من الصحابة، ماذا يقول؟ يقول: "القرآن أحوجُ إلى السنة من السنة للقرآن"، أي أن السنة تفسّر القرآن وتوضح معانيه، أي أن السنة توضح معاني القرآن وتفسر معانيه لتبين للناس ما نزل إليهم، إذا البيان يكون من خلال ماذا؟ من خلال حديث النبي _ صلى الله عليه وسلم_ سبيلنا لبيان القرآن لتوضيح القرآن معاني الألفاظ لفهم نصوص الكتاب من خلال أحاديث النبي _صلى الله عليه وسلم_، هنا مسألة مهمة وهو مبحث عظيم وأطلب من الجميع التركيز ما هو القدر يا شيخ خالد ما هو القدر السائغ في الاستدلال بالقرآن على الوقائع والنوازل؟
ما هو القدر السائغ الجائز في الاستدلال بالقرآن على الوقائع والنوازل؟ أي إدخال الوقائع واﻷحوال في دلالة عموم القرآن بشكل واضح؟
الشيخ خالد: هذا يمكن أن يقسم إلى قسمين:
القسم اﻷول: ما يتعلق بأخبار القرآن وكذلك السنة فيما يحدث من اﻷمور.
والقسم الثاني: ما يتعلق بنصوص الكتاب والسنة فيما يتعلق بما يسمى بالاكتشافات العلمية العصرية التي يتعلق منها شيء بالطب، يتعلق منها شيء بالفلك إلى غير ذلك.
فتجد كثيرًا من الناس يأتون إلى النصوص في هذين القسمين، أعني القسم اﻷول تنزيل النصوص من القرآن على اﻷخبار والوقائع والقسم الثاني تنزيل النصوص على الاكتشافات العلمية التي ظهرت في هذا العصر الذي تقدم فيه العلم فينزلون على بعض تلك الاكتشافات الآيات واﻷحاديث ويقولون إن اﻵية الفلانية دلت على هذا اﻷمر الذي اكتُشف في هذا العصر، ويجعلون هذا من باب دلائل النبوة. وهذه الطريقة في كلا البابين لابد لها من ضوابط شرعية، فإن دلالات النصوص المتعلقة باﻷخبار، أو المتعلقة باﻷمور العلمية من مظاهر الكون ونحو ذلك تنقسم إلى قسمين، القسم اﻷول: نصوص صريحة في الدلالة والمراد، هذه النصوص الصريحة في الدلالة، فإنه من البديهي أن يعتقد بما دلت عليه سواء هذا  ظهر في علم الناس أو لم يظهر، فهذا مثل ما يتعلق بقوله تعالى:
{ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴿٣٣} ]سورة الأنبياء: آية 33 [. ونحو ذلك مما سنتوسع في إن شاء الله المحاورة مع شيخنا أبو عثمان، فإذا كانت اﻵية أو الحديث دالة دلالة صريحة على المسألة، حين إذ يقطع بهذا سواء ظهر هذا للناس أو لم يظهر، ولا شك أن ظهوره للناس هو زيادة في اليقين كما قال تعالى:{ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ}]سورة فصلت، آية 53[. وأما إذا كان الدليل غير صريح في المعنى على هذا الأمر العلمي فإنه من الغلط والمجازفة أن يقطع به وأن يحمل عليه كتاب الله؛ ﻷن الاكتشافات العلمية كما تعلمون إذا لم تكن قطعية فإنها تختلف من وقت إلى آخر، فربما يظهر في هذا الزمن شيء ثم بعد ذلك يظهر ما هو مخالف له في اكتشافاتهم. إذا فلا نستطيع أن نأتي إلى نص غير صريح الدلالة، ثم نحن نتكلف حتى نوافق اكتشافات العصر العلمية، حتى ندعي أن هذا من دلائل وإعجاز القرآن! هذا تكلف، ﻷنك قد تصل إلى ما لا تحمد عقباه، فقد تكون مخطئًا حين تحمّل كتاب الله ما لا يحتمل معناه، ثم يظهر بعد سنين بقاعدةٍ قطعية على خلاف ما فهمت أنت وحمَّلت كتاب الله، حينئذٍ يرجع الناس إلى تكذيب كتاب الله، إذًا فما كان من نصوص القرآن أو السنة في ما يتعلق بالأمور العلمية فلا يقطع بذلك إلا إذا كان الدليل صريحًا عليه، وما كان من نصوص الكتاب والسنة في الأمور الخبرية الغيبية فلا يقطع أن هذا هو المراد الذي أراده الله إلا بدليلٍ أو بإتفاق أهل علم، وأضرب مثالًا فيما يتعلق بالسنةِ مختصرًا ما جاء في صحيح مسلم أن النبي –صلى الله عليه وسلم- أخبر يكون في هذه الأمة كذابٌ ومبير، فلمَّا جاءت أسماء في مناقشةٍ مع الحجاج وجاء الحجاج إليها ((قالت: أَمَّـا الْـكَـذَّابُ فقد عرفناه))، تعني مسيلمة الكذاب ((قالت: وَأَمَّـا الْـمُـبِـيـرُ فَـلَا إِخَـالُـكَ إِلَّا هو)). قال النووي: وقد اتفق العلماء على أن المبير في هذا الحديث هو الحجاج، هنا نُسَلِّم؛ لأن الأمة لا تجتمع على ضلالة، لماذا نسلم أن هذا هو المراد من الحديث؟ لأن العلماء اتفقوا على ذلك والعلماء لا يتفقون إلا على ما هو حق، إذًا الحاصل من هذا بإختصار ما كان من نصوص الكتاب والسنة فيما يتعلق بالأخبار العلمية أو فيما يتعلق بالأمور الغيبية فإنه لا يُحَمَّلُ كتاب الله هذا إلا إذا كان النص صريح الدلالة أو أن يتفق العلماء على أن هذا هو المراد، وأعني بالعلماء أعني علماء السُّنة والتأويل، أي اللذين يفسرون كتاب الله بالنصوص، هذه مقدمة تقريبية لهذا الأمر ونكمل مع شيخنا أبو عثمان.

الشيخ محمد العنجري: من أصول أهل السُّنة كما قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: (( إنما أنزل القرآن ليكمل بعضه بعضًا وليتم بعضه بعضًا)) لا ليتضارب بالنصوص، لا ليتضارب بالنصوص، وهذا السبيل لن يكون إلا من خلال حديث النبي –صلى الله عليه وسلم- وما كان عليه الصحابة –رضي الله عنهم وأرضاهم-، فإذا فُتح الباب إلى أصحاب الرأي والأقْيِسَةِ ممن امتنع بالرجوع إلى ما كان عليه الصحابة من فهم نصوص القرآن والسُّنة سبيل هؤلاء إلى رد الحق، ومثال ذلك نجد أحد هؤلاء بهذا العصر يقول: قال –صلى الله عليه وسلم-، كما في الصحيحين، كما نُقل عن النبي –صلى الله عليه وسلم- وأخبر عن النبي –صلى الله عليه وسلم-، أن النبي سُحِر –صلى الله عليه وسلم-، وقال الله تعالى: } وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَّسْحُورًا﴿٨ {[الفرقان:8]، وجه الإستدلال بأن القرآن نفى كونَ النبي مسحورًا والحديث أثبت أنه سُحِر، فكيف يُرد على أهل الأهواء والإنحراف وأهل الرأي في مثل هذا الإيراد؟ فأرجو من الشيخ خالد أن يرد على هذا الإيراد الذي يطرح من قبل المرضى، ممن نسمعهم في هذا العصر.

الشيخ خالد عبدالرحمن: هذه كما ذكرت في أول الكلام هي طريقة المعتزلة في التعامل مع النصوص، فإن المعتزلة يأتون إلى الآية من كتاب الله حسب ما تقتضيه عقولهم، فإذا وجدوا في السُّنة ما عَجزت عقولهم عن فهمه ردُّوا السُّنة بالعقل الضعيف؛ لأن السُّنة لا تعارض كتاب الله كلاهما وحيٌّ من الله والوحيُّ لا يعارض بعضهُ بعضًا، ومن أمثلةِ هذا ما ذَكرهُ الشِّيخ في سُؤالِه حيثُ أن المعتزِلة ومن تأثَّر بِهم وسَلكَ قواعِدهُم قَديمًا وحَديثًا، ردّوا حديثًا متَّفقًا عليهِ وقَبِلهُ أهلُ العِّلم على جَميع إخْتصاصاتِهم وإختِلافاتِهم في التَّخصُصات كما يَقول الإمام الألباني فقدْ قَبِلهُ أهلُ الحَّديث وأهلُ السِّير وأهلُ التَّاريخ وغَيرُهم من العُّلماء وأجمعتْ الأمَّة على قَبولِه، ألَا وهُو الحَّديث المعروف بِحديثِ سِحر النَّبي – عليه الصَّلاةُ والسَّلام – الذَّي أخرجاهُ في الصَّحيحَيْن من طَريقِ هشام عن أبيهِ عن هِشام ابن عمرو عن أبيه عن عائِشة أنَ النَّبي – صلى الله عليه وسلم – سُحر سَحرَهُ رجُلٌ يَهودَّي لبيدْ ابن الأعْصَم، وهذا الحَّديث كما يَقولُ العُّلماء مُتلقًّى بالقَّبول، مارَدَّهُ أحدٌ من أهل العِّلم من السَّلف في القُّرونِ المفضَّلة، لكنَّ المعتَّزلة قَديمًا وحَديثًا ومن لفَّ لفَّهُم يُنكِرونَ هذا الحَّديث بِحجَجٍ واهِيةٍ بِسببِ سوءِ فَهمِهم واعْتِمادِهم على عُقولِهم الضَّعيفة فمِن ضِمن الحُّججِ عندَ هؤُلاء وهي حُجَّةٌ قَديمة يَلوكُها بعضُ الدَّجاجِلَة بِهذا الزَّمان وهُو المدْعو عدنان، هذا الذَّي ظَهر وهذا رَجُلٌ هو في الحَّقيقةِ طعَّانٌ في جَمع من الصَّحابة – رضي الله عنهم – وهو عدْنان إبراهيم فهذا صَار يَلوكُ هذه الحُّجة وهي في الحَّقيقة هي حُجَّةُ المعْتَزِلة تلقَّفها عَنْهُم بعض المتَّأخرين الذَّين خالَفوا السَّلف ويَسْتدِّلون بِهذه الآية أن النَّبي – صلى الله عليه وسلم- نفى الله عنهُ أن يَكونَ مسْحورًا، فقالَ تعالى منْكِرًا على الكُّفار: } وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَّسْحُورًا﴿٨ { [الفرقان:8]، فقالَ هؤُلاء المعتَّزلة ومن لفَّ لفَّهُم قالوا إنَّ كِتابُ الله نفى أنْ يَكونَ النَّبي – صلى الله عليه وسلم – مسْحورًا، طيبْ فَماذا نَتَجَ عن هذا عَمدوا إلى الآية، عمدوا إلى الحَّديث فردُّوا الحَّديثَ متَّفقًا عليه بيْنَ الأمَّة، الذَّي تلقَّتهُ الأمة بالقَبول، وجَعلوهُ معارِضًا لسوءِ فهمِهم، جَعلوهُ معارِضًا لِقولِه تعالى : } إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَّسْحُورًا﴿٨ { [الفرقان:8]، قالوا إذًا هو لم يُسحر لَيسَ بِمسحورٍ فردُّوا الحَّديث الصَّحيح حتَّى تجرَّأ هذا الدَّجال عدنان إبراهيم وتفوَّهَ بِكلِمةٍ خَبيثَة قالَ هذا الحَّديث من وَضعِ الملْحدين ومع ذلِك خفيَّ ذلِك على البُّخاري ومُسلم. انظُر إلى جُرأةِ الرَّجل وما نصَّ على ذلِك في شَريطِه في خُطبتِه المعَنْون "مُشكِلتي مع البُّخاري"، وهؤُلاء إنَّما حَملهُم على هذا الصَّد والرَّد وعَدم القَّبول عَقلهُم الضَّعيف قالوا كيفَ يَليقُ بِمقامِ النُّبوَة أن يُسحر وهُو المعْصوم، وهذا في الحَّقيقَة يُذكِّرني بِشيخِ الإسلام ابنِ تيمِية حينَ يورِضُ بعضُ أهلُ البدع إيراداتْ على بَعض الأحاديث في عَدمِ قَبولِها، يَقولُ شيخُ الإسلام وهؤُلاء الذَّين هُم من أهل البِّدع يورِضونَ بعضُ تِلك الإيراداتْ على الأحاديث قدْ يُلزِمُهم أهلُ الإلحادِ بِمثل هذه الإحتمالات في آياتٍ من القُّرآن، يَقول وحينَئِذ لا مَخرجَ لهُم، هذا تَطبيقٌ عملي من كَلام شيخُ الإسلام في هذا المِثال، انظُر الآن، الله – سبحانه وتعالى – تحدَّث عن نبيِّ الله موسى وأثبتَ بأنهُ سُحر حينَما ألقى السَّحرةُ حِبالَهم قالَ تعالى: } يُخَيَّلُ إِلَيْهِ{  أي إلى نبيِّ الله موسى: }يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَىٰ ﴿٦٦ { ] طه – 66 [، إذًا ماذا فَعلَ السَّحرَةُ بِموسى سُحِر أم لم يُسحر، الآن انظُر الآية تقول: } يُخَيَّلُ إِلَيْهِ{ ، والحديث في الصَّحيحين فيهِ لفظ: (( يُخيَّلُ))، تأمَّل وانتبِه، أنَّ الآية فيها لفظُ التَّخييل وأنَّ الحديث الصَّحيح فيه لفظ التَّخييل، فإذا كُنتَ تَرُدُّ حديث الصَّحيحينِ، وتقول أنَّ كونَهُ سُحِر يتنَافى معَ عِصْمتِهِ، ماذا يلْزَمُكَ؟، أحسنتُم، يلزَمُكَ أنْ تَرُدَّ كِتابَ الله، إذْ أنَّ التَّخييل هُنا هُوَ التَّخييل هُنا، فإمَّا أنْ تَقْبَلَهُما معا، وإمَّا أنْ تَرُدَّهُما معا، هذَا هُوَ الجواب، ثُمَّ بعدَ ذلِك انظُر ماذا فسَّرَ السَّلف: } إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَّسْحُورًا﴿٨ { [الفرقان:8]،  كان الصَّحابة –رضي اللهُ عنهُم- رِجالاً ونِساء، إذا استشكلوا شيئا قصُر فهْمُ بعضِهِم فيهِ سألوا، كما رَوَى الإمام مُسْلِم في صحيحِهِ، أنَّ النبي –صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- قال: ((لا يَدْخُلُ النارَ أحدٌ مِمَّن بايع تحتَ الشجرةِ))،  فقالتْ حفصةُ :  يا رسولَ اللهِ أليس اللهُ يقولُ : { وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا}[مريم:71] فقال : (( ألم تسمعيه قالَ: } ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا ﴿٧٢} [مريم:72] ))، وكما جاءَ في الصَّحيح: (( منْ نوقِشَ الحساب عُذِّب. فَقالت: أليسَ قدْ قال اللهُ عزَّ وجلَّ : { فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا﴿٨}[ الانشقاق : 8 ]؟ فقال ليسَ ذاكَ الحسابُ . إنما ذاكَ العرضُ مَنْ نُوقِشَ الحسابَ يومَ القيامةِ عُذِّبَ )).

إذًا كانوا إذا استشكلوا شيئًا، قصُر فَهمُهُم فيه، سألوه وبيَّنَ لهُم، وكما جاءَ عن عدِيٍ بن حاتِم، } اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا}[التوبة: 31]، فقال عَدِي:إنَّا لسنا نعبدُهم، مع أنَّ الآية تقول: } اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا}[التوبة: 31]، فقال عَدِي:إنَّا لسنا نعبدُهم. قالَ: ((أليسَ يحرمونَ ما أحلَّ اللهُ فتحرِّمونَه ، ويحلُّونَ ما حرَّمَ اللهُ فتحلُّونَه ))، قال : قلتُ : بلى ، قال : ((فتلك عبادتُهم)).

إذًا إذا كانوا إذا استشكلوا شيئًا من السُّنة أنَّهُ قد يُخالِفُ في الظَّاهِرِ كِتاب الله لِعدم فهمهِم، ما كانوا يسكتون، كانوا يسألون، هُنا مَنْ مِنْ أصحابِ النبي –صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- استشكَلَ هذهِ الآية: } إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَّسْحُورًا﴿٨ { [الفرقان:8]؟، مَعَ أنَّ النبيَّ –صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم سُحِر؟ من قال لهُ: يا رسولَ اللهِ كيفَ تُسحَر مع أنَّ الآية تقول: } إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَّسْحُورًا﴿٨ { [الفرقان:8]، هل هذا لهُ وجود عند الصَّحابة؟، هل لهُ وجود عندَ السَّلف الذين رووا هذا الحديث؟ في طبقة التَّابعين، كما قُلنا من طريق هِشام بن عُروة عن أبيه عن عائشة، هل ظهَرَ في التَّابعين من استنكر وقَالَ : هذا خِلاف الآية، هلْ ظهَرَ من أتباع التَّابعين، هل ظهَرَ من زمن الإمام أحمدَ من أئمَّة السَّلف، إنَّما كان الذي يرُدُّ هذا هُو المُعتزلة، حينئذٍ معنى عدمُ الاستشكال، أنَّهُ لا إشكال أصلاً في الآية، وإنَّما أنت أخطأت، هذا شيء، بعد ذلِك نقول: إنَّ السِّياقَ يُفسِّرُ المُراد، كما يقول عُلماء الأصول : السِّياقُ والسِّباقُ مِن المُفسِّرات، وهذا معروفٌ عند السَّلف أن يفهموا نصوص كِتابِ اللهِ بِما سَبَقَ أن بيَّن فهمُ السَّلف، ويُراعون السِّياق والسِّباق، وهَذا مِثالُهُ كما سُئِلَ الإمام أحمد، وكانَ أهلُ البِدع من الجهمية يقولون أنَّ اللهَ في كُلِّ مكان، ويستدلون بالآية: { وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ}[الحديد:4]، } إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} [المجادلة:7]، فاسْتُدِلَّ على أحمد بِهذا، فقَالَ أحمد اقْرَأ مَا قبْلَها، واقرأ ما بعدَها، {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّـهَ يَعْلَمُ} افتتحَها بالعِلم، { أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّـهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَىٰ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا  ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّـهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴿٧﴾}[المجادلة: 7]، بِماذا ابتدأها؟، قالَ أحمد: ابتدأها بالعِلم واختتمَها ، إذِن اقرأ ما قبلَ: } إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَّسْحُورًا﴿٨ {[ الفرقان:8]،}  وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَىٰ عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ﴿٥{[الفرقان:5]، إذن هؤلاء يقولون هُو مسحورٌ، ما أتى بهِ من القرآن سِحرٌ كما صرّحوا به، وأن كلامه هو السحر، ولذلك لمّا جاء الصحابي، في صحيح مسلم، قبل أن يُسلِم، وأخبروه بأن محمدًا يأتي بالسحر، فجاء وسمع النبي –صلى الله عليه وسلم- يقرأ آياته، قال والله لقد سمعت كلام الكُهّان، وسمعت كلام الشعراء، والله ما هذا بكلام الكهان، ولا بكلام الشعراء، إلى آخره، ومن هنا قال العلماء، أن المراد من قوله: } إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَّسْحُورًا﴿٨{ [الفرقان:8]، أي أن هذا الرجل سُحِرَ، وأُلقِيَ عليه من كلام الكهان، وأن القرآن الذي آتى به هو من أثر السحر، فوصفه بكونه مسحورا، على اعتبار ما أتى به وهو القرآن، فحينئذٍ مَنْ مِنَ السلف يقول بأن النبي –صلى الله عليه وسلم- يكون ليس بمسحور بهذا الاعتبار؟ بل هذا الاعتبار، حين تقول بأن النبي –صلى الله عليه وسلم- قد سُحِرَ، لكن حين سُحِرَ –عليه الصلاة والسلام- أعلمه الله، أم لم يُعلمْهُ؟ قال حتى كان –عليه الصلاة والسلام- يقول: ((إني استفتيت ربي، فكان يخيل إليه أنه يأتي أهله ولا يأتيهم))، قال الراوي: وهو أشد ما يكون من السحر، إذًا سحر ماذا؟ سحر الرَّبط، أي أنه يعجز أن يأتِيَ زوجته، أي أنه مربوطٌ، لذلك حينئذٍ ما أُثبت من السحر بالنسبة له، في أي باب؟ في باب جِماع أهله، في باب استمتاعه بأهله، وما نُفِيَ عنه -سبحانه وتعالى- حين كذّبهم في دعواه بأنه مسحور، أي مسحورٌ، وأتى بهذه الرسالة التي هي سحرٌ مبينٌ، إذاً هو منفيٌّ عنه كونه مسحورٌ، باعتبار ماذا؟ القرآن الذي أتى به، أنه ليس بسحر، ولا هو مسحور به، بل هو من عند الله –عزّ وجل- تنزيل من حكيم حميد، ولذلك أول الآيات، في سورة الفرقان، تبتدئ بنزول القرآن، } تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا ﴿١{  ]الفرقان:1[، إذًا هذا الفرقان ليس بسحر، بل هو فرقان بين الحق والباطل، الحاصل، أن هؤلاء حين جَهِلوا المراد، ما فهموا موقع الإثبات في السحر، وموقع النفي من السحر، فموقع الإثبات هو السحر الذي يعتري الأبدان، كما أن الإنسان يُربطُ عن امرأته، وهو عاقلٌ، مدركٌ، واعٍ، بل إن النبي –صلى الله عليه وسلم شعر بهذا، فلذلك قال: ((استفتيت ربي))، فلا تعارض بين الإثبات، في كونه سُحِرَ، وبين النفي، في كونه ليس بمسحورٍ، على أن تفهم المراد بهذا الاعتبار، ولذلك إذا فُتح هذا الباب، فإن هذا يؤول إلى الطعن في الدين، نسأل الله العافية.

الشيخ محمد العنجري:  شيخ خالد دائمًا نجد أن سبيل هؤلاء إلى هذا العبث فى دين الله من خلال العقل أو الرأى أو الأقيسة، وأيضًا من خلال اللغة-محض اللغة-، فما هو الضابط فيما يُعَوَّل عليه من تفسير القرآن باللغة العربية؟ وهل من الممكن أن يدخل التفسير بالرأى من خلال اللغة العربية؟
الشيخ خالد: هذا أمر مهم جدًا، لكن يُذَكّرني بكلمة الإمام الألباني التى افتتح بها، يقول الإمام الألباني -رحمه الله- في معرض كلامه في هذه المسألة: إن الرجل لو بلغ في علم اللغة العربية مبلغ سيبويه فلن يستطيع أن يفهم القرآن إلا بالسُنّة، وهذا من بديع وجميل كلام الإمام الألباني.

الآن انتبهوا، أن تفسير القرآن باللغة العربية دون النظر إلى السنّة كيف يؤول إلى الغلط: أخرج البخاري ومسلم في الصحيحين لما نزل قوله-تعالى-:} الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَـٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ { ]الأنعام: 82 [، فجاء الصحابة وقالوا: يا رسول الله، وأيّنالم يظلم نفسه؟ الصحابة عرب وأهل لسان فصيح، وأفصح العرب هم الصحابة. حينئذ لما نزلت الآية :} الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ{  ]الأنعام: 82 [، ظلم هذه معرفة أو نكرة؟ نكرة، والمعرفة: الظلم وظلم نكرة والظلم..، قالوا: أيُّنا لم يظلم نفسه؟ ماذا فهموا من الظلم بمقتضى اللغة العربية؟ فهموا كل ما هو ظلم قلّ أو كثر. إذًا معنى هذا على مقتضى اللغة العربية:كلنا هَلْكَى؛ لأن الله يقول:} وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّـهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ {  ]فاطر: 45[، إذا معنى ذلك، أن الآية بفهم اللغة العربية تشمل أي ظلم قل أو كثر، وقالوا: يا رسول الله، وأيّنا لم يظلم نفسه؟ قال: (( ليس الذي تذهبون إليه، ألم تسمعوا قول العبد الصالح  إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ))
ماذا فهَّمَهم النبي-عليه الصلاة والسلام-؟ أن الآية المراد بها الشرك، وتأَمَّل هنا أمرين: قال ليس الذي تذهبون إليه، إذن خطَّأهم أم صوَّبَهم؟ خطَّأهم، مع أنهم هم استدلوا بلغة العرب فإنهم خُوطِبوا بها، ومع ذلك أخطأوا وهم أعلم الناس باللغة العربية. ثم صوَّبهم وبيَّن لهم الصواب، قال: (( إنما ذلك الشرك، ألم تسمعوا قول العبد الصالح إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)) .
إذن إذا كان الصحابي قد يُخطئ إذا أخذ باللغة العربية وغابت عنه السنّة، فمن يأمن على نفسه بعدهم؟ لذلك ما كانوا يعتمدون على لغتهم العربية، الصحابة ما استدلوا على الآية وفهموا معناها وسكتوا، لا لم يُقَصِّروا في السؤال، عرضوا ما فهموه من لغة العرب على السنّة، لكنهم لم يستدلوا وتركوا السؤال.
إذن لذلك لا يُسَار إلى اللغة في فهم النصوص إلا باعتبارات: -أول ذلك: تفسير القرآن بالقرآن، وتفسير القرآن بالسنّة، وتفسير القرآن بالآثار، وتفسير القرآن بلغة العرب فيما جاء عن السلف فيه قول، يعنى إذا اختلف السلف في آية ما على قولين حينئذٍ لك أن تستدل بلغة العرب ولكنك في استدلالك بلغة العرب مُتَّبعٌ للمنقول عن السلف.
لذلك لا يستطيع الإنسان أن يجعل اللغة هي التي تقوده في فهم النصوص، وإلا الخوارج باللغة العربية وقعوا في الخارجية: }وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّـهُ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴿٤٤ { [المائدة: ٤٤].

من اسم موصول بمعنى الذي، وهو من صيغ العُموم، إذًا اللغة معهم ولا لا؟ معهم اللغة، }وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّـهُ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴿٤٤ { [المائدة: ٤٤]. لكن هؤلاء لم ينظروا إلى ما جاء من البيان من السنة والآثار، كما صحّ عن ابن عباس ((كفرٌ دون كفر))، إذًا هذا هو الضابط الذي يجب أن يُراعى، لا تستدل باللغة إلا فيما دلّ عليه أثر.

الشيخ محمد العنجري: شيخ خالد، الآن نجد أن هناك من يستنبط من خلال الآيات معاني مُعينة، وإن كانت هي في سُنة النبي –صلى الله عليه وسلم- ولكن يُريد أن يُشير إلى معاني، كقول الله –تعالى- } لَيْسُوا سَوَاءً مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ ..{ [آل عمران:113[ ، إلى آخر الآية،  هنا يقول انظر إلى أن الله –جل وعلا- جعل أهل الكتاب والنصارى هنا المقصود، ليسوا على مذهبٍ واحد، وليسوا على طريقةٍ واحدة، فانظر إلى عدل القرآن في بيان أن من النصارى من هم كذلك يتلون القرآن إلى غير ذلك، فهذا الطريق الاستدلالي، هل هذا طريق صحيح؟ كما يستدل في اليهود بأن } أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴿١٠٠ {[البقرة: ١٠٠] فقال هنا فريق، وهذا من عدل الله –جل وعلا- بأن فريق دون فريقٍ آخر، فانظر إلى عدم العموميات في الحكم على الأشياء، فهو يستنبط بهذه الطريقة، هل هذه طريقة سُنيّة؟ في الاستنباط؟.

الشيخ خالد عبد الرحمن:

نعم هذا كما جاء عن علي –رضي الله عنه- (كلمةُ حقٍّ أُريدَ بِها باطِل)، بمعنى إذا تأملت هاتين الآيتين } أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا {[البقرة: ١٠٠]، وهي في اليهود } أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴿١٠٠ {[البقرة: ١٠٠]، فريق منهم أي: لم ينبذه كلهم، كذلك الآية } لَيْسُوا سَوَاءً مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ ..{ [آل عمران:113[، هؤلاء ماذا يقولون؟ انتبه، هؤلاء يبنون قواعد باطلة، يُلبّسونها معاني العدل والإنصاف، يقولون اليهود لا نستطيع أن نذم كل اليهود، بل إن القرآن قيّد أن الذي نبذ العهد فريق من اليهود، إذًا الفريق الآخر ممدوح، وليس بمذموم، يُريدون أن يصلوا إلى ماذا؟ إلى ما يسمونه من تقارُب الأديان، يُريدون أن يصلوا إلى ما يسمى بالإنصاف مع المُخالف، أي بأنك قد تُثني على اليهود، على الطوائف، كثيرًا من اليهود وأنهم على خير، بل بعضهم جاوز ذلك، قالوا نحن مؤمنون بالله، وهم مؤمنون، وفي النهاية الطريق واحد، حينئذٍ هؤلاء ماذا يفهمون من تعميم القرآن } لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا {[المائدة: ٧٨]، جعل اللّعنة لبعضهم أم لجميع الكفار منهم؟ لجميعهم } لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ{ [المائدة: ٧٨]، إذًا عَمّم الحكم على كل كافر من اليهود أم لم يَعُم؟ جعل اللّعنة عامة لكل يهودي كافر، طيب، كذلك إذا أتيت إلى قول الله –تبارك وتعالى- لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا { [المائدة: ٨٢]مَنْ؟ }الْيَهُودَ{ هل قال بعض اليهود؟ ما قال، هل قال فريقًا من اليهود؟ ما قال، وإنما ماذا قال؟ قال }الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا{ [المائدة: ٨٢]، فعمّ أن أشد العداوة واقعة من كل يهودي كافر، ومن كل مشركٍ كافرومن كل مشركٍ كان إذًا حينئذٍ حين نفهم العدل لا يُفهم العدل بعقولنا القاصرة إن الله يأمر بالعدل ومن العدل للذكر مثل حظ الأنثيين هذا هو العدل، هذا هو العدل الشرعي، ليس العدل العقل أن الناقص الذي يغيب عنه المصالح والمفاسد، لذلك ماذا نستفيد من هذه القيود } أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم  {[البقرة: ١٠٠]، لا تستطيع أن تقول كل يهودٍي خائن بل صرّح القرآن أن منهم من يُؤتمن، لكن هل هذا معناه أن تُدخل هذا في العدل وأن يجوز إلى أن تَدّعيَ فيه الخير والثناء عليه وعلى دينه وعلى معتقده هو ملعون وإن كان أمينًا يعني ممكن أن يكون أمينًا في البيع والشراء ولا يغدر ولكنه يكون كافرًا ملحدًا وممكن أن تجد مسلمًا صاحب توحيدٍ ولكن قد يخون في البيع والشراء، فخيانة هذا في البيع والشراء لا ترد كونه مسلمًا وكون الآخر أمين لا تُصحح اعتقاده ودينه. لذلك حين نرى إلى تعامل السلف مع هذه الآيات لا نرى أنهم ينتزعون مثل هذه المعاني على اعتبار فهم هؤلاء المتأخرين بأن هذا معنى العدل ومعنى المساواة ومعنى الاحترام واحترام الرأي والرأي الآخر واحترام الحرية الشخصية وأن تثني على الكافر وأن تحترمه وأن تقدره، بل هذا مصادم لكتاب الله -عز وجل - فيما بيّن، لذلك انظر الآيات الصريحة{ إِنَّ اللَّـهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ }[النحل:90]، ثم لما تأتي: } لَيْسُوا سَوَاءً  }[آل عمران:113] أكمل { لَيْسُوا سَوَاءً مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّـهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ ﴿١١٣﴾ يُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ }[آل عمران:113-114]، إذًا هذه الآية تتكلم عن من مِن أهل الكتاب؟ من آمن منهم لذلك اقرأ الآية قال الله - تبارك وتعالى-: { وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَىٰ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ }[المائدة:83]، إذًا الآية تتكلم عن ماذا؟ عن المؤمنين الذين آمنوا من أهل الكتاب كما جاء في الصحيحين ((ثَلاَثَةٌ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرّتَيْنِ: ورَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الكتاب آمَنَ بِنَبِيّهِ وَأَدْرَكَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَآمَنَ بِهِ وَاتّبَعَهُ وَصَدّقَهُ،)) إذا هذا يأتي أجره مرتين إذًا هو من أهل الكتاب باعتبار ماذا ؟ باعتبار أصله ، إذًا هذه الطريقة في الاستدلال، هي في الحقيقة تؤول إلى تمييع الدين وإلى ضعف الأخوة الإيمانية وتوسيع هذا إلى ما يسمونه بالأخوة الإنسانية وأن هذا من مقتضى العدل وأن هذا مما أمر الشرع به وهو في الحقيقة مُنافٍ تمامًا لما جاء في الكتاب والسنه والله المستعان والله أعلم .

الشيخ محمد العنجري: وإلى منهجية الانتزاع تتكرر مع اصحاب مدرسة الرأي، كما يستشهد أحد هؤلاء يقول لابد من التفكر والاستنتاج لا إلى التسليم، بل لابد أن يتفكر الإنسان ويستنتج ويصل إلى النتيجة لا يجعل عقل الإنسان مُجَرّد من التفكير ومن التفَكُرْ، ويأتي بآية { وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَـٰذَا بَاطِلًا }[آل عمران:191]، إذًا هنا دعوة إلى التفكر والاستنتاج من خلال هذا التفكر إلى أن هذا الخلق لم يُخلق هملًا أو عبثًا، فكيف نرد على هذه المدرسة التي تُظهر هذه المعاني في بيانها ودعوتها للناس؟

الشيخ خالد عبدالرحمن: هذا يلتقي مع الباب الأول في جانب كبير من الشبه، كلمة حق أُريد بها باطل،

} إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ ﴿١٩٠ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّـهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَـٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴿١٩١ {[آل عمران:190-191[ ، إذًا هؤلاء ماذا يقولون؟ يقولون إن الشرع أمر بالتفكر، طيب سبقت لكن ما يبنون على هذا؟، لماذا أطوف بالبيت سبعا، لماذا لا أطوف ثمانية؟ لماذا أصلي العصر أربعا والمغرب ثلاثا والفجر ركعتين؟ حينئذ يقول لماذا يحرم الله عليّ لحما معينا ويحلل لحما آخر، وهذا لحم وهذا لحم؟ الآن انظر، استعمل عقله في غير ما أمر به، إنما أمرنا الله – عز وجل- أن نتفكر بعقولنا حتى نستدل مع الشرع والعقل على توحيد ربنا، لذلك ماذا يقول أهل النار؟} وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴿١٠{  ]الملك: 10[، فبينوا أن سبب دخولهم النار أنهم أهملوا أمرين: النقل والعقل، النقل لو كنا نسمع الآن أسألك: لماذا قدم السمع قبل العقل؟ لابد تتأمل، نبدأ بما بدأ الله،؟} وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِل { ]الملك: 10[، قدم ماذا؟ السمع، سمع ماذا؟ سمع البينات والآيات التي جاء بها الأنبياء، وهذا هو النقل وهذا هو الشرع، طيب بعد أن تسمع تتعقل ما سمعت وتفهم المراد فتنجو من عذاب الله، فالعقل إنما أمرت به في أن تصل إلى معنى توحيد الله، فأنت ترى معجزات الأنبياء، فتعلم بعقلك أن هذا ليس من قدرة البشر، وأن هذا ليس من أفعال البشر، لو أن مجنونا رأى معجزات الأنبياء، أكان يؤمن؟ رآها ولكن لم يعقلها. إذًا عقلك في إثبات التوحيد مع النقل، فإذا ثبت عندك توحيد الله بالمعجزات وبما أودع الله عقلك من الفهم لمعجزات وآيات الأنبياء حينئذ بعد ذلك يأتي التسليم لما عقلت بأنك مًتعَبّد لله – عز وجل-، هنا } لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ﴿٢٣{ ]الأنبياء: 23[، لماذا لا يُسأل عما يفعل لا يقال لماذا يا رب المغرب ثلاثا والفجر ركعتين والعشاء ، لا يُسأل لأنك علمت بأنه الخالق وأنه الإله وأنه الحكيم، فعلمت ذلك بالنقل والعقل،  حينئذ يلزمك بعد ذلك التسليم، فيصير العقل مُتبّعا لا منتقدا، لذلك تأمل، هناك أمور يحرمها الله ويبين الحِكْمَة من التحريم، مثاله: } إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴿٩٠ { ]المائدة: 90[، ثم بين الحكمة:} إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّـهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ  فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ ﴿٩١{ ]المائدة: 91[، قرن التحريم بماذا؟ بالحكمة والتعليل فعقلت أن هذه المحرمات لها أضرار، فلأجل أضرارها منعك الله، طيب وهناك أمور يحرمها الله ولا يبين وجه ضررها:} وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا{ ]المائدة: 96[، طيب بعد الإحرام؟ صيد البر؟ صيد البر بعد الإحرام حلال، طيب وإذا أحرمت؟ صيد البر؟ إذا الصيد فيه ضرر من حيثية العقل أم الضرر ضرر شرعي؟ لو كان الضرر في الصيد أمر عقلي لا مدخل فيه للشرع لما أجازه في حال من الأحوال؛ لأنه لن يجيز ما يضر الإنسان. ولكن هو هنا حلال وهو هنا حرام وهو صيد لم يتغير. إذًا هذا هو ضرر شرعي حين تخالف أمر الله، لذلك الله – جل وعلا- يبين أحيانا الحكمة من التحليل والتحريم وأحيانا يطلق ذلك لمطلق التعبّد،؛ لأنك لو تعبّدت الله لكل ما عقلت علّته ومصلحته لصرت متبعا لماذا؟ لمصلحتك أنت، لست متعبدا الله، ولو أنه غيّب عنك المصالح والمفاسد في كل الشرع لصرت في حَيْرة، لماذا لماذا، فجعل الله أمرا بين وسطين، تارة يبين لك ليدفع عنك سؤال نفسك وتارة يحملك على التسليم للتعبد حتى لا تكون منقادا لماذا؟ لعقلك وهواك، وإنما منقادا للشرع. والحاصل أن التفكر والتعقل بابه في إثبات وحدانية الله، وأنه المستحق للعبادة - عز وجل-، فإذا ثبت هذا الأصل؛ انتقلت إلى طور آخر ألا وهو التسليم والانقياد للرب الحكيم العليم الذي أعلمك فقال : } لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ﴿٢٣{ ]الأنبياء: 23[، انظر الآن ماذا يفعلون!! يأتون بالعقل ليصادموا العبودية لله، لماذا أصلي أربع ركعات؟ لماذا أصلي خمسًا؟ لماذا أصلي؟ إذن هذا في الحقيقة هو تحميل للعقل ما يصادم الشرع وتكليف للعقل بما لا يقدر عليه، لو أن علمك استوى مع علم الله، وأدركت كل ما غاب عنك من الحكم، الله يقول في كتابه:   }وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ { [ البقرة:255]، أي أنك عبد عاجز، وعقلك ضعيف، وله حدود يقف عندها؛ لأنه لا يمكن أن يستوي علم المخلوق مع علم الخالق، فلا تحيط بعقلك من علم الله إلا ما يناسبك كونك عبدًا مخلوقًا ضعيفًا، ولذلك يقول: } وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ {  البقرة:255] ، كما جاء في الحديث في الصحيحين، لما ركب موسى مع الخضر فجاء عصفور فنقر في البحر نقرة، أخذ نقطة ماء فقال الخضر لموسى : ( يا موسى ما نقص علمي وعلمك وعلم الخلائق من علم الله إلا كما أخذ هذا العصفور من هذا البحر ). ولذلك شيخ الإسلام له كلام رائع ويمثل بأمثلة رائعة على التسليم للعبودية، يقول: (( المني طاهر؛ ويجب فيه الغسل، والبول نجس؛ ويجب فيه الوضوء )) هذا لما كان يناظر العقلانيين، المني طاهر على الصحيح يقصد، ويجب منه الغسل، والبول نجس ويجب منه الوضوء، طيب والتيمم؟ التراب يزيدك قذارة أم يزيدك نظافة؟ التراب ﴿فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا [ المائدة: 6]، فأنت الآن قبل أن تتيمم حال يديك ووجهك أنظف أم بعد أن تتيمم؟ قبل، لأنك الحمد لله حتى لو ابنك على إيده تراب، كُخ يا بابا، أو كِخ على حسب ما اختلفوا في نطقها، كُخ أو كِخ؛ تستقذر التراب، وعند العبودية، ماذا تفعل؟ تتيمم بالتراب، هذا هو التعبد لله، لذلك شيخ الإسلام يقول – وهذا أختم به – يقول: (( وإن صريح المنقول لا يخالف صحيح المعقول )) صريح المنقول أي الأدلة الصريحة في الكتاب والسنة لا تخالف صحيح المعقول، لكن تخالف إيه؟ تخالف العقل الرديء، نسأل اللهَ أن يحفظنا وإياكُم.

الشيخ محمد العنجري: السُّني السَّلفي يتمثَّل قولَ الحقِّ تعالى: {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ﴿٢٨٥}[البقرة:285]، هذا الإنسان يجِب أن لا يخرُج عن هذا المعنى، ولذلِك قال الإمام الشَّافعي: ( والأصلُ لا يُقالُ لهُ لِمَ؟ ولا كيْفَ؟)، وقالَ الإمام أحمد في أُصولِ السُّنة كذلك قال: ( لا يُقالُ لِمَ ولا كيْفَ؟ إنَّما عليهِ الاتِّباع والتَّسليم)، أو ( الانقِياد والتَّسليم)، هذا هُو المنهج السُنِّي، ولكِن هؤلاء يأتون بإراداتٍ وشُبَهٍ على المُسْتمِع، فيقول: لابُدَّ من التَّفُكُر، هذا غير صحيح، اللهُ – عزَّ وجلْ- يقول في القرآن:{ لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ}[المائدة:101]،  إذن قد تطرأ على العقل، وعلى الفِكر، ولكِن التَّفُكُر بذلِك بنصِّ الآية، إساءة، فليس للإنسان أن يتكلَّم في كُلِّ ما يطْرأ في فكْرِهِ وعقلِهِ بنصِّ القُرآن: :{ لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ هي تبدو للإنسان، ولكِن فيها ماذا؟ الإساءة، ونقول لِهذا وأمثالِهِ، نقول: الإسراء عقيدة المُسْلِم في الإسراء، هل هي عقلية أم نقلية؟ {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴿١}[الإسراء:1]، إذن المرجِع في ذلِك ماذا؟، النَّقل، وإلاَّ لوْ كانَ الأمر بالعقل لما استطاع الإنسان أن يُدرِك عقيدة الإسراء، إسراء النبي –صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-. بلْ انظُر إلى قولِ الحقِّ تَعَالى: {الم ﴿١ ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ}[البقرة:1-2]، هل لِكُلِّ أحد لا ريب فيه؟، لا، هُدًى ِلمن؟:هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ ﴿٢ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ}[البقرة :2-3]، إذِن الإيمان بالغيب ركيزة السُّني، وهل يُدرَك الغيبُ بالعقل؟، وهل يُدرك الغيب بالتَّفُكر، وهل تستطيع أن تصِل بالنتائج العقلية إلى المعاني الغيبية؟ لا يُمكِن، وهذا السؤال يُوجَّه إلى أمثال عدنان إبراهيم، نقول: أنت تقول دائمًا، لابُدَّ لي من التَّفُكر، لابُدَّ لي من الاستِنتاج، نقول: هذا كذِب، لأنَّ الغيبيات لا يُمكِن للعقلِ إدراك هذه الغيبيات إلا بالنَّقلِ دون التَّفكُر، الأمر الأخير الذي ننتهي بهذهِ الكلِمة، بأنَّ هؤلاءِ وأمثالِهِم يأتون بهذه الشُّبه والإيرادات لإيصال النَّاسِ إلى العلْمنة، إلى ماذا؟ إلى الفِكرِ العِلماني، هؤلاء يريدون أن يوصِلوا النَّاس إلى الحُريَّة، إلى ماذا؟ الحُريَّة المُطْلَقَة، , وأن تكون العِبادة أين يا أخوان؟، في البيتِ ، فباسم جماعة الإخوان، وباسم الأُطروحات السِّياسية المُعاصِرة، من أبناء المدارِس العقلية، ومدارِس الرَّأي، نصِل إلى العلْمنة، لذلِك أوصي نفسي وإياكُم المُقصِّرة، بِتقوى اللهِ – جلَّ وعلا-، وإلى التَّمسُك بقولِ الحقِّ تعالى: { فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا} لاحِظ،{ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ } وماذا يصنعون؟،{وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴿٦٥  }[النساء:65]، وأقولُ قولي هذا واستغفِرُ اللهَ لي ولكُم. وجزاكُم اللهُ خير.