بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله محمد - صلى الله عليه وعلى آله وصحبهِ وسلم -، عنوان المحاضرة اليوم - إن شاء الله- الحِكْمَة هَدْيُ العُقَلاء، الحِكْمَة سبيل هَدْيُ الأنبياء والرُسُل، الحِكْمَة ضآلةُ المؤمن، الحِكْمَة فتحٌ من اللهِ تعالى على العبد، لذلك كانَ للحِكْمَةِ مَقامًا عظيمًا في دينِ الإسلام، فقد ذُكِرت الحِكْمَة ما يُقارِب من عشرينَ موضِعًا في كتاب الله تعالى، فخالِق السمواتِ والأرض قالَ في كتابهِ ومِن كلامهِ –تعالى- لعشرينَ مرّة يُبيّن عِظَم هذه الحِكمة في دينِ اللهِ –تعالى-، لذلك قالَ الحقُّ –تعالى-: {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً﴾ [البقرة:269]، إذًا الخيرية بالحكمة بمنطوق الآية، ولذلك كانت الحكمة مُرادفة مع الأنبياء والرُسُل، قالَ –تعالى-:{وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ}[ لقمان: 12]، وقالَ تعالى عن نبيُّ الله داود: {وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ} [ البقرة: 251]، وقالَ تعالى لنبي اللهِ عيسى:{ويُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ } [آل عِمران: 48] وقالَ تعالى:{فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ } [ النساء: 54]، إذًا الحِكْمَة هَدْيُ الأنبياء والرُسُل، والآيات كثيرة في فضلِ وعِظمِ الحِكمة، وَالنَّبِيَّ- صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما في صَحيحِ البُخاري قَالَ: ( لا حَسَدَ إِلا فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٍ آتَاهُ اللَّهُ مَالاً فَسَلَّطَهُ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ، وَرَجُلٍ آتَاهُ اللَّهُ حِكْمَةً فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا) أو ويُعلِمُها إذًا الحِكْمَة هَدْيُ العُقَلاء، الحِكْمَة سبيل للعُلماء والعُقَلاء، رَوى البُخاريّ عن عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قال: ضَمَّنِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى صَدْرِهِ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الْحِكْمَةَ) أُنظُر، النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يأتي بحبر الأُمة ويدعو لهُ بماذا؟ بالحِكْمَة، هُنا بعد أن روى البُخاري هذه الرواية، فسّرَ الْحِكْمَةَ، وأنا بعدَ قِراءتي ودراستي لهذا المبحَث أَجِد أنَّ أَفضَل تعريف للحِكمة هو تعريف الإمام البُخاري، فقالَ الإمام البُخاري مُفسِرًا للْحِكْمَةِ، قال: الحِكْمَة الْإِصَابَة فِي غَيْر النُّبُوَّة اُنظُر ماذا يقول البُخاري، يقول: الحِكْمَة الْإِصَابَة فِي غَيْر النُّبُوَّة ما معنى هذا الكلام؟ أي أنَّ الأنبياء يُصيبون الحقّ بالوحيّ فالحكيم يُصيبُ الحقَّ بما يفتح اللهُ عليهِ بِحكمتهِ من غيرِ وحيّ. قال تعالى: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ} [البقرة: ٢٦٩] فهذا فضل من الله تعالى للذي يُصيب الحق في غير نبوة، وهذا يُرى في هدي محمد –صلى الله عليه وسلم- {وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا}[النور: ٥٤] فالهداية سبيلها، طريقها هدي النبي –صلى الله عليه وسلم-، قال أبو عثمان: "من أمّر السُّنة على نفسه قولًا وفعلًا نطق بالحكمة، ومن أمّر الهوى على نفسه نطق بالبدعة".
إذًا سبيل الحكمة اتباع هدي النبي –صلى الله عليه وسلم- وهو فتح رباني من عند الله تعالى للعبد، وسأذكر لكم كيف كانت حكمة النبي –صلى الله عليه وسلم- كيف كان النبي –صلى الله عليه وسلم- صاحب حكمة في دعوته وبيانه وإصلاحه ودعوته للناس، فالنبي –صلى الله عليه وسلم- استقى الحكمة، ونستقي من هديه، هدي الحكمة، فالنبي –صلى الله عليه وسلم- كما جاء في حديث عائشة أم المؤمنين حبُّ النبي –صلى الله عليه وسلم- قالت للنبي –صلى الله عليه وسلم-: (هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ فَقَالَ لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ وَكَانَ أَشَدَّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي... إلى أن قال: فرد النبي –صلى الله عليه وسلم- فقال: ترك المجلس الذي دعا فيه إلى الحق، فرد –صلى الله عليه وسلم- ولم يُجاب على ذلك، فسار مهمومًا –صلى الله عليه وسلم- على وجهه، فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلَّا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ، هنا جاء ملك الجبال فقال ملك الجبال: يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَأَنَا مَلَكُ الْجِبَالِ وَقَدْ بَعَثَنِي رَبُّكَ إِلَيْكَ لِتَأْمُرَنِي بِأَمْرِكَ فَمَا شِئْتَ إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمْ الْأَخْشَبَيْنِ –أي الجبلين- فماذا كان رد النبي –صلى الله عليه وسلم-؟
فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا).
انظر إلى ثمرة هذا الموقف، انظر إلى حكمة النبي –صلى الله عليه وسلم- .
عكرمة بن أبي جهل ثمرة من؟ ثمرة النبي –صلى الله عليه وسلم- وجاء من مَنْ؟ من أبي جهل، وكان هو الثمرة، وهو السيف الذي أظهره الصدّيق في الرّدة، وقد مات في اليرموك، فكان سيفًا على أهل الرّدة –رضي الله عنه وأرضاه- بل كان يُسَب أبو جهل، فكان يقول النبي –صلى الله عليه وسلم- انظر إلى الحكمة، قال: ( لا تسبوا الأموات فتؤذوا الأحياء) انظر إلى الحكمة: لا تسبوا الأموات فتؤذوا الأحياء، والقصد هنا من؟ عكرمة –رضي الله عنه وأرضاه- ونعم صدق النبي –صلى الله عليه وسلم-أخرج من أصلابهم من يرفع لواء التوحيد، أخرج من أصلابهم من يُقاتل أهل الرّدة، أخرج من أصلابهم من يُقاتل الروم، صدق النبي –صلى الله عليه وسلم- انظر إلى الحكمة، انظر إلى الصبر، انظر إلى النظر البعيد، وهذا هدي أهل الحكمة، قد يكون الإنسان صاحب عجلة، والنبي –صلى الله عليه وسلم-كما جاء في سنن الترمذي قال –صلى الله عليه وسلم-: (وَالْعَجَلَةُ مِنَ الشَّيْطَانِ) فلا بُدّ من التؤدة ولا بُدّ من الحكمة في الدعوة إلى الله {دْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ}[ النحل 125] فالحكمة مَطلَب، النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يطوف بالبيت وكان حول الكعبة ثلاث مئة وستين صنمًا ينصبونَ لها الذبائح! فما صنعَ شيء يطوف، يطوف وما يصنع شيء- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَبَر حتى مكنه الله في الوقت المُقدّر، وقال: جَاءَ الحَقُّ وَزَهَقَ البَاطِلُ إِنَّ البَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً، ولكن هل كان ذلكَ ابتداءًا؟ لا، أُنظر إلى هديّ النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعلى آلهِ وصحبهِ وسَلَّمَ- أُنظُر إلى هذه الحادِثة، عن أَبِي الدَّرْدَاءِ - رضي الله عنهُ - قَالَ :كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ أَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ آخِذًا بِطَرَفِ ثَوْبِهِ حَتَّى أَبْدَى عَنْ رُكْبَتِهِ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَّا صَاحِبُكُمْ فَقَدْ غَامَرَ فَسَلَّمَ وَقَالَ إِنِّي كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ ابْنِ الْخَطَّابِ شَيْءٌ فَأَسْرَعْتُ إِلَيْهِ ثُمَّ نَدِمْتُ فَسَأَلْتُهُ أَنْ يَغْفِرَ لِي فَأَبَى عُمر- رضي الله عنه- فَأَقْبَلْتُ إِلَيْكَ فَقَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ ثَلَاثًا، يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ، يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ يَا أَبَا بَكْر، ثمَّ إِنَّ عُمَرَ نَدِمَ- رضي الله عنهُ وأرضاه- فَأَتَى مَنْزِلَ أَبِي بَكْرٍ فَسَأَلَ أَثَّمَ أَبُو بَكْرٍ؟ فَقَالُوا لَا، فَأَتَى إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَلَّمَ فَجَعَلَ وَجْهُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَمَعَّرُ حَتَّى أَشْفَقَ أَبُو بَكْرٍ فَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاللَّهِ أَنَا كُنْتُ أَظْلَمَ، وَاللَّهِ أَنَا كُنْتُ أَظْلَمَ مَرَّتَيْنِ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي إِلَيْكُمْ فَقُلْتُمْ كَذَبْتَ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ صَدَقَ وَوَاسَانِي بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَهَلْ أَنْتُمْ تَارِكُوا لِي صَاحِبِي، وفي رواية، وقالَ أبوبكر صَدَقَ وَوَاسَانِي بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ وأهلهِ، فَهَلْ أَنْتُمْ تَارِكُوا لِي صَاحِبِي مَرَّتَيْنِ فَمَا أُوذِيَ بَعْدَ ذلك- رضي الله عنه وأرضاه-، أُنظر إلى حكمة النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنَّ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يُحقق في القضية، وإنما انتصرَ ابتداءًا للصديق، لمَ اقتضتهُ المصلحة الشرعية من بيان فضله وسابقتهِ -رضي الله عنه وأرضاه- اُنظُر إلى هذه الإعتبارات، أُنظر إلى الحكمة في ذلك، التعامل مع الأشخاص، التباين، هذا معتبر، انظر إلى هدى النبى –صلى الله عليه وسلم- ما قال ما الذى حدث بينكم؟ بل النبي –صلى الله عليه وسلم- لم يحقق فى القضية؛ إنما إنتصر إبتداء للصديق؛ لماذ؟ لبيان فضله، وسابقته في الإسلام وفي التضحية إلى غير ذلك.
وهنا فائدة: قد يقع بين أهل الحق خلاف، فالصديق قال لعمر: ما أردت إلا خلافي، فارتفعت أصواتهم –رضي الله عنهم وأرضاهم- فهذا يرد ولكن ليس فى الإعتقاد، ليس في الدين، وإنما يكون ذلك كبشرية، هذا أمر طبيعي، هذا قول النبي لعائشة: " أعرفُ متى تكونى عني، ماذا؟ راضية". فإذاَ هذه الإعتبارات معتبرة؛ حتى في بيت النبوة، ولذلك يجب على أهل السنة أن يدركوا هذا المعنى، أهل السنة أقول، يجب أن يدرك السني أن التحريش وارد، ولذلك لابد من الصبر، ولا بد من الإعتذار، ولا بد من التراجع عند الخطأ، ليس عيبًا على العبد أن يقول مُخطئ‘ أخطأت أعتذر إليك، هذا ليس بعيب؛ العيب؛ أن تُصر على الخطأ، فمن مروءة الرجل، ومن عظم أخلاق الرجل أن يعتذر عند الخطأ.
انظر إلى حكمة النبى –صلى الله عليه وسلم- مع شابٍ؛ جاء فتىَ إلى النبي – صلى الله عليه وسلم- فقال يارسول الله: "إئذن لي بالزنا"، صراحة، كلام واضح وصريح، فأقبل القوم –رضي الله عنهم وأرضاهم- على هذا الفتى . فقال النبي – صلى الله عليه وسلم-: "مه، مه، اتركوه" فطلب منه الدنو، فدنا منه قريباَ، فجلس إلى النبى- صلى الله عليه وسلم- فجلس إلى جانب النبي –صلى الله عليه وسلم، فقال له النبي– صلى الله عليه وسلم –: أتحبه لأمك ؟ قال : لا والله ، جعلني الله فداك . قال : ولا الناس يحبونه لأمهاتهم . قال أفتحبه لابنتك ؟ قال : لا والله يا رسول الله ! جعلني الله فداك . قال : ولا الناس يحبونه لبناتهم . قال: أتحبه لأختك ؟ قال: لا والله، جعلني الله فداك. قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم. قال أتحبه لعمتك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداك. قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم. قال أتحبه لخالتك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداك. قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم. قال: فوضع يده عليه، وقال: اللهم اغفر ذنبه، وطهر قلبه، وحصن فرجه " انظر إلى اللغة، انظر إلى اتساع الصدر، يهيأ هذا الشاب للعفة، انظر هدي النبي - صلى الله عليه وسلم- في تهيئته للعفة، صبر النبيّ-صلى الله عليه وسلم-، وأتى بِأمثِلةٍ مُتعدِّدة حتى يُحقّق معنى الشرّ في هذا السّبيل، وأتى بِأمثِلةٍ مُتعدّدة حتى نجى، اُنظر إلى حِكمةِ النبيّ-صلى الله عليه وسلم-؛ في هديهِ، وفي نُصحهِ، وفي إرشادهِ، فلهُ الهديّ-صلى الله عليه وسلم-الحكيم وبالحُسنى.
أذكُر الرواية الآخيرة: عن مُعاوية (أو قبل الآخيرة)، عن مُعاوية بن الحكم-رضي الله عنه وأرضاه-:"بينما أنا أصلّي مع النبيّ-صلى الله عليه وسلم- إذْ عطس رجلٌ مِن القوم، فقلتُ: يرحمُك الله، وهو يُصلّي، فرماني يقول مُعاوية بن الحكم: فرماني القوم، فقلتُ: واثُكْلى أمّياه، (أي مات ولد أميّ)، ما شأنُكم تنظرون إليّ؟! فجعلوا يضرِبون بأيديهِم، ويُلقون إليهِ بأبصارِهم، فأمسك، فلمّا صلىّ النبيّ-صلى الله عليه وسلم-(أي انتهى مِن صلاتهِ)، قال:"إنّ هذه الصلاة لا يصلُحُ فيها شيءٌ مِن كلامِ النّاس، إنّما هو التّسبيح والتكبير وقِراءةُ القرآن"، (اُنظرْ ماذا قال ! اُنظرْ إلى هديّ النبيّ-صلى الله عليه وسلم-، كيف بيّن له بِرفقٍ وبِمراعاة لِحالهِ)، قال: "فبأبي هو وأميّ ما رأيتُ مُعلِّمًا قبلهُ ولا بعدهُ؛ أحسنَ تعليمًا منهُ". اِسْتَقى الحقّ وبِرفق، ولكن هنا سؤال:
-لماذا لم تبطُلْ صلاتهُ؟ هنا السؤال؟
النبيّ-صلى الله عليه وسلم-(لأنّه تكلم في الصلاة) راعى جهلهُ بالمُبْطِلِ (أي بالمُبطِل مِن الصلاة)، لأنّ بالمُبطل هذا زائِد عن ماهيَةِ الصلاة، بخلاف المسيءْ لصلاتهِ، وانظُرْ كيف كان تعليم النبيّ-صلى الله عليه وسلم-لهذا الرّجل.
وجاء في مُسند الإمام أحمد بإسنادٍ صحيح، يقول الصّحابيّ: "كنّا مع النبيّ-صلى الله عليه وسلم - في سفرٍ، بينما هُم عند النبيّ-صلى الله عليه وسلم- إذْ نادى أعرابي؛ بصوتٍ له جَهوريّ للنبيّ-صلى الله عليه وسلم-: يا مًحمّدُ! فأجابه الرسول-صلى الله عليه وسلم - نَحوًا مِن صوتهِ! وقال:" ها أنا، هؤمْ ها أنا"، (النبيّ-صلى الله عليه وسلم-يقول) فقلنا له (الصحابة): ويحك اُغضُضْ مِن صوتِك! فإنّك عند النبيّ-صلى الله عليه وسلم - وقدْ نُهيتْ عن هذا، فقال: لا واللهِ لا أغضُضْ"[صحيح الترمذي:3535]، فما زالَ بعلوِّ صوتٍ، قال العُلماء، قُلنا في الرِّواية أنَّ النبي – صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- ناداهُ بنحو من صوتِهِ، أليسَ كذلك؟، أي أعلى النبي –صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- كذلك صوته- صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-، يقول ابن الأثير: (وإنَّما رفع صوتهُ –عليهِ الصَّلاة والسَّلام- من طريق الشفقة، من باب الشفقة عليه، حتَّى لا يحبط عمل هذا الرجل)، فماذا صنع النبي –صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-، رفع الصوت، انظُر إلى حكمة النبي – صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- انظر إلى فَرْط رحمة النبي – صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-، هكذا الحكيم، هكذا من يريد الهِداية للناس، فهذا راعى النبي – صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- من حالِهِ، ولكن يا إخوان من يريد منا الحكمة، لابد لهُ أن يُدرِك أنَّ هذا الأمر يأتي بتوفيقٍ من الله، ويأتي بالإخلاصِ للهِ – سبحانهُ وتعالى-، قال شيخُ الإسلام في النبوَّات: ( الإخلاصُ للهِ أن يكون اللهُ هُو مقصود المرءِ ومُرادُهُ، فحينئذٍ تنفجِر ينابيعُ الحِكمة، من قلبِهِ علَى لِسانِهِ)، إذًا ينابيعُ الحِكمةِ متى تنفجِر؟ إذا أخلصَ العبدُ لله، ووُفِّق بالحِكمةِ من اللهِ تعالى، ومن أَمَّرَ الحق والسُنَّة على نفسِهِ قولاً وعملاً، لابُدَّ لهُ أن يكون من أهل الحِكمةِ إن شاء الله، ولكن كيف يستطيع العبد أن ينال الحكمة، وهو صاحب أمراضٍ وأسقام، أقول يا طالب العِلم الشَّرعي، لن يسلَمَ قلبُكَ من الأمراضِ والأردانِ إذا كُنتَ أسيرًا بشباكِ ( أنا أنا أنا)، حتَّى إذا سمِع الإنسان لك شريط، يصِل عشرات المرات تقول: ( أنا أنا أنا)، هذا مرض، والعِياذُ بالله، فاحذر من هذه الأمراض، يقول ابنُ العربي: ( لا يكون القلبُ سليمًا إذا كان حقودًا، حسودًا مُعجبًا مُتكبِّرًا)، وقال العلاَّمة عبد اللطيف آل الشيخ: ( من عَمِيَ بصَرُهُ بِالكُلِّيةِ لمْ يَرى للشمسِ نورا، وكذلِكَ من عمِيتْ بصيرتَهُ لا يَرى الحقَّ، ولا يرىَ لهُ ظهورا )، أبدًا نسأل اللهُ السَّلامة.
وشرُّ الأمور في هذا الباب، الكذِب على طالب العلم، أن يُعرف بالكذِب، أطراف عِدَّة، تُنبِّه هذا المسكين، بالكذِب، والشَّهادة عليهِ بالكذِب، فتنبَّه، استغفر، { وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّـهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّـهُ }[ آل عمران:135]، الفاحشة إذا جاءت في القرآن، لا تكون إلا في الكبيرة، إذن إذا وقع الإنسان في ذلك، يستغفر ويُغيِّر من هديِهِ وسَلْكِهِ وطريقتِهِ، حتَّى وإن كان يُغيِّر أصحابه، قد يكونون هُم السبب في ذلك، يقول علي – رضي اللهُ عنهُ وأرضاه- : ( أعْظمُ الخَطَايَا عِندَ اللهِ اللِّسانُ الكَذوبِ). ولابد لطالب العلم أن يعلم أن الأمر توفيق من الله – عز وجل – هل كل من طلب العلم أصبح من العلماء لا الآلآف من المسلمين قد طلبوا العلم ولكن من منهم أدرك علم ابن باز؟ من منهم أدرك علم ابن عثيمين؟ من منهم أدرك علم الألباني؟ من منهم أدرك علم ربيع بن هادي؟ وقس على ذلك، من منهم أدرك علم الفقيه الفوزان؟ إذًا أقول كثيرٌ من الناس يطلب العلم ويضع نفسه منزلة لا يستحقها مشبهًا نفسه بالأكابر وهو غافل عن حقيقة نفسه وهذا مرض، الآن عندما نذهب إلى المملكة - اللهم بارك - كل معلم تربية إسلامية يدرس كتاب التوحيد وهذا فضل عظيم كتاب التوحيد أن يدرس للعامة ولطلاب في الابتدائي كما يقول الشيخ محمد بن رمزان يقول بالروضة ندرس أيضًا التوحيد فأهل التعليم يعلمون التوحيد كثر بالآلآف فالإنسان يكون منهم ليس بشرط أن أكون متميز ومتقدم أنا معلم كهؤلاء الناس، لماذا أريد أنا فهذا داء فأقول أعوذ بالله أين أنا من الشيخ محمد بن هادي ليس عيب أنطق بها أمام الملأ أين أنا من الشيخ طارق السبيعي أين أنا من الشيخ فلاح إسماعيل أين أنا من الشيخ أحمد السبيعي أين أنا هذولا طلاب علم فكيف بالعلماء أمثال الشيخ الفوزان والشيخ ربيع والشيخ محمد بن هادي فلابد من هضم النفس أقول أعوذ بالله من مرض أنا، أنا درست أنا علمت أنا درست، هذا مرض قلبي مسكين الإنسان يسأل الله – عز وجل – الإخلاص فكم من معلم في المملكة بالآلآف يدرسون كتاب التوحيد ولله الحمد هذا فخر للأمة وجزاء الله الإمام محمد المجدد الإمام محمد بن عبدالوهاب الذي كتب هذا الكتاب العظيم وأحياء مادة بن تيميه وانتشرت بفضل من الله – عز وجل – هل له مثيل في هذا العصر لا، فضل الله – عز وجل – الإنسان ما يجب أن يغتر الصراع بيني وبين الشيطان، الصراع بيني وبين أعداء الله، الصراع بيني وبين أهل البدع المحرفة لدين الله – عز وجل – هكذا، وتذكر يا عبدالله أن الإنسان قد يخطئ { وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّـهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّـهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا } [آل عمران: 135]، الإصرار مهلكه الإصرار على المرض مهلكه، فأنظر ذكرنا خلاف دار بين أعظم رجلين بعد الأنبياء والرسل الصديق وعمر – رضي الله عنهما – ولكن دقائق لحظات وانتهى الأمر في مسألة دنيوية يعني رأي أو كذا فالإنسان يجب عليه أن يتذكر أنه في هذه الدنيا في دار ممر والأخرة دار المقر فأسأل الله لي وللمستمع التوفيق والسداد والإخلاص ونسأل الله – عز وجل – الحكمة في الدعوة وفي البيان وهذا سبيل أهل الحق فأنظر ماذا قال الشافعي نزل على المريسي فأنزله إلى غرفة له فقالت أم المريسي لما جئت للشافعي لما جئت إلى هذا الرجل؟ فقال الشافعي: أسمع منه العلم فقالت هذا زنديق، أنظر إلى الإخلاص الوضوح هذه من؟ هذه الأم، الأم تقول عن هذا الذي جاء الشافعي بمحض إرادته لأخذ العلم عنه فماذا قالت الأم؟ إنه ماذا إنه زنديق هكذا الإخلاص لأنها تريد إن شاء الله دار الأخرة الوضوح الصفاء نحن في دار ممر نحن في دار اختبار المسألة جنة أم نار وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.