إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ﴿٧٠﴾ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴿٧١﴾{ ]الأحزاب:70-71[، أما بعد، فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمدٍ – صلى الله عليه وسلم -، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، أما بعد، فإن المسلم في هذه الحياة لابد وأن يجد فيها أحيانًا ما يسره وأحيانًا ما يسوؤه، فالحال لا تستمر على وتيرة واحدة، فهي تتقلب، والله – سبحانه وتعالى – يبتلي عباده، ويختبرهم، لينظر كيف يعملون، يبتليهم ويختبرهم ليعلم الصادق من الكاذب، يبتليهم ويختبرهم ليعلم المؤمن من المنافق، } الم ﴿١﴾ أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ﴿٢﴾ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّـهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ﴿٣﴾ { ]العنكبوت:1-3[، فالله يبتلي عباده بالسراء وبالضراء، فبعض الناس يبتلى بالسراء فينكص على عقبيه، وينقلب على عقبيه، وتتبدل حاله، من حال حسنة أيام الفقر والضعف والقلة، إلى حال سيئة في أيام السراء، والعكس، وقد يكون على حال تسر واسعة، رغد في العيش، بسط في الرزق، صحة في الجسم، أمان في الوطن، عافية في الأبدان، ثم بعد ذلك سلامة في الأديان، ثم يبتلى، فينتكس بعد ذلك، ولله في ذلك الحكمة البالغة – جل وعلا – } وَعَلَى اللَّـهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ ۚ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ ﴿٩﴾{ ]النحل:9[، } وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ۖ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴿٣٥﴾ { ]الأنبياء:35[، فالله يبتلي عباده بهذا وهذا، وإن الإنسان إذا ما نظر في هذه الحياة الدنيا، ونظر كيف حال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، وكيف كان حال أصحابه – رضي الله تعالى عنهم – استفاد الفائدة الصحيحة، وإن هو أغفل ذلك ولم ينظر إليه، فإنه لن يستفيد الفائدة الصحيحة، فالله – سبحانه وتعالى – قد ابتلى عباده المؤمنين بالسراء والضراء، وإن من أعظم ما يبتلى به الناس اليوم، نعمة السراء، المال، والمال فتنة، المال يميل بقلوب الرجال، وقد أخبر بذلك النبي – صلى الله عليه وسلم – فيما صحّ عنه: (( إن لكلِّ أمَّةٍ فتنةٌ وإن فتنة أمَّتي المال، أما والله ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى أنْ تُبسَطَ عليكم الدنيا، فتنافسوها كما تنافسوها، ثم تُهلِكَكم كما أهلكتهم))، فالمال يميل في الرجال إلا ما عصم الله وثبته، }الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا ﴿٤٦﴾ { ]الكهف:46[،} إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ{ ]التغابن:15[، والله – سبحانه وتعالى – يبتلي عباده، والله- سبحانه وتعالى- يبتلي عباده، وكم وكم وكم تنظر فترى فتنة الناس بالمال، لا تُعَد ولا تُحصى، وقد تؤدي الفتنة بالمال إلى الكُفر بالله- تبارك وتعالى- والإستمرار عليه والعنجهية في ذلك، كما حصل لفرعون، كما حصلَ لهامان وقارون، فأنكروا ما أخبر اللهُ -سبحانهُ وتعالى- به عن نفسهِ، وعلى لسانِ رسوله إليهم- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - موسى قالَ فرعون:{ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرِي}[ القصص 38] حاكيًا ربُنا تبارك وتعالى عنه وعن مبلغ كبره:{أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَـٰذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ ﴿٥٢﴾ } [ الزخرف 52]، فأخبرَ سبحانهُ وتعالى بحالَ هذا الرجُل:{ فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ ﴿٥٣﴾ فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ ۚ } [ الزخرف 53-54]، صدقوه فتبعوه وكذبوا موسى- عليهِ الصلاة والسلام- فالمالُ فتنة، قصة قارون ليست ببعيدة فلهذا خشيَ النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على هذه الأُمة المرحومة خشيَ عليهم فتنةُ الدنيا، خشيَ عليهم فتنة المال، وأخبرَ إنها فتنة عظيمة، وصدَقَ رسول الله-صلى الله عليهِ وسلم- فيما أخبرَ وهو الصادِق المصدوق ولو لم نرى نحنُ الحدث فكلامهُ صدق وحكمهُ عدِل -صلوتُ الله وسلامهُ عليه- لأنه وحيٌّ من الله، ووحيّ الله إن كانَ حُكمًا فهو عدل وإن كانَ خبرًا فهو صدقٌ وحقّ، فالحاصِل أخبرَ عليهِ الصلاة والسلام- أنَّ هذه الأُمة فتنتها في المال، ونحنُ نرى كثيرًا من الناس على حالٌ سَويّة في العلم والتعلّم والتَمَسُك بالسُنة، والإتباع لها والدعوة إليها والولاية لأهلها والبراءة ممن خالفها والحرص على هدايتهِ إن كانَ جاهلًا، ودعوتهِ إن كانَ مُتعلِمًا أو عالِمًا فإن رُؤيَ منه العناد والكِبِر فالحرص على البعد عنه ومُعاداتهِ في ذاتِ الله- تباركَ وتعالى- لأنَّ هذا هو أوثق عُرى الإيمان، أوثق عُرى الإيمان الحب في الله والبغضُ في الله، فكثير من الناس تراه بينما هو على هذه الحال، إذ يدرُجُ إلى قلبهِ المال فيتعلقُ بهِ فيفتنُ بصره ويتعلقُ بنياط قلبهِ، وإذا بكَ تراهُ قد انقلبَ شيئًا فشيئًا فارتكس وانتكس نسأل الله العافية والسلامة، وفي هذا وأمثاله يقولُ - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : (( تَعِسَ عَبْدُ الْخَمِيصَةِ، تَعِسَ عَبْدُ الْخَمِيلة تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ، تَعِسَ عَبْدُ الدِّرْهَمِ ، تَعِسَ وَانْتَكَسَ وَإِذَا شِيكَ فَلَا انْتَقَشَ إنْ أَعْطَى رَضِيَ وَإِنْ لم يُعطى لَمْ يَرْضَى)) وكانَ عليه الصلاة والسلام- يُعطي الرجل ويدع غيرهُ والذي يدعهُ أحب إليهِ ممن أعطاه، مخافةً أن يَكبهُ اللهُ في النار، ونحنُ نرى كما قُلتُ لكم في هذه الآونة كثير ممن يكون على الحالة السابقة التي ذكرناها فيدّب إلى قلبهِ حُب المال، فيُفسِدُ عليهِ دينهُ ويدبُ فيهِ حُب الدنيا فيُفسِدُ عليهِ دينه، وقد ضرب الرسول- صلى الله عليه وسلم- في هذا المثل العظيم، كما جاء في الحديث الصحيح في الترمذي وغيرهِ ومُسند أحمد أنهُ قال (( مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ أُرْسِلَا فِي غَنَمٍ بِأَفْسَدَ لَهَا مِنْ حُبِ الْمَرْءِ عَلَى الْمَالِ وَالشَّرَفِ لِدِينِه)) حب الرياسة والوجاهة وحب المال (ذِئْبَانِ جَائِعَانِ أُرْسِلَا فِي غَنَمٍ) ماذا تتصورون يعملونَ فيهما؟ يلعبون فيهما لعب هذان الذئبان الجائعان لا يأخذانِ فقط حاجتهما من الأكل وإنما يُفسدان الغنم إفسادًا عظيمًا، فما هذين الذئبين الجائعين الذين أُرسلا في هذه الأغنام بأفسدَ لها من حب الإنسان للشرف والمال لدينه، فحب الولايات والزعامات أفسدت كثيرًا من النّاس، لا يريدُ إلاّ أن يكون متبوعًا حتى ولو كان على الباطل، ويحبّ الزعامة والوجاهة ويكونَ رأسًا، فلا بدّ وأن يستقلّ، ولا بدّ وأن يخالف لأنّ الشيطان يأتيهِ ويقول له: قد قرأت القرآن وتعلمت فما لهم لا يتّبعون كما يتبّعُ الضِلال!!!
ما هم بمتّبعيّ إلاّ أن أُحدِث لهم، فيحدثَ لهم على خلاف السنّة لأجل أن يتبعوهُ ثمّ يستقلّ بهؤلاءِ ليكون رئيسًا عليهم.
وهكذا المال، ونحن نرى كثيرًا ممن ابتُليَ بسبب هذا؛ فانتكس من حالٍ إلى حال، من حالٍ صالحة طيّبة إلى حالٍ خبيثةٍ سيئّة بسبب المال، فترى هذا يذهب مع الحزبييّن لأنّهم أعطَوهُ وظيفة، أو أعطَوهُ مالًا، أو أعطَوهُ سيارة، أو ولَّوْهُ رئاسة المكتب الفلاني في بلدهِ ونحوِ ذلك، وهذا يذهب مع الجمعيّة الحزبييّة الفلانيّة المعروفة، لأنّها تدعمهُ، أو سيطمع منها أن تدعمهُ، أو يطمع فيها أن تفتح لهُ مركزًا، أو يطمع أن تدعم له مسجدًا ونحو ذلك، فيبيعُ دعوتهُ الصحيحة ودينهُ الصحيح التي كان يُوالي ويُعادي عليها في ذات الله-تبارك وتعالى-، وإذا بك تراهُ مع هؤلاءِ المغموسين المطعون فيهم وفي عقائدِهم، بلْ هو بالأمس ربّما كان يتكلّمُ فيهم، فيرميهم بالتحزُّب، ويرميهم ربّما بالبدعة ونحو ذلك؛ وإذا بهِ اليوم قدْ انتكس فإذا بهؤلاء الذين بالأمس يطعنُ فيهم؛ يزكّيهم اليوم، أو يدافعُ عنهم.
فصدق أحمد-رحمه الله- مع الفرق العظيم، مع الفرق العظيم حينما قال لعلي بن المدِيني، وقد أجاب مُتأوّلًا في ذكرةِ بخلق القرآن، وعلي بن المَدِيني كان بينهُ وبين ابن أبي دُؤاد صلة، وكان يُغدِق عليهِ باسم الحاكم، فلم يزل بهِ وهو إمام من الأئمّة، حتى وقع فيهِ ما وقع وأجاب مُداراةً وخوفًا لاعتقادهِ، ومع ذلك ما قبِلَ أحمد منه! –رحمه الله ورضي عنهُ-، قال: "لا لأنك أنت يشار إليك بالبنان" يعني محل إتّباع، ما قبِلَ أحمد منه، وكتب لهُ تلك الأبيات:
يا ابن المَدِينيّ الذي عرضت له دنيا فجاد بدينهِ لِينالها
ماذا دعاك إلى انتحالِ مقالةٍ قدْ كنتَ تزعُمُ كافِرًا مَن قالها
إن الرزية من يرزى دينه لا من يرزى ناقة وفصالها
هذا هو المَرَزّة، الرَزّية: أن تحلّ بالدّين هذه هي الرَزّية ما هو ذهاب الناقة ولا الفصيل، و وألقيت إلى علي بن المَدِيني في بيتهِ فقرأها فجاء بها إلى ابن أبي دؤاد فقال: "ما أظنها إلا من أحمد أو كلمةً نحوها"، فإذا كان هذا علي بن المَدِيني، الإحسان إلى القلوب يستميلِ النّاس، فالّذي أوصي بهِ نفسي وإخواني؛ الصدق مع الله-تبارك وتعالى-، والثّبات على هذه الدعوة السلفية المباركة، الصحيحة التي هي ميراثُ رسول الله-صلى الله عليه وسلم-ورّثناه، قال-عليه الصلاة والسلام-:(( اِفترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة (أو ملّة والألفاظ في هذا متعدّدة) وافترقت النصارى على اثِنتين وسبعين فرقة (في رواية ملّة، ويُروى في الموضعين) (كُلُّها في النّار إلاّ واحدة) (كلّها في النّار إلاّ واحدة وستفترِقُ هذه الأمّة على ثلاث وسبعين)) ، كلُّها في النّار إلاّ واحدة، من هم؟ قال: ((من كان على ما أنا عليه اليوم وأصحابي))، في اللفظ الآخر الجماعة، والجماعة تكونُ على الحقّ ولو كنت وحدك.
والمصيبة أن تترُك الذي كنت تعرفهُ بالأمس وتراهُ حقّا، وتركب ما كنت تراهُ بالأمسِ منكرا وباطلًا، فتراهُ اليوم حقا، فالتلوُّن في دينِ الله لا يصلح، ودينُ اللهِ واحد والحقُّ قديم، واعلم: أنّك إن فعلت ذلك وحاولت المغالطة؛ فإنّ الله يكشِفُك، والنّاس يعرِفون منك، الخبيرون بك والمتابِعون والعارِفون بحالِك وسيرتِك، يعرِفون؛ هل أنت بالأمسِ كاذب أو اليوم كاذب، فهذه الآن الرَّزية كُلَّ الرَّزيَّة أننا كل يوم نرى بعض إخواننا يتساقطون ويتهافتون على المال فيميلُ بهم، فبالأمس الجمعية الفُلانية حزبية واليوم سلفية أكبر من ينشر الدعوة السلفية بالعالم، وبالأمس الجمعية الفلانية كذا واليوم كذا، وبالأمس هذا حزبي واليوم صار أخوه وهكذا .
فأوصيكم معشر الإخوة والأبناء بالثبات على دين الله -تبارك وتعالى-، ومعرفة الحقَّ بدلائِله، تعرفون من كان عليه فإنَّ الرجال يُعرفون بالحقِّ، والحقُّ ما يُعرف بالرجال، الرجال هم الذين يُعرفون بالحقِّ، بماذا؟ بالدَّلائل التي قامت على هذا الحقَّ واضحة جليَّة ساطعة من كتاب الله -تبارك وتعالى- وسًنَّة رسوله –صلى الله عليه وسلم-، وأقوال أصحابه-رضي الله تعالى عنهم-، وعبارات السلف الصالحين.
فنحن نزن الناس بهذه الأشياء؛ فمن كان عليها فهو السلفي حقَّاً، ومن خالفها فليس بسلفي وإنْ ادَّعى وملأ الدنيا صُراخاً، ولنعلم أنَّ دين الله واحد، والحق واحد لا يتعدد، والتَّلون في دين الله من أعظم البلايا، ومن أكثر مُخالطة أهل الأهواء ومُداخلتهم فإنه سيُكثر التنقُل، اليوم على وجهٍ وغداً سيكون على وجهٍ وبعد غدٍ سيكون على وجهٍ حتى يعود أخسَّ مما كان عليه من ينتقدهم هو بالأمس.
فأوصي إخوتي وأبنائي بالثبات على هذا، ووزن الرِّجال بالدليل الذي كان عليه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأصحابه –رضي الله تعالى عنهم- وعليه عباراتُ السلف الصالحين، فإنَّ من وزن الناس بهذا لا يكادُ يُخطأ، ومن نظر إلى مناصبهم أو مراكزهم أو نحو ذلك فإنَّ هذا لابد وأن يُخطأ، هذا أولاً.
وثانياً: أوصيكم بالحرص على السبيل لتصحيح هذا الميزان ألا وهو العلم، بطلب العلم الشرعي الصحيح فإنَّ هذا الميزان لا يُحسن أن يزن به إلا من كان على درجةٍ من العلم،
العلم معرفة الهدى بدليله ما ذاك والتقليدُ يستويان
والجهلُ داءٌ قاتلٌ ودواءه أمران في التركيب متَّفقان
نصٌ من القرآن أو من سنَّةٍ وطبيب ذلك العالم الرَّباني
اليوم يأتي الفروخ يطلع من البيضة يظنُّ نفسه مثل الديك لا يُحسن أن يصيح فيرى نفسه مثل الديك الذي إذا صاح أسمع البلدة كلَّها والقرية كلها هذا غير صحيح، فمن رسخت قدمه بالدَّعوة، وشابت لحيته ورأسه فيها، وطال عمره وعالجها وعرف أهلها على مرِّ الدَّهور لا يمكن أن يكون والأحداث مثله بحالٍ من الأحوال، ومن شهد له أئمة الدين والهدى بالاستقامة على دين الله وعلى طريق الخير والحق والهدى لا يمكن أن يُزحزحك عنه أو يُزلزلك عن الجلوس إليه كلامُ من لا يوثق به ولا يُأبه به ولا يُنظر إليه.
فالواجب علينا جميعاً أن نَسْلُك هذا الطريق؛ طريق التعلم والإتقان لطرائق الاستدلال التي يُعرف بها كيفية الاستدلال، وهذا لابد فيه من معرفة أصول الفقه، كما أنَّه لا بد في معرفة الدليل وثبات الدليل وصحَّة الدليل، لابد فيه من معرفة أصول الحديث، فهنا لا بد من معرفة أصول الفقه حتى تعرف كيف تستدل وتُثبّت حُجَّتك بالدلائل الواضحة وتعرف كيف ترد على الـمُغالطين، فإنَّ الـمُغالطين اليوم كثير لا كثَّرهم الله .
فأوصيكم أخوتي وأبنائي، بالجد في التَّعلُّم والأخذ بحزمٍ وبقوةٍ بهذا العلم الشرعي، فإنَّ المتلاعب لا يكشفه إلا العلم الشرعي، المتلاعب الذي عنده آله وعنده معرفة وعنده علم لكنَّه مُتلاعب لا يُكْشفُ إلا بمعرفة العلم الشرعي، لأنك تُعامله من نفس ما يُعاملُك، فأوصيكم بالحرص على الازدياد من العلم.
في ازدياد العلم إرغامُ العِدى، وصلاح العلم إصلاح العمل، فتُرغم عدوك وتُصلح عملك وكفى بهاتين فائدتين عظيمتين لهذا العلم الشرعي.
فأوصيكم معشر الأبناء بالحرص على الازدياد من العلم لإرغام عدوكم فلا يجد مدخلاً عليكم، والعدو عام من الإنس والجن،} وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا ۚ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ ۖ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ ﴿١١٢﴾ وَلِتَصْغَىٰ إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ﴿١١٣﴾ { [الأنعام:112-113].
أسأل الله سبحانه وتعالى- أن يرزُقنا وإياكم العلم النَّافع والبصيرة في الدين والفقه فيه والثبات عليه حتى نلقاه، كما أسأله -سبحانه وتعالى- أن يُجنبنا وإياكم مُضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يجعل أعمالنا خالصةً لوجهه، صواباً على سُنَّة رسوله –صلى الله عليه وسلم-، وأن لا يُزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، إنَّه ولي ذلك والقادر عليه .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه أجمعين.