الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وسلم، أما بعد:
فقد قرأت بالأمس ما يُعرف بالتغريدة لعبد الرحمن عبد الخالق يصِمُ فيها الشيخ ربيع بالمدخلية ويشبهه بداعش، وكنت أودُّ لو قلتُ شيئًا في هذا المضمار، ولكن سبقني أخي الشيخ محمد العنجري وفقه الله تعالى، وأسأل الله تبارك وتعالى أن يجعله وإخواننا من السابقين لكل خير والمتباعدين عن كل شر. ومع هذا بقي في نفسي أن أتكلم عن هذا الموضوع؛ لخطورته، ولقبح هذه الجرأة، فإنه من الأمر المؤسف أن يجرأ أهل الباطل على الحق وأهله علانية، ولذلك فإني أناشد كل مسلم في الكويت وخارجها أن لا تمر هذه اللمزات والغمزات لأهل السنة مرور الكرام.
فأنت يا عبد الخالق، يا من أفنيت حياتك في تلقين التكفير، وتمهيد التفجير، وبث روح الفرقة بين أهل السنة والأمة، وإدخال مذهب الإخوان على السنة والسلفية، تتَّهم من أفنى حياته وعمره في النفاح عن السنة وتوضيحها بداعش! والله لا أجد مكانًا ينطبق فيه مَثَل «رمتني بدائها وانسلت» أمثل من هذا المقام.
وسبحان الله، مع العلم أنه قد وُثِّق عليك في الآونة الأخيرة ما هو مشهور عنك من سبب خروجك من السعودية ومجيئك إلى الكويت، فقد ثبت من طريق أحد الجهيمانيين التائبين، وهو ناصر الحزيمي وتسجيله موجود، فثبَّت ما هو مشهور عنك من هربك من السعودية بعد تخرجك بعد أن سيَّرت مظاهرةً وغيَّرت المنكر بيدك، فأتيت وارتميت في أحضان الكويت الدافئة، فتلقّاك شبيبة على الفطرة -فيما أحسب- لم يعرفوا المكر والخديعة والتلوُّن في الدين وأساليب أهل البدع، فلقنتَهم مذهب الإخوان مغلَّفًا بالسنة، وتقدَّمْتَهم تُرتِّل القرآن فأثَّرت فيهم، ثم أنشأت تنظيمًا وطاعة، ثم فُتح عليك جمع الصدقات، ثم صار مذهبك يُفسَد به أهل السنة في كل مكان. ولو جُرِّدت من هذا التنظيم ومن هذه الصدقات لكان شأنك شأن ألوف الخرجين من الجامعات الشرعية، الذين يؤلِّفون الكتيبات ولا يعلم عنهم أحد، وكما قال الإمام مقبل رحمه الله تعالى: إن عبد الخالق ظهر أمره -ما معناه- بديناره لا بأفكاره.
ونحن بلديّو هذا الرجل وأعلم الناس -بحمد الله- به، وإن كان البعض يبحث بحثًا حثيثًا عن أسماء مجهولة في بلدنا ليصدِّرها، فهذا بحث آخر.
والمقصود أنني لا أريد في باب التكفير، فقد أشبع أخي -وفقه الله- هذه المسألة بنقول صريحة، وفي الحقيقة أن كل حياة عبد الخالق مليئة بالتكفير، فهذا باب واسع، لأن إمامه وسيده قطب قد اقتفى هذا الرجلُ أثرَه حذو القذة بالقذة، لكني أريد أن أُجري مقارنة سريعة واضحة بين ربيع السنة وبينك أنت.
فمثلًا، من الجهات العلمية: في آخر الستينيات كتبتَ «خطوط عريضة لبعث الأمة الإسلامية»، سخرت فيها من علماء السنة وقلت عنهم: إنهم طابور من المحنَّطين. بينما كَتَبَ الشيخ ربيع في تلك الحقبة «بين الإمامين مسلم والدارقطني»، كتاب عظيم نافع في علل الحدث وطريقة الترجيح في العلل، ما زال من أحسن الكتب التي تُطبَّق فيها هذه القواعد.
ثم بعد ذلك في أول السبعينيات (تقريبًا في الـ73) كتبتَ «الشورى في نظام الحكم الإسلامي»، فهذه المعاني متأصلة في نفسك أصلًا ليس أمرًا طارئًا عليك، وفيه حاولتَ أن تُدخل نُظُم الغرب في الإسلام، وأن تروِّج للديمقراطية بطريقة خفية. بينما كَتَب الشيخ ربيع حفظه الله تعالى كتابه «أهل الحديث ومآثرهم»، كتب هذا بعد ذلك بكثير، ولكني أذكر شيئًا وشيئًا مما كُتب.
كتبتَ بعد ذلك في عام 85-86 كتابك «المسلمون والعمل السياسي»، وحاولتَ فيه أن تُدخل مذهب الإخوان قسرًا على أهل السنة. بينما كتب الشيخ ربيع حفظه الله تعالى «منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله فيه الحكمة والعقل».
كتب عبد الخالق في تعدد الجماعات وأنه «ظاهرة صحية»، واستنكر الإمام ابن باز ذلك جدًّا وأنكر عليه بشدة. بينما كتب الشيخ ربيع حفظه الله تعالى «جماعة واحدة لا جماعات وصراط واحد لا عشرات»، وعُرض هذه العنوان على الشيخ ابن باز رحمه الله فاستحسنه جدًّا، في تسجيل نادر لأخينا الشيخ محمد العنجري وفقه الله. سأل في هذا التسجيل عن حاكم الكويت، فقال ابن باز: إنه ولي أمر وله طاعة. خلاف مذهبك.
ولو قلبنا صفحة أخرى غير علمية، يعني من جهة ما يجري من المقالات ومن مواقف أهل العلم مثلًا: فالعلماء الثلاثة الأئمة الكبار في السنة؛ ابن باز وابن عثيمين والألباني رحمهم الله، كلهم نقدوك صراحة باسمك أو نقدوا مقولات لك نقدًا لاذعًا وشديدًا وقويًّا، بينما اتفقت كلمتهم على تزكية الشيخ ربيع بصريح العبارات، كما هو معلوم.
الشيخ ربيع أحيا سُنَّة الردود على أهل البدع، ثم وقف مع بعض الأعيان مثل عبد الخالق وسيد قطب وكَتَبَ في هؤلاء الأعيان، وأحيا هذا المذهب الذي كادت الجماعات أن تردمه؛ فكتب حفظه الله تعالى في ميزان أهل السنة في نقد الرجال والطوائف. بينما أنت أنشأت جماعة على غرار الإخوان في مخبرها وأصولها، بل أضر منها على السنة؛ لأنك لبّست مذهب الإخوان مذهب السلف الصالح.
كتبتَ تَسْخَر من علماء السنة الذين يدعون للطاعة لولاة الأمر، ورميتهم بأنهم يعطون الأمراء منزلة تكاد تبلغ الربوبية، فغضب الإمام ابن باز رحمه الله عليك غضبًا شديدًا وأنكر عليك، وأوجب عليك التوبة والبيان في الصحف الكويتية والسعودية، مما لم تصنعه إلى الآن.
ولو قلبنا صفحة ثالثة، وهو عن الآثار الوجودية، والثمار الموجودة في الحياة من أثر دعوتك ومن أثر دعوة الشيخ ربيع حفظه الله تعالى: فإنك ستجد أمرًا يؤكد الفرق بين دعوتك ودعوته، ومن هو الذي على الحق ومن هو الذي على الباطل. انظر إلى أتباعك، إلى اليوم وهم يصولون ويجولون بين المذاهب والجماعات، عليهم سيماك الكريهة التي يبغضها كل موحد وصاحب سنة، والله حتى أني أشفق على من يريد التوبة منهم من مذهبك الرديء والرجوع إلى دعوة السنة، وبعضهم أراه يحاول محاولات جاهدة وجادة لكن أوضارك لا تزال تلاحقه، وأمراضك تعكر صفو توبته. وانظر إلى آثار الشيخ ربيع حفظه الله تعالى في شباب يسيرون على هدي الصحابة، ويعظمون السنة ويحيونها ويميتون البدعة. فالآثار الوجودية مكملة للسيرة التاريخية والصورة العلمية أيضًا.
طبعًا الصورة العلمية واسعة جدًّا، لكني أحب أن أذكر هنا بأنك كنت تدعو للوقوف مع صدّام علانية لما كان صدام بعثيًّا، مع دعواك أنك على حاكمية قطب التكفيرية المبتدعة. بينما انظر للشيخ ربيع حفظه الله تعالى يكتب «صد عدوان الملحدين وحكم الاستعانة على قتالهم بغير المسلمين»، يدافع فيه عن حوزة السنة والجزيرة أمام هجمة صدام.
كتبت أنت «مشروعية الدخول إلى المجالس التشريعية وقبول الولايات العامة في ظل الأنظمة المعاصرة»، بينما كتب هو «المحجة البيضاء في حماية السنة الغراء».
وإن كان هنا نقطة فيما يتعلق في التكفير عند عبد الخالق لمن ليس له خبرة بمذهبه، أنه أحيانًا لا يقول بتكفير المجتمعات، لكنه عندما تتمعن في مذهبه في تكفير الحكام فتعلم أنه سيلتزم بعد ذلك ما يصرح به أحيانًا من تكفير المجتمعات؛ فمثلًا في كتابه هذا المذكور «مشروعية الدخول إلى المجالس التشريعية» يقول فيه في الصفحة 16:
«نحن نعتقد أن البلاد الإسلامية وشعوبها ما زالت على الإسلام»، لماذا؟ لأنه هنا يحتاج إلى إسلام الشعوب حتى يُدعم سياسيًّا، وهناك يكفِّر بإطلاق على مذهب إمامه سيد قطب. «وما زال سواد الناس -يقول عبد الخالق- وجمهورهم يريدون تحكيم شريعة الله فيهم، وإنما يحول دون ذلك اللصوص المتغلبة والمنافقون من الحكام، الذين يُظهرون الإسلام ويوالون أعداء الله في الحكم بغير ما أنزل الله، ولا شك أن منهم من يعلن صراحةً عداءه للإسلام وشريعته، ويعلن صراحةً عدم صلاحية الإسلام للعصر، ومثل هذا لا يشك أحد في كفره وخروجه من الدين. وسواء كان هذا أو ذاك، فإن الجهاد والدعوة...».
ينتقل، انظر: يكفِّر الحكام بإطلاق؛ «متغلبة» و«لصوص» و«متسلطين على رقاب المسلمين»، يكفِّر ثم يصِفُ بتكفيره ببعض ما -فعلًا- قد يصدق عليه الكفر الأكبر. فالرجل ذو حيلة وذو تلبيس، كشأن أهل الأهواء في كل زمان ومكان، فلا تغتر بما تسمعه عنه هنا أو هناك مما يخالف ما يعلِن عنه في مواضع أخرى من صريح مذهبه.
فأقول: مُتْ يا عبد الخالق -إلّا أن تتوب- وكل صاحب سنة بحق في الأرض يبغضك في الله تبارك وتعالى؛ على ما فتحت من الشر على دعوة السنة وحاولت تحريفها، وليعِشْ الشيخ ربيع -حفظه الله تعالى- طويلًا على طاعة الله عز وجل، وأسأل الله تبارك وتعالى أن يجعل حبه في الله راسخًا في قلوب أهل السنة، وأن يعليَ ذكره مع إخوانه من علماء السنة الذين أدوا حق الله فيها.
وأسأل الله جل وعلا أن يمنح شيخنا الوالد ربيعًا حفظه الله الإخلاص الكامل والصدق في كل ما قال وفعل وكتب، وأن يجد ثمرة ذلك عند لقائه لربه، وأن يمتِّع به طويلًا على طاعته، وأن ينصر السنة وأهلها، وأن يقمع البدعة وأهلها، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.