السؤال:
السائل: هناك أمر بدأ ينتشر بين كثير من الشباب ألا وهو يتمثل في أمرين يعني عدم مسألة البيعة لولي الأمر ثم إذا يترتب على هذا أمر ثاني ألا وهو القذف في هيئة كبار العلماء وأن هيئة كبار العلماء تتكلم في ظروف خاصة ومقياس معينة وأنّ علماؤنا لم يتكلموا إلا وفق مدركات وظروف تحتم عليهم المجاملة وغيرها من الطعن الصريح الذي نسمعه في هيئة كبار العلماء فما توجيهكم لهؤلاء الشباب؟
الجواب:
الشيخ ابن عثيمين: توجيهنا لهؤلاء الشباب أن يتقوا الله -عز وجل- في أنفسهم وفي إخوانهم من سلف الصحوة وأنهم يعلموا أنه من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية، وأن يعلموا أن شق عصا المسلمين من أعظم المنكرات ويترتب عليه أعظم المفاسد ثم إذا كان هنا في المملكة العربية السعودية، فليشكر الله على هذه النعمة، البلاد آمنة والحمد لله مطمئنة، يأتيها رزقها رغدًا من كل مكان، فإذا حصلت الفوضى _لا قدّر الله ذلك_ زال هذا الأمن وزال هذا العيش الرغيد إلى فتن وشرور متلاحقة متلاحمة لا يعلم مداها إلا الله، ولنسأل هؤلاء الصغار كبارًا ماذا كانت عليه البلاد قبل توحيدها؟ وقبل اطمئنان أهلها؟ لا يستطيع الإنسان أن يخرج من قرية إلى قرية إلا بالسلاح ومع ذلك هو خائف حتى في فراشه إذا نام.
أنصح هؤلاء الشباب ألا يزيلوا هذه النعمة بما يحدث من تصرفات هوجاء، أما طعنهم في هيئة كبار العلماء فهو طعن مبني على عاصفة ولا أقول على عاطفة، وإن شئت وقلت على عاطفة لكنها عاصفة بالواقع، نشأت من كلمات يسمعونها من بعض الناس تثيرهم، وتهيجهم وكذلك يسمعونها من بعضهم البعض يثور بعضهم بسببها.
هيئة كبار العلماء _والحمد لله_ نقموا منها أنها أذنت للدولة بالاستعانة بالكفار في أزمة الخليج، وتكلم بعض الناس وقال أن هذه الأزمة مفتعلة وأن المقصود بها احتلال البلاد من الكفار وما أشبه ذلك، وبنوا خرائط ورسومات ووزعوها في أيدي الشباب، وتبين خطأ هذا الشيء، تبين خطأه تمامًا وتبين والحمد لله ما حصل من درء الفتنة التي أرادها من أرادها من حكام العراق، وتبين أيضًا ما عند العراق من الأسلحة العظيمة، التي يتعجب الإنسان كيف اقتنى هذه الأسلحة، تبين أن هناك إرادة سيئة الله أعلم بها، فصار الحمد لله الخير فيما وقع.
نقموا من هيئة كبار العلماء البيان الأخير الذي صدر منهم بصدد تكوين لجنة في حقوق الإنسان، أو للحقوق الشرعية، أو لدفع الظلم أو ما أشبه ذلك، والواقع أن هيئة كبار العلماء لا تنكر أبدًا إعانة المظلوم بل تؤيد إعانة المظلوم وترى أن إعانة المظلوم فرض كفاية يجب على المسلمين أن يعينوه، وإذا لم يقم به ما يكفي وجب على من قدِر وهذا أمر مسلّم به ولا إشكال فيه، لكن الهيئة تنكر كونه على هذا الوضع أو على هذه الصفة، أي تكون لجنة للدفاع عن الحقوق الشرعية تحت ظل حكومة شرعية ومن المعلوم أن تكون اللجان على هذا الوجه لا يكون تحت حكومة شرعية إلا بإذن هذه الحكومة، أرأيت لو أن رجلًا وجد قريةً ليس فيها قاضي فقال أنا أريد أن أكون قاضيًا في هذا البلد؛ لأن هذا البلد ليس فيها قاضي والناس يحتاجون إلى الحكم بينهم فسأكون قاضيًا هل يملك هذا؟
الجواب: لا يملك، لا يملك أن ينصب نفسه قاضيًا لهذا البلد تحت ظل حكومة شرعية إلا بعلم هذه الحكومة الشرعية باتفاق العلماء واتفاق المسلمين.
ثانيا، ولو أنه أتى إلى قرية ليس فيها هيئة قائمة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقالوا لي أن أكوّن هيئة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر تحت ظل حكومة قائمة شرعية هل يمكن هذا؟ لا يمكن إلا بإذنهم (تكون) طائفة لحفظ الحقوق الشرعية أو الدفاع عن المظلوم على هذا الوجه بدون إذن الدولة لا شك أنه غير شرعي وأنه افتيات على ولي الأمر، وأنه يؤدي إلى الفوضى، فإنه إذا كونت هذه اللجنة نفسها قام أناس من أهل البدع وقالوا نريد أن تكون لنا لجنة، وقام أناس من الصحفيين ومن العلمانيين ومن غيرهم وقالوا: نريد أن نُكوِّن لجنة.
ثم نقول ما هو الضابط للظلم؟ كل خصمين عند قاضي لا بد أن يكون أحدهما يدعي أنه مظلوم، معنى هذا أن كل مسألة أو قضية يحكم فيها القاضي بشيء ويقول المحكوم عليه أنا مظلوم، يلجأ إلى هذه اللجنة، وتحصل فوضى وبلبلة بين الحكام القضاة وبين الناس، ثم إننا لا نأمن أن يقوم غداً النصارى وهم أقلية في بلادنا -والحمد لله- فيقولون نحن لنا حق؛ لأن الحق الشرعي في نظر العالم غير الحق الشرعي في نظر هؤلاء الإخوة الذين كونوا لجنة؛ لأن هذه اللجنة ترى أن الحق الشرعي ما قام على الشرع؛ على الوحي الذي نزل على محمد عليه الصلاة والسلام، لكن العالم ما تفهم هذا؛ وترى أن الحق الشرعي ما حكم به نظاماً أو شرعاً إلهياً، حتى الأنظمة والقوانين عندهم شرعية، فيأتي مثل هذا النصراني ويقول إن لي الحق في أن أقيم كنيسة، فيرفع الأمر إلى هذه اللجنة، وهذه اللجنة الآن لا ترى هذا الحق وترى أنه لا يمكن إقامة الكنائس في بلاد المسلمين، لكن يأتي خلفها لجنة مبنية على هذه اللجنة ولو على المدى الذي يكون بعيد المنظار فتوافق وتقول: نعم هذا حق شرعي، ويأتي أهل البدع ويقولون لنا حق أن نعلن بدعنا، كما أن أهل السنة لهم حق أن يعلنوا سنتهم؛ نحن مسلمون وهم مسلمون، أيُّ فرق بين أن نعلن بدعتنا وأن يعلنوا هؤلاء سنتهم؟ ثم إنهم -أعني الإخوة الذين نصبوا أنفسهم هذا المنصب- كتب بعضهم عنوان هاتفه، فمن يأمن أن يأتي أناس مغرضون يريدون القدح في هذه الأمة السعودية وكل ساعة يتصلون عليه أنا مظلوم في كذا وكذا في قضية مفتعلة من أجل أن تكثر الطلبات عند هذه اللجنة في نصر المظلوم، فيتكون عندهم آلاف المسائل المفترضة المفتعلة وليس هناك شيء، لكن من أجل التشويه الإعلامي العالمي أو الداخلي.
ثم إننا نقول ما الموجب لتكوين هذه اللجنة وفي البلد مكاتب للمحاماة مفتوحة بإذن الدولة ألا يُكتفى بهذا؟ إنك إذا سمعت تكوين هذه اللجنة ستقول ربع المملكة مظلوم على الأقل، مع أن المملكة تقدر أظن بإثني عشر مليوناً وأنا أقول اجعلوها ثمانية ملايين، أي نزل الثلث، ثمانية ملايين نسمة، لو أنك تريد أن تثبت ألف قضية فيها ظلم محقق أصر على بقائه ولم يحاول إزالة هذا الظلم ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، وألف قضية من ثمانية ملايين ليست بشيء، لكن لسنا نقول هذه المملكة ربعها مظلوم ظلماً يحتاج إلى تكوين لجان للدفاع عنهم. لذلك أقول إن هيئة كبار العلماء لا يقولون إن نصر المظلوم غير شرعي، ولا أن الدفاع عن الحقوق الشرعية غير شرعي، بل يرون هذا من الشرع وأنه فرض كفاية، لكن تكوين لجنة تحت ظل حكومةٍ شرعية بدون مراجعة في هذه الحكومة هو الخطأ، وهو الذي سيفتح باب شرٍ كبير، ولهذا رجع الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين عن هذه اللجنة وتبرأ من الانضمام إليها؛ لأنه عرف ما ينتج عنها من المسائل أو من الأضرار التي تكون قريبةً أو بعيدة، فنصيحتي لهؤلاء القوم الذين أشرت إليهم أن يتقوا الله عز وجل وألا يموتوا ميتةً جاهلية فيلقوا الله عز وجل وهم على جاهليتهم، بل يجب عليهم الرجوع إلى الحق واعتقاد أن لولي أمر المسلمين في هذه البلاد بيعةً صحيحةً شرعيةً بايعه عليها أهل الحل والعقد، ومن المعلوم أن البيعة لا يشترط فيها أن يبايع كل إنسان حتى الطفل والعجوز في مخدعها، أبداً. إذا بايعها أهل الحل والعقد ثبتت البيعة، فـأبو بكر هل بايعه الناس كلهم في مكة والمدينة والطائف ... وغيرها من البلاد؟ لا. لم يبايعوه إلا أهل الحل والعقد، وكذلك عثمان كانت البيعة في أصحاب الشورى الستة، وكذلك علي بن أبي طالب، فلا يشترط في البيعة أن يبايع كل إنسان، ولم يقل بهذا أحد من الناس، وأهل الحل والعقد في هذه البلاد بايعوا لولي الأمر هنا في البلاد، فثبتت بيعته شرعاً، ومن مات على غير بيعته فإن ميتته ميتة جاهلية، وإذا كان عند هؤلاء الإخوة شكٌ في الأمر فنحن مستعدون لأن يحضروا إلينا ونناقشهم في هذا الأمر رأفةً بهم وإحساناً إليهم؛ لئلا يموتوا ميتةً جاهلية، ولئلا يحدثوا في هذه البلاد فتناً لا يعلم مداها إلا الله عز وجل.