معالجة النبي صلى الله عليه وسلم لموضوع داعش
للشيخ أحمد السبيعي حفظه الله
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وسلم . أما بعد :
فأُحب قبل أن تُقْبِل العشر أن أتكلم عن موضوعٍ كريه وكريه جدًّا ، ولكن الحاجة للكلام فيه قائمة ومستمرة ، أعني موضوع داعش . فمع الأسف أن هذا الموضوع يزداد شرًّا ، لا بسبب استمرار داعش ككيان ، فبفضل الله عز وجل الآن يكادون إلى التلاشي وإلى الزوال بإذن الله تبارك وتعالى ، ولكن لأن أيضًا هناك أنواع من المعالجات لموضوع داعش هي تحتاج إلى معالجات .
وقبل ذلك أحب أن أذكُر باختصار وتركيز كيف عالج النبي صلى الله عليه وسلم موضوع داعش ، حيث أن النبي صلى الله عليه وسلم قد اعتنى عناية بالغة بموضوع داعش ؛ وبيَّن نشأتهم ، وسبب ذلك ، وحكمهم ، وكيف يعالَجون . وألخِّص ذلك : أن الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قد جاءت على ثلاثة أنحاء :
النحو الأول : مثل حديث أنس رضي الله عنه ، قال : ذُكر رجل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكروا من قوته في الجهاد والاجتهاد في العبادة ، فأقبل الرجل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « والذي نفسي بيده ، إني لأرى في وجهه سفعةً من الشيطان » ثم أقبل فسلَّم عليهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « هل حدَّثت نفسك حين أشرفت علينا أنه ليس في القوم أحدٌ خيرًا منك ؟ » ( انظر ! ) قال : نعم . وذهب فاختطَّ مسجدًا وصفَّ قدميه يصلِّي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أيكم يقوم إليه فيقتله ؟ » الحديث ، صححه الألباني رحمه الله .
النوع الثاني من الأحاديث : ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم : « أن رجلًا قرأ القرآن حتى رئيت عليه بهجته ( يعني نضارته ) ، فرمى جاره بالكفر » فقالوا : يا رسول الله ، من أحق بالكفر الرامي أو المرمي ؟ قال صلى الله عليه وسلم : « الرامي » .
والنحو الثالث أو النوع الثالث من الأحاديث : مثل ما جاء في حديث ذو الخويصرة ، الذي اعترض على قسمة النبي صلى الله عليه وسلم فقال للنبي صلى الله عليه وسلم : اعدل . فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : « ويحك ، ومن يعدل [ إذا لم أعدل ] ؟! » فلما أدبر قال صلى الله عليه وسلم : « يخرج من ضئضئ هذا قومٌ تحقرون صلاتكم مع صلاتهم وصيامكم مع صيامهم ، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية » ، قال صلى الله عليه وسلم : « اقتلوهم » ، وقال صلى الله عليه وسلم : « لو أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد » .
فهذه الأحاديث بيَّنت بوضوح علة هذه البدعة في قلب فاعلها ، وهو العجب المورث للكبر المورث لاحتقار الناس وازدرائهم ، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم : « إذا رأيتم الرجل يقول : قد هلك الناس . فهو أهلكُهم » . فهذه البيئة البدعية في قلب هذا الرجل ، هذا الهوى الناتج عن العُجب والناتج عن الكبر ، الذي يقتضي احتقار الناس وازدراءهم ، والطعن عليهم ، والتيه اختيالًا ، ورؤية النفس كأنه فوق الناس . أو أن يكون عنده في نفسه نقص يريد أن يكمله بهذه الصورة البدعية ، حتى يحقق لنفسه شيئًا يشفي مرض قلبه ؛ إما من غل أو حسد أو عُجب ، هذه الأمراض هي المرتع الوخيم الذي يسبب نشأة البدع والأهواء بسبب الشيطان وبسبب هذا المناخ .
وهذا أمرٌ - حقيقة - ينبغي علينا أن ننتفع به ، فلا نجعل الحلوة لنا والمُرَّة على غيرنا ، بمعنى أن المسلم والمسلمة يستفيدان من كل وصف يأتي في الخير والشر ؛ فإذا جاء وصف في الشر هنا ينبغي للمسلم أن يتطهر ، فأنت عُرضة لهذا الهوى ولهذه البدعة كغيرك من الناس ، فينبغي علينا أن ننتبه من هذا المدخل الوخيم : وهو العُجب بالنفس وبالرأي والكبر والحقد والحسد ، والشعور بهذه المشاعر والأمراض التي في القلوب ، التي هي اللبنة الأولى لبيئة الخوارج ، فهي العلة الكامنة في النفس التي شرحها النبي صلى الله عليه وسلم . فوصفه النبي صلى الله عليه وسلم بأن في وجهه سفعة من الشيطان ، ثم بيَّن ما حدَّث به نفسه والقوم فيهم كل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ! يقول : « هل حدثت نفسك حين أشرفت علينا أنه ليس في القوم أحد خيرًا منك ؟ » .
وأما الذي رمى جاره بالكفر بعد أن قرأ القرآن ورئيت عليه بهجته ، فهذا فيه ما في الأول : أن ظاهر الخوارج قد يغرُّ المسلم والمسلمة ، ولكن هنا رمى جاره بالكفر ؛ لأنه فيه روحٌ انتقامية فيه مرض ، فسارع في استعمال الدين من أجل أن ينتقص غيره ويحكم عليه بغير ما أنزل الله ، فحكم على غيره على جاره رمى جاره بالكفر ، فأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم سألوا : أيهما أحق بالكفر الرامي أو المرمي ؟ قال : « بل الرامي » . فتبين بذلك أن شعار الخوارج ومدخل الخروج هو هذا التكفير بغير حق ، التكفير بغير حق والمسارعة إليه هي سيما واضحة لهؤلاء الخوارج وإن تستروا بالسنة أو تستروا بأي شيء .
وأما الحديث الآخر الذي فصَّل فيه حالهم أيضًا من جهة العبادة ، ثم بين صلى الله عليه وسلم أنهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية ، ثم بيَّن المعالجة النبوية : « اقتلوهم ، لو أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد » .
فأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم تضمنت هذه الثلاث .
طبعًا إلا أن يكون ولي الأمر المسلم في بلده له معالجة لهؤلاء الخوارج بما تقتضيه مصلحة معيَّنة ، فهذا يرجع لمعالجة ولاة الأمر ؛ لأن عليًّا رضي الله عنه وأرضاه وهو خليفة راشد ممن أُمرنا باتباعهم تركهم لما كان أمرهم ممتزجًا مع الناس ، ثم لما أراد عبد الله بن عباس رضي الله عنهما مجادلتهم أقره ، فجادلهم فرجع ممن كان جاهلًا بشبههم رجع عن باطلهم وعن بدعتهم ، ثم بعد ذلك قاتلهم مع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وفرح بقتالهم ؛ لأن قتالهم من أعظم القرب إلى الله تبارك وتعالى .
لكن لو قلبنا الصفحة إلى المعالجات الأخرى الموجودة اليوم ، والتي أقسِّمها تقريبًا في المعنى : معالجات أرضيَّة ، ومعالجات بدعيَّة . غير المعالجة النبوية الشرعية ؛ التي تُبنى على وصف اعتقادهم بالبدعة وتبيِّن مرضهم ، ثم أن شعارهم أنهم يكفِّرون بغير حق ، وأن معالجتهم تكون بقتلهم .
فهناك معالجات ، وأبتدئ بالمعالجات التي أطلق عليها تقريبًا كلفظ " أرضية " ، يعني : اجتهاد أرضي فكري إلى غير ذلك ، وهي التي تنطلق من الأسباب المادية ؛ من اعتبارهم مرضى نفسيين ، من النظر إليهم أنهم مظلومين . وهذه يكذِّبها ابن لادن ، ابن لادن الذي حذَّر منه ابن باز من 1989 إفرنجي ، قبل نشأة القاعدة حذَّر منه ابن باز رحمه الله ، ابن لادن مليونير وثري وغني ، فهذا يكذِّب تضخيم مثل هذه الأسباب .
والمصيبة الأخرى هي حماية الخوارج بالحرية الغربية وبمبادئ الغرب ، فهذه المبادئ الغربية هي التي أعطت الرعاية والسقاية لهؤلاء على مر الزمان ، حتى أن بعض دولنا الإسلامية قبل أكثر من ربع قرن حذَّرت الغرب من إيواء هؤلاء ورفض الغرب الاستماع للكلام ، لماذا ؟ بحجة مبادئه . لكن بفضل الله تبارك وتعالى أن آخر أسبوعين بعض ساسة الغرب الكبار اعترف بأنه لا بد من تقليص مبادئ حقوق الإنسان من أجل الحفاظ على الأمن ، وشهد شاهدٌ من أهلها ! فالحمد لله بدأ الناس يتوعَّون أن هذه المبادئ فضلًا عن أنها غير حكم الله فإنها أيضًا لا تحقق المصلحة الحقيقية ، خاصة أن عامة من قام بالعمليات أخيرًا كما هو معلن في الصحف كلهم - الذي في مصر والذي في [ غيرها ] - كل العمليات التي تمت هذه كل الذين قاموا فيها يوجد خلفية عنهم أنهم عندهم هذه المذاهب والأفكار .
الشرع يتعامل مع من عنده هذه البدعة ، أما القانون والمعاملة الأرضية لا ، ما دام أنه يحسن التستُّر بالقانون واستعماله ، بحيث من جهةٍ يطعن في ولاة الأمر ثم يتستَّر بالدستور أنه ليس في عنقه بيعة ، يعني هو يكفِّر بالحكم بغير ما أنزل الله ثم يدافع عن نفسه بالحكم بغير ما أنزل الله ! ثم بعد ذلك ، هذا التلاعب الذي أعطى مجالًا واسعًا لهؤلاء الخوارج لاستعمال القوانين في السعي في أعمالهم الشريرة ، هذا الأمر ينبغي أن ينتهي خاصة في وعي المسلمين ؛ كل من لم يقر بطاعة ولاة الأمر ويقر بأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم التي جاءت في الأمراء فينبغي أن يُعلم أنه على غير هدي النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة ، هذا الذي ينبغي .
والمقصود أن هذه المعالجة في معاملة الخوارج تحت مبادئ الحرية أو غيرها ، هذه أعطت مناخًا شريرًا مناخًا سيئًا تسبب في كل ما حصل من هذه الشرور .
وأما المعالجات البدعية ، وهي معالجة ما يسمى بالإسلاميين ؛ فمنها مثلًا : أنهم ينكرون على داعش استعمال السلاح والتكفير العام لكن لا يأتون للنقطة الأساسية ، وهي اعتبار دولنا غير إسلامية وأن رؤساءها غير شرعيين . هذه هي المشكلة العميقة الحقيقية التي يجب أن تُنكر ، وفي إنكارها إنكارٌ لأصل البدعة التي قامت عليها الجماعات الإسلامية أصلًا ، ولذلك انتبه الأئمة رحمهم الله تعالى لهذا الأمر فعلموا أن الفِرَق كلها تجتمع في السيف ، فقالوا فيهم : تفرقت بهم الأهواء واشتركوا في السيف .
من المعالجات البدعية : التفريق بين الخوارج ؛ خوارج سلميين ، وداعش . لماذا ؟ لأن المسلمين يتأفَّفون ويستنكرون الدماء ، لكن تحريف الدين أيضًا هو منكر عظيم ، فلا ينبغي التفريق .
كذلك من المعالجات السيئة باسم الدين : التورع عن إطلاق لفظ الخوارج على من يخرج على ولاة الأمر .
فكل هذه الأنواع من المعالجات هي معالجات غير صحيحة ، ينبغي أن يُكف عنها وأن ينتهى عنها .
وليُعلم أن الجهاد الحق الأكبر لبذرة داعش يكون بنصر السنة والحق في الدين ؛ لأن هذا هو مذهب النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، وهو المذهب الوحيد الذي يقر ويطيع الرسول صلى الله عليه وسلم في أحاديثه في حق الأمراء ، وهذا هو الحق الواجب دينًا . فإذا أردتَ أيها المسلم وإذا أردتِ أيتها المسلمة أن تحمي ابنك أو ابنتك من هذه الشرور والفتن والخروج ، فعليكم بأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم في الأمراء ، وتلقينهم السنة تهديهم وتحميهم ، وإلا سيكونون عرضة للفتن .
كذلك من يجاهد داعش وهو يُعلن أنه ضد الدين ، أو يتنكَّر لبعض الأحكام الشرعية ، أو يتخذ من جهاد داعش ستارًا حتى يشكك في الدين ، فهؤلاء مما يزيدون شرَّ داعش ؛ لأنهم يدفعون المتدينين للتعاطف معهم .
فهذه بعض الأشياء التي تتعلق بهذا الموضوع . وأسأل الله تبارك وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يحفظنا من الأهواء والبدع ، وأن يعيذنا من العجب والكبر ، وأن يعيذنا من ازدراء إخواننا المسلمين والتعالي عليهم ، وأن يعيذنا من استعمال الدين آلةً للانتقام ، وإنما يجعلنا ويهدينا إلى أن نتعلم الحق ونرحم به الخلق ونهديهم به ، وأسأل الله تبارك وتعالى أن يقتلع بذرة بدعة داعش التي تسببت بها ؛ من أمثال كتب سيد قطب ونحوه من كل هذه الجهود .
هكذا ينبغي أن نجاهد داعش ، أما أن نجاهد داعش الدموي ونترك داعش السلمي ، فهذا أمر غير صحيح .
والله أعلم ، وصلى الله على محمد وعلى آله وسلم .
تفريغ للحلقة 19 من برنامج ( كلمة ) للشيخ أحمد السبيعي ، في إذاعة النهج الواضح
بتاريخ 19 رمضان 1438هـ
الموافق 16 يونيو 2017م