مختارات من كتاب الشريعة للآجري - الدرس الأول


التصنيفات
الشيخ: 
القسم العلمي: 
  • الشيخ: الشيخ عادل منصور
  • العنوان: الدرس الأول
  • الألبوم: مختارات من كتاب الشريعة للآجري
  • التتبع: 1
  • المدة: 15:00 دقائق (‏3.26 م.بايت)
  • التنسيق: MP3 Stereo 22kHz 30Kbps (ABR)
التفريغ

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

فهذه مجالس علمية مختصرة، وكلماتٌ مختارة من كتابِ "الشريعة" للإمام أبي بكر محمد بن الحسين الآجري -رحمه الله تعالى-، المتوفى سنة ستين وثلاثمائة للهجرة (360هـ).

وهذا الكتاب كتابٌ عظيمٌ في موضوعه، هامٌّ في بابه، قويٌّ في تأصيله واستدلاله واستشهاده، معتمدٌ عند أهل العلم؛ كثُرَ نقلهم عنه، وشاعَ أخذُهُم منه، وتنوعت عنايتهم به. فأحببت أن يكون لي ولإخواني من طُلّابِ العلم وغيرهم في العالم حَظٌّ ونصيب من هذا الكتاب المبني على كلام الله -عز وجل-، وكلام رسوله -صل الله عليه وعلى آله وسلم-، وكلام الصحابةِ والسلف المرضيين، وكلامِ أئمة الدين المهديين -رحمهم الله تعالى أجمعين-.

ولمَّا كان الكتابُ كبيرًا من حيثُ الحجم، وتنوعت طبعاته؛ فمنه ما يقع في ستِّ مجلداتٍ، ومنه ما يقع في ثلاث، ومنه ما يقع في مجلدةٍ واحدةٍ كبيرة، لمَّا كان كذلك احتجنا في مثل هذه الكلمات المختصرة والتنبيهات إلى أن نسلك مسلك الاختيار من أبوابه، وفصوله، ومسائله، ودلائله، وكلمات المؤلف -رحمه الله تعالى- وعباراته. ومسلك الاختيار مسلكٌ وطريقٌ مُشْرَعٌ عند أهل العلم، وبابٌ من أبوابِ التحصيل، سواءً كان التحصيل الشخصي لطالب العلم لنفسه، فإن هذا من طرق تحصيل العلم، فليس العلم فقط محصورًا في الحِلَقِ، وإن كانت مهمةً في تحصيله وجادةً مسلوكة من عهد النبي -صل الله عليه وسلم- وأصحابه إلى اليوم، إلا أن العلم ليس محصورًا في الأخذ بهذه الطريقة بل هناك التحصيل الشخصي من القراءة والاطلاع والبحث. فأقول: سواءً كان هذا الانتخاب والاختيار والانتقاء للشخص نفسه، أو كان لمدارسته لإخوانه ونفعه للناس وتقريبه العلم والخير والهدى لطالبيه وقاصديه، فقد سلك أهل العلم في هذا الطريق مقربين الحق والهدى للناس. فمن ذلك مثلًا: ابن البنا الحنبلي في كتابه "المختار في أصول السنة"، فإنه اختار أبوابًا من هذا الكتاب العظيم، أعني: كتاب "الشريعة" للآجري.

وسواءً سُمِّيت بالمختارات أو بالمنتقى أو بالتلخيص، تتعدد الأسماء؛ كـ"المنتقى" للذهبي من "منهاج السنَّة" لشيخ الإسلام ابن تيميَّة -رحمه الله-، وكتاب "مختارات من زاد المعاد" لشيخنا الفقيه العلامة محمد بن صالح بن عثيمين، أو "مختصر زاد المعاد" للإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب، وغير ذلك من الكتب الكثيرة، سواءً باسم الاختيار أو باسم التلخيص أو باسم المختصر أو باسم المنتقى، فهي جادةٌ مسلوكة، وإن كانت تلك عن طريق الكتب والتصانيف فإني أحببت أن تكون هذه المجالس مختارات صوتية سمعية، رجاء المنفعةِ بها إن شاء الله -عز وجل-.

ولقد كان بعض شيوخ شيوخنا ألا وهو العلّامةُ حمَّاد الأنصاري -رحمه الله تعالى- يقول: ينبغي لطالب العلم أن يكون دائم النظر والقراءة في هذا الكتاب، ولو أن يكون له منه وردٌ كل يوم. لِما اشتمل عليه من توضيح المسائل، وبسط الدلائل عليها من كتاب الله وسنة رسوله -صل الله عليه وسلم- وكلام الصحابة والسلف وكلام الأئمة المهديين الذين لهم قبولٌ في هذه الأمة المرحومة، وهذه هي مصادر العلم وحججه ودلائله وطرق تحصيله لمن أراد أن يتدين بصدقٍ وإخلاص، وأن ينفع نفسه أولًا قبل كل شيء ثم ينفع إخوانه المسلمين من الرجال والنساء بما يسره الله -تبارك وتعالى- له.

الكتاب: أي يُحَصِّل ذلك من القرآن الكريم، ومن سنة النبي -صل الله عليه وسلم-، ومن هدي الصحابة الكرام -رضي الله عنهم-، وما وافق ذلك من كلام الأئمة المهديين المرضيين من بعدهم وهم أئمة الهدى ومصابيحُ الدُّجى.

وقد ابتدأ المؤلف -رحمه الله تعالى- كتابه بحمد الله -عز وجل- وساقَ الآيات الكثيرة في حمد ربنا -تبارك وتعالى- وهو المستحق للحمد كله -جل وعز-، وصلى على النبي -صل الله عليه وسلم-، ثُمَّ دعا بتلكم الدعوات الطيبة قبل أن يسوق الحديث فقال: «ورزقنا الله وإياكم التمسك بطاعته، وبطاعة رسوله -صل الله عليه وسلم-، وبما كان عليه صحابته، والتابعون لهم بإحسان، وبما كان عليه الأئمة من علماء المسلمين». هذه الأربعة الأُسُس العظيمة.

ثُمَّ قال: «وعصمنا الله وإياكم من الأهواء المُضِلَّة، إنه سميعٌ قريب». وذلك أن حقيقة الانتفاع وتمام الانتفاع بكتاب الله -عز وجل- وسنة نبيه وسنة خلفائه الراشدين إنما تكون بعد أن يعصمك الله، أو يتم لك ذلك الانتفاع إذا عصمك الله -عز وجل- من الأهواء المُضِلَّة، ولهذا قال -صل الله عليه وسلم- في حديثِ الْعِرْبَاض بن سارية قال: «فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ»؛ اجتنابُ المحدثات في العقائد والأقوال والأعمال المتصلة بالدين، كما قال -صل الله عليه وسلم- في الحديث المتفقِ عليه قال: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ»، وفي اللفظِ الآخر: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا ليسَ عليه أمرُنا فهو رَدٌّ» فالمراد بذلك: أمر الدين، فتتم لك الاستقامة والانتفاع بكتاب الله وسنة رسوله -صل الله عليه وسلم- وما كان عليه الصحابة باجتنابك الأهواء والبدع المُضِلَّة. فكم صدت الأهواء والبدع أُناسًا عن حقيقةِ الانتفاع بكلام الله وكلام رسوله -صل الله عليه وسلم-، فأصَّلوا أُصولًا لأنفسهم أو تابعوا من أصَّلها لهم، صرفوا بذلك قلوبهم وأسماعهم وجوارحهم عن حقيقة الانتفاع بالكتاب والسنة كما انتفع الصحابة -رضوان الله عليهم-. ولعله يأتي لهذا بسط في الدرس الثاني وهو "مختارات من كتاب درء تعارض العقل والنقل".

ثم ساق حديث النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «يَحْمِلُ هَذَا الْعِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ، يَنْفُونَ عَنْهُ تَحْرِيفَ الْغَالِينَ، وَانْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ، وَتَأْوِيلَ الْجَاهِلِينَ». وهذا الحديث الكلام حوله يطول، وقد حسَّنَهُ عدد من الأئمة كالإمام أحمد وغيره -رحمهم الله تعالى-، ومنهم من ضَعَّفَه بجميع طرقه، فهذا الحديث فيه وظيفة أهل العلم الصادقين المقتفين آثار النبي -صل الله عليه وسلم- وأصحابه: أنهم ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين. ولا يكون ذلك إلا إذا كانوا بهذا الوحي عالمين، متفهمين له، عارفين مراد الله ومراد رسوله -صل الله عليه وعلى آله وسلم-، ومن كان بهذه الصفة فكما قال الإمام أحمد في طليعة كتابه "الرد على الجهمية" قال: فما أحسن أثرهم على الناس، وما أقبح أثر الناس عليهم.

فمن كان بهذه الصفة تجد نفعه عظيمًا في النَّاس؛ يدلهم على طريق الحق، ويحوطهم بنصحه، ويوجههم ويرشدهم، فكم من أمرٍ كان غائِبًا عنهم أصبح بجهده وجهاده واجتهاده في نشر الخير والسُّنَّة أصبح ظاهرًا لهم بيِّنًا، يعبدون الله به وتنطق به ألسنتهم وتكتبه أقلامهم، لكن مع ذلك لا يشكرون ولا يعترفون بفضلِ من دلهم على الخير والهدى بل يجحدونه أو يحاربونه، فما أعظم أثرهم على الناس وما أقبح أثر الناس عليهم!

ثم ختم مقدمته بقوله -رحمه الله تعالى-: «جعلنا الله وإياكم ممن تحيا بهم السُّنَّن، وتموت بهم البدع، وتقوى بهم قلوب أهل الحق، وتنقمع بهم نفوس أهل الأهواء». تأمل في هذه الأربع الدعوات، هذه تُعَرِّفُكَ وتختصر لك دعوتك؛ أنَّ دعوتك أيها السني قائِمةٌ وهادِفَةٌ إلى:

  1. إحياءِ السُّنَن.
  2. وإماتةِ البدع.

ومن ثِمارِ ذلك:

  1. أنْ تقوى قلوب أهل الحق بك؛ بمناصرتك لهم ودلالتك إياهم إلى طريق الحق والصواب، فيأنسون بك ويتآلفون معك وتتآلف معهم، وهذه معاني شرعية عظيمة وردت في أحاديث كثيرة ليس هذا موضع ذكرها.
  2. وتنقمع بهم نفوس أهل الأهواء؛ لِما يرون من نشر السُّنَّة ورفعِ لِوائها وإعلاءِ كلمتها، وتآخي وتعاضد أبناءِها وأهلها وحَمَلَتِها عليها، فيدخل على أهل الأهواء من الغم والهم ما يكون من عظيم الأجر والثواب لِحامل لواء السُّنَّة دون أن يعتديَ أو يظلم، لأن انقماعهم وقمعهم بالقمع البرهاني؛ بالحجج والأدلة والبراهين، بِعلمٍ وعدلٍ وصدقٍ، وأما القمع السُّلطاني فهذا خاصٌّ بولي الأمر ومن أنابه ولي الأمر، فهو الذي يقمعهم سلطانه بِأنواعٍ من القمع؛ بسجن أو تعزير أو منع أو غير ذلك؛ كمنع من تدريس، أو كتابة، أو نحو ذلك من أنواع العقوبات.

فتأمَّل هذه الكلمات أيها السُّنِّي وهذه الدعوات العظيمة، هي تلخيصُ دعوتك، اعرف دعوتك جيدًا قبل أن تدعوَ الناس إليها، كُنْ عارِفًا لحقيقتها، عالمًا بقصدك فيها، وهدفها ومقصدها؛ ألا وهو إحياء هذه السنن الموروثة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وإماتة البدع.

وبهذا القدر أكتفي في هذه الحلقة، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد.