بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أُحيّي المستمعين في كل مكان: السَّلامُ عَلَيْكُم ورَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ.
ستكون هناك -إن شاء الله- سلسلة في شرح "كتاب التوحيد" للإمام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله تعالى-، واليوم -إن شاء الله- نبدأ بتوطئة قبل الشروع بشرح الكتاب.
كاتب الكتاب هو الإمام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي، هذا الرجل صاحب التضحية والأعمال العظيمة في إحياءِ السُّنَّة وإماتة البدعة، فهذا الإمام نشأ في بيتِ علمٍ وتتلمذ على والده، وعَمِلَ في طلب العلم، وكان بارِعًا مُنْذُ صِغَرِه، وكان حامِلًا لمنهج الكتاب والسُّنَّة على فهم الصحابة الكِرام، وقام ببيان الحق بإحياء السُّنَّة وقمع البدعة. ورأس السُّنَّة: توحيد الله -عز وجل- وإفراد الله -سبحانه وتعالى- بالعبادة، ورأس البدعة: الشرك بالله -جل وعلا- بأنواعه المختلفة المُنكَرَة، التي هي من الشيطان -والعياذ بالله-.
فالإمام محمد بن عبد الوهاب اشتغل بخدمة الدعوة السُّنَّية؛ بتسهيل وتبسيط الحق ونشره بِلُغَةٍ واضحة في توجيه المسلمين إلى الخير، فحقق الرب -سبحانه وتعالى- على يده الخير الكثير وانتشرت السُّنَّة، وهيأ الله له أعوانًا على هذا الطريق وأصحابًا. واستطاع -رحمه الله- أن يُحقق المعاني السُّنيَّة ويبين المعاني السُّنيَّة بعبارات لائِقة ومختصرة، فكتب كتابات مُختصرة كثيرة ومؤلفات قيّمة وانتشرت بين الناس انتشارًا عظيمًا، وكان لها الأثر على مستوى الجزيرة العربية والدول العربية وسائر الكرة الأرضية، فترتب على ذلك معاداة هذه الدعوة بِطُرقٍ مختلفة، ولكن من صنفين من الناس:
-
أُناس كان عداؤهم باسم العلم الشرعي والدين.
-
وقسم آخر بسبب المصالح الدنيوية.
فاتُهِمَ هذا الإمام بأنه خارجي، وأنه تكفيري، وتارة أنه خالف العلماء وأتى بشواذ مِن الأقوال والعلم، وتارة من يَلمزُه بقلة العلم وأنه لم يحصل العلم وأنه ضعيف في العلم، وقس على ذلك. ولكن العاقل ذو الفطرة السليمة سيرى كذب هؤلاءِ بِكُلِّ وضوح.
فالذي يقرأ مؤلفاته فهو بارع في التصنيف، فقد خدمَ الدين بطريقة مُختصرة واضحة، أبرزَ معاني التوحيد بطريقةٍ فيها النشر لهذا الحق وتبسيط لهذا الحق لأُناس بحاجة إلى هذه المعاني التي دعى إليها الأنبياء والرسل، ولذلك كان لدعوته بعد وفاته -رحمه الله- استمرار وأنصار لهذه الدعوة ولهذا البيان الواضح، الذي يردُّ فيه على المخالفين سواء من كان منهم مِن الساسة أو مَن أشار إلى الجانب الشرعي.
فهؤلاء قد أثارهم هذا الانتشار، وأثارهم ردم أو هدم دعوة البدع؛ مِن الصوفية، ومِن أهل الكلام، ومَن شاكلهم. لذلك تجد أنهم أطلقوا على -يعني- أُطلِقَ على هذه الدعوة اسم (الوهابية) على دعوة الإمام محمد، وكانت هذه البداية لها من أعداءِهِ من الصِنفين؛ سواء الذين بادروا بالعداء باسم العلم الشرعي والدين والمعرفة العلمية والاهتمام بالعلم الشرعي والمحافظة على ما يريدون من منكرات، أو مِنْ قِبَل الساسة، فأطلقوا عليها (الدعوة الوهابية) على دعوة الإمام. وقصدهم بذلك التنفير والتحذير، وإظهار هذه الدعوة الحقَّة مظهر الدعوة المنفردة المخالفة للحق، وغايتهم بذلك التنفير -والعياذ بالله-.
دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب هي دعوة الأنبياء والرسل، هي دعوة الصحابة، هي دعوة كل أهل السُّنَّة: التوحيد الخالص من أدران الشرك والوثنية، وإحياء سنة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وتعظيم الصحابة؛ أي: الأخذ من الصحابة -رضي الله عنهم وأرضاهم-. فلذلك ستجد في كتاباته البيان الواضح لهذا المعنى، فهو أظهر هذه المعاني الأثرية السلفيَّة بصورةٍ واضحة في كتاباته. ولكن بسبب الحسدِ أو بسبب البدعةِ والأهواء اتُّهِمَ بكل هذه الاتهامات، ونسبوه إلى أسماء كاذِبَة؛ غايتهم في ذلك التنفير من الحق، كما صُنِعَ مع الأنبياءِ والرُسُل ومع الصحابة في التنفير، ومع العلماء كالبخاري وكأحمد وقس على ذلك.
فأقول: العاقل ذو الفِطرَة السليمة سينتفع بِالبيان الواضح الذي خطَّهُ الإمام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله-، والذي كان عليه أئمة أهل السُّنَّة. وهكذا أهل السُّنَّة يخلف بعضهم بعضًا، لأنهم يعتقدون أن السماوات والأرض ما خُلِقَت إلا لعبادة الله -جل وعلا- ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات:56]، فهذه هي الغاية العُظمَى، ولكن نفهم هذه الغاية كما فهمها أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ ببذل الأسبابِ، والقيام بما أوجب الله -عز وجل-.
أقول: هذه مقدمة مهمة للشروع بقراءة ودراسة "كتاب التوحيد"، ولا بد من الإشارة أن الإمام محمد بن عبد الوهاب أحيى في الحقيقة ومن أتى بعده من أبنائه وأحفاده وتلامذته وأنصاره دعوة شيخ الإسلام ابن تيميّة، فلذلك كان لهم سَبق في خدمة كتب شيخ الإسلام ابن تيميّة.
ولذلك -أذكر قبل سنوات- عنونت محاضرة بعنوان: "لماذا هذان الإمامان: ابن تيميّة وابن عبد الوهاب؟"، أقصد بهذا العنوان: لماذا يخص أهل الباطل هذين الإمامين ابن تيميّة وابن عبدالوهاب بالنقد والتشويه دائمًا، لماذا؟ لماذا يجتمع خصوم الحق دائمًا مِنْ سابِّي أبي بكرٍ وعمر، ومن المدارس الليبرالية، والمدارس الإلحادية، هذين الإمامين؟ لماذا يتكلم الأحباش مثلًا بهذين الإمامين؟ لماذا يخص أهل الأهواء والبدع من الخوارج، ومن أهل الأضرِحَةِ والقبور وممن يَشُدُّ الرحال للأضرحة، هذين الإمامين بالعداء؟ هذا ما سيظهر للمستمع لشرح "كتاب التوحيد"، السبب الذي سيتضح من كلام الإمام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله-.
وقد يقول قائل: نعم، عندما تقول: عَداء الصوفية، أو الذين قد تأثروا بالأطروحات الغربية، أو على سبيل المثال الأحباش، أو الأشاعرة، أو المعتزلة؛ نفهم المُراد، ولكن عندما تقول: إن شيخ الإسلام ابن تيميّة يطعنون به هؤلاء من حَمَلَة لِواء التكفير، كيف ذلك؟ يعني: لا نعتقد ذلك.
الجواب على من يستشكل دعواي بأن جماعة التكفير يطعنون بهذا، أقول: الأب الأعظم وهو أبو الأعلى المودودي، شيخ سيد قطب، انتقد شيخ الإسلام ابن تيميّة، وقد كتب ذلك أحد الكُتَّاب في كتابه المعنون "طب القلوب" وهو عجيل النشمي، يُثبِت هذه الحقيقة؛ حيث أن أبو الأعلى المودودي ينقد شيخ الإسلام ابن تيميّة لأنه لم يحدِث الانقلاب في نظام الحكم، وهذه النقطة يذكرها أبو الأعلى المودودي بنقد شيخ الإسلام ومنهجه ودعوته.
إذًا دعوة الحق يُتَرَبص بها من كل الأطراف، لذلك لا عجب بأن يُتَّهَم شيخ الإسلام ابن تيميّة ويُسجَن ويموت وهو في السجن، ولا عجب أن تجتمع هذه الدعوات في تسمية دعوة الامام محمد بن عبد الوهاب بـ(الدعوة الوهابية). فستجِد أيها المستمع أن الرافضة سابِّي أبي بكرٍ وعمر يجتمعون على أن العدو الأكبر لهم: الإمام ابن تيميّة والإمام محمد بن عبد الوهاب.
هنا يجب أن تسأل: لماذا هؤلاء في هذا الزمن المعاصر يركزون العداء الأكبر على هذين الإمامين؟
ولذلك ستعرف الحقيقة من خلال الشرح الذي سنبدأ به -إن شاء الله- الأسبوع القادم: شرح كتاب محمد بن عبد الوهاب "كتاب التوحيد".
وأقول قولي هذا، واستغفر الله لي ولكم.