شرح أصول السنة للإمام أحمد - الدرس الأول


التصنيفات
القسم العلمي: 
  • الشيخ: الشيخ محمد العنجري
  • العنوان: الدرس الأول
  • الألبوم: شرح أصول السنة للإمام أحمد
  • التتبع: 01
  • المدة: 8:34 دقائق (‏1.86 م.بايت)
  • التنسيق: MP3 Stereo 22kHz 30Kbps (ABR)
التفريغ

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:

فأحيي المستمعين في كل مكان: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

هذه سلسلة -إن شاء الله- في شرح كتاب "أصول السنة" للإمام أحمد.

الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- قد كتب لنا أصول اعتقاد أهل السنة، أي: مجمل اعتقاد أهل السنة، وبمعنى آخر: كيف نفهم الوحيين على ما كان عليه أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- مما استقَوه من فيِّ النبي -صلى الله عليه وسلم- في بيان القرآن وفي بيان السنة، فلذلك كتب هذه الرسالة المختصرة لتوصيل هذا المعنى الواضح السني؛ ليتعبد المسلم بهذا المنهج الذي كان عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه.

وهذه اللغة المختصرة نهج شرعي، الله -عز وجل- قد قال: ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ﴾ [القمر:17]، فالله -سبحانه وتعالى- بكرمه ولطفه -جل وعلا- يسَّر لنا القرآن لنتدبر معانيه، فهذا التيسير أمر إلهي وفضل على عباده -جل وعلا-، ولذلك بفضل الله -جل وعلا- كان كلام النبي -صلى الله عليه وسلم- لو عدَّه العاد لأحصاه وفيه المعاني العظيمة، ولذلك كان النبي -صلى الله عليه وسلم- قد أوتي جوامع الكلم. فمن الحكمة للذي يريد أن يبين الدين أن يكون الكلام فيه اختصار وفيه وضوح لمن يستمع إليه، وهذا هو هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- في بيانه، ولذلك تجد صحابة قد أتوا النبي -صلى الله عليه وسلم- ونصوا على ذلك، فقد قال قائلهم: «يا رسول الله، أخبرني بكلمات ولا تُكثر علي». ويأتي صحابي آخر فيقول: «يا رسول الله، علمني شيئًا ينفعني -ولكن انظر- في الدنيا وفي الآخرة، ولا تكثر علي». ويأتي الصحابي الآخر ويقول: «دلَّني على عمل». لاحظتم؟ هذه منهجية غير مستنكرة غير مستقبحة، كما يصوِّر البعض معانٍ على خلاف الكتاب والسنة.

الإمام أحمد أتى بهذه الرسالة المختصرة في بيان مجمل اعتقاد أهل السنة، ومنهج أهل السنة وطريقة أهل السنة في فهم الوحيين الكتاب والسنة، وبين خلال هذه الرسالة هدي أهل السنة في مقابل أهل البدع والانحراف، فلذلك أبرز لنا من خلال هذه الرسالة الصغيرة -العظيمة في معناها وفي قيمتها- الفرقان بين أهل السنة ومن عداهم من أهل البدع.

النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبرنا بأن الناس سينقسمون في فهم الدين وفي الأهواء والبدع، ما عدا أهل السنة، فقال -صلى الله عليه وسلم-: «تفرقت أمتي على ثلاث وسبعين ملة، كلهم في النار إلا ملة واحدة، قالوا: ومن هي يا رسول الله؟ قال: ما أنا عليه اليوم وأصحابي»، أو قال: «ما أنا عليه وأصحابي». فالنبي -صلى الله عليه وسلم- بين أن الأمة ستفترق.

ومن أسباب هذا الافتراق: ذكر لنا النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الآخر «لتتبعن سنن الذين من قبلكم شبرًا بشبر وذراعًا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضبٍّ لاتبعتموهم، قالوا الصحابة: اليهود والنصارى؟ فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: فمن؟» أي: فمن غير هؤلاء؟ أي أن من أسباب الانحراف: أن يتتبع الناس ما كان عليه اليهود والنصارى من فهم دينهم ومن البدع؛ فمثلًا: اليهود والنصارى عندهم رهبانية، رجال الدين عندهم أتوا بالرهبانية، كما قال -تعالى- عن هؤلاء أي النصارى: ﴿وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ﴾ [الحديد:27]، فهم ابتدعوا هذه الرهبانية التي لم يأمر بها الله -سبحانه وتعالى-، وهذا سبب انحراف هؤلاء إلى ملل ونحل.

فأقول: من أسباب انقسام الأمة: أن نتبع اليهود والنصارى فيما صنعوه في دينهم؛ من الكهنوتية، والرهبنة، وقس على ذلك. فرجال الدين وقعوا في الكهنوتية، فلا يجب أن نتبع اليهود فنقع فيما وقعوا فيه من الكهنوتية في الدين، وقس على ذلك.

فأقول: انقسمت الأمة، كما يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «ستفترق الأمة إلى ثلاث وسبعين ملة»، كل ملة لها نهج وطريق، قد يتشابه بعضهم ببعض ولكن كل منها لها طريق وسبيل ومنهجية في انحرافهم عما كان عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، فخرج الخوارج الذين يكفِّرون عثمان وعلي، وظهرت طائفة عبادة علي بن أبي طالب من دون الله، وتعددت أصول البدع؛ كالقدرية وإنكارها للقدر، وما شابه ذلك. وما كان هذا إلا بسبب الخروج عما كان عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه.

فلذلك أصَّل لنا الإمام أحمد من ما كان عليه أصحاب النبي في فهمهم الكتاب والسنة، هذا الأصل العظيم برسالة صغيرة فيها البيان الواضح لمجمل اعتقاد أهل السنة.

وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.