كلمات - الدرس الثالث ( لف أهل الأهواء ودورانهم )


التصنيفات
الشيخ: 
القسم العلمي: 
السلسلة: 
  • الشيخ: الشيخ أحمد السبيعي
  • العنوان: الدرس الثالث / لف أهل الأهواء ودورانهم
  • الألبوم: كلمات
  • التتبع: 03
  • المدة: 13:16 دقائق (‏2.91 م.بايت)
  • التنسيق: MP3 Stereo 22kHz 30Kbps (ABR)
التفريغ

بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وسلم، أما بعد:

فمن الأحاديث الصحيحة العظيمة التي تكلم بها النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- والتي تضع ميزانًا دقيقًا للحق، وتوضح كيف يُحال بين الناس وبين هذا الحق: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال ما معناه: أنه يكون زمان يسمي الناس فيه الأشياء بغير اسمها.

هذا الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من الأحاديث التي تبين مدخلًا مهمًّا من المداخل التي يسلكها أهل الباطل في تشويه الحق وفي الصد، أو للترويج لباطلهم. فالألفاظ واللغة والأساليب والتعابير حتى تحقق العدل الواجب شرعًا على كل مسلم ومسلمة، لا بد أن تتضمن ثلاث أشياء:

  1. الأمر الأول: أن تكون مطابقة للوحي، وأن تكون حكمًا بالوحي.
  2. ثم أن يكون اللفظ في معناه منضبطًا وواضحًا.
  3. ثم يكون تنزيله على الشيء المعين أو الشخص المعين عادلًا ومطابقًا لواقعه.

وهذه المسئولية تقتضي أن يتريث الإنسان وأن يتدبر حين يريد أن يحكم على الأشياء أو على الأشخاص أو على الأقوال، فينبغي أن يكون في تعبيره وبيانه للحق دقيقًا واضحًا صادقًا ينطلق بعلم ويحكم بعدل وأن لا يتجاوز ذلك، وإلا دخل في دائرة أهل الأهواء؛ الذين يستعملون الألفاظ والأساليب والتعابير بطريقة:

  1. أولًا: تبعد الإنسان عن الوحي.
  2. ثم يوجد فيها الزخرف الذي ذمه الله -تبارك وتعالى-: ﴿يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا﴾ [الأنعام:112]، فهذا الزخرف اللفظي الذي يراد به أن تجعل قضية خاسرة أو معنى فاسد أن يغلف بغلاف بحيث يسوغ ويكون مقبولًا عند السامع.
  3. والأمر الثالث: أنه لا يطابق الواقع، ويكون فيه ظلم أو تجني أو بغي أو عدوان أو تزوير للحق.

ولذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- حسم هذه المادة بعمق من البداية، فمثلًا جاء في بعض الأحاديث عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أنه قال: «لا تغلبنكم الأعراب عن اسم صلاتكم العشاء، فإنهم يسمونها العتمة». يعني: أن الأعراب الذين هم حديثوا عهد بالتكلم بألفاظ الوحي، يغلبهم ما درجوا عليه وألفوه من الألفاظ غير الإسلامية من الألفاظ العربية الفصيحة فتبدر إليهم، فقد يسمُّون بعض الأحكام التي سماها الله -تبارك وتعالى- بأسماء من العربية الفصحى، يسمونها بغير الاسم الذي سماها الله. فهنا إذن تسمية من الله -عز وجل- لحكم معين أو لشي معين فهذه التسمية ينبغي أن يُحافظ عليها؛ لأن ذلك حفاظ على ألفاظ الوحي، والحفاظ على ألفاظ الوحي هو حفاظ على الدين.

ولا يدخل في ذلك: المصطلحات التي تحدث بعد ذلك في العلم، لحاجة العلم ولخدمته؛ فإنه ليس لها من الحرمة وليس لها من وجوب المحافظة عليها مثل ما هو للوحي، وإن كان في حكم استعمالها والاحتياج إليها وفي البيان في ذلك له أحكامه وفيه تفصيله.

لكن المقصود أن النبي -صلى الله عليه وسلم- شرع الحفاظ على الوحي، والحفاظ على الوحي بالحفاظ على ألفاظه؛ بأن تسمى الصلاة صلاة ولا تسمى صلة روحية، وأن تسمى الخمر خمرًا أو مسكرًا ولا تسمى مشروبات روحية، وكل شي يسمى باسمه الصحيح المطابق لواقعه، فلا يُتلاعب بالألفاظ كشأن أهل الأهواء، الذين يستعملون الألفاظ في خدمة أغراضهم على نحو لا يخدم الحق ويزوِّر الحقيقة.

وهذا بحث غاية في الأهمية، ومن تعقله وفهمه فإنه يستطيع أن يحمي نفسه من كيد أهل البدع والأهواء، ويستطيع أن يحمي دينه وعلمه الحق من أن يطرأ عليه شيء بسبب التلاعب اللفظي والأسلوبي. وهذا مهم لأنه يكون أقوام يسمون الأشياء بغير اسمها؛ فيسمون مثلًا الحيرة والتردد والتذبذب يسمونه وقفًا، ويسمون الشك والتشكك إعادة نظر. والله -جل وعلا- قد تكلم وبين -سبحانه- بأسماء معينة: نصيحة، أمر بمعروف، نهي عن المنكر، فهكذا ينبغي أن تسمى الأشياء باسمها.

أقول هذا لأنني رأيت أن هذا النوع من الأهواء بدأ يستعمل من أقوام ظاهرهم السنة، فينقدون أهل السنة بأساليب وطرق شبيهة بأهل الأهواء، وهذا خطر على الدين وعلى الشباب، فينقدون أهل السنة نقدًا مبطَّنًا بطريقة لا تتضح لكل أحد.

يعني في القديم أهل البدع والأهواء قد يستعملون الألفاظ لترقيق بعض المعاني الفاسدة؛ فيسمون مسالك -مثلًا- في البدع في صفات الله -تبارك وتعالى- يسمون هذا تفويضًا وذاك تأويلًا، وكلاهما حكم بغير ما أنزل الله؛ فالتفويض يعطل معاني الصفات، والتأويل تحريف لصفات الله -جل وعلا- عن معانيها، فيسمون هذا بهذا الاسم وهذا بهذا الاسم حتى يرققوا من هذا الذم. أو تسويق المعاني الفاسدة؛ كتسمية المعتزلة للتوحيد توحيدًا، وهو تعطيل للرب -تبارك وتعالى- من صفات كماله.

فمما درج عليه في الآونة الأخيرة وبكثرة أن الناقد لأهل السنة لا يأتي مباشرة فينقد بالنقد الواضح البيّن المبني على العلم والعدل والقصد الحسن، لا، ولكن ينقد نقدًا مبطنًا؛ فيورد الكلام يريد به الاستدراك ويريد به النقد لكن لا يأتي ويقول: أنا أنقد كذا، لا؛ كأنه يدعو إلى الخير ومفهوم كلامه أنه ينقد. فهذه طريقة قد تدرب عليها بطانة الجماعات، ودربهم عليها شيوخهم الخونة لدعوة السنة، ببغيهم وعدوانهم على دعاة السنة بما يولدونه بأهوائهم من الظلم والنقد غير العادل. فمع الوقت -مع الأسف الشديد- بعض الشباب القريبين منهم راج عليهم هذا النقد غير العادل، فصاروا ينقدون أهل السنة نقدًا غير عادل ولا مبني على العلم ولا على النصح، وهؤلاء الشباب مسئولون أمام الله -عز وجل- فيما يتكلمون به في أهل السنة.

فإذا كان هناك نقد فليبرز، إذا كانت هناك بدعة تبرز، تبيّن: ما هي البدعة؟ إذا كان هناك مخالفة للكتاب والسنة.. أما الكلام المولد بالهوى وتسمية الأشياء بغير اسمها: هؤلاء عندهم غلو، طيب أين الغلو؟ اذكر المثال من كلامهم، لا بهواك! أو: أن هؤلاء يتحزبون، يتحزبون على ماذا؟ يدعون إلى السنة يصيرون متحزبين؟! وماذا عن جمعكم للصدقات، ودخولكم في الانتخابات، وخوضكم في السياسة، وتكالبكم على المناصب، وتعاونكم مع شيوخ معينين؟ ولكن كما قال بعض السلف -رحمهم الله-: "يرى القذاة في عين أخيه ولا يرى الجذع في عينه".

أنا لا يهمني المتصدرين بالهوى لنقد أهل السنة؛ فهؤلاء أمرهم مفضوح، لكن يؤسفني أن بعض الشباب -فيمن أحسبهم- عندهم دين وإيمان وتوخ للعدل لكن عندهم ضعف في البصيرة، فتروج عليهم حيَل أهل الأهواء في النقد، فينقدون أهل السنة بناء على تسمية الأشياء بغير اسمها.

إذن من كان عنده نقد على أهل السنة فليبرزه باسمه الصريح ويعزوه إلى موضعه الصحيح، أما التلاعب بالألفاظ والمشاعر والتباكي على السنة ونحو ذلك، فهذا مسلك غير راشد وغير صحيح، ولا ينبغي أن يسلكه من يزعم اتباع السنة.

فنسأل الله -تبارك وتعالى- أن يوفقنا للعدل، العدل الحقيقي: عدل أهل السنة في القصد والعلم والعمل، لا العدل الذي فيه التلاعب بالألفاظ والمشاعر والتباكي، وما أشبه ذلك من حيَل أهل الأهواء والبدع. فليحذر كل مسلم ومسلمة من حيَل أهل الأهواء بالتلاعب بالألفاظ، الذي يفضي إلى التلاعب بالأحكام، والذي يفضي إلى البغي والعدوان.

فنسأل الله - تبارك وتعالى- أن يمنحنا العدل، والإخلاص، والصدق.

والله الموفق.