ثالثًا: لا يجوز لنا أن نتكلم بين العامة فيما يثير الضغائن على ولاة الأمور، وفيما يسبب البغضاء لهم؛ لأن في ذلك مفسدة كبيرة.
قد يتراءى للإنسان أن هذه غيرة، وأن هذا صدع بالحق! والصدع بالحق لا يكون من وراء حجاب، الصدع بالحق أن يكون ولي الأمر أمامك وتقول: أنت فعلت كذا وهذا لا يجوز، تركت هذا وهذا واجب. أما أن تتحدث من وراء حجاب في سب ولي الأمر والتشهير به، فهذا ليس من الصدع بالحق، هذا من الفساد، هذا مما يوجب إيغار الصدور وكراهة ولاة الأمور والتمرد عليهم، وربما يفضي إلى ما هو أكبر: إلى الخروج عليهم ونبذ بيعتهم -والعياذ بالله-.
وكل هذه أمور يجب أن نتفطن لها، ويجب أن نسير فيها على ما سار عليه أهل السنة والجماعة، ومن أراد أن يعرف ذلك فليقرأ كتب السنة المؤلفة في هذا، يجد كيف يعظم أئمة أهل العلم من هذه الأمة كيف يعظمون ولاة الأمور، وكيف يقومون بما أمر به الرسول عليه الصلاة والسلام من ترك المنابذة، ومن السمع والطاعة في غير المعصية.
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في آخر كتاب "العقيدة الواسطية" -وهي عقيدة مختصرة، لكن حجمها كبير جدًّا في المعنى- أن من هدي أهل السنة والجماعة وطريقتهم: أنهم يدينون بالولاء لولاة الأمور، وأنهم يرون إقامة الحج والجهاد والأعياد والجُمَع مع الأمراء أبرارًا كانوا أو فجارًا، حتى لو هو فاجر ولي الأمر كان أهل السنة والجماعة يرون إقامة الجهاد معه وإقامة الحج وإقامة الجُمَع وإقامة الأعياد.
إلا إذا رأينا كفرًا بواحًا صريحًا عندنا فيه من الله برهانٌ -والعياذ بالله-، فهنا يجب علينا ما استطعنا أن نزيل هذا الحاكم، وأن نستبدله بخير منه.
أما مجرد المعاصي والاستئثار وغيرها، فإن أهل السنة والجماعة يرون أن ولي الأمر له الولاية حتى مع هذه الأمور، وأن له السمع والطاعة، وأنه لا تجوز منابذته ولا إيغار الصدور عليه، ولا غير ذلك مما يكون فساده أعظم وأعظم.
والشر ليس يُدفع بالشر، ما الذي يُدفع بالشر؟ هو الخير، ادفع الشر بالخير، أما أن تدفع الشر بشر؛ فإن كان مثله فلا فائدة، وإن كان أشر منه -كما هو الغالب في مثل هذه الأمور- فإن ذلك مفسدة كبيرة.
نسأل الله أن يهدي ولاة أمورنا، وأن يهدي رعيتنا لما يلزَمها، وأن يوفق كلًّا منهم للقيام بما يجب عليه.