سؤال:
فضيلة الشيخ، بالنظر إلى العالم الإسلامي اليوم، نجد أن هناك كثير من الجماعات التي تدعو إلى الإسلام، وكلٌ منهم يقول أنا على منهج السلف، ومعي الكتاب والسنة، فما موقفنا نحن من هذه الجماعات، وماحكم إعطاء البيعة لأمير من أمراء هذه الجماعات؟
جواب:
الحُكْمُ في هؤلاء الجماعات الذين يدّعي كل طائفة منهم أنهم على الحق، سهلٌ جدًا، فإننا نسألهم ما هو الحق؟ الحق ما دلّ عليه الكتاب والسنة، والرجوع إلى الكِتاب والسنة يحسم النِّزاع لمن كان مؤمنًا، أما من اتبع هواه فلا ينفعُ في شيء، قال الله تعالى: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ [النساء:59]، فنقول لهؤلاء الجماعات اجتمعوا، وليُنفِع كلٌ واحد هواهُ الذي في نفسه، ولينوي النية الحسنة، بأنه سيأخذ بما دلّ عليه القرآن والسنة، مبنيًا على التجرد من الهوى، لا مبنيًا على التقليد أو التعصب، لأن فهم الإنسان القرآن والسنة على حسب ما عندهُ من العقيدة، هذا لا يفيدهُ شيئًا، لأنه سوف يفسد إلى عقيدته، ولهذا قال العلماء كلمةٌ طيبة، قالوا يجب على الإنسان أن يستدل ثم يبني، لا أن يبني ثم يستدل، لأن الدليل أصل، والحكم فرع، فلا يمكن أن يقلب الوضع، ويرجع الحُكُم الذي هو الفرع أصلًا، والأصل الذي هو الدليل فرعًا.
ثم إن الإنسان إذا اعتقد قبل أن يستدل، ولم تكن عنده النية الحسنة، صار يلوي أعناق النصوص من الكتاب والسنة إلى ما يعتقِدُهُ هو، وحصل بذلك البقاء على ما هواه، ولم يتبع الهدى.
فنقول لهؤلاء الطوائف التي تدّعي كُل واحدٍ منها إنها على الحق، نقول: سُئْتُم، نية بنية حسنة مجردة عن الهوى والتعصب، وهذا كتاب الله وهذا سنة رسوله –صلى الله عليهِ وسلم-.
ولولا أن فيهما حلُّ النزاع، ما أحال الله عليهما، فإن الله لا يحيل على شيء إلا والمصلحةُ فيه ﴿فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ﴾ [النساء:59]، لكن البلاء الذي يحصل من عدم الاتفاق على الكتاب والسنة هو الشرط الذي في الآية: ﴿إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ﴾ [النساء:59]، فإن بعض الناس قد يرجع للكتاب والسنة، لكن لا إيمانًا، ولكن على هوى وتعصب لا يتزحزح عنه، فهذا ليس فيه فائدة، ولكن على من منهم على الكتاب والسنة، أن يستعينوا بالله –عزّ وجل- على هذهِ الطوائف، وسيتبين الحق من الباطل، ولذلك قال الله –عزّ وجل-: ﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ اَلْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُون﴾ [الأنبباء:18].
أمّا بالنسبة لإعطاء البيعة لرجل، هذا لا يجوز، لأن البيعة لولي الأمر على البلد، وإذا أردنا أن نقول كل إنسان له بيعة، تفرقت الأمم، صار البلد الذي فيه مئة حي من الأحياء، كم يكون فيه من الإمام؟ مئة إمام، مئة ولاية، هذا هو التفرق.
فما دام في البلد حاكم شرعي، فإنه لا يجوز إعطاء البيعة لأي واحد من الناس، أمّا إذا كان الحاكم لا يحكم بما أنزل الله، فإن هذا له أحوال:
قد يكون هذا كفرًا
وقد يكون ظلمًا
وقد يكون فسقًا
بحسب ما تقتضيه النصوص الشرعية.
وعلينا إذا كان هذا الحاكم مُصِرًّا على كُفرٍ بواح عِندنا فيه من الله بُرهان، علينا أن نسعى لإزالته ما استطعنا، لكن ليس علينا أن نقوم في وجهه، وليس معنا قوة، لأن هذا تهور، مخالف للشرع، وللفتنة، ولهذا لم يؤمر النبي –صلى الله عليه وسلم – بالجِهاد في مكة، لِماذا؟لأن ليس معه قوة يستطيع بها أن يُخرج هؤلاء من مكة أو يَقتلهم، فكون هؤلاء النفر القليل، الذي هم غُزّى من السلاح المقابل للحكومة مثلًا، كونهم يقومون على الحكومة، لا يشك هذا تهور مخالف للحكمة.
إذا رأيت كفرًا بواحًا عندك فيه من الله بُرهان، فانتظر الشرط الخامس وهو القدرة، لأن النبيَّ –عليه الصلاة والسلام– لم يأذن بالخروج على الأئمة إلاّ بالشروط هذه: أن تروا كفرًا بواحًا عندنا فيهِ من الله برهان، هذهِ أربعة شروط، الشرط الخامس الذي هو شرط الوجوب، لأن الشرط الأول هو شرط الجواز، شرط الوجوب أن يكون لدينا قدرة على إزالة هذا الحاكم وحكومتهم، أما بلا قدرة، فالإنسان يجب عليه أن ينتظر الفرج من الله –عزّ وجل–، وألّا يُنادي من يقضي عليه، وعلى طائفته، وعلى آخرين.
الشروط الخمسة لعلك فهمتها الآن، أن تروا يعني أنتم بأنفسكم تعلموا دون النقل، لأنه قد يُنقل الشيء على غير وجهه، كفرًا لا فسقًا، فالحاكم لا يجوز الخروج عليهِ ولو فسق، بأكبر الفسوق ما عدا الكفر، يعني لو كان يشرب الخمر، يقتل بغير حق؛ لا استحلالًا ولكن ظلمًا، فإنه لا يجوز أن نخرج عليه، كفرًا بواحًا يعني صريحًا، يعني ما فيه تأويل، أما الكفر الذي فيه تأويل فقد يكون هذا الحاكم متأولًا.
عندنا فيه من الله برهان، يعني عندنا دليل من الكتاب والسنة، دون الأمثلة التي قد تخطأ وتصيب، هذه أربعة شروط، الشرط الخامس لوجوب الخروج عليه القدرة، وهذا الشرط؛ أعني القدرة، شرطٌ في كل واجب لقولهِ تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ﴾ [البقرة:286]، ولقولهِ: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ [التغابن:16]، فهؤلاء الأخوة الذين يريدون أن يكونوا طوائف، لكل طائفة أمير، بناء على أن الحاكم عندهم ليس حاكمًا شرعيًا في نظرهم، نقول هذا لا يجوز، تفكيك الأمة، أن يكون لكل طائفة أمير، هذا خطأ عظيم، وقد أمر الله نبيه –صلى الله عليه وسلم– بل أخبر الله نبيه أنه ليس من هؤلاء في شيء.
لكن عليهم أن يستعدوا لإزالة هذا الحاكم الذي انطبقت عليه شروط جواز الخروج عليه، حتى يقويهم الله ويعينهم على إزالته.