السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فضيلة الشيخ كما تعلمون إنهُ من نِعَم الله- سُبحانهُ وتعالى- على أَهلِ هذه البلاد أنهم على المنهج السَّلفي، ولكن هُناكَ من يُقحِم بعض المناهِج أو الدعوات، وربما بعض المناهج الضالة كمنهج الخوارج ،هَل تَرون لهِذا يا فضيلة الشيخ مُسوِّغًا أم أنهُ يُفرّق الأُمة، ويُشتِّت الصفّ؟
الجواب:
نعم، لقد بَيَّن الرسول- عليهِ الصلاة والسلام- في خُطَبِهِ يوم الجمعة، وفي مُناسباتٍ أُخرى ((أنَّ خَيْر الْكلام كَلامُ اللَّه، وَأنَّ خَيْر الْهَدْي هَدْي مُحَمَّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعلى آلهِ وَسَلَّمَ)) وإذا نَظرنا إلى هَدي الرسول- عليه الصلاة والسلام- وجدنا أنهُ يُريد أن تكون الأمةُ أمةً واحِدة، لا تتفرّق ولا تختلِف، ولا يكون في بعضها في قلوبِ بعضها شيءٌ على الآخرين، حتى أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- يترُك ماهو اختيار لدرء الفتنة، وحتى أنهُ- عليهِ الصلاة والسلام- أَمَر بالصَبر على وُلاة الأمور، على ظُلمهم، وعلى جَورهِم، وعلى أثرتِهم واستبدادِهم، وأَخبَرَ أنَّ هذا سيكون، فقالَ للأنصار- رضي اللهُ عنهم- ((إِنَكُم سَتَلقَوْنَ بَعدي أَثَرة)) أي: استأثارًا عليكم ((فَاصبروا حَتى تَلقَوْني عَلى الحَوض))، وقالَ: ((مَنْ رَأى مِن أَميرهِ ما يَكرَه فَليَصبِر))، وقالَ: ((إِذالَم يُؤَدّوا حَقَّ اللهِ فيكُم فَأَدّوا حَقَّ اللهِ لَهُم عَلَيْكُم، وَاصْبِروا عَلى ما فَرَقوا وحِسابُه عَلى اللهِ - عَزَّ وَجَلّ-))، ولا شَكَّ أنَّ مما يُخالِف هَديَّ النبي- عليهِ الصلاة والسلام- إِيغار الصدور على وُلاة الأمور، والحديث بما يُوجِب كراهَتَهُم وبُغضهم، وذلِك لأنَّ الأُمة الإسلامية يقوم أمرها على صنفينِ من الناس؛ على العُلماء، وعلى الأُمراء، (وهُم: أُولوا الأمر) الذين قالَ اللهُ -تعالى- فيهم { ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ﴾ [النساء: ٥٩] } قالَ المُفسرون وغيرهُم من أهل العِلم( أُولوا الأمرِ منا) هُم: العُلماء والأُمراء، فالعُلماء: قادة الأُمة بشريعة الله –عز وجل-، والأُمراء: قادة الأُمة بسلطان الله - عَزَّ وجلّ- فلولا العُلماء ولولا الأُمراء لم يحصل للناس من هذا، أقول لولا الأُمراء والعُلماء ما استقامت الأمة، لأنَّ العلماء يَقودون النَاس بالشريعة، والأمراء يقودون الناس بالسُلطة والتنفيذ، فإذا تكلم أحد في الأُمراء أو تكلمَ في العُلماء بما يُوجِب عداوتهم والحَطَ من قَدرِهِم، فإنَّ الأُمة ستضيع، لأنَّ لا يكون لها عُلماء تثق بأقوالِهم فتضيع الشريعة، وليس لديها أُمراء تثقُّ بتصرفاتِهم فيضيعُ الأمن، لهذا نرى أن من الخطأَ الفاحِش ما يقومُ بهِ بعضُ الناس من الكلام على العُلماء أو على الأُمراء، نعني بالأُمراء وُلاة الأمور، أمور الدولة، وإذا رأى شيئًا من هؤلاء يُخالِف ما يرى أنهُ شرع، فالواجِبُ عليهِ النصيحة، وليس الواجِب إفشاءَ هذا الشرّ أو هذه المُخالَفة، ينصحَ بالكتابة، إذا لم يستَطِع تكون الكِتابة بواسِطة يُعطيها مَن يُوصِلها للمسؤولين من العُلماء والأُمراء، وإلا فلا نشكّ أنه يوجد خَطأَ من العُلماء، ويُوجد خطأَ من الأُمراء سواء كان مُتعَمَّد أو غير مُتَعَمَّد، لكن ليس دواءُ المرَض بإحداثِ مرضٍ أعظَم منه، ولا زوال الشرّ بِشرٍ أَشَرَّ منه أبدًا، ولن يَضُرَّ الأُمة الإسلامية إلا كلامُها في عُلمائها وفي أُمراءها.
ما الذي أَوجَبَ قَتَل عُثمان؟ هو الكَلام فيه، تَكلموا فيه وأنهُ يُحابي أَقارِبِه، وأنهُ يفعل كذا ويفعَل كذا، فَحَمَلت الناس في قلوبِها عليه، ثُمَّ توَلَّد من هذا الحَمل كَراهةً وبغضاء، وأهواءٌ وعِداء حتى وَصَل الأَمر إلى أن قَتلوه في بيته.
مالذي أَوجَبَ قَتل أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب؟ إلا هذا خرجوا عليه، وقالوا أنه خَالفَ الشَرع وَكَّفروه وَكَفرَّوا المُسلمين معه، وحصَل ما حَصل من الشرَّ.
فالواجِب علينا أيُها الإخوة، ونحنُ ولله الحمد في هذا البَلد كما قالَ الأخ السائِل، بلدٍ آمنة مُطمئِنة، يأتيها رِزقها رغدًا من كُلِ مكان وهي من خيرِ ما نعلمهُ في بلاد المسلمين تطبيقًا للشريعة، وهذا أمرٌ مُشاهَد، ولا نقول أنها تامة مئة في المئة، لا عندها قصور كثير، وفيه ظُلم وفيه استئثار، لكن الظُّلم إذا نسبتهُ إلى العدل وجدتَ أنهُ إيش؟ لا شيء، أقل ما أقل لا شيء، يعني إذا قَدّرنا أنَّ المملكة العربية السعودية عشرة ملايين، لا تستطيع أن تُخرج ألف واحِد مظلوم ظُلمًا حقيقيًّا ولم نتمكن من رفعه، أبدًا، فإذا كانَ كذلِك كيف نقول إنّ الظُّلم فاشي وكثير، هذا ليس بصحيح.
الواجِب أنَ الإنسان ينظُر بالعَدِل ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّـهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ﴾ [المائدة: ٨]، شنئان: يعني بُغض، ويَجرِم: بمعنى يحمل، يعني لا يَحمِلُكم بُغضُ قومٍ على أن لا تَعدِلوا ﴿ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَاتَّقُوا اللَّـهَ ﴾ [المائدة: ٨]، فَأقول إننا ولله الحمد في بلادٍ آمنة مُطمئنة، هي خيرُ ما نعلمهُ من بلاد المسلمين في تطبيق الشّريعة، فالواجِب علينا أن نحرص على توحيد الكلمة ما استطعنا، وأنَّ نجعل الخلاف الذي يكون بيننا من باب الإجتهاد، وأن نَتَناقش فيما بيننا فيما يَظُنُ بعضنا أنه خطأَ حتى نَصِل إلى الصوابِ جميعًا، وإذا علِم الله من نيتنا أننا نُريد الحقَّ يَسرَّهُ لنا، وَيَسَرَّ لنا الإجتماعَ عليه.
هذا ما أَحببت أن أقولهُ حول هذا الموضوع، وأرى أنهُ يجب الكَف عن مساوىء الناس، ولا سيما العُلماء والأُمراء، وأنهُ يجبُ إصلاح الخطأَ بقدرِ الإمكان، ولكن بالطريقة التي يَحصُل بها المقصود، ونَسْلَم فيها من المَحذور.