السؤال:
شيخنا، كثر هذِه الأيام، ما يُسمى بالمظاهرات والإعتصامات وأيضًا إحراقُ النَّفس بالنَّار؛ لأجل المطالبة بالحقوق الدُّنيويَّة. فما حكمُ الشَّرع في ذلك؟
الجواب:
هذِه الأمور كلُّها دخيلةٌ على الإسلام، وأهلِه. فليستْ هي من شَرع محمدٍ- صلى الله عليه وسلم –.
هكذا إذا اسْتَحكَمت المطامِع، والأهواء، فعل النَّاس العجائِب والغَّرائِب. وأول منْ صَدعَ بالثَّورة في وجْهِ سيدِ الخلق – صلى الله عليه وسلم – هو: ذو الخُويْصِرة التميمي، فإنَّ النَّبي – صلى الله عليه وسلم – أتاهُ مالٌ بعثَ بهِ عليٌّ – رضي الله عنه – إلى اليمن فقسمَهُ بين أربَعة من صَناديد العرب منهُم: الأقرعْ بن حارث. فتغضَّبتْ قريش والأنصار – رضي الله عنهُم – فقالوا: «يعطي الصَّناديدَ لنجدٍ ويتْرُكنا» فقال- صلى الله عليه وسلم – : «إنَّما أتألفهم» فَسَكنوا، وهَدَئوا، وعلِموا، أنَّ الله أعلمَ نبيَّهُ – صلى الله عليه وسلم – ماهو خيرْ. أمَّا ذو خويْصرة فَثار، وهاجْ، فقالَ: «اعْدِل يا محمد إنَّها قِسمةٌ ما أريد بها وجهُ الله» فقالَ النَّبي – صلى الله عليه وسلم – : (( ويحكْ، منْ يَعدِل إن لم أعدِل، من يُطع الله إن عصيْتُه)). فقامَ خالدُ بن الوَّليد – رضي الله عنه – أو غيره فقالَ: «يا رسولُ الله، دعْني أقتُله أو قالَ دعني أضربْ عُنقَه؟» فقالَ النَّبي – صلى الله عليه وسلم – : «إنَّما يَخرُجُ من ضِئضِئي هذا ( يعني من نسْلِه) قومٌ يقْرؤونَ القُرآن لايُجاوزونَ تراقِيَهُم». فهؤلاء أهلُ المظاهرات وأهلُ الإعتِصامات والاحتِجاجات، هؤلاءِ سلفُهُم هو: ذو الخويصِرة التَّميمي، ولهُم سلفٌ آخر وهُم السَّبئِيَّة أتباعُ عبد الله ابنِ سبأ ابنِ وهبْ الرَّاسبي اليهودي اليمني الذَّي أسلَم نِفاقًا وكيْدًا لأهلِ الإسلام. فإنَّهُ يُجمِّع النَّاس حولَه ويَجمعُ أخطاء ولاةِ عثمان –رضي الله عنه- ويُهيِّج النَّاس عليه، بِحُجةِ الأمر بالمعْروف والنَّهي عن المنْكر. إذًا لاتسْتغربوا عليْكم بالسُّنة. ومن أحرقَ نفسهُ بالنَّار -نسألُ الله العَّافية والسَّلامة- أحرقَ نفسَهُ بنارِ الدُّنيا وهو متوعَّدٌ بنارِ الآخرةِ يومُ القيامة، كما صحَّ عن النَّبي – صلى الله عليه وسلم – في قاتِل نفسِه (( أنَّ من تردَّ من شاهِق فهُو يتردَّى فيهِ منهُ يومَ القيامة أبدَ الآباد خالِدًا مخلَّدًا ومن تحسى سُمًا فسمُّهُ في يدِه يتحسى بِه في نارِ جهنَّم خالِدًا فيها أبدَ الآباد)) إلى آخِر ذلِك.
وتسلَّو حيَل ما تروْنهُ من فيضانات الثَّورة الفكرية وسيولِها العارِمة تأسوا بالصَّحابةِ وخيارِ التَّابعين وتسلَّو بهذِه الآية{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ } [المائدة : 105] وقد قدمْتُم مقدِّمات لبَعْضِ الأئِمة ما أظُنكم غَفلتُم عنها، وجَزاكم الله خيرًا.