التجديد والتخريب !
التجديد والتخريب !
النقد يحتاج بعد العلم الى درجة من الشجاعة؛ ناهيك عن العدل والقصد الحسن ووجود المقتضى الشرعي للنقد .
ليس هذا هو الموضوع ؛الموضوع ان طريقة النقد وأسلوبه ينبغي العناية بتحرير الطريقة المثلى فيها .
فالأصل ان يراعى في أسلوب النقد ولغته ان يكون محققا لمقصود الشرع في الإنكار وازالة الخطأ او المنكر وتقليله .
فقول ابن عباس-رضي الله عنهما مثلا -: أراكم ستهلكون ،أقول: قال رسول الله ،وتقولون قال أبوبكر وعمر.
فهنا أسلوب قوي فيه الدلالة على شدة نكارة تقديم قول العلماء على الوحي.
وهذا الاستنكار القوي ليس فيه التقليل من شأن من قدم قولهم؛ انما هو إنكار على المقدِّم للقول.
وقول النبي للخطيب الذي جمع بين الضمير العائد على الرب والضمير العائد على النبي في قوله: ومن يعصهما :فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم -: بئس خطيب القوم انت، فوجه الإنكار لشخص الصحابي القائل لهذه العبارة.
لان هذا الخطأ في هذا السياق فيه غلو وإيهام في رفع منزلة النبي الى حق الله عز وجل .
فجاء هذا الإنكار بهذا اللفظ القوي الشديد لعظم متعلق المسألة التي وقع الخطأ فيها.
ومن هنا نعلم ان أسلوب الإنكار ولغته ودرجة قوته لينا وشدة وغير ذلك لا يتبع اهواء الناس؛ ولا ميزان الجماعات وبطانتها المحدث ،الذي يفرض وجوبا اللين مع كل قول ومع كل قائل، فهذه من إحداثات وبدع الجماعات التي تتابعوا على خدمتها حمايةً لبدعهم، حتى تأثر بها من تأثر من ضعاف اليقين او ضعاف العلم او من لم يعلم هدي النبي وهدي السلف في ذلك.
بل فوق هذا كلام الله عزوجل مثل (غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا )ومثل (قاتلهم الله أنى يؤفكون )ومثل (إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل) ومثل (كمثل الحمار يحمل أسفارًا) وغير ذلك .
ولو سلم للجماعات بدعتها فيما تفرضه من الأساليب لكان كتاب الله وهدي نبيه وهدي السلف منتقدا عياذا بالله !.
مع العلم انهم من أشد الناس نسيانا لهذا اللين الصناعي عند نقدهم لأهل السنة !
ولاحظ الفرق بين القوة في الأسلوب بيانا ؛مما يجعله يتضمن شدة غير مقصودة وبين تعمد شدة اللفظ .
فبعض الناس اليوم- وهذا من تمام بدعة الجماعات -يصف كل قوة بيان بالشدة ؛لأن كلمات أهل السنة تتنزل على قلبه كالصواعق .
ولست أبحث هنا كل متعلقات الموضوع: مثل أيهما أمثل اللين او القوة والشدة ؛فهذا-وغيره - فيه تفصيل يرجع بعضه الى الأدلة، وبعضه الآخر الى حال المخاطب وتحقيق مقصود الشرع في مخاطبته .
إنما ما أريد توصيله هنا ثلاثة أشياء:
الأول : أن هناك فرق في اللغة المستعملة وما ينتقى من الالفاظ يرجع الى المتكلمين؛ إما إلى شخصياتهم او لغتهم ،فلغة الالباني رحمه الله غير لغة ابن باز رحمه الله غير لغة ابن عثيمين رحمه الله أعني من ناحية الأسلوب والألفاظ .
ومن هذا الباب اختلاف ألفاظ أئمة الجرح والتعديل
أعني من ناحية انتقائهم للألفاظ والاسلوب لا من ناحية الأحكام على الرواة ؛فهذه مسألة أخرى .
والثاني :ما كان من التخطئة يرجع الى مسألة مما اختلف فيه أهل العلم من قبل ، والتي يقال في مثلها ما منا إلا راد ومردود عليه
فينبغي أن يكون الأسلوب حسنا لا شناعة فيه ؛
إلا ان يكون ثمة اتباع لهوى وتلبيس فلكل مقام مقال.
والثالث : أن يراعى حفظ حرمة الدين وتعظيمه وهيبته في النفوس .
فان اكثر الناس- إلا قليل - يتلقون هذا الامر تلقيا،
فاذا أردت مثلا: أن تخطأ الأوزاعي رحمه الله تعالى تقول هذا القول خطأ، ولا تقل هذا شذوذ او هذا لايقوله فَقِيه ونحو ذلك.
فَلَو أنك أبصرت ولدا يعنّف أباه لاستنكرت ذلك على الفور بغض النظر عن فعل الأب السيئ !.
وأيضا لأننا لسنا في أزمنة السلف الصالح التي تأتي فيها الأساليب والألفاظ بعد العلم بمراحل.
ففتح باب العلم ،وإعادة غربلة المصادر: زيادة في التحقق والتحقيق،والبحث عن الحق والصواب ، مقصد شرعي نبيل ومشروع ومطلوب .
لكن البحث الذي يكون في المصادر المحترمة عند اهل الاسلام ومع شخصيات محترمة -فنحن هنا لا نتكلم عن بدع ومبتدعة - ؛فهي مراجعة مباركة : تزيد من رسوخ العلم ،وازدياد الحق، وعموم المنفعة.
أما أن يُفتح باب النقد بشناعة الألفاظ والاطلاقات التهويلية ،والمجازفة العلمية ،كما تصنعه الحدادية والفرق الجديدة الكلامية؛ فإن هذه الطريقة نفسها في التناول مع مصادر العلم المعتبرة و،العلماء الخيرين هي بحد ذاتها إفساد ينبؤ عن الانحراف و الهدم الذي ليس وراءه بناء !.
قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : (انزلوا الناس منازلهم ) وقال : (ليس منا من لم يعرف لعالمنا حقه ).
بقلم : الشيخ أحمد السبيعي
الثلاثاء 6 ذي القعدة 1437 هـ
9 أغسطس 2016