تدابير الهوى !
تدابير الهوى !
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم كيف قضى بحكمته أن تكون محصلة اتباع الإنسان لهواه: الضلال!.
وإن كان لسانه تالياً للقرآن، وصدره مقراً بمجمل الإيمان، لا يفتر عن الذكر، ولا ينقطع عن العبادة {وَلَٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ} فصار مثاله أخس مثال {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّٰلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} وهذا قول الله -عز وجل- فيه !
وذلك أنه لم يبن أمره على التطهر بما يتلوه، ولا التزكي بما يؤمن به؛ فلا يزال في قلبه هوى متبع، وشح مطاع، وإعجاب بالرأي؛ وكل ذلك يسلبه صافي الانتفاع بالحق والإيمان، بحسب ما يقوم في قلبه من هذه الأدران، فتظل غمرة الهوى تركسه في ظلمتها وإن كدّ بدنه بالطاعة وعقله بالعلم {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُم} !.
هذه الصورة الكالحة في الإنسان لا يحدها زمان ولا مكان ولا مذهب ولا عرفان؛ إنما هي أبواب شر وفتنة مشرعة على القلوب مادام يوجد شرطها الأوحد وهو اتباع الهوى !.
دعني من دعوى الإخلاص، وتملقه بين يدي الرب ببدنه، وانطراحه الذي يوهمه بخير نفسه ولهج لسانه بسؤال الهداية، فمادام أن هناك الداء الخامر الذي يسلب اللب ويقود من خلف نظر العقل القلب من اتباع الهوى وبقية حظ للنفس في الديانة؛ فليبشر بالشر !
ولولا رحمة الله بأصل الإيمان وبعض حسن القصد وما قد يوفق إليه من عمل صالح مما يخفف سير القلب إلى الزيغ عن الدين والردى والهوان وإلا تم فيه ما أخبر عنه النبي ﷺ من المروق من الدين ثم لا يرجع إليه !
هذا إذا لطف به الرب وأكرمه بعدم إكمال طريق الغواية !
والكل داخل في الامتحان وواقع تحت اختبار الإيمان !
ومن عجيب صنع الله -عز وجل- وقدرته الباهرة وحكمته القاهرة تواطؤ أهل الأهواء المتشابهة والمتشاكلة والمتجانسة لتكون أهواؤهم المتفرقة مجتمعة في نسيج واحد فيتدافعون على مسارات عملية موحدة ترى فيها من الاجتماع على الهوى ما يتجسد به ما أخبر الله به من طبائع الأهواء ما يزيد المؤمن إيمانا وصاحب السنة يقينا بالحق !
وكل ذلك يجري خارجا عن تحكيم الأدلة والاعتصام الديني الإيماني الصادق بالسنة ومقتضياتها !
فترى أهل الأهواء يتواطؤون على رفع نكرة في العلم ضحلا في الفهم قليل التأثير لموافقته لأهوائهم، وتراهم يغضون النظر عمن يبدر منه صراحة التعاون مع من يسمونه مبتدعا ويعتذرون له ويدافعون عنه في الوقت الذي يفترسون بأهوائهم من لم يبدر منه ما بدر من الأول من الخيانة !!!.
وترى الهوى يدفع على خفض من لا يعلم عليه مأخذ ولا مغمز لأنه لا يمكن أن يطأطأ الرأس لجريمة اجتماعهم في أهواء الظلام !
فالخفض والرفع والقرب والبعد لا تفرضه عليهم سنة نقية ولا فطرة سوية إنما غطرسة وعنجهية يفرضها عليهم سلطان الهوى وحده !.
فإذا رأيت مساراتهم، وما يتفقون عليه ويفترقون فيه ثم ترجع إلى بحبوحة السنة والنور الذي أنزله الله؛ تجد صورة أهل الأهواء الباطنة والعملية واحدة وإن تعددت بهم المذاهب وتفرقت بهم الأقوال !
لكن الستار الذي يتخذه أهلُ الأهواء من مشابهة الحق والقرب منه يوجب من اللبس على عموم المسلمين ما يمكن لهذه الأهواء أن تقوى وتبقى !
فما بالك إذا كان هذا الستر السنة ودعوى إظهار النصر لأصولها؛ فهذا الكنف يعطيهم فسحة عظيمة في التحرك والتلبيس، إلا أن أهواءهم بفضل الله مكشوفة كالشمس لذوي البصائر وعارية عن لبوس التلبيس والحيلة عند أهل السنة المحضة بفضل الله وكرمه وإحسانه !.
إن اجتماع أهل الأهواء على صورة واحدة في عمومها يدل على عظمة الرب -عز وجل- وكامل حكمته في التخلية بينهم وبين أهوائهم حتى تقع الطيور على أشكالها !.
وطال الزمن أو قصر ،عظم كيد أهل الأهواء أو ضعف؛ فالله فاضح كل ذي هوى وقاطع عليه طريق متاجرته فيبور في ثوب الذل والمهانة {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَٰئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ . كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي ۚ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ}.
بقلم الشيخ أحمد السبيعي
17 صفر 1438 هـ
17 / 11 / 2016