لغتنا العربية !
لغتنا العربية !
الله عز وجل بكرمه وفضله وإحسانه وحكمته جعل للغتنا العربية مزية وفضلًا وتخليدًا وذكرًا بما لم تنله لغة أخرى ، ولن تناله لغة أخرى .
ويكفي أن تعلم أنه شرَّفها سبحانه بأن تكلَّم بها ، ليس فقط تشريفها بالتكلُّم بها بل تشريفها بالتكلُّم بها بدينه الذي ارتضاه لعباده ، ووحيه الذي أنزله على رسوله .
فالقرآن كرامة الله الكبرى على البشرية ، ونعمته العظمى على الأمة الإسلامية ، وتزكيته القاطعة للغة العربية .
فمن آمن بالله وبالإسلام فسيُحب العربية ؛ لأن كلام الله بها وكلام نبيه بها .
ولست هنا بصدد الاستطراد في البحوث المعتادة عن العربية ؛ في أحكامها ، أو قوانينها ، أو مزاياها . فقد قُتلت هذه البحوث بلغة إنشائية لم تُقنِع بالعربية ولم تساعد على حفظها !
عشاق العربية كثر لسبب أو لآخر ، إلا أن الكثير من عشاقها يغرمون بها غرام الهوايات التي يتسلَّى بها الإنسان في محراب التلذذ بفضول الحياة !
وليست العربية - فيما يجب ويفترض ويحسن - حرفة صناعة ولا آلة تسلية .
بل هي لغة الإنسان الواضح ، الذي يتديَّن بمدلول هذه اللغة الكاملة الشاملة الجميلة .
فيجب أن نتعقَّل وظيفة لغتنا العربية وهدفنا من ورائها ، حتى تكون مفتاحًا لنا للفهم والتذوُّق والعيش مع أعظم الألفاظ والمعاني ؛ كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
هذه الغاية والوسيلة والسبب والتعامل مع الوحي ينبغي أن لا نكون غافلين عنها ؛ لأن إدراكها على الحقيقة هو الذي سيفتح أمام قلوبنا وعقولنا نور الحق ، ويجعل ألسنتنا تتذلل بالوحي وأرواحنا تصطبغ بالدِّين ، فنستطيع أن نلتذ ونتذوق وننتفع .
أما أن نتعامل مع لغتنا كأنها علم جامد مفروض لا بد أن نكد في تذليله ، على نحوٍ كريهٍ يُفرض على الناشئة فرض العلوم المركبة ، التي تجعلهم يستشعرون العربية لغة تاريخية بعيدة عن الحياة لا جدوى منها ، إلا أنها مفروضة كرهًا على أبنائنا ! فهذه جناية لا تستحقها العربية الحلوة الواضحة التي اصطفاها الله .
وبإزاء هذه النعرة الاصطلاحية ينطلق أقوام بعباءات التاريخ البالية وبعبارات التقعير العالية ؛ ليصنعوا في فَلَك اللغة لأنفسهم معارج عليها يظهرون !
وعودة حميدة إلى منبع العربية في مهدها ، حين كان يتكلم بها العرب المستعربة بأعلى درجات الفصاحة وقوة التعبير ، في الوقت الذي هم أمة أمية يندر فيهم الكاتب ، وتشح فيهم الصناعة ، ويقل فيهم كل سبب في الحضارة ، أو رسومًا في التصاوير والفنون ، بل حتى الأصنام التي جلبها عمرو بن لحي الخُزاعي من ساحل جدة نبشها من إرث أقوام سحيقة !
في هذه البيئة الجافة الحارة الصحراوية التي لم تتميز بعمران ولم تدَّهن بإنسان سمقت لغة الضاد في أقصى درجات البيان الواضح ، الذي يرتبط بوصف حياةٍ ناشزة الشخوص ظاهرة الأشياء ، فاستطاعت في قاحلٍ من الحياة وبُعدٍ عن أسباب العلم أن تنساب تراكيبها بقوة من غير قسوة وأن تفيض بالمشاعر ، كأن أوصافها حياة ناطقة في قمة البيانية عند سافل الجاهلية ، ليلتقي بيان الأرض والبشر مع تنزيل الوحي من مقتدر ، لتذعن العرب في أوج فصاحتها لهذا الكلام النازل بالوحي من السماء !
هكذا ينبغي أن نفهم العربية ونتعلمها .
هكذا ينبغي أن نعلم العربية في حقيقة ارتباطها .
ولا يمنع ديننا ولم تمنع عربيتنا أن نتعلم ألسنة نحتاج إليها في معيشتنا وصالح دنيانا .
ألم يأمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم زيدًا أن يتعلم السريانية ، فتعلمها في خمس عشرة يومًا ؟
إن العربية ليست عسيرة وليست يسيرة ، لكن المتديِّن بتعلمها والراغب لفهم كلام الله بها على طرازها الأوَّل سيُفتح له فيها - كما يُفتح في الدين - ذوق وعقل يقربه بإذن الله من أنفاسها ونفيسها ، ليقرب من الوحي وفهمه .
اللهم أكرمنا بالإقبال على كلامك وكلام نبيِّك ، وافتح لنا في العربية ما ننتفع به فهمًا وعلمًا وتعبيرًا يبلغنا رضوانك ، بعيدًا عن عجمة الاصطلاح ، وإحداث المنطق ، وتفلسف الآكلين الدنيا بعربيتنا الجميلة ، آمين .
بقلم الشيخ | أحمد السبيعي
الأربعاء ١١ شوال ١٤٣٨هـ