قصة آدم و إبليس - الدرس السادس عشر


التصنيفات
الشيخ: 
القسم العلمي: 
القسم العلمي: 
الشيطان و تبديل فطرة الإنسان وتحريف الدين - قصة آدم و أبليس (الدرس السادس عشر) - الشيخ أحمد السبيعي 11 /4 / 1435 الموافق 11 / 2/ 2014
  • الشيخ: الشيخ أحمد السبيعي
  • العنوان: قصة آدم و إبليس - الدرس السادس عشر
  • الألبوم: قصة آدم و إبليس
  • التتبع: 16
  • المدة: 54:01 دقائق (‏12.37 م.بايت)
  • التنسيق: MP3 Mono 22kHz 32Kbps (CBR)
التفريغ

الشيخ: حتى نصل ما بين أيدينا بما سبق لأننا تعرضنا أو تطرقنا لآيتين من كتاب الله- جلَّ وعلا- وحصل شرحُهما  وهما قول الله- جلَّ وعلا-: {فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ}[الأعراف 16 ] الآية، والآية الأخرى هي قول الله –جلّ وعلا-:{وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ } [الأنعام 119 ]الآية، وحصل الكلام بما فيهما بنحوٍ من التفصيل فيما سبق، وخلاصة الآيتين أو خلاصة، لا أقول خلاصة كل معنى الآيتين ولكن خُلاصة ما يحسن أن يُفهم من عمل الشيطان الذي يُرادُ اتقاء شرّه، أن الشيطان يهدف إلى شيئين:

الأمر الأول: يهدفُ إلى تغيير الفطرة، والفطرة هي ما خلق الله- جلَّ وعلا- عليه العباد في أصل خلقتهم، اللهُ جلَّ وعلا- حين خلق عباده- تبارك وتعالى- فإنه خلقهم على الفطرة، فالفطرة تتضمن العلم بالحق والإرادة له، ولكن علمٌ مُجمل، ليس علمًا، ليس العلم المُفصَل الذي يُحتاج إليه في تحقيق الإيمان، لا، فيها إرادة معرفة الله بربوبيته، فيها محبة الله والقصد إليه، فيها السلامة ((خلقتُ عبادي حُنفاء )) يقول اللهُ – جلَّ وعلا- ((فاجتالتْهم الشياطينُ)) فهذا بحث الفطرة، إذًا فالفطرة الله- جلَّ وعلا- خلق عباده على الفطرة، يأتي الأنبياء- عليهم الصلاة والسلام- يجعلون هذه الفطرة مُستقرة كما هي، يعني يمنعون من تحويلها ويسعون في تكميلها، بما تكمُل؟ بالإيمان والعمل الصالح، الشيطان يصنع الضد من ذلك، الشيطان يصنع الضد من مثل هذا الأمر، فعمله منحصر في أنه يُغيّر هذه الفطرة، يفسدها، وكذلك مع إفساده للفطرة يعني يقوم أيضًا بتبديل الدين، يُفسِد الفِطرة ويُبدّل الدين، كيف يُفسِد الفطرة؟ بالشهوات وبأمره بالأوامر التي فيها تغيير الخلق ولذلك الآيات الجامعة في هذا الباب تأتي فيها معنين، فيها معنى المنع من تغيير خلق الله- جلَّ وعلا- وفيها أيضًا المنع من تغيير دين الله- تبارك وتعالى- أما الشيطان فيُغيّر خلق الله، فيأمر ببتك آذان الأنعام ((وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّـهِ)) ﴿النساء: ١١٩﴾أما الأنبياء فيمنعون من ذلك، يمنعون من تغير خلق الله- عزَّ وجل- إنما يُحسّنون خلق الله بالشرائع، كجزّ الشوارب وإعفاء اللحى، فهنا أمر شرعي من أجل مصلحة الإنسان وفائدته وطهارته وتكميله، هذا ليس فيه تغيير، لأنَّ الله- جلَّ وعلا- من رحمته أن خلق الإنسان بل حتى البهائم العجماوات إذا جيء بهن ووضعن في أماكن مغلقة لأوقات متطاولة تطول أظلافهن ونحو  ذلك مما يُعلم من ذوات الأربع كالخيل والأنعام مما يحتاج معه إلى تقليم، فهذا من خلقة الله- جلَّ وعلا- الكاملة أنَّ هذه الأشياء تطول فتُهَذّبُ وتُشَذّبُ بما فيه مصلحة الإنسان وهذا نوعٌ من الحكمة من الله- جلَّ وعلا- وأيضًا فيه نوعٌ من الابتلاء للإنسان بالتكليف والأمر والنهي ولذلك الله- جلَّ وعلا- ابتلى إبراهيم- عليه الصلاة والسلام- بكلمات فأتمهن، كان من هذه الكلمات، أن ابتلاه بأن يُطهِرَ نفسه، أي أن يُزيل الغلفة الموجودة على ذكرهِ مما توجد في أصل الخلقة؛ لأن هذا من الأشياء التي جاءت الشريعة بها، فهذا من الامتحان للإنسان حتى يُبتلى طاعته لله - جلّ وعلا - وكل ما يأمر به الإنسان مما فيه طاعة الله - جلّ وعلا - ففيه مصلحته، فالمصلحة والمفسدة المصلحة والمفسدة، المصلحة ما أمر به الشرع، والمفسدة ما نهى عنه الشرع، فكل ما أمر به الشرع فيه مصلحة وكل ما نهى عنه الشرع فيه مفسدة، فالمصلحة والمفسدة الشرعية، وكنت أود لو أن أخينا الذي سأل عن هذه المسألة يكون موجودًا لكن أقول فالمصلحة والمفسدة الشرعية هي ليست أمر من الأحاجي أو أمر من التكهنات أو أمر عقلي، لا هو ما بُعث به النبي - صلى الله عليه وسلم - مُتضمن المصلحة والمفسدة لكن حِكَم هذه المصالح والمفاسد هي التي يتفاوت في علمها أهل العلم عن غيرهم فكل ما أمر به الله - جلّ وعلا - فهذا متضمن لمصلحة، الله لا يأمر بشيء ليس فيه مصلحة ولا ينهى عن شيء إلا وفيه مفسدة، لكن الفارق ولذلك كل الناس يقومون بأعمال ويتركون أشياء رجاء هذه المصلحة ورجاء أن يمنعوا أنفسهم الوقوع في شيء من المفاسد، الفارق أن المؤمن يأخذ المصالح والمفاسد من جهة الوحي، الكافر يأخذها من عقله يأخذها من تبديل الشيطان لدينه أو من اتباع الهوى، إذًا فعمل الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - هو الإيمان والعمل الصالح، الإيمان والعمل الصالح، لكن الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - يأتون بالإيمان والعمل الصالح المقيد بالوحي، لأنه لا يُعبد الله - جل وعلا - إلا بما شرع، لا يُعبد الله - جل وعلا - إلا بما شرع، إذًا أنا عندي إيمان وعندي عمل صالح لكن هذا الإيمان وهذا العمل الصالح يؤخذ من الوحي يؤخذ من كتاب الله ومن سنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ما يؤخذ من أي مصدرٍ آخر، أما الشيطان فهو يوقع الناس في الشهوات وفي المعاصي ثم يقودهم إلى الشق الآخر وهو تبديل الدين، فبالشهوات والمعاصي والاستمرار عليها تُبدل فطرة الله - تبارك وتعالى - وتُبدل إلى الدرجة التي لا تدور بالخلد حتى قد يستقبح الحسن المشروع ويحب الأمر القبيح الممنوع، تفسد فطرته، فيرى الحسن قبيحًا ويرى القبيح حسنًا، ويُزَيّن له ذلك فيظن أن القبيح الذي هو عليه حسن كما قال الله - جلّ وعلا -: { أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا ۖ فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ ۖ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ }[فاطر:8] إذًا فالخُلاصة أن عمل الشيطان هو إفساد الفطرة بالمعاصي وبالشرك وبالذنوب وتحويل وتبديل الدين، تبديل الدين وتغييره، الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - بُعثوا بالإيمان والعمل الصالح وبتثبيت الدين كما هو والحفاظ عليه، الحفاظ عليه كما هو لأن الله - جل وعلا - لا يريد منك أن تحبه فقط ثم تزعم أنك بقصدك الحسن إليه تفعل كذا وكذا، لا الله - عز وجل - يريد منك العبودية التامة في من أول الأمر إلى آخره، { لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ}[آل عمران:128]  هذا الخطاب لمن ؟ للنبي - صلى الله عليه وسلم - الله - جلّ وعلا - يخاطب نبيه -صلى الله عليه وسلم - حين دعا على أعيانٍ من المشركين دعاءً معينًا فأنزل الله - جلّ وعلا - له مُذكّرًا إياه بحقيقة كلية عامة عظيمة وهو أن هذا الأمر الذي هو الهداية والإضلال ونحو ذلك هذا إلى الله - عزّ وجل - وليس لأحد، ((لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ)) ﴿آل عمران: ١٢٨﴾ ولذلك لما أنزل الله -جلّ وعلا- ﴿ لَّوْلَا كِتَابٌ مِّنَ اللَّـهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [سورة الأنفال:68 ] في الغنائم لما سارع النبي - صلى الله عليه وسلم- إلى أخذ الغنائم في مقابل الأُسارى فأرجع أُسارى المشركين إلى أقوامهم في مقابل الغنيمة، في مقابل يعني ما يؤخذ في مقابل ذلك فأنزل الله -جلّ وعلا- أنه{مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ ۚ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّـهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ۗ وَاللَّـهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴿٦٧﴾}[سورة الأنفال:67 ] يعني الآن ليس هذا وقت أن يُفدى الأُسارى الإسلام في أوله يحتاج إلى أن يُثبت أنه دينٌ قوي وأن أصحابه على ثقة فيه، فهذا معنى مهم لأهل الإيمان لابُدّ أن يكون واضحًا وأن يكون ظاهرًا حتى يهابهم الكفار وحتى يظهر عزتهم في دينهم كيف يظهر معنى قول الله -جلّ وعلا- {وَلِلَّـهِ الْعِزَّةُ  وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [المنافقون:8]  ولذلك كان النبي - صلى الله عليه وسلم- لما جاء إلى مكة وهو - صلى الله عليه وسلم- في أول عمرة له وكان أصحابه قد هزلوا وقد تعبوا بعد نصب السفر وما أشبه ذلك فكان يأمرهم - صلى الله عليه وسلم- بالرمل وهو شبه إسراع تقارب الخطى مع شيء من الوثب إذا صح التعبير، أن يظهروا حتى يُظهروا للمشركين القوة وذلك أن المشركين قالوا أنهم قد وهنتهم حمى يثرب، أنهم عاشوا في يثرب كما يسميها المشركين التي هي المدينة فقالوا أنهم قد أصابهم الوهن يعني ليس فيهم فكانوا كان النبي - صلى الله عليه وسلم- يحثهم على الرمل حتى يظهروا للمشركين قوتهم، كذلك قول الله -جلّ وعلا- {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ}[سورة الأنفال:67 ] الآن وقت أن يُعدم هؤلاء الأُسارى حتى يبين أن مراد  المؤمنين هو الله وما عند الله وأنه لا يهمهم متاع الحياة الدنيا وأنهم في عزة ما داموا محكّمين لشريعة الله وأنهم لا يريدون من عرض الدنيا شيئًا، وهذا أمر عند الأنبياء جميعًا -عليهم الصلاة والسلام- أعني إيثار الآخرة على الدنيا، ولذلك قال سليمان -عليه الصلاة والسلام-: ((قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّـهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ)) ﴿النمل: ٣٦﴾ هذا من المعاني المهمة التي تأتي النصوص وتأتي الأدلة لتثبيتها، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر أخذتهم الرحمة بهؤلاء المشركين، رحمة المشفق لا رحمة المخل بالبراءة من المشركين، إنما رحمة طبعيه لابُدّ فيها في الإنسان السوي، لأن الإنسان السوي فيه مشاعر طبعيه، هذه الشريعة لا تأتي لتغييرها إنما تأتي لتنظيمها، وتأتي تضعها فتضع الحب في الله والبغض في الله شيء، وكونك بعد ذلك تميل إلى أمك المشركة وتحب لو أنها اهتدت وتحب أن تحسن إليها فهذا لا تمنع الشريعة منه أبدًا، ولذلك لما جاءت أم أسماء المشركة إلى المدينة فزارت بنتها أسماء وكانت أسماء بريئة من المشركين في اعتقادها، وأمها بين كونها أمها ووشيجة العاطفة الطبعية وبين كونها مشركة يقتضي الإيمان النفرة منها والبغض منها في الله، فصار عندها نوع إشكال، فاستأذنت النبي -صلى الله عليه وسلم- وسألته عن حكم زيارة أمها المشركة لها فأذن لها النبي -صلى الله عليه وسلم- فبيّن لها أن الحكم الشرعي إن هذه الصلة بأمك وأرحامك المشركين الكافرين لا يمنع منها الشرع، فالشرع لا يمتحن ما خلق الله -عز وجل- عليه الناس بفطرتهم، وهذا من كمال هذا الدين، لكنها لما دخلت عليها فأرادت أن تجلس على فراش رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هنا أخذها دافع الإيمان فجذبت الثوب حتى لا تجلس على طرف فراش النبي -صلى الله عليه وسلم- إذاً فهي أكرمت أمها واستقبلتها ووصلت رحمها دون أن تخل بالبراءة من الشرك ومن أهل الشرك.

أما ما يصنعه هؤلاء اليوم الناس ممن يسمى يعني بالإسلاميين على مختلف فصائلهم سواء كان منهم أهل الإفراط أو التفريط من المعاملات البشعة التي لا تتخرج  لا على أحكام الشريعة ولا على الطبائع السوية التي فطر الله الناس عليها إنما تتخرج على الشذوذات وتتخرج على الأمراض وتتخرج على تحويل وتغيير الشيطان، من مثل ما ترى من أنواع قتلهم وطريقة قتلهم وتلذذهم بالقتل بطريقة دون أن يعطوا لهذا الكافر لو فُرِض أنه كافر ومستحقٌ لأن يقتل، فإنه لابُدّ أن يُمهل حتى يُتثبت أولًا هل هو علوي أو ليس بعلوي مثل ما يعني نراه فيما يتناقل أحيانًا من الأشياء ممن أقصد يقبضون في أماكن بعيدة عن مواضع القتال، يعني يقطعون هؤلاء طرق، ويقطعونها لوقت قصير ثم يصيرون إلى تفتيش الناس عشوائيًا ثم بعد ذلك يقتلون من يقتلون ثم  هم يهربون لأنهم  هم مطاردون ليس عندهم شوكة ولا قوة على هذا القتال الذي يوهمون الجهال من المسلمين أنهم  في قدرته وأنهم قادرين عليه، فالمقصود أن النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – وأبو بكر فدوا هؤلاء الأُسارى،  فأنزل الله – جلّ وعلا – العتاب وبيان الحكم الصحيح المستمر أنه في حال بداية الدين والإيمان فإنه ينبغي مراعاة إظهار القوة وإظهار عزة الدين،  فدخل عمر – رضي الله عنه وأرضاه – على أبي بكر والنبي – صلى الله عليه وسلم - وهما يبكيان فقال:  ما يبكيكما؟ إلى آخر يعني القصة أو آخر الحديث عن النبي – صلى الله عليه وسلم – وأنا سقته يعني استشهادًا من أجل بيان أن الأحكام الشرعية أحكام عادلة، مليئة بالحكمة مليئة بالمصالح، لكن العبد إما لنقص علمه وإما لغير ذلك قد لا يدرك ما في الحكم المعين من المصلحة، فأنت قد كُفيت المؤنة بفضل الله – تبارك وتعالى -   في معرفة المصلحة من المفسدة،  فكل ما أُمرت به فهو مصلحة وكل ما نُهيت عنه فهو مفسدة، ولذلك فنحن حين نقول إن المسائل ينبغي أن يُرجع فيها إلى العلماء، أعني مسائل النوازل أو المسائل التي يعم البلوى بها أو المسائل التي هي من الأمن أو الخوف عملًا بقول  الله – جل وعلا – ((وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ۖ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ۗ)) [ النساء :83] وعملاً أيضاً بهدي سلفنا الصالح من الصحابة – رضوان الله عليهم – ومن تبعهم بإحسان فإنهم كانوا دائمًا يُحيلون إلى من هو أعلم هذا هديهم، فنحن حين نُحيل إلى العلماء في المسائل النوازل أو المسائل المدلهمة أو المسائل التي تعم بها البلوى أو المسائل التي من هذا النوع فليس معنى هذا أن هذا نوع من التقليد أو أن هذا نوع من إلغاء العقول أو أنه لا يمكن أن المسلم يدرك المصلحة من المفسدة تمامًا، لكن هذا نوعٌ إذا صح التعبير من التأديب والترتيب الذي درج عليه سلفنا الصالح حتى تجتمع الكلمة أولًا، فإذا سكت من لا يعلم قلّ الخلاف، كذلك حتى يتكلم في هذه المسائل أهل العلم الراسخين ليس عموم أهل العلم، ولذلك كان عمر -رضي الله عنه وأرضاه- إذا وقعت المسائل لِمَ لا يبتدر وهو عمر الملهم المحدّث -رضي الله عنه وأرضاه- ما كان يبتدر إلى المسائل ابتدارًا إنما كان يجمع لها الناس -رضي الله عنه وأرضاه- وهو عمر لماذا؟ لأن أيضًا يعني حتى تنضبط الأمور وحتى يصبح في هدي وحتى لا يتعوّد الطلاب الجرأة القبيحة وحتى لا يكون ثَم احتمال لحصول خطأ؛ لأن الخطأ كما لعله سيأتي معنا، الخطأ هو من الشيطان، فالأقوال الباطلة هي من الشيطان، نعم قد يُغتفر الخطأ لأسباب، لكن الخطأ نفسه هذا ينبغي أن لا يوقع في الخطأ ولذلك تجد العلماء الذين هم العلماء إذا عُدّت أخطائهم عُدّت عدا، ولذلك قيل مثلًا في أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- أنه لم ينقل عنه خطأ، ولذلك عقد الإمام ابن عبد البر -رحمه الله تعالى- في الجامع بابًا بيّن فيه أن خطأ أهل العلم كما نقول في هذا الزمن خطأ نسبي يتكلم في مائتين، ثلاثمائة مسألة، يخُطأ في ثلاث في أربع، يُخطأ يعني في خطأ كلٌ يؤخذ من قوله ويترك إلا النبي -صلى الله عليه وسلم- لكن صوابهم، أهل العلم صوابهم أكثر من خطأهم بمراحل وإلا كيف يكونون أهل علم؟! فما هو سبب إصابتهم  الصواب ونطقهم بالحق؟ المسألة ماهي مسألة صعبة لأنهم ينقلون عن العلماء السابقين لهم  يعني هذا السبب، إياك أن تقول في مسألة ليس لك فيها إمام كما يقول الإمام أحمد، لأنهم لما تنزل مسألة ما يعولون على رأيهم ولا عقلهم، ينظرون ماذا قال العلماء من قبلهم؟ فهم ناقلين إلا أن تأتي مسألة معينة يعني تكون يعني فيها نوع من الاجتهاد فهنا تجدهم يقولون كما كان يقول سلفهم من الصحابة، اجتهد رأي ولا آلو، ومع هذا كانوا في هذا النوع من المسائل التي يتكلمون فيها كانوا يقولون: "إني أرى الرأي اليوم وأرجع عنه غدًا، فلا تكتب عني كل ما تسمع" هكذا كان يقول الأئمة أبو حنيفة -رحمه الله- وغيره، إذًا فالشيطان يريد من الناس ماذا؟ القول على الله بغير علم، فإذا قالوا على الله بغير علم وتكرر منهم القول على الله بغير علم تعارضت أقوالهم، فاذا تعارضت الأقوال يحتاج هنا أن يُلفق بين هذه الأقوال المتعارضة فماذا يصنع؟ سيُحدث شيئًا حتى يكون أقواله في نظام واحد، فيُحدث البدعة التي فيها تغيير الدين، فالشيطان يريد من الناس الوقوع في المعاصي والشرك والشهوات، ويريد منهم أن يبدّلوا الدين، بينما الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- جاءوا بالإيمان والعمل الصالح، فالإمام -رحمه الله تعالى- في هذه القصة هنا عقد هذا الكلام من أجل أن يبيّن لنا شيئًا يتعلق بالشيطان فما دام أن القصة بين آدم -عليه الصلاة والسلام- وإبليس إذًا فإبليس هذا نعوذ بالله من همزات ونزغات الشياطين ، فإبليس هذا ما الذي يمكن أن يلحقنا من الضرر من جهته؟ فهذا من العلم  الذي بُعث به النبي -صلى الله عليه وسلم- فبيّن هنا الشيخ الإمام بيّن عداوة الشيطان هذا رقم 1 ثم بيّن شدة عداوة الشيطان هذا رقم 2 ثم رقم3 لخص شيئًا مما يتعلق بطرق الشيطان في الإضرار بالإنسان، فنقرأ ونكمل إن شاء الله.

 من عداوة الشيطان ومعرفة العداوة، لأن نحن شرحنا وما قرأنا، ومنها معرفة العداوة التي بين آدم وذريته وبين إبليس وذرية.

المتن:بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على رسوله وآله وسلم

 قال الإمام محمد بن عبد الوهاب –رحمه الله تعالى-:

ومنها معرفةُ العداوةُ التي بين آدم وذُريته وبين إبليس وذُريته وإنَّ هذا سببُها لما طُرِدَ عدو الله ولُعن بسبب آدم لـمَّا لم يخضع وهذه المعرفة مما يغرسُ في القلب محبَّة الرب –جلَّ جلاله- ويدعوه إلى طاعته وإلى شدَّة مخالفة الشيطان لأنَّه سبحانه ما طرد إبليس ولعنَّه وجعله بهذه المنزلة الوضيعة بعد تلك المنزلة الرفيعة إلا لأنَّه لم يخضع بالسجود لأبينا آدم، فليس من الإنصاف والعدل موالاته وعصيان الـمُنعم –جلَّ جلاله- كما ذكر هذه الفائدة بقوله : ﴿ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا﴾ [الكهف: ٥٠]

الشرح: يعني أنَّ هناك تشريف حصل لآدم –عليه الصلاة والسلام- في هذا المقام،حيثُ يؤمر الملائكة ومن جُملتهم إبليس الذي ارتقى في مصافهم كما تقدَّم إلى أن يؤمر بالسجود لآدم فهذا تشريفٌ وتكريمٌ لآدم –عليه الصلاة والسلام- فلمَّا امتنع من هذا التشريف وهذا التَّكريم لعنَّه الله-جلَّ وعلا- فهنا هذا يقتضي معرفة فضل الله-تبارك وتعالى- وعظيم نعمته على هذا النوع الذي هو الآدميين وأنَّ الله –جلَّ وعلا- قد فضلهم على كثيرٍ ممن خلق تفضيلاً وكما قال الله –عزَّ وجل- : ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ﴾ [الإسراء: ٧٠] .

فالله-جلَّ وعلا- كرَّم بني آدم وفضلهم فهذا الإكرام يقتضي معرفة الله –عزَّ وجل – وحُبُّهُ وشُكرُه –تبارك وتعالى- على ما أنعم به على هذا النوع.

المتن: ومنها معرفةُ شدَّة عداوة عدو الله لنا وحرصه على إغوائنا بكل طريق فيعتد المؤمن لهذا الحرب عُدَّته ويعلم قوة عدوه وضعفه عن محاربته إلا بمعونة الله، كما قال قتادة: "إنَّ عدوًا يرانا هو وقبيله من حيثُ لا نراهم إنَّه لشديد المؤونة إلا من عصمه الله " وقد ذكر الله عداوته في القرآن في غير موضع وأمرنا باتخاذه عدوًا.

الشرح: يعني منها قوله تعالى: ((إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا)) ﴿فاطر: ٦﴾

وذلك أنَّ الشيطان ليس من نوع الإنسان فنوع الإنسان هو من نوع الإنسان من الممكن اتخاذ الحيلة والتدبير إذا عاداك إنسانًا، لكنَّ الشيطان هو من نوعٍ آخر لا يوجد بينه وبينك شيء تستطيع حياله إلا الاستعاذة بالله –تبارك وتعالى- والرجوع إلى طاعة الله-عزَّ وجل-  فهو نوعٌ آخر وجنسٌ آخر وقد أوتي من الأسباب ما يمكنه من القيام بالشر لكن مع هذا إذا استعاذ العبد بربه –تبارك وتعالى- استعاذةً صادقة ولكنَّ المهم في موضوع الاستعاذة وطلبُ كفاية شر الشيطان مما قد يُغفلُ عنه كثيرًا في الحقيقة أنَّ القضية ليست أن يقول أعوذ بالله من الشيطان فقط لابد أن يسلك هو من الأسباب المشروعة من الإيمان والعمل الصالح ومن الإيمان والعمل الصالح كما سبق وذكرنا على السُّنة وعلى المشروع حتى يكون في وقاية من شر الشيطان من شر وسوسته العارضة ومن شر أثره المستديم،  من شر وسوسته العارضة التي تعرض ولابُدّ أن تعرض لكل يعني حتى المؤمنين إذا رأى الشيطان فرصة فإنه يوسوس لهم ﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ ﴾[الأعراف: ٢٠١] إذًا فالغفلات العارضة هذا شيء يوسوس الشيطان ولكن هناك أسباب تجعل الإنسان يقعُ فريسةً لـمُراد الشيطان من حيث أنه يُخل بالإيمان والعمل الصالح فيكونُ تسلط الشَّيطان عليه أكثر، لأنَّ بعض الناس، يعني بيان ذلك يعني أن عندك أنت إيمان وعمل صالح، وأن يكون الإيمان والعمل الصالح على السُنَّة، فإذا كان الإنسان على إيمان وعمل صالح وعلى السُنَّة، ثُمَّ طاف به الشَّيطان، في غفلة، أو في شيء، فهنا لن يستطيع أن ينال منه تغييرًا كبيرا، لا في فطرته، ولا في هُداه، لأنَّ هذا يقتنصُ منه، كما جاء في بعضِ الأحاديث أنه كالذّئب يقتنِصُ الضَّالة من الغنم، يعني بمعنى أنه يسرق سرقة من المؤمن، لحظة غفلة، لحظة شهوة، لحظة غضب، فيدخل عليه، ولكن المؤمن المداوم على الإيمان والعمل الصَّالح والمتحرِّي للحق، فهُوَ محقق لعبودية الله، فإذا استعاذ بالله من الشَّيطان، فهُنا يكون في حَصَانٍ كامِل، لأنَّ ذِكر  الله – عزَّ وجلْ-   يُحصِّنُ من الشَّيطان، أما الإنسان يذكُرُ الله، وأذكار الصَّباح والمساء،  وهو يعصي الله صباح مساء، وفي نفس الوقت قد يطيعُ الله على غير السُنَّة، ولذلك تجدُ كما ذكر أهل العلم، أنَّ كثيرًا من العُصاة، يعني ما معناه، أنَّ كثيرًا من العُصاة أنَّهُم يُبتلون بالبدع، لأنَّهُ يريد أن يطيع اللهَ –جلَّ وعلا- فيما يُكفِّر عن سيئاته، مع إصراره على سيئاته، فلا يوفَّقُ إلى السُنَّة، فحتى يوفَّقَ الإنسان إلى هُدى الله –جلَّ وعلا- وإلى الحق وإلى السُنَّة، فعليه أن يطيع الله، ويطيع رسوله – صلَّى الله عليه وسلَّم- ثم عليه أن يطيع الله ويطيع رسوله – صلى الله عليه وسلَّم- على السُنَّة، ليس على الأهواء ليس على البدع، على السُنَّة، فإذا فعل ذلك واستعاذ بالله من الشَّيطان، فهنا يكون يدخُلُ في الاستثناء الذي ذكره الشَّيطان نفسه، ]إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ [[الإسراء:65] فهُنا يدخُل، لكن إنسان يعصي الله –جلَّ وعلا- أو إنسان يُطيع الله ولا يتحرَّى الحقَّ والسُنَّة، هل يدخُل في مُسمَّى عبادي، عباد الله – جلَّ وعلا-؟ لمَّا قال: ﴿إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ﴾[ الحجر: 40] يعني هو نفسه وصفهم بالوصف التَّام الذي يحصلُ به تحقيق العبودية، يعني ما وصفهم بالعبودية العامة حيث يحتمل المعنى، عبودية التَّسخير، وعبودية الاختيار التي هي عبودية الإيمان والعمل الصالح، لا، نفس الآية فيها وصف هؤلاء، المُستثنين وُصِفوا بأنهم مخلصين، إذًا فإذا قال المسلم: أعوذ بالله من الشَّيطان وهو يعصي الله –جلَّ وعلا- وهو يخالف السُنَّة، هل يكون بأمان من كيد الشَّيطان؟ لا أبدًا، ما يكادُ يغفل عن ذكر الله، إلا وهرع إليه الشَّيطان، أما المؤمن فإنَّ الشَّيطان لا يستطيع أن يهرع إليه كلما غفل عن ذكر الله، لأنه مُنشغل بخيرٍ آخر، أو أنه يكون في حفظ الله وكنفه، ورعايته، وهذا مهم، ((احفَظِ اللهَ يحفَظْك )) المصدر: سنن الترمذي - الجزء أو الصفحة:2516

ولذلك جاء في بعض الأحاديث عن النبي – صلَّى الله عليهِ وسلَّم- قال: ((إنَّ للملَكِ لمَّةٌ بقلبِ ابنِ آدَمَ وللشَّيطانِ لمَّةٌ، فلمَّةُ الملَكِ إيعادٌ بالخيرِ، وتصديقٌ بالحقِّ، ولمَّةُ الشَّيطانِ إيعادٌ بالشَّرِّ، وتَكذيبٌ بالوعدِ)) المصدر: مدارج السالكين - الجزء أو الصفحة:1/112

إذًا فالملائكة تقرُبُ مِن مَن؟ ممن يطيعون الله – جلَّ وعلا-، وتبعُدُ عمَّن يعصونَ الله – جلَّ وعلا- وإذا قرُبت الملائكة كما يقول العامة، خرجَت الشَّياطين، وهذا معنى من حيث العموم فيه درجة من الصِّحة، فالمقصود الذي يكون حافظًا لما أنزل الله تعلمًا وعملاً، وتمسكًا بحسبه، هل يكون هو من يعصي الله – عزَّ وجل – ثم تجده إذا أصبح يحرص تمام الحرص، أين الحصن الحصين؟ فيقرأه، ما شاء الله، وإذا أمسى يحرص يقرأه، لماذا؟ حتى يُحمى من كيد الشَّياطين، إذا كُنت تريد أن تُحمى من كيد الشَّياطين، يخشى مع الأسف تجد أن هذه الخشية والخوف من كيد الشَّياطين تنصبُّ على ماذا؟ على الخوف من السحر، أو العين أو الجن أو نحو ذلك، إذًا فأيضًا هذا الخوف ليس خوفًا مُحقَّقًا من الله –جلَّ وعلا-، وليس إرادةً لتحقيق الإيمان كما يحب الله – عزَّ وجل-.

فإذًا حين تَهرع في صبيحتك أو مساءك إلى الحصن الحصين تقرأه، ثم إذا جاء وقت الصلاة وناد المنادي: الله أكبر، الله أكبر، تجد نفسك تتثاقل! فأين خوفك من الشيطان؟ وحرصك؟

أنت استجبت للشيطان فكيف تريد أن الأذكار تنفعك بإذن الله -تبارك وتعالى-وأنت لم تأت بما أمرك الله – عزَّ وجل – به مما هو واجبٌ عليك؟

يعني المسلم اليوم مثلًا الأذكار أذكار الله – سبحانه وتعالى- ذكر الله– عزَّ وجل- أكثر أهل العلم- سبحان الله- على أن يعني أكثر الأذكار إنما هي مستحبة، لو أن مسلمًا استيقظ من نومه، ثم صلى الصبح في جماعة، ثم نام أو خرج إلى عمله أو غير ذلك، ولم يذكر الله، يأثم؟

عند عامة العلماء أنه لا يأثم، لأن ذكر الله –جلّ وعلا– منه شيء واجب وهو أذكار الصلوات الواجبة، ومثل الذكر الذي يكون عند الطعام، فهذا واجب، لكن سائر الأذكار مستحبة، طبعًا هذا ما يعني التزهيد فيها أو التقليل من شأنها لكن المقصود بيان الأحكام كما هي، ولا يعني هذا أنَّ الإنسان يتقللُ من الخير، لا الإنسان يستكثر من الخير لكن يستكثر من الخير على بصيرة على السُنة، ما يستكثر من الخير على غير بصيرة، وعلى غير سُنّة، فإنَّ هذا قد تكون في بعض الأحيان مضرته أكثر من منفعته، فأقول أكثر الأذكار عند أهل العلم أنها على الاستحباب بل حتى بعض الأحاديث التي ظاهرها وجوب بعض الأذكار مثل مثلًا قول النبي- صلى الله عليهِ وسلم- يعني ((ما جَلسَ قومٌ مجلِسًا لم يذكُروا اللهَ فيهِ ولم يُصلُّوا على نبيِّهم إلَّا كان عليهم تِرةٌ ...)) المصدر: سنن الترمذي- الجزء أو الصفحة:3380  أو بعض الألفاظ، "قاموا على مثل جيفة حمار" حديث له ألفاظ، لكن بعض ألفاظه ثابت عن النبي- صلى الله عليه وسلم- يقينًا لكني لا استحضره، يعني الآن تمام لفظه ولكن المقصود، هذا الحديث فيه أنه ما جلس قومٌ  مجلسًا نكرة أيُّ مجلس لم يذكروا الله أو يصلوا عليه إلا كان عليهم هذا الوعيد ظاهره ماذا؟ أنهم يأثمون،  أكثر أهل العلم على أنهم لا يأثمون، لكن بعض علماء السُنة يذهبوا إلى أنه لا بُدَّ من أدنى ذكر لله-جلَّ وعلا- في عموم المجالس أخذًا بظاهر هذا الحديث كما عليه الإمام الألباني- رحمه الله تعالى- فالمقصود نفرض أن مؤمن أو مسلم يقوم بالواجبات وغير ذلك ثم هو قد لا يكون عنده الوقت لأن يقرأ الحصن الحصين وأنا أقول الحصن الحصين لأنه ما شاء الله يحرص الناس عليه حتى يقوا أنفسهم شرورًا في الدنيا ولا يحرصوا على طاعة الله -عزَّ وجل- الواجبة التي فيها وقاية الشر الأكبر، الشر الأكبر هو عذاب الله- جلَّ وعلا- الشر الأكبر هو عذاب الله- عزَّ وجل- يوم القيامة، هذا هو الشر الذي من وقيه فقد وقي كل شر ومن ناله فكما قال –صلى الله عليه وآله وسلم- في بعض الأحاديث الصحيحة، في الصحيح قال –صلى الله عليه وسلم-: ((يؤتَى يومَ القيامةِ بأنعَمِ أَهْلِ الدُّنيا منَ الكفَّارِ ، فيُقالُ: اغمِسوهُ في النَّارِ غَمسةً، فيُغمَسُ فيها، ثمَّ يقالُ لَهُ: أي فلانُ هل أصابَكَ نعيمٌ قطُّ؟ فيقولُ: لا، ما أصابَني نعيمٌ قطُّ، ويؤتَى بأشدِّ المؤمنينَ ضرًّا، وبلاءً، يعني في أحوالهم الدنيوية من شقاء وبلاء ومصائب من أهل الجنة، فيقالُ: اغمِسوهُ غمسةً في الجنَّةِ، فيُغمَسُ فيها غمسةً، فيقالُ لَهُ: أي فلانُ هل أصابَكَ ضرٌّ قطُّ، أو بلاءٌ، فيقولُ: ما أصابَني قطُّ ضرٌّ، ولا بلاءٌ)) المصدر: صحيح ابن ماجه - الجزء أو الصفحة:3506

  إذًا فيا من أنت تريد أن تتحصن بالحصن الحصين أو غيره من هذه الكتب وتحرص عليها ثم لا تحرص على ما يقيك من شر الشيطان وهو طاعة الله، والدخول في ولايته والدخول في محبته، والدخول في تحقيق دينه، فإن هذا هو الباب الذي يُحمى به الإنسان، أولًا من الشيطان ثم تأتي الأذكار بعد ذلك متممة لهذا الفضل  والإحسان، ولا يعني هذا أن من كان عنده ورد يعني يقرأه أو شيء يتحصّن به من شر الشيطان من هذه الأذكار، لا يعني هذا أنني أدعوه إلى أن يتركه إنما أدعوه لتحقيق مقصوده بالدخول طاعة الله -تبارك وتعالى- والدخول في طاعة رسوله -صلى الله عليه وسلم- وأن يقوم بطاعة الله بالواجبات قبل المستحبات وأن يقوم بترك المحرمات قبل أن يترك المكروهات فإن هذا هو الواجب شرعًا فالمقصود أن الشيطان جنس ونوع لا نستطيع أن نتقي شره إلا أن يقينا الله -جلّ وعلا- شره، والله –عز وجل- يقي الإنسان شر الشيطان بعبادته، وعبادته أول ما يراد منها كما سبق في هذا الدرس في الدروس الأُول أن قررنا ونقلنا عن أهل العلم أن القيام بالأوامر هو الذي يُقدّم على ترك النواهي، فإن هذا هو المراد لذاته أما ترك النواهي فلحماية الإيمان وصيانة الإنسان.

المتن: قوله ومنها وهي من أعظمها معرفة الطُرق التي يأتينا منها عدو الله كما ذكر الله تعالى عنه في القصة أنه قال: { لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ } [سورة الأعراف: 17] وإنما تُعرف عظمة هذه الفائدة بمعرفة شيء من معاني هذا الكلام. قال جمهور المفسرين

الشرح: هذا نتركه للأسبوع القادم ولكن ما في بأس أن نتكلم يعني بشيء قد يكون يعني له علاقة، الطرق التي يأتينا منها عدو الله، هناك مسألة مهمة جدًا يعني ينبغي أن تكون واضحة لكل مسلم وهو أن دين الله –جلّ وعلا- والوحي وما بعث به النبي –صلى الله عليه وسلم- فيه أمرين ليس فيه أمر واحد فقط فيه أمرين:

الأمر الأول: الخير والدلالة عليه.

الأمر الثاني: الشر والتحذير منه

وهذا واضح يعني في الأدلة الكثيرة منها مثلًا قول النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث مسلم حديث عبد الله بن عمرو بن العاص يقول النبي –صلى الله عليه وسلم-: ((ما بعثَ اللَّهُ من نبيٍّ إلَّا كانَ حقًّا عليْهِ أن يدلَّ أمَّتَهُ على خيرِ ما يعلمُهُ لَهم وينْهاهُم عن شرِّ ما يعلمُهُ لَهم)) المصدر: مجموع الفتاوى - الجزء أو الصفحة:7/5  

  إذًا فالدلالة على الخير والدلالة على الشر هذه من مهمات من غايات، من مقصود الدين، إذًا فالشر من أين نعلمه؟ نعلمه من الدين، لأن الناس اليوم إذا ذُكر الشر طارت أعينهم وأبصارهم يمينًا وشمالًا بعيدًا عن الدين يريدون أن ينظروا أين الشرور المحيطة بهم، لا أنت قبل لا تنظر في ذلك تعلم الشر الذي حُذّرت منه في كتاب الله وفي سنة النبي –صلى الله عليه وسلم- كما قال الله –جل وعلا-:{وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ }[ الأنعام 55] أو على القراءة الأُخرى {وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلَ الْمُجْرِمِينَ} فعلى الآيتين سواءً كان يعني تستبين (سبيلُ المجرمين) أو (سبيلَ المجرمين) أي أنت- يعني النبي- صلى الله عليه وسلم- يَستبينَ سبيلُ المجرمين فعلى القِراءتين استبانة سُبل الإجرام والمجرمين تؤخذُ بما فصل الله- جلَّ وعلا- في القرآن {وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} { وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلَ الْمُجْرِمِينَ} إذًا بما يُفصِلهُ اللهُ-جلَّ وعلا- في القُرآن يُعلَمُ الشرّ وطُرُقُهُ فيُعلمُ الأعيان الشريرة كالشيطان، الأعيان الشريرة كالشيطان ومن أطاعَ الشيطان من الناس{ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ﴿١﴾ مَلِكِ النَّاسِ ﴿٢﴾ إِلَـهِ النَّاسِ﴿٣﴾ مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ ﴿٤﴾ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ ﴿٥﴾ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ ﴿٦﴾ [الناس] إذًا فالأعيان الشريرة نعلمُها من جهة الشرع، كذلك أوصاف الشرّ نعلمُها من جهة الشرع، كذلك سُبل الأشرار وطُرقهم نعلمها أيضًا من جهة الشرع، لا يبقى في الخارج إلا معرفة الأعيان الشر التي أُخبرنا عنها، إذًا فالمؤمن يعرفُ الشرّ ليتقيه من جهة ماذا؟ من جهة الوحي، فالوحي هو الذي يُعلمُنا ويُفصلُ لنا أنواع الشرور، ومن أعظم البيان الموجود في القُرآن بيان الشرور حتى يتقيها المؤمن، لكن يأتي بيان القرآن للشرور الموجودة عن طريق أوصاف الكفار، وما جرى بينهُم وبين الأنبياء عليهم -الصلاة والسلام- ولذلك من أعظم سُبل الانتفاع بالقرآن أن يُنظر في الأوصاف التي وُصِفَ بها الكُفار، والمعاني التي حصل وعيدهم عليها فمن هنا تعرفُ الشر، ولذلك لما جاء بعض المسلمين وقال هذه الآية مما ذُكِرَ فيها من وصف أو حُكم بالشرع على الكفار، قال هذه في اليهود! فقال عبدالله بن مسعود- رضيَّ اللهُ عنه وأرضاه- (تجعلونَ الحلوةَ لكم والمُرّة لغيرِكُم) فإَّن من أعظم سُبل الانتفاع بالقرآن هو أن يُعرَف معاني الشر وطرقه التي وُصِف به الكفار حتى يتقيها المؤمن وإلا لحُرِمَ المؤمن كثيرًا من مقاصد ومن معاني التي جاء فيها القرآن، وهذه قاعدة، وهذا أصل كبير عظيم مهم، أن الشر الذي يُذكر تنتفع منه كما تنتفع من الخير، فإذا ذُكِرَ الكفار بشيء وعابهم الله- عزَّ وجلّ- عليه انتبه إلى المعنى، لا يعني إن انتباهك لهذا المعنى أنه سيكون حُكم المسلم الذي يقع في بعض هذا المعنى حكم الكافرين! لا، الحُكم شيء آخر، الحُكم هذا يقع على تحقق المعنى التام في الشر الذي وُجِدَ في الكافر، لكن هذا ما يعني أن المؤمن الذي وُجِد فيه من بعض معنى هذا الذي وُجِد في هذا الكافر أنهُ لن يُلام، مثلًا كالكذب، كالإعراض عن الحقّ فهذه أوصاف عاب الله- جلَّ وعلا- عليها المشركين والمؤمنين أيضًا مأمورين بتركها، وهذه مسألة فيها تفصيل أكثر ولكن الخلاصة أنك يجب أن تنتفع بالقرآن والسنة من جهة ما ذُكِر فيهما من الخير والدلالة عليه ومن الشر والتحذير منه، وأن المؤمن لا يحتاج في معرفة الخير والشر إلا لكتاب الله وإلى سُنة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أما الشرور الخارجة، أعني الأعيان الموجودة في الدنيا فهنا هذه معرفتها ميسورة  فإذا جاءك رجل يترنّح وقد فاحت منه رائحة الخمر فهنا يحقُ لأهل الإسلام في بلاد الإسلام أن يوقفوه ثم يُتحقق من أمره من قِبل الجهات المختصة ثُم يقضي القاضي بأن يُجلد، فهنا هذه الصفة الظاهرة فيه من الشر واضحة ما يحتاج أن تتفقَّه في المخمورين حتى تعرف أن الخمر حرام وأن على شاربها الجلد، بحيث أن بعض الناس قد يذهب إلى الأماكن المشبوهة مثلًا، ويتلمَّس بعض هؤلاء ثم ينقل للناس أن في هذا المكان يوجد الفسق الفلاني، فما الذي يستفيد المسلمون من نقل هذه الشرور ومتابعتها في كل المجالات، ماذا يستفيد المسلمون؟ لا يستفيدون شيء، يزدادون شرًا وضررًا، لماذا؟ لأسباب:

أولًا: لأن الغافل عن هذه الشرور سيعلمُها بطريقةٍ قد تُؤذيه في دينه.

 الأمر الآخر: أن هذا الشر المعيَّن قد يُنكر على غير الوجه المشروع، وهذا كثير ما يحصل. الأمر الثالث: أن الناس يتهيؤون للمذاهب الفاسدة في الدين التي للخوارج، لأنه دائمًا يُقال لهم في المكان الفلاني حصل كذا، والسياسي الفلاني قال كذا عن دين الله، ويُصبح اهتمامهم الأكبر إذا تديَّنوا متابعة الشرور والتفاعل معها، بينما الأصل أن الإنسان إذا تديَّن أن يُقبِل على ماذا؟، يُقبِل على الله – عزَّ وجل- وأن يُقبِل على طاعة الله، وأن يُقبِل على كتاب الله، وسُنَّة النبي – صلَّى اللهُ عليه وسلم-،ولذلِك لما جاء رجل إلى بعض المساجد  في زمن السلف الصالح، فقال: أين أنتم؟ يعني أتى لأهلِ المسجد يريد أن يُحرِّضهم على إنكار المنكر، فقال: أين أنتم؟ فقد جئتُ في السوق وفيه كذا وكذا، يعني مُنكر، فقال له رجل من السلف  الصالح: ( لقد آذيت  أهل المسجد ولم تُنكر على أهل السوق) أو ما معناه،  إذًا الشرور حتى تتقيها يحتاج أن تعلمها من جهة الشرع والوحي، لا من جهة وقوع أعيانها في الواقع، لكن في الواقع تتعلَّم الشر يعني  بمعنى حُكم الشر المعيَّن الذي تحتاج إليه، كأن  تكون أنت مثلاً في مكان فيه تعمل مثلًا في بنك فتحتاج وتعلم أن الربا حرام، وتعلم أن البنوك مثلًا الأصل فيها أنها تتعامل بالربا، فهنا تسأل ما حكم عملي في هذا البنك؟ فيفتيك أهل العلم، ويُبيِّنون لك حكم الله – جلّ وعلا-،  فهنا شر تتقيه لحاجتك، لكن حين أقول لك  في مثل هذا المجلس مثلًا، نحن في بلد فروع البنوك الربوية في كل مكان تُشاد دون نكير، وكل يوم تزداد والله- جلَّ وعلا-  قد توعّد بالحرب على الرَّبا، من المستفيد؟ ماذا حصل من فائدة هنا؟ حصل تهييج، حصل تهيئة النفوس إلى الانشغال فيما لا يعنيها، وإلى تتبُّع أعيان الشر التي هي غير  مخاطبه بها، وإلى زيادة الشر، وإلى تهيئة النفوس لاستقبال البدع وأن تكون من جنود الجماعات الإسلامية السياسية، فينبغي على المسلم في التعامل مع الشرور أيضًا  أن يكون عنده فقه، وأن يكون عنده علم وبصيرة من جهة السُنَّة، ونسأل الله – تبارك وتعالى- أن يُصلح أحوالنا  وأحوال  المسلمين، وأن يهدينا جميعًا سواء السبيل.