قصة آدم و إبليس - الدرس السابع عشر


التصنيفات
الشيخ: 
القسم العلمي: 
القسم العلمي: 
  • الشيخ: الشيخ أحمد السبيعي
  • العنوان: قصة آدم و إبليس - الدرس السابع عشر
  • الألبوم: قصة آدم و إبليس
  • التتبع: 17
  • المدة: 60:10 دقائق (‏13.78 م.بايت)
  • التنسيق: MP3 Mono 22kHz 32Kbps (CBR)
التفريغ

المتن: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله وعلى آله وسلَّم، قال الإمام محمد بن عبد الوهَّاب – رحمه الله تعالى-: ( ومنها معرفة العداوة التي بين آدم وذريته، وبين إبليس وذريته، وأن هذا سببها لما طُرِد عدو الله ولعن بسبب آدم لما لم يخضع، وهذه المعرفة مما يُغرس في القلب، محبة الرب – جلَّ جلاله- ويدعوه إلى طاعته وإلى شدَّة مُخالفة الشيطان، لأنه سبحانه ما طرد إبليس ولعنه، وجعله بهذه المنزلة الوضيعة بعد تلك المنزلة الرفيعة، إلا لأنه لم يخضع للسجود لأبينا آدم، فليس من الإنصاف والعدل موالاته، وعصيان المنعم –جلَّ جلاله-، كما ذكر هذه الفائدة بقوله: ((أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا)) ﴿الكهف: ٥٠﴾

الشرح: الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله وعلى آله وسلم،  أما بعد:-

 فالواجب على الإنسان عمومًا، وعلى المسلم خصوصًا، لأن الله –جلَّ وعلا- حين يُخاطب بالإيمان، ويُخاطب بالإسلام، فإن الخطاب تارة يأتي بلفظ الناس، كما قال الله – جلَّ وعلا-: (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ)) ﴿البقرة: ٢١﴾ ويأتي خطابًا لأهل الإيمان، لأن الجميع مخاطبين بذلك، لكن بحسب المعنى يخص الله – جلَّ وعلا- النَّاس تارة بالخطاب، وتارة المسلم أو المؤمن خصوصًا، ليس هذه هي النقطة هنا، النقطة هو  أن الله –جلَّ وعلا- قال لنا – سبحانه وتعالى- : ((وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّـهِ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ)) ﴿القصص: ٦٨﴾ ((وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ)) إذًا من الذي يخلق؟ الله – جلَّ وعلا- طيب حين يخلق الله – جلَّ وعلا- فهو يختار، يختار، أي كل ما يخلقه من جهة الزمان، من جهة المكان، من جهة الصفة، كل ذلك يختاره الله –جلَّ وعلا- فما الواجب في  مقابل اختيار الله – جلَّ وعلا- المؤمن ينساق، المؤمن يستسلم، المؤمن يعلم الواجب، لأنه يعرف الله، ويؤمن به، فيعلم أن الله -جلَّ وعلا- ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)) ﴿الشورى: ١١﴾ هذه قاعدة المؤمن في الإيمان بالله –تبارك وتعالى- فأي شيءٍ تعلّق بالله، قلب المؤمن بما أودعه الله فيه أولًا من الإيمان الفطري الذي تكلمنا عنه أكثر من مرة، ثم بالإيمان الذي اختاره المُؤمن  واستسلم لرسالات  الله – جلَّ وعلا- فإنه يتلقى الأمور التي تأتي من جهة الله – تبارك وتعالى- يتلقَّاها، وهو يعلم أن الأمر متعلقه الله – عزَّ وجل- فإذا كان الأمر مُتعلقه الله، والله اختار، والله اصطفى والله خلق، إذًا فلابُدَّ أن يكون هذا الخلق وهذا الاختيار وهذا الاصطفاء،  يكون مرتبًا على ما وصف به  الله – جلَّ وعلا-  من كماله المطلق، ومن حكمته - سبحانه وتعالى- فلذلك تجد المؤمن حين يقع شيء ما، لنفرض الصورة الدنيا من هذا الموضوع، وهي الصورة الدنيا من هذا الموضوع، ما هي؟ المقادير التي تقع على الإنسان، المقادير المؤلمة التي تقع على الإنسان، المؤمن حين يقع الأمر الذي هو  المؤلم له، والتي هي المصيبة، يعني المقادير المؤلمة للإنسان سمَّاها الله – جلَّ وعلا- ماذا؟ مصائب، إذا وقعت عليه، تجده يُفتِّش عن شيئين:-

 يفتِّش عن التَّعبُد لله – جلَّ وعلا- بهذه المصيبة، إمَّا بأن يصبر، فتُكفِّر سيِّئته، أو يرضى فيرتقي إلى مقام الإحسان، فيُجاهد نفسه، أنه إذا وقع عليه شيء مما يكرهه، يحاول أن يرضى بما قضى الله، إن لم يستطع انتقل إلى الصبر، لأنه يعرف ما هو الواجب عليه  اتجاه الرب فيما يقضي عليه، إن استطعت أن تعمل لله بالرضا مع اليقين، فافعل، وإلا فإن في الصبر على ما تكره خيرًا كثيرا، إذن فالمسلم هنا تعبَّد لله – جلَّ وعلا- طيب  لماذا تعبَّد، لماذا لم يرتقي يعني فوق هذه المسألة ليسأل ليقول : يا ربي لِم صنعت بي كذا؟ لأنه يعلم أن الله – جلَّ وعلا- أولًا، يعني مثل ما قلنا،  أن الله –جلّ وعلا- حين يقضي الشيء يقضيه لحكمة، ويقضيه بحلمه، ويقضيه بعلمه – سبحانه وتعالى- لأنه ليس كمثله شيء، فالله –جلّ وعلا-  لا يجوز للإنسان إن كان عاقلًا، دعني إن كان مؤمنًا أن يجعل الله –تبارك وتعالى- مثلما تُجعل الأشياء الأخرى خاضعًا لسلطان العقل بحيث يُحاكم عما يفعل أو يقول أو يُحاسب، لا يجوز أن يُجعل الله –تبارك وتعالى- أن يُخضع لسلطان العقل، لماذا؟ لأنه هو مانح العقل، العقل الذي أنت تُفكر فيه من الذي منحك إياه، ألم يمنحك الله –جلّ وعلا- هذا العقل؟! فكيف تجعل عقلك الذي لا يستطيع وأنت تعلم من نفسك أن كثيرًا من الأشياء حين تتفكر فيها تتساءل عنها وهي من أمر الدنيا الحقيرة، أعني الفانية، إذا كان بعض الأمور تمر على الإنسان من أمر دنياه يجد العقل يقف، يتريّث، لماذا؟ فكيف بأمر متعلقه من بيده ملكوت السماوات والأرض، من الأرض جميعًا في قبضته، من السماوات في قبضته يوم القيامة، السماوات مطوياتٌ بيمينه، والأرض جميعًا في قبضته يوم القيامة –تبارك وتعالى- فهنا عقليًا هل يصح أن يُدخل الرب –جلّ وعلا- في قضيةٍ مثل القضايا الأخرى بحيث يُتفكر بشأنه أو يُتفكر في فعله، أو يُتفكر فيما يقضيه أن يُخضع لسلطان هذا العقل الذي لا يستطيع في مصالح نفسه إلا بالمشاورة وإلا بالمدارسة أن يتدبر بعض مصالحه، أيكون هذا صحيح من جهة العقل؟ إذًا فعقل المؤمن صحيح ليس ناقص، عقل المؤمن يعرف مواضع الإقدام ويعرف مواضع الإحجام، عقل المؤمن منظم جدًا، واضح ما يُضيّع وقته يُفكر يُفكر يُفكر يُفكر في شيء هو يعلم أن مبدأه خطأ، لكن من لا عقل له ممن يزعم أن عنده عقل، أو من لم يشأ الله بكرمه أن يُنوّر قلبه بالإيمان ومعرفة الله فإنه يُخضِع كل شيء لبحثه العقلي فيزداد حيرة فوق الحيرة، وظلمة فوق الظلمة لماذا؟ لأنه خاض في ما نهاه الله –جلّ وعلا- عنه، تفكّروا في آلاء الله، ولا تفكّروا في الله ((لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ)) ﴿الأنبياء: ٢٣﴾ يقول بعض أئمة أهل البدع ممن تاب ورجع إلى السُّنة آخر عمره كما تعلمون: لقد خفتُ فيما نهاني عنه أهل الإسلام فلم أزدد إلا حيرةً وضلالة، ثم انتهيتُ إلى طريقة القرآن فلم أرى مثل طريقة القرآن في الإثبات، يعني في إثبات صفات الله، يعني بعبارة أخرى في معرفة الله –سبحانه وتعالى- ما يمكن، العقل الصحيح يدلك على صفات الربوبية وبعض الصفات الأخرى يدلك عليها، وهذا مطلوب شرعًا لكن مطلوب على تفصيل ليس على الطريقة التي عليها أهل البدع، والطريق الآخر هو طريق الوحي، ولذلك يعني قال ابن القيم –رحمه الله تعالى-: أن النبي –صلى الله عليه وآله وسلم- خاطب الناس بالإيمان بالله مباشرة وتوحيده والعمل، ما يُخاطبهم تعال خلنا نُثبت وجود الله، ايش نُثبت وجود الله؟! ايش تُثبت وجود الله –تبارك وتعالى- هناك هاتف في قلب كل إنسان يهتف صباح مساء أن هناك رب، وأن لهذا الرب حكمة، ليس هذا فحسب بل الله –جلّ وعلا- أودع في قلب الإنسان القصد إلى الله ومحبته –سبحانه- أصل القصد موجود، فأقول المؤمن أمام المقادير المؤلمة يتعبد لله –تبارك وتعالى- ما يرتقي، يعني ليس هذا ارتقاء، أقول عبارة أدق، نقول ما يسفلُ إلى أن يجعل ما يُقضى أو ما يجعله خاضع لعقله يتفكر فيه ويُحاسب فيه إلا إذا كان ضعيف إيمان فيتسلط عليه الشيطان لكن انظر إلى الكُمَّل من أهل الإيمان الذين حازوا الكمال في الإيمان أصحاب الرسول –صلى الله عليه وآله وسلم- حين رأى بعض أصحاب النبيَّ –صلى الله عليه وسلم- والنبيَّ –صلى الله عليه وسلم –قد مات ابنه إبراهيم ومات وعمره ستة شهور وكان قد ملأ المهد فذرفت عينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرمقه بعض أصحاب النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- فاستنكر من النبيَّ –صلى الله عليه وسلم – هذا الأمر كيف يعني هذا قدر الله، يعني كيف تبكي يعني كأن هناك نوع من !! يعني صحابي يستفسر طبعًا كعادة أصحاب الرسول –صلى الله عليه وسلم- يُعلموننا ديننا –رضي الله عنهم وأرضاهم – فيقول لهم النبي –صلى الله عليه وسلم-:  ((إِنَّ الْقَلْبَ لَيَخْشَعَ وَإِنَّ الْعَيْنَ لَتَدْمَعَ وَلاَ نَقُولُ إِلاَّ مَا يُرْضِيِ الرَّبَّ )) انظر الكُمَّل كيف تعاملهم مع مثل هذا الأمر،  ولذلك هذا المؤمن أمام المصيبة التي تقع، هذا في جانب ايش؟ في جانب المصيبة إذا تعلقت به ووقعت عليه، طيب في جانب ما يختاره الله- جلَّ وعلا- أنت اختارك الله -جلَّ وعلا- أن تكون من بلاد الهند أو من بلاد السند، الله -جلَّ وعلا- قضى عليك أن تكون أحمر أو أسود أو أبيض، الله –جلَّ وعلا- اختار أن تكون صفتُك كذا أو صفتُك كذا، الله –جلَّ وعلا- قضى عليك أن حافظتك ليست بتلك، وذاك بلاه الله –جلَّ وعلا- بقوة الحافظة وقس على ذلك، هذا اختيار الربَّ –جلَّ وعلا- هل أمام هذا الاختيار ستسخط مقادير الله-جلَّ وعلا- عليك كما صنع إبليس حين طعن في حكمة الرب –جلَّ وعلا-  طعن في حكمة الرب –جل وعلا- حين قال له الله- عزَّ وجل – اسجد أمر، ما قال الله –جلَّ وعلا- هذا الذي أمرتُك أن تسجد له أفضل منك، إنما قال له أمر ونهي، السيد يأمر ما الذي يملكه العبد ؟ ما الذي يملكهُ العبد؟ يملك السمع والطاعة بس، وإلا ما يقوم نظام، الله –جلَّ وعلا- حكيم خبير أقام الدنيا على نظامٍ مُحكم لابُدّ فيه من أن يكون ثمَّة رؤوس وأن يوكل إليهم الطاعة حتى تنتظم أمورهم كلها وإلا ما تنتظم مصلحة، والناس يعرفون هذه المعاني جيدًا، المصيبة وين؟  المصيبة طبعًا بالتعبير العامي- تعرف شلون-  أقول المصيبة وين ؟ إن الناس يفهمون جيداً هذه المعاني حين تتعلق بحقوقهم، إذا تعلق الأمر بحقه لا تجد رحمة، إذا كان شيءٌ تحت يده انظر إلى القسوة والفظاظة وعدم الإعذار، ولذلك لما جاء سارق قد سرق فلم يجد حيلة وقد أمسك المسلمون بتلابيبه  وقامت عليه حُجَّة الله وصارت يده عُرضةً لأن تُقطع فلم يملك إلا أن يدفع عن نفسه بأن يقول الله قدر علي لكن هذه الشُّبهة التي لاكها بلسانه كانت في زمن عمر -رضي الله عنه وأرضاه-  فقال له عمر: سرقت بقدر الله نقطع يدك بقدر الله! نحن أيضًا نقطع يدك بقدر الله، ولذلك يعني قال بعض الأذكياء من أهل العلم من احتج عليك بالمقادير اصفعه على وجهه ثم قل يعني هذا قدر الله لماذا تغضب علي؟! كما قال بعض يعني الشعراء الماجنين وكان قد غضب على يعني معشوقته فصفعها على وجهها ثم ندم فقال: "إن نالتكِ بالضرب يدي فقد نالتكِ بما لم أردي" طبعا كذاب، فالمقصود أن الله -جل وعلا- حين يقضي الشيء يقضيه .. قضاء الله يرتبط بالله، قضاء الله يرتبط بمن؟ بالله -سبحانه وتعالى- يجب أن تفهم أفعال الله، يجب أن تفهم صفات الله وهي منسوبة لله فتكون على ما يليق به إذ لم تدخل إلى معرفة الله هذا المدخل الصحيح الذي عليه أهل السنة فلن تستطيع أن توحد الله وأن تعرفه حق المعرفة، وستعيش مضطرب القلب لا تعرف ربك -سبحانه وتعالى- حين يأتي مثلًا، أضرب مثال مثلًا في النبي -صلى الله عليه وسلم- لما ذكر الشفاعة لتكون يوم القيامة، الحديث الذي سألتني عنه مرة لما قال:  النبي -صلى الله عليه وسلم- في آخر الحديث موضع الشاهد قال : ((شَفَعَتِ الملائكةُ وشَفَعَ النَّبِيُّونَ وشَفَعَ المؤمِنونَ ولم يَبْقَ إلا أَرْحَمُ الراحِمِينَ فَيَقْبِضُ قَبْضَةً من النارِ فيُخْرِجُ منها قومًا لم يَعْمَلُوا خيرًا قَطُّ)) المصدر: صحيح مسلم - الجزء أو الصفحة:183 هنا حين شيء يتعلق بفعل الله -جلّ وعلا- كيف تفهمه؟ قبضة عشوائية أما هذه القبضة الذي قبضها يعلم كل شيءٍ بمقدار كل من وقع في هذه القبضة ونقل من جهنم عياذًا بالله إلى جنة الخلد، أرادها الله -سبحانه وتعالى- فعّال لما يريد -سبحانه وتعالى- فعّال لما يريد، بكل شيءٍ عليم، لا إله إلا هو، وما قدروا الله حق قدره، والأرض جميعًا قبضة يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه، إذًا ربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة -سبحان الله وتعالى- عما يشركون، إذًا فهنا هذا البحث الذي معنا هذا مرتبط بحكمة الله وعلمه سبحانه، الله -جلّ وعلا- أعطى إبليس المهلة الكافية والقدرة التامة والمشيئة الكاملة أن يسجد فأبى هو بنفسه ألا يسجد وذلك أيضًا بقدر الله، وهذا ما لا يستطيع أحد أن يفعله إلا الله، ما في أحد يستطيع أن يعطي شخص صلاحية ومُكنه ثم يستطيع أن يصرفه مع مكنته عن الشيء بقدرته إلا الله -سبحانه وتعالى- ((وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّـهُ)) ﴿التكوير: ٢٩﴾ يعطي العبد المشيئة الكاملة والقدرة التامة على أن يفعل ثم بقدرته ومشيئته لا يوفقه سبحانه مع إعطائه كل ما تقوم به عليه الحجة، القدرة، العلم، الحجة كل شيء ثم يقع مراده بحكمته وهو العادل وهو العدل ولذلك كان معاذ -رضي الله عنه وأرضاه- وتعلمون جميعًا أن معاذ يحشر يوم القيامة أمام العلماء برتوه أي بمسافة بعيدة معاذ بن جبل -رضي الله عنه وأرضاه- من خيرة علماء أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- كان معاذ  -رضي الله عنه- ما يجلس مجلسًا إلا ويُصدّره بقوله: الله حكمٌ قسط يعني عدل يعني هذا فقيه من فقهاء الصحابة -رضي الله عليهم- يجلس مجالس يجري على لسانه أنه يصف الله بذلك -سبحانه وتعالى- "الله حكمٌ قسط، هلك المرتابون" الذين لا يتلقون مقادير الله وما يقضيه بالتسليم والرضا، ولماذا لا يتلقون ما يقضيه الله -تبارك وتعالى- لماذا لا يتلقونه بالتسليم والرضا؟ لأن معرفتهم بالله وإيمانهم إما ناقص أو غير صحيح، ولذلك المؤمن يعلم أن هذا من عند الله فيرضى ويُسلّم، هلك المُرتابون إلى آخر كلامه ممّا ليس هو موضع شاهدنا على نفاسته يعني كلام معاذ-رضي الله عنه وأرضاه- هذا يعني غاية في النفاسة، لأنّه يتكلم في تمامه عن سبب يعني نشأة البدع والأهواء، "الله حكمٌ قسط، هلك المرتابون يُفتح كتاب الله فيقرأهُ الكبير والصغير والذكر والأنثى" وهذا الأمر ما كان موجودًا في زمن النبوة، زمن النبوة القراء كانوا قليلين، والذين يحفظون القرآن كانوا قليلين، وكان النّاس يعسر عليهم لأن الإسلام؛ الإسلام أول ما جاء أدرك أناس كبار في السن، قد اعتادوا في مخاطباتهم لغة غير لسان مُضر، فكان يعسر عليهم القرآن، ولذلك أُنزل القرآن على سبعة أحرف من أجل التيسير على الناس في زمن النبوة، فالمقصود أنه لم يكن القراءة ولذلك كان النبي-صلى الله عليه وآله وسلم- يعني فدى أُسارى بدر في مقابل ماذا ؟

أنهم يعلّمون المسلمين القراءة، فما كانت القراءة القرآن وجمعه والمصاحف على النحو الذي قضاه الله -جلّ وعلا- بعد ذلك في المسلمين بفضله-سبحانه وتعالى- فيقول معاذ: "أن القرآن يُفتح فيقرأه الكبير والصغير والذكر" فيأتي الرجل، هنا يأتي رجل قرأ القرآن؛ قرأ حديث الرسول-صلى الله عليه وسلم- قرأ هذه الأمور لكنه -نسأل الله العافية والسلامة- يُريد من الدين أن يعلو به على الناس، يُريد من الدين أن يكون له منزلة في صدور النّاس، لا زال هناك حظ من قلبه ونفسه في أمر الدين، يُريد أن يرفع به خسيسته، يريد أن يحققه لأمره في الدنيا بشيءٍ من الدين، فيأتي الرجل فيقرأ القرآن فيقول: ها أنا ذا قرأت القرآن فلم يتّبعني أحد! ها أنا ذا قرأت القرآن، قرأت القرآن حفظت الحديث صنعت سويت درّست، ما أجد الموقع الذي أريده لنفسي، لا الدخل المادي، ولا المنزلة ها، ولا عند السلاطين، شتمنا السلاطين على المنابر وقلنا الطواغيت، ووصلنا إلى البرلمانات، أو أننا قلنا بالسمع والطاعة، وأنه يجب طاعة ولاة الأمر، وأن هؤلاء الذين يخرجون عليهم خوارج  ها! لكن ما كو فايدة، فلو أحدثت لهم غيره فإياكم وما أُحدث، فالمقصود: أن الله- جلّ وعلا- حين قضى هذا الأمر الذي نحن نسمعه، أمرًا مقضيا، يعني أمر انقضى وانبرم، هذا الأمر الذي قرأناه أمرٌ انتهى، فحين ينتهي الأمر، حين ينتهي الأمر هنا ليس ثمّة تدبير فيه، الشيء الذي فيه تدبير؛ الشيء الذي فيه بذل أسباب؛ الشيء الذي تُعالجه أو تفعله في وقته، لكن بعد انقضاء الشيء ماذا يوجد؟ يوجد أما أن يكون خبًرا فتتعظ وتعتبر، وأما أن يكون يعني شيئًا مزعجًا أو مؤلما فتسترجع وتتركه إلى غير ذلك، المقصود فهنا أمر انتهى، الله عز وجل قضى هذا الأمر وحكم هذا الحكم فوصل إلينا الخبر أن إبليس أُمر بالسجود لأبينا آدم فامتنع كبرًا ثم حسدا، هذا الخبر وصلنا وأن الله -جلّ وعلا- طرده من الجنة وأن الله -جلّ وعلا- أكرم أبينا آدم بعد ذلك بالتوبة عليه إلى آخر ما ذكره المولى –سبحانه- فما واجبنا هنا؟  واجبنا أن ننظر فنجد أن الله قد أكرم أبينا آدم وإذا أكرم أبينا آدم فهذا إكرامٌ لنا، كما سيذكر المصنف -رحمه الله تعالى- هذا المعنى، وقد  تقدم في أول رسالته أن القرآن يخاطب الحاضرين بما أنعمه على السابقين من نوعهم كما خاطب بني إسرائيل، إذًا فنحن أمام نعمة من نعم الله علينا بما كرّم به أبونا آدم، وأنه طرد إبليس لأنه أبى السجود لأبينا فإذًا هو عدو لنا، ولذلك الله -جلّ وعلا- يقول: ((أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا)) ﴿الكهف: ٥٠﴾ إذًا الآن لو نقرأ الكلام مرة أخرى سيكون واضح جدًا ومفيد إن شاء الله، ومنها معرفة العداوة التي بين آدم وذريته وبين إبليس وذريته وأن هذا سببها لما طُرِد عدو الله ولُعن بسبب آدم لما لم يخضع، وهذه المعرفة مما يغرس في القلب محبة الرب -جل وعلا جل جلاله-  ويدعوه إلى طاعته وإلى شدة مخالفة الشيطان.

 إذًا يقتضي شدة ولاية الرحمن وشدة عداوة الشيطان لأنه سبحانه ما طرد إبليس ولعنه وجعله بهذه المنزلة الوضيعة بعد تلك المنزلة الرفيعة إلا لأنه لم يخضع بالسجود لآبينا آدم، لأن إبليس ظن بما أنه قد وصل إلى الملكوت الأعلى فظن كما يظن كثير من المبطلين والضُلَّال، يظنون أن الكرامة أن تكون على الخير في بعض الوقت، وهذا غير صحيح،  العبودية لاتقف عند حد،  فإبليس ظنَّ أنه وصل إلى هذه المنزلة وأنه بلغ مصاف الملائكة إذًا فهو لا يريد هنا أن يعبد في مقابل الأمر، يريد أن يعبد عبادة الملائكة وهو بالتسبيح والتقديس لا يريد أن يتعبد بالأمر، ولذلك فأنت تجد كثير من العباد يتخيرون من العبادات فتجده مثلًا يتخير بعض العبادات يقوم بها وبعض العبادات هو مأمور بها وجوباً لا يقوم بها، طيب أين عبودية الله -تبارك وتعالى-؟ أين عبودية الله -عزّ وجل-؟  تتخيَّر أن تُسبح الله وتقدسه وتتلو القرآن ثم الأمور الواجبة والأمور المحرمة لا ترفع رأسك بعبادة الله -تبارك وتعالى- فيها أين العبودية لله؟! هكذا أراد الشيطان أن يصنع وظن أنه يعني لن يحتاج إلى أن ينصاع إلى هذا الأمر ومخالفته لن تضره هذا الضرر، فلو كان عاقلا أو كان ذكيًا كما ينبغي كان ينبغي له أن لا يستهين بأمر الله ونهيه -تبارك وتعالى- فالله -جل وعلا- لا يُستهان بأمره ولا يُستهان بنهيه -جل وعلا- ولذلك قال الله -عز وجل- ((وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّـهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴿الحج: ٣٢﴾ إذًا فتعظيم الله ثم تعظيم أمره ونهيه هذه ما ينبغي أن يعني تُنسى في لحظة من اللحظات، فالمقصود قال وجعله بهذه المنزلة الوضعية، بعد تلك المنزلة الرفيعة، إلا لأنّه لم يخضع للسجود لأبينا آدم فليس من الإنصاف والعدل مولاته، وعصيان المنعم –جلّ جلاله- كما ذكر هذه الفائدة سبحانه بقوله: ((أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا)) ﴿الكهف: ٥٠﴾  

المتن: ومنها معرفة شدّة عداوة عدو الله لنا، وحرصه على إغوائنا بكل طريق، فيعتد المؤمن لهذا (الحر) عدته، ويعلم قوة عدّوه، وضعفه عن محاربته إلا بمعونة الله كما قال قتاده: " إن عدوًا يرانا هو وقبيله من حيثُ لا نراهم، إنّه لشديد المؤونة إلا من عصمهُ الله" وقد ذكر الله عداوته في القرآن في غير موضع، وأمرنا باتّخاذه عدوًا.

الشرح: كما قال الله تعالى: ((إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا)) ﴿فاطر: ٦﴾  وذلك لأنّه من جنس آخر غير جنسنا، ليس من جنس الآدميين فنستطيع أن نحتال معه بالحيل المعتادة، لا هو من جنس آخر، فما يوجد سبيل بالأسباب العادية أن تتقي شرّه، اتّقاء شرّه لا يكون إلا بتقوى الله وعبادته، فيقيك الله -جل وعلا- شرّه، نعوذ بالله من همزات ونزغات الشياطين فقط، يعني الشيطان لا سبيل للتّخلّص من شره إلا بالتقوى، ولذلك تجد أصناف المشركين من الكُّهان وغيرهم ممّن يريدون أن يتخّلّصوا من شرّ بعض الشياطين أو الجن، يتخّذون أسبابًا فيقعون في فتك شياطين آخرين، هم ما يستطيعون بالأسباب أن يتخلّصوا من شرّ الشيطان، فالشيطان ما يوجد ما هو أنسي، الإنسي تستطيع أن تتخذ معه الأسباب، مثل ما قال الله –جلّ وعلا-: (( ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ ..)) ﴿فصلت: ٣٤﴾ أمّا الشيطان لا ما في ((وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّـهِ)) ﴿فصلت: ٣٦﴾ مالك إلا أن تستعيذ بالله، الاستعاذة بالله تُعيذك من شرّ الشيطان، ولكن الذي يُعيذك إعاذة تامة هو الدخول في عبودية الله وتحقيق تقواه، وهذا الذي ذكرهُ الشيطان نفسه قال: ((إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ)) ﴿الحجر: ٤٠﴾ إذًا فاتخاذ الشيطان عدو يجب أن يُتقى الله، وأن يُعبد وأن يُوحد وأن يُطاع، حتى يقيك الله –جلّ وعلا- شرّه.

المتن: يقول: ومنها وهي من أعظمها معرفة الطرق التي يأتينا منها عدّو الله، كما ذكر -الله تعالى- عنه في القصّة أنّه قال: ((لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ﴿١٦﴾ ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ .. )) ﴿الأعراف: ١٦-١٧ وإنما تُعرف عظمة هذه الفائدة بمعرفة شيءٍ من معاني هذا الكلام، قال جمهور المفسرين: انتصب صراط بحذف على، التقدير ((لأقعدنّ لهم على صراطك)) قال ابن القيم: والظاهر أن الفعل مضمر، فإن القاعد على الشيء ملازم له، فكأنه قال: لألزمنه ولأرصدنه ونحو ذلك.

الشرح: طبعًا هذه الآية ﴿لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ فإن تكلّمنا عليها بفضل الله، بالتفصيل فيما تقدم لكن فيما يتعلق بهذه الفائدة التي نقلها الإمام -رحمه الله تعالى- عن الإمام ابن القيم في نص الصراط وذكر الخلاف في بين النّحات والمفسرين في ذلك فقال والظاهر أن الفعل مضمر فإن القاعد على الشيء ملازم له يعني معنى هذا الكلام أن قول الله -جلّ وعلا-: ﴿لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ فالبحث هنا صراط نُصبت، وأقعد فعل لازم لا يتعدى فلا بد من شيء يتعدى به فقدّروا وجود على لأقعدن لهم على صراطك فإذا نُزع الخافض انتصب ما وراءه، دلالة على نزع الخافض، هذا وجه، وبعضهم يصور هذا المعنى بعبارة أخرى فيقول صراط ظرف و نُزع الخافض فظل على أصله في أنه منتصب، هكذا يقولون.

 الإمام ابن القيم -رحمه الله- له وجهة أخرى يقول : لأقعدن هنا هذا الفعل لا ينظر إلى لفظه فقط، وبالتالي يحكم بحكم لفظه، لكن ينظر إلى السياق فإنه متضمن لمعنى؛ هذا المعنى أدخل في هذا الفعل، فصار هذا الفعل عاملًا فنصب صراط، وهذه الوجه التي جنح إليها ابن القيم -رحمه الله تعالى- كثيرًا ما يجنح إليها وما يصير إليها الإمام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- فإن هذين الإمامين -رحمهم الله تعالى- من توفيق الله -تبارك وتعالى- لهما أنهما لم يقعا تحت طائلة تأثير أي نوع من الاصطلاحات المحدثة بعد السلف الصالح لا في ألفاظها ولا في معانيها، بمعنى أنهم يُرجعون الأمور إلى أصل ما جاء عن السلف، فمن من السلف قال أن الصراط انتصب بنزع الخافض؟ ولا واحد من السلف الصالح إذًا فهذا كلام من ؟ كلام من يتعاطى النحو من المفسرين فدرجوا على ما اعتيد، وآفة من يدرسون اللغة أنهم يقعون تحت وطأة الاصطلاحات والأساليب المحدثة فيغيب عن عقولهم وعن فهمهم وعن ذوقهم معرفة الفصحى الأولى الأم التي نزل بها القرآن بقوانينها، فالمقصود أن هذا الإمام -رحمه الله تعالى- استعان بما جاء في الأدلة الشرعية من بيان معنى وقوف الشيطان على هذا الصراط فإن الأحاديث كما يعني جاء مثلًا في حديث يعني سبرة ابن أبي فاكه -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم - قال: إن الشيطان وقف لابن آدم بطرقه كلها، حديث ابن مسعود -رضي الله عنه وأرضاه- لما ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- الخط، وخط الخطوط الأخرى قال: وعلى رأس كل خط ماذا ؟ شيطان. إذًا فهنا قعود الشيطان على هذا الصراط هل هو قعود هكذا عارض ؟ أم هو قعود المتمكن الذي يريد أن يترصد وأن يتربص وأن يأتي للإنسان من كل وجه، إذًا فهذا المعنى موجود بقوة هنا وهذا سر انتصاب صراط هنا ، يعني أنا أقول هذا يعني من باب يعني ما أدري يعني من باب أنك إذا دخلت في العلم وحدك خرجت وحدك، إذا دخلت في العلم كالحدادية وحدك خرجت وحدك، فمن أين لك أن تدرك مثل هذه الفائدة اللغوية النحوية المعنوية الجميلة الجليلة لو أنك يعني طحنت نفسك في أمات التفسير التي تُعنى باللغة، لولا الله ثمّ أنّك جاءتك جاهِزةٌ مُجهّزة على لِسان ابن القيّم ؟!

-ألا يدُلُّكَ على هذا، ألا يدلُّك على المعنى العظيم: وهو أنّه يجب معرفة العلماء ؟!

-ألا يدلُّك هذا على أنّه يجبُ أن يُعرف أيضًا من بين العلماء؛ علماء السنّة ؟!

-ألا يدلُّك هذا على أنّك كما يجبُ أن تعرف العلماء؛ وتعرف علماء السنّة؛ أن تعرف المحقّقين من علماء السنّة ؟!

-ألا يدلُّك هذا على شدّة مُؤنة العلم ؟!

-ألا يدلُّك هذا على خطر الدخول في العلم لمن لم يرض قلبهُ السنّة، ويستسلم ويعرف منازل العلماء ومراتبهم؟

-أرأيتم هذه المعاني، هذه المعاني هي التي نحتاجها هنا، يعني الإعراب وما تقدّم قد لا نكون بالنسبة لمستوانا بحاجةٍ إليه، ولكن يعني مستوانا العلمي أقصد، ولكن بالنسبة لنا هذه المعاني التي نحتاج إليها، فيجب أن نحمد الله، وأن نشكُر الله -تبارك وتعالى- أن هدانا ووفقنا سبحانه له الحمد والشكر أننا نقرأُ كتابًا للإمام محمّد بن عبد الوهاب، ثمّ نقرأه مُطعّمًا بالنقول عن أئمّة السنّة والسلف الصالح، ثمّ نحاول أن نتفهّمه راجعين إلى علمائنا-رحمهم الله- وحفظ الأحياء، وبهذا تُحفظ السنّة، وبهذا تُنصر السنّة، وبهذا يكون الإنسان في أمان، أما المنفرد في كهنوته، أو المنزوي في مكتبته، ممن حباه الله عقلًا سيالًا وقدرةً فائقة فيظنّ أنه سيستطيع متوهّمًا صحة قول القائل: "وإن كنتُ الأخيرُ زمانهُ لآتٍ بما لم تستطعه الأوائل" فهذا قد مَرِضَ وهو لم يتعلّم، فهذا يُسأل له الشفاء، لأنه مريض وإن ظن ماذا؟ وإن ظن أنه يشفي الناس أو يداويهم، وهذه هي المصيبة، حين يُفترض أن يكون من يُطبب الناس ومن يُعينهم على الشفاء؛ يكون هو قد بُلي بشيءٍ من أمراض الزعامةِ، أو الرئاسة، أو الإعجاب بالرأي، أو الانفراد به أو الاستطالة على أهل العلم، أو اعتقاد خفوض منزلتهم، أو غير ذلك من الآفات الكثيرة، التي انتشرت إلى حد ما في زمننا بسبب نقص العلماء، بسبب ماذا ؟ نقص العلماء، ونقص العلماء ليس عذرًا في الشريعة لأن يُبتلى العبد بمثل هذه الأمراض لماذا ؟

لأنّه لا يزال قائمٌ لله بحجة ((لا تزالُ طائفةٌ من أمَّتي علَى الحقِّ ظاهرينَ )) المصدر: صحيح الترمذي الجزء أو الصفحة:2229

 لكن لماذا الاستباق وجعل العلماء وراء ظهرك؟

لماذا لا تُحيل إلى العلماء إحالةً حقيقية؛ لا صورية تتجمل بها؟

هنا الإشكال، فأقول يعني أن هذه الفائدة الجميلة للإمام ابن القيم-رحمه الله- نستفيد منها هذه المعاني، وهي مهمة جدًا.

المتن: يقول: قال ابن عباس: دينُك الواضح من بين أيديهم يعني الدنيا

الشرح: يعني وضح هذا أسم الإذاعة اللي قائمين عليها اخوانا "النهج الواضح" علمتم من أين أُخذ الاسم؟ فهذا من فضل الله-عزّ وجل- أرجو الله -تبارك وتعالى- أن يكون من توفيق الله لهم، أن اختاروا هذا الاسم النهج الواضح، النهج الواضح الذي لا يريده الشيطان، لأن الشيطان إذا كان الأمر واضح فهو لا يستطيع أن يتحرك، ولا يستطيع أن يذهب ويجيء، لأن في الضوء ما يستطيع المبطل، يريد أجواء فيها نوعٌ من العفش المتراكم، حتى يستطيع أن ينسل مثل الحشرات، وأن يكيد وأن يمكر، وغير ذلك، أما الوضوح فإنما يحبه الرجال، ويحبه أهل الصفاء، فدين الله –جلّ وعلا- واضح بفضل الله –عزّ وجل- نعم فيه معاني عظيمة وكثيرة، قد لا يحيط بها العباد علمًا، فيه معاني دقيقة، لكن يبقى لكل من بنى أمر دينه عليه واضح يهتدي به، وهذا من فضل الله –تبارك وتعالى- هذا من فضل الله –عزّ وجل- كما أن ربنا –تبارك وتعالى- لا يُضام في رؤيته يوم القيامة، أي لا يحتاج الناس أن ينضم بعضهم إلى بعضٍ في المحشر حتى يرووا الله –جلّ وعلا- حين يتجلّى –سبحانه وتعالى-، لماذا؟ لأنه ليس كمثله شيء، إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر، لا تضامون في رؤيته، لماذا؟ لأن الله –جلّ وعلا- سبحانه هو الحق، فكلٌ يراه في ذاك المقام، من غير حاجة إلى تزاحم، فكذلك دينه –تبارك وتعالى- فهو كالشمس المشرقة، كلٌ يؤم الحق في نفسه، ويريد وجه الله، ويتمسك بالحق، فسيصيبه هذا النور، وكلٌ يأخذ قسطه ويهتدي إلى الحق، فهو النهج الواضح بفضل الله –تبارك وتعالى-

المتن:  قال ابن عباس: دينك الواضح من بين أيديهم يعني الدنيا والآخرة، ومن خلفهم يعني الآخرة والدنيا، وعن أيمانهم قال ابن عباس: أُشَبِّهُ عليهم أمر دينهم، وعنه أيضًا من قِبَل الحسنات، وقوله وعن شمائلهم الباطل أُرغِّبهم فيه، قال الحسن: السيئات يحثهم عليها ويزينها في أعينهم، قال قتادة: أتاك الشيطان يا ابن آدم من كل وجه، إلا أنه لم يأتك من فوقك، ولم يستطع أن يحول بينك وبين رحمة الله، وهو يوافق قول من ذكر هذه الأوجه للمبالغة في التوكيد، أي أتصرف لهم في الإضلال من جميع جهاتهم، ولا يناقض ما ذكر السلف، فإن ذلك على جهة التمثيل، فالسبل التي للإنسان أربعة فقط: فإنه تارة يأخذ على جهة شماله، وتارة على يمينه، وتارة أمامه، وتارة يرجع خلفه، فأي سبيل من هذه سلكها، وجد الشيطان عليها راصدًا له، فإن سلكها في طاعةٍ ثبّطه، وإن سلكها بالمعصية هداه، وأنا أمثل لك مثالًا واحدًا لما ذكر السلف، وهو أن العدو الذي من بني آدم، إذا أراد أن يمكر بك، لم يستطع أن يمكر إلا في بعض الأشياء.

الشرح: طبعًا قبل هذه، يعني يقول قتادة هذا توارد عن السلف الصالح، فرُوي نحوه عن ابن عباس –رضي الله عنهم- قال: لم يستطع أن يقول أن يأتيك من فوقك، لماذا؟ لأن الله –جلّ وعلا- فوق جميع مخلوقاته سبحانه، فهذا من الاعتقاد الواجب على كل مسلم، وهو أن يعتقد أن الله العلي الأعلى، المتعال، وأن الله –جلّ وعلا- فوق جميع مخلوقاته، فلا تصح لا إله إلا الله من عبد إلا إذا اعتقد هذا الاعتقاد في الرب –تبارك وتعالى- كما قال الإمام أبو حنيفة –رحمه الله تعالى- وأنا أختار أبو حنيفة خاصة حتى أغيض الحدّادية قاتلهم الله، قال الإمام أبو حنيفة –رحمه الله تعالى-: قال –رحمه الله-: "من لم يعلم ربه في السماء أو في الأرض فهو كافر" وهكذا قال السلف الصالح، فمن أدلة علو الله - جل وعلا - على خلقه هذه الآية هي من الأدلة على علو الله - سبحانه وتعالى - على خلقه - تبارك وتعالى - وهذا كما قلت جاء عن عدد من السلف كابن عباس وأيضًا الأوزاعي وغيرهما، وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كما في المسند وغير المسند من حديث عبدالله ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان إذا اصبح يقول:  ((اللهمَّ إني أسألُك العافيةَ في الدنيا والآخرةِ – افتح لي بو محمد الحديث- اللهم إني أسألك العفوَ والعافيةَ في ديني ودنياي وأهلي ومالي اللهمَّ استُرْ عوراتي وآمِنْ رَوْعاتي - لا لا ما قصدت هذا، أنا قصدت حديث ابن عمر أنه إذا أصبح قال: اللهم احفظْني مِنْ بينِ يديَّ ومِنْ خلفي وعَنْ يميني وعَنْ شِمالي ومِنْ فوقي وأعوذُ بعظمتِك أنْ اغتالَ مِنْ تحتي))

المصدر: مسند أحمد - الجزء أو الصفحة:7/11

 فهذا المعنى الموجود هنا في هذه الآية كان النبي - صلى الله عليه وسلم - حين يصبح يذكر الله - تبارك وتعالى - بهذا المعنى وهو أنه يستعيذ بالله - جل وعلا – أو بجلاله من شر الشيطان أن يأتيه من الجهات الأربع لأن الشيطان يأتي من كل سبيلٍ للإنسان كما ذكر الإمام -رحمه الله- ولكن لما كان أصل الجهات الأربع ناسب أن تُذكر هذه الجهات الأربع فهو يأتيه من كل جهةٍ بأي مدخل يناسبه فتارةً يأتيه من جهة اليمين يحبّطه عن الحسنات ويأتيه من الشمال يأزه على السيئات ويأتيه من بين يديه ومن خلفه كما تنوعت عبارات المفسرين كما سيأتي لعل الإمام يذكر بعضها.

المتن: يقول وأنا أمثل لك مثالًا واحدًا لما ذكر السلف وهو أن العدو الذي من بني آدم إذا أراد أن يمكر بك لم يستطع أن يمكر إلا في بعض الأشياء وهي الأشياء الغامضة والأشياء التي ليست بعالية فلو أراد أن يمكر بك في أمرٍ واضح بَيّن مثل التردي من جبلٍ أو بئرٍ وأنت ترى ذلك لم يستطع خصوصًا إذا عرفت أنه قد مكر بك مراتٍ متعددة، ولو أراد ليمكر بك لتتزوج عجوزًا شوهاء وأنت تراها لم يستطع ذلك.

الشرح: يعني هذا مثل يضربه الإمام رحمه الله حتى يُفهم دقة أو خبث كيد الشيطان، مثل ضُرب بالآدمي حتى يُعلم عِظم كيد الشيطان هذا الجانب الآخر من المثال، المثال الأول أن الآدمي الذي هو آدمي لو أراد أن يمكر بك لم يستطع أن يمكر بك بالأمر الجلي الواضح لابد أن يأتيك من جهة يستطيع أن يُلحق بك الضرر أو الكيد وهو آدمي ثم قارن الآن بفعل الشيطان.

المتن: وأنت ترى اللعين أعاذه الله منه يأتي الآدمي في أشياءٍ واضحةٍ بينه.

الشرح: على العكس يعني شيء واضح يعرف أنه حرام يعرف أنه لا يجوز يعرف أنه مُحرم ويعتقد ذلك لا ليس يعتقد ذلك فقط بل هو يريد أن لا يقع في هذا الشيء وأن يخالف الله - جل وعلا - فانظر ماذا يصنع؟

المتن: وأنت ترى اللعين أعاذه الله منه يأتي الآدمي أشياءٍ واضحةٍ بيّنه لأنها مما حرم الله ورسوله فيحمله عليها حتى يفعلها ويزينها في عينه حتى يفرح بها ويزعم أن فيها مصلحةً ويذم من خالفه كما قال تعالى:  ((لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوا)) ﴿آل عمران: ١٨٨﴾ وقوله: ((وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴿البقرة: ٤٢﴾

وقوله: ((وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ)) ﴿البقرة: ١٠٢﴾ وهذا معنى قول من قال من بين أيديهم من قبل الدنيا فإنّهم يعرفونها وعيوبها، ومجمعون على

الشرح: وهذا الاستدلال للإمام –رحمه الله تعالى- طبعًا يدل بوضوح على علو كعبه ورسوخ علمه –رحمه الله- أعني أنه ضرب المثل بالشيطان، لمّا ضرب المثل بالآدمي وأتى بمثال قال فإنه لا يأتيك بصورة عجوز شوهاء يحملك على أن تتزوجها، لكن لمّا جاء المثال متعلّقه الشيطان ضرب الأمثلة فيما ما متعلّقه ماذا؟ الدين وتحريفه واتباع الهوى، حتّى يُنبه المسلم إلى أن كثير من المسلمين إذا ذُكر الشيطان انصرفت أذهانهم إلى المعاصي وأنّهم يقعون في المعاصي بسبب ماذا؟ الشيطان، طيب ماذا عن الأهواء؟ ماذا عن الشُّبه؟ ألم يقل السلف الصالح -رحمهم الله تعالى- كأبي بكر الصديق وغير أبو بكر الصديق، ومعاذ وغيره، أقول برأيي فإن يكن حقّا فمن الله، وإن يكن خطئًا أو باطلا فمني ومن الشيطان، فهم منتبهين أن الإنسان المجتهد في المسائل التي يصوغ الاجتهاد فيها قد يقع منه خطأ بأثر من الشيطان، انظر إلى دقة السلف الصالح نسأل الله العافية والسلامة، فيأتي الرّجل ثمّ يُصلي الفروض الخمس وغير ذلك من أعمال الصلاح ويظن أنه قد أوتي منشور يقول في الدين ويخوض، أنا ملتزم يا أخي عندي لحية، واذكر الله، أخوض في كل شيء ما يهمني لا أنا معصوم، طيب وين أثر الشيطان، أين الأسباب التي شرعها الله –تبارك وتعالى- حتّى يُتقّى أثر الشيطان في الديانة، ولذلك من عمق فقه الإمام –رحمه الله- ضرب الأمثلة ((لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوا وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُم بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ)) ﴿آل عمران: ١٨٨﴾ ((وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ)) ﴿البقرة: ٤٢﴾ فضرب الأمثلة في أمر الدين بأثر كيد الشيطان، إذًا فمن الذي يوقع النّاس في البدع والأهواء؟ الشيطان، بل هو أحرص على ذلك، هو أحرص على أن يوقع الإنسان في الهوى من أن يوقعه في المعصية، وهذا يعني الكلام فيه كثير عن السلف الصالح –رحمهم الله تعالى-.

إذًا فالمسلم ما ينبغي له أن يتقي شرّ الشيطان من جهة الطاعة والحسنات وترك المعاصي فقط، لا، طريقة تدينك، كيف تتدين لله –تبارك وتعالى-؟ ما هي الطريقة التي تتدين بها؟، ما هو الدين الذي تتمسك به؟ فإنّك أيضًا يجب تتقي شرّ الشيطان ووسوسته وهمزه ونفخه ونفثه، وتزينه فإنه يُزيّن لك القول الباطل حتّى تراه حقّا ويُزيّن لك القول المرجوح حتى تراه راجحًا، ليس لك عاصم إلا شيئين بإذن الله، أولا: الاعتصام بالله –تبارك وتعالى- ((وَمَن يَعْتَصِم بِاللَّـهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)) ﴿آل عمران: ١٠١﴾

 الأمر الثاني: أن تعتصم بالكتاب والسنّة وفهم السلف الصالح وأن تُلغي اختيارك، تحاول دائمًا ترجع وتكون دقيق، فنسأل الله العافية والسلامة لنا ولكل إخواننا المسلمين، ونسأل الله –تبارك وتعالى- أن يصلح أحوالنا وأحوال المسلمين، وأن يردنا وجميع إخواننا المسلمين إلى الحقّ ردَّا جميلًا، وأن يُعيذننا وإخواننا المسلمين من همزات ونزغات الشياطين، وأن يُعيذنا من شرو أنفسنا، وأن يوفقنا إلى الديانة التي كان عليها النبي –صلى الله عليه وسلم- وأصحابه في ألفاظها ومعانيها وهديها وطريقها إنّه أكرم مسؤول –سبحانه- لا إله إلا هو