أرجو أولاً أن تكونوا جميعاً بخير وأسأل الله تبارك وتعالى أن يتولانا وإياكم ظاهراً وباطناً وأن يهدينا سواء السبيل، وبعد فأحمد الله تبارك وتعالى وأثني عليه بما هو أهله، وأشكره على جزيل عطائه ونعمائه واسأله أن يوزعنا شكر نعمته، وأن يوفقنا إلى طاعته، واسأله أن يصلي ويسلم ويبارك على نبيه ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، إمام المتقين وخير الأنبياء صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أما بعد فأحب أن أتكلم معكم في مسألة مهمة، هذه المسألة تتعلق بالمكتبة الإسلامية، أي نحن كما نعلم قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن الأمة قد صنفت فأوعبت، يعني أن بيننا وبين النبي صلى الله عليه وسلم هناك كتب كثيرة جداً جداً جداً، هناك مئات الألوف من الكتب المصنفة في العلوم سائر الشرعية، سواء كان العلوم الأصلية التي قال عنها ابن حجر رحمه الله تعالى يعني معبراً عنها، أي العلوم التي يحتاج إليها في الأحكام العملية وفي ما يحتاج من معاني القرآن والسنة غير كتب العقائد، فإن أصول كتب العلم هي التفسير والفقه والحديث، فالعلم الشرعي طبعا هذه المسألة أعني كيف أنتقي الكتاب، كيف أستفيد من هذا الكتاب، كيف ألج إلى المكتبة الإسلامية وإلى الكتب وأنتفع بها هذه مسألة مهمة جدًا، لابد أن المسلم يكون على درجة من البصيرة فيها حتى لا تتخطفه الشبه أو أنه يدخل إلى هذه الأبواب وإلى الكتب والمصنفات من جهة الرغبة في العلم وحبه، إذ أنه كما تعلمون أن للعلم شهوة عظيمة، بل هي من أعظم شهوات الإنسان العاقل، والإنسان يعني إذا عرف فضل العلم الشرعي فإنه يريد أن يستزيد منه، كما قال صلى الله عليه وسلم: ((منهومان لا يشبعان، طالب علم وطالب مال))، فطالب العلم يحب أن يستزيد من العلم، وقد يكون حبه هذا إذا لم يكن على بصيرة سبب في أنه يتوسع في علوم أو في أشياء أو في كتب قد يتأثر منها بأشياء تضر في تحقيقه أصل الواجب عليه من اتباع السنة والآثار الواردة عن الصحابة والتابعين، إذاً نحن نعلم أن الله -جل وعلا- قد وصف نبيه صلى الله وسلم بقوله: } قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّـهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّـهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴿١٠٨﴾ { فالنبي صلى الله عليه وسلم وأتباعه هم أهل الدعوة إلى الله تبارك وتعالى على بصيرة، فلابد من البصيرة في هذا الباب حتى يكون المسلم في حَصان من أن يكون حبه للعلم وحبه لجمع الكتب وحبه للاطلاع والقراءة يكون سبباً يؤدي به إلى الخير ولا يكون فتنةً بأي صورة من الصور، طبعاً العلم بالنسبة لدعوة السنة من الممكن أن نقول أنه كالرأس بالنسبة للجسد، العلم بالنسبة لدعوة السنة أمر عظيم، والعلم ومسألة العلم وطلبه وفضله له متعلقات كثيرة لكن أنا لا أستطيع يعني أن أبسط الكلام في كل المتعلقات في هذه المسائل لكني أحب أن أجمع شتات الذهن بالتركيز في نقاط محددة بحيث نخلص كيف يمكننا أن نجمع بين نهمتنا في طلب العلم مع عدم التضرر حال اختيارنا للكتب التي ندرسها أو نقرأها، فحتى نصل إلى هذه الفائدة، لابد لنا في البداية أن نعرف وأن نسأل أنفسنا ما هو العلم الشرعي أو ما يدخل في مسمى العلم الشرعي وأن نسأل أنفُسنا: ما هو العلم الشّرعي أو ما يدخُل في مُسمّى العلم الشّرعي ؟
-يقول شيخ الإسلام ابن تيميّة-رحمه الله تعالى-: "مُسمّى العلم الشرعي وأنّه ينقسِمُ إلى ما أخبر به الشّارع"، (طبعًا) هنا الشيخ يُعبّر: بالإصطلاحات السائدة في زمانه؛ وبالنسبة لأهلِ العلم، يقصِد ما أخبر به الله-تبارك وتعالى-؛ أو رسوله-صلى الله عليه وسلم-، "فمُسمّى العلم الشّرعي وأنّه ينقسِم إلى ما أخبر به الشّارع؛ أو عُرِفَ بِخبرِه وإلى ما أمر به الشّارع"، إذا: الأخبار التي جاءت في القرآن والسّنة والأوامر والنّواهي التي جاءت بالكتاب والسّنة؛ هذا هو ما يدخُلُ في مُسمّى العلم الشّرعي مِن حيث الأصل، ويقول شيخ الإسلام ابن تيميّة-رحمه الله تعالى-أيضًا:"والشّريعة: إنّما هي كِتابُ الله وسنّةُ رسولهِ-صلى الله عليه وسلم-، وما كان عليه سلفُ الأمّة: في العقائدِ، والأحوالِ، والعباداتِ، والأعمالِ، والسّياساتِ، والأحكامِ، والولاياتِ، والعطيّات".
إذا: هذا هو العلم الشّرعي، العلم الشّرعي كتابُ الله وسنّة الرسول-صلى الله عليه وسلم- والآثار، هذا هو العلم، لكن هذا العلم الشّرعي؛ كان السلف الصالح؛ نحنُ نعلم أنّ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- كان في باديء ذي بدءِ؛ حين كان ينزِلُ القرآن: كان-صلى الله عليه وسلم- لمصلحةِ الدّين؛ كان ينهى عن كتابةِ غيرَ القرآن، حتى قال-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: (( مَن كتب عنّا غيرَ القرآنِ فليَمْحُهُ ))، لماذا ؟ حتى يُركّز على مصلحةِ جمعِ القرآنِ وضبطِهِ. وكلامُ النبيّ-صلى الله عليه وعلى آله وسلم- نظرًا لِقِصَرِ الأسانيد بل لا أسانيد؛ حيثُ أنّ الصحابة-رضوانُ الله عليهم- يسمعون مُشافهة مِن النبيّ-صلى الله عليه وسلم-، وكانوا عربًا يعتمِدون على الحفظِ ويسهلُ عليهم، وكانوا كثيرين حَولَ النبيّ-صلى الله عليه وسلم-؛ فلم يُخشَ مِن فواتِ شيٍء مِن سنّة النبيّ-صلى الله عليه وسلم-؛ ومِن حديث رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، فاقتضت المصلحة: أن يُركّز على جمعِ القرآن وكَتْبهِ، وتركِ كَتْبِ حديثِ رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، ومع هذا؛ فقد كان أصحابُ النبيّ-صلى الله عليه وسلم- يعلمون أنّ هذا الأمر؛ إنّما أمرٌ مصلَحي يُرادُ بهِ مصلحةَ الدّين، فكان بعضُهم-رضي الله عنهم وأرضاهم- يكتُبُ حديث رسول الله-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، كما كان عبد الله بن عمرو بن العاص-رضي الله عنهما-، حتّى علّل أبو هريرة-رضي الله عنه وأرضاه-: حفظ عبد الله لأشياء لم يكُن يحفظها أبو هريرة-رضي الله عنه-:"بأنّه كان يكتُبُ ولا أكتُبْ". فالمقصود: أنّ كتابةِ العلم كانت ترتبِطُ بالمصلحة، وحقيقةُ العلم كانت واحدة عند السلفُ الصالح، ما كانوا يختلِفون على حقيقةِ العلم، لأنّ العلم عندهُم هو الوحي، أو ما يدُلُّ عليه الوحي، أو ما يُساعدُ على فهمِ الوحي ممّا جاء بعد ذلك؛ مِن الآثار عَنِ الصحابة والتّابعين، ولذلك كانوا يعتبرون الآثار عن الصحابة والتّابعين مِن العلم، فكانوا يكتُبونها في وقتٍ مُبكِّر، فلمّا جاء على رأسِ المئة للهجرة؛ مثلما حصل المُقتضى قبل ذلك في أن يُجمع القرآن؛ أن يُكتب في زمنِ أبي بكر؛ ثمّ يُجمع بعد ذلك؛ فكذلك تفرُّقَ أصحابِ الرسول-صلى الله عليه وسلم- في الأمصار؛ خَشِيَ عمر بن عبد العزيز أن تضيع شيءٌ مِن أحاديث رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، فراسل الأئمّة في الأمصار كمعمر بن راشد، وابن جُريج وغيرهُما، هُنا وهُناك؛ بأن يكتبوا حديث رسول الله-صلى الله عليه وسلم- على رأسِ المئة الهجريّة، وإلى ذلك رمزَ السُيوطي فقال: "أوّلُ جامعِ للحديث والآثر- ابن شِهابِ آمِرًا له عمر"، فهنا بدأ النّاسُ يَسعَون لجمع وكتابةِ حديث رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، ثمّ كانوا يكتبون مع ذلك الآثار عن الصحابة -رضوان الله عليهم-، وكانوا يَخشَون أن يزيدوا على ذلك، وكانوا يُضَيِّقون في التصنيف، كانوا يُضَيِّقون جدًا في التصنيف، ويشتدُّون في هذا الباب، ولذلك ما كانوا يُحبّون التصنيف وكِتابة الكُتب، حتى وُجِدتْ حاجات ومُقتضيات لِلكتابة في أنواع مِن العلوم، وُجدت حاجات ومُقتضيات يحتاج أن يُكتب في شيءٍ مِن العُلوم، فالصّحابة-رضوان الله عليهم- والتّابعون بعدهم؛ كانوا مِن جهةِ العربيّة؛ كانوا عرَبًا أقحاحًا، فما كانوا يلحَنون في الكلام، وما كان يَشُقُّ عليهم فهم الكلامِ العربيّ الفصيح، لكن لمّا بدأ شيئًا مِن العُجمى، وضعفُ اللِّسان بالإختلاطِ بالأُممِ الأخرى؛ وُجِد مُقتضى لأن يُكتب في شيءٍ مِن علومِ العربيّة، أو أن يُضاف إلى رسمِ الكتابةِ أشياء؛ تحفظُ رسم المُصحف، وتحفظُ اللِّسان العربيّ المُبين، ولذلك في القصّةِ المشهورة: أنّ عليًا-رضي الله عنه وأرضاه- أمرَ أبا أسود الدُؤَلي؛ بأن يكتُب شيئًا في النحو، كما قيل في مُقتضى كِتابةِ علمِ النحو، ولمّا كان بعضُ أُصولِ الفقه؛ مِن المعلوم أنّه يُؤخذُ مِن جِهةِ العربيّة، كالعُموم والخُصوص والإطلاق والتقييد، فهذه دِلالات مِن جِهةِ اللغة، فلمّا ضَعُفتِ اللغة؛ اِحتيج لوضع شيءٍ يُمَيِّزُ بين هذه الأشياء؛ حتى لا يُخطأ في فهمِ كلامِ الله؛ وكلامِ الرسول-صلى الله عليه وسلم-، فكتب الإمام الشّافعي-رحمه الله تعالى- الرّسالة بأمرٍ وإرشادِ مِن الأئمّة؛ الذين هُم في طبقةِ شُيوخِه؛ كعبد الرحمن بن مهدي-رحمه الله تعالى-، فكتب الرّسالة التي تُعتبرُ أول ما صُنِّفَ مِن جهةِ أصول الفقه، كما قال الناظِمُ: "أول مَنْ صنَّفهُ في الكُتبِ- مُحَمّدُ بن الشّافعيّ المُطّلِبِ، وغَيرُهُ كانَ لهُ سليقةَ- مِثلِ الذي للعُرْبِ مِنْ خَليقة"، إذا: فكانوا لا يُصنِّفون ويكتبون؛ إلاّ إذا وُجِدتِ المُقتضيات.
كذلك علمُ الحديث لمّا وُجِدَ رجال ينقُلون، وصار هناك واسِطة بين النبيّ-صلى الله عليه وآله وسلم-، كان هناك واسطة بين النبيّ-صلى الله عليه وسلم- وبين هؤلاء الرّجال، وكان هناك طُرقْ في التحمُّلِ والأداء، وكان هناك أحوالِ للرّجال؛ فهُنا أيضًا وُجِد المُقتضى للكتابةِ؛ في الجرحِ والتعديلِ وفي ما يُعرفُ بأصولِ الحديث، إذاً كان السلفُ ينظرون في المُقتضى والمصلحة، لأنّهم أتباع للنبيّ-صلى الله عليه وسلم-؛ الذي كان يُراعي المُقتضى والمصلحة فيما يُكتبُ وما لا يُكتب، فكانت الأمور تامّة ومُستتِّبة على هذا النحو الجميل العظيم، في هذه القرون التي مُلِئت بالخيريّةِ، والأفضليّةِ بنصِّ حديث رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: ((خيرُ النّاس قرني ثمّ الذين يلونهم)).
ولذلك كان الأئمّةُ الفُحول الكِبار؛ ينهَونَ أشدّ النهي عن أن يُكتبَ شيء مِن العلم، وكانوا يُشدِّدون حتى في الكلامِ الذي يُقالُ في شرحِ وبيانِ المعاني، فقال عبد الله بن مُبارك: "خُذْ مِنَ الرأي ما يُفسِّرُ لك الحديث"، حتى كان بعضُهم يتشدّد فلا يكتُبُ الآثار، فلمّا كتبَ الزُهْريّ الآثار؛ فاق مَن لم يكتُبها، لأنّها مِن العِلم، وكان الإمامُ أحمد يُشدّدُ في ذلك كثيرًا؛ وينهى عن أن يُكتب شيئًا، لكنّ النّاس يحتاجون في ما يحتاجون إليه؛ إلى معرِفةِ مذاهبِ أئمّةِ الدّين وعلماء السنّة، فلذلك تناقلوا فيما بينهُم أقوالهم، فوُجِد جامِعُ سُفيان، وكان يُكتبُ فيه الآثار عن سفيان، ووُجد الموطأ وفيه شي من استنباطات العلماء للإمام مالك – رحمه الله-.
إذن كان الأمر بالنسبة للسلف الصالح يسير مع المقتضيات الشرعية الصحيحة، لكن في مقابل ذلك أهل البدع الذين لم يدعو أهل دين قط لا قبل الإسلام ولا بعده يستريحوا ويبقوا علی الحق المبين، بما في صدورهم من أهواء تدفعهم إما للمجادلة وإما لعدم التسليم والرضا وإما لإحداث شئ بأهوائهم وآرائهم وإما لوجود أشياء من الأمراض التي تعصف بالإنسان وتجعله يحيد عن الصراط المستقيم. فوجدت البدع، فلما وجدت البدع؛ وأول البدع وجودا لما كان الخوارج، والخوارج جمعوا بين أصلين كبيرين تبعهما عليهما كل أهل البدع من بعدهم فخرجوا عن السنة أولًا ثم وقعوا في التكفير ثانيًا،فما من صاحب بدعة أو هوی بعدهم إلا وتجده قد وجد فيه هذين الوصفين. فالمقصود أن أهل البدع أيضًا زعموا أن هناك مقتضيات تقتضي أنهم يُحدِثون أشياء من العلوم ومن الفلسفات ومن الكلام ومن غير ذلك حتی يكتبوا الكتب ويضعوا الكتب، فوضعوا الكتب محتجين بشُبَهٍ يزعمون أنها مقتضيات وفي الحقيقة أنها شبه وليست مقتضيات. فأدخلوا مثلا علم الكلام وأدخلوا المنطق اليوناني الأرسطاطيسي- منطق أرسطو وشيوخ أرسطو-، أدخلوه ومزجوه مزجًا بعلوم الإسلام وأخذوا يصنفون ويكتبون، ثم بعد ذلك دخلوا علی العربية أيضًا، فرأوا أن من خلال العربية مسرح واسع لهم يبثون فيه أهوائهم، فصنفوا في علوم العربية مع أهل الإسلام بحكم كونهم أهل إسلام في الأصل، فدخلوا وصنف بعضهم معاجم وصنف بعضهم في النحو وصنف بعضهم في شرح أسماء الله، وأخذوا يبثون أشياء من ضلالات أرسطو التي تناسب أهوائهم كقولهم بالمجاز وإدخالهم المنطق في أصول الفقه وفي العربية، فامتزجت هذه العلوم بأشياء وأشياء من صنيع أهل البدع واسعة كثيرة، فضلا عن كتب الفقه وما بث فيها من الآراء مجردة ومن التعصب لها ومن التفريع عليها ومن معاملة أقوال الأئمة وكأنها قرآن وسنة، فتوسع الخرق وتوسع الأمر.
إذن فأهل البدع حتی لا يصدم المسلمين ويكون قولهم له مساغ عند الناس حيث يقول لهم المسلمون لم أحدثتم ما أحدثتم في علوم الإسلام؟ فقالوا لهم في ذلك شبهتين- لهم في ذلك يعني في الافتراء وفي الكذب وفي وضع مقتضی لإيجاد علومهم-، أوجدوا شبهتين:
●أولاهما: أن السلف-رحمهم الله-كانوا مشتغلين بالعبادة والجهاد فلم يتفرغوا للعلم والاستنباط.
●ثانيهما:أنه قد طرأ بعدهم ما لم يكن في زمانهم مما يقتضي الاجتهاد.
عندهم هذه الشبهتين، هذا أكبر شبههم في الباب؛ أن السلف كانوا مشتغلين في العبادة والجهاد فلم يتفرغوا للعلم والاستنباط، والشبهة الثانية: أنه قد طرأ بعد السلف ما يقتضي أن يتُكلم فيه مما لم يكن في زمانهم. هذا أكبر شبهتين ترجع إليهما المقتضيات التي يعلل أهل البدع ما أحدثوه في علوم الإسلام، طبعاً العجيب في الأمر أن، هذا يذكرني بالإمام بن عثيمين- رحمة الله عليه- حين حاول بعض القطبين في سيرته الذاتية أن يزُج عليه سؤالاً يخرج منه كلاماً ينفع مذاهبهم الرديئة فسأله عن سيد قطب، فقال: لم أقرأ له ثم علق الشيخ؛ قال: "أنا لا أحبذ" معنى كلامه: "أنا لا أحبذ القراءة في كتب المتأخرين لأنك تقرأ كثيراً وكثيراً ولا تجنى من الفائدة إلا القليل، وأما كتب أهل العلم فتقرأ وتستفيد"، ثم أن الشيخ- رحمه الله- لما حاول أيضاً أن يزُج له بمسألة الرد على العلمانين أو ما أشبه ذلك، فقال له الشيخ: "أن أهل العلم وردودهم كافية وجديرة بالعناية وحصول المقصود، مقصودٌ كثيرٌ بها نظراً لأن ملة الكفر واحدة" فانظر كيف عصم الله- جل وعلا- الشيخ بن العثيمين من كيد هذا السائل الخبيث الذى أراد يُخرج منه كلاماً ينفع به مذهبه ودينه، فعصم الله –عز وجل- الإمام بن عثيمين بإعتصامه بالكتاب والسنة، وهذا يذكرني أيضاً، أعني شبهة أهل البدع، حين يقولون أن السلف كانوا مجتهدين وكانوا مشتغلين بالعبادة والجهاد فلم يتفرغوا للاستنباط، فهذا يدلك على أن المدح للشخصِ المعينِ وإظهار الثناء عليه لا يعنى تولي ما هو عليه من المذهب والدين، يعنى إذا رأيت الرجل يُثنى على فلان ويذكره بالخير، هذا من أهل الفضل وأهل العلم، من أهل السنة من.. من..، إلى غير ذلك. فهذا الثناء ليس بالضرورة معناه التسليم بمذهبه أو أنه يؤيد ما هو عليه من المذهب والدين القويم، بل قد يكون ذلك نوعٌ من الحيلة. وقد رأينا ذلك جلياً حين صنف بعض التراثين كُتيباً جمع فيه الكلمات الهادئة والحكيمة بما تحمله من دلالة على سعة صدر الإمام بن باز –رحمه الله تعالى- لكنه أراد أن يُخرج الإمام بن باز وكأنه على طريقة القوم قائلاً بالموزانة بين الحسنات والسيئات، أو أنه يسلك في كل ردوده وفي كل شأنه أسلوب الرحمة والرفق مطلقاً، ويريد أن يُخَرّج حال الإمام بن باز على ما تهواه نفسه، وهذا في الحقيقة وإن كان ظاهره الرحمة فباطنه العذاب، بالضبط تماماً مثل هذه الشبهة هنا؛ حين قالها هؤلاء مادحين السلف إنهم قالوا مشتغلين بالعبادة، ومشتغلين بالعلم والجهاد، فليس عندهم تفرغ لطلب العلم وتصنيف الكتب وإلى آخره. يعنى حرموا السلف الصالح من أعظم خصيصة فضل يفْضُل بها إنسان وهو العلم، سحبوا البساط من تحت أقدامهم في ثوب المدح، فانظر إلى الشيطان كيف يزين للناس الباطل، وكيف يُخرجوا الباطل الوخيم، يُخرج بصورة حسنة حتى يَغَّرُ ضِعَافِ القلوب، وضعاف اليقين وضعاف الإعتصام بالكتاب والسنة، يقول الإمام ابن القيم- رحمه الله تعالى- فى الصواعق، (الصواعق المرسَّلة على الجهمية المُعَطِّلْة) هذا العنوان الجميل (الصواعق المرسَّلة على الجهمية المُعَطِلْة)، هذا العنوان الجميل لهذا الكتاب العظيم الذي استقبحه عصام البشير جداً فقال: ينبغي أن نمحو من ذاكرة الأمة ومن كتبها هذه الأسماء الهجومية التى تدل على الشدة والغلظة ثم ضرب المثال بهذا العنوان، فانظر وهو من الإخوان المسلمين، لكن انظر ؛ يعني كما قال المولى -سبحانه وتعالى- : { تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ } [البقرة:118] . يقول الإمام ابن قيم –رحمه الله تعالى- قال شيخنا: "وإنما أوتي هؤلاء المبتدعة الذين فضلوا طريقة الخلف على طريقة السلف، من حيث ظنوا أن طريقة السلف هي مجرد الإيمان بألفاظ القرآن والحديث من غير فقه ولا فهم لمراد الله ورسوله منها، واعتقدوا بأنهم بمنزلة الأميين، الذين قال الله فيهم: { وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ ﴿٧٨﴾ } [البقرة:78] وأن طريقة المتأخرين هي استخراج معاني النصوص وصرفها عن حقائقها بأنواع المجازات، وغرائب اللغات، ومستنكر التأويلات، فهذا الظن الفاسد أوجب تلك المقالة، التي مضمونها نبذ الكتاب والسنة، وأقوال الصحابة والتابعين وراء ظهورهم، فجمعوا بين الجهل بطريقة السلف والكذب عليهم وبين الجهل والضلال بتصويب طريقة الخلف" انتهى كلامه-رحمه الله تعالى- أما شبهتهم أنه قد طرأ بعدهم ما لم يكن في زمانهم فالجواب عن ذلك يطول ولكني أقتصر على قول عمر بن عبد العزيز –رحمه الله تعالى- الذي معناه "ولا تقل حدث بعدهم، فإن ما دونهم مقصر وما فوقهم مُحسَّر وأنهم لبين ذلك على هدىً مستقيم"، وأما جوابٌ عامٌ آخر فأنما يطرأ بعدهم من المقتضيات، مسائل اجتهادية هنا أو هناك، ينبغي أن يُفتى فيها بما كان عليه السلف الصالح- رحمهم الله تعالى- فالباب قد سُد بموت النبي- صلى الله عليه وسلم- ثم السلف الصالح فليس هناك كعلمٌ أصلى يُرجع إليه يُحتاج أن يتفضل به على الشريعة، الشريعة لا تحتاج إلى متفضلٍ عليها، يجتهد لنا بأصلٍ جديد أو بشيء جديد، يضيفه إلى الشريعة، الشريعة كاملة بنص كلام الرب- تبارك وتعالى-} الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } [المائدة:3]. إذاً وصل الكلام إلينا بكل هذه الكتب وبكل هذه الأمور كما رأينا، فما هو؟ كيف؟ طبعاً المسألة كما قلت في بداية كلامي لها متعلقات كثيرة جداً، يعنى متعلقات مسألة التصنيف وإلى آخره، لها متعلقات كثيرة لكنى أحب هنا يعنى أن أشير إلى ملاحظة مهمة جداً في هذا السياق حتى نفهم؛ في زمن السلف الصالح وما بعدهم لم يكن ثمَّة مطابع، ولم يكن ثمَّة كتب كان كل عالم أو طالب علم كتبه التي يقتنيها إما يشتريها إذا كان مليئاً، إذا كان عنده قدرة ولذلك كان كثير يعنى من أهل العلم الفقراء لم يكونوا يستطيعون أن ينسخوا الكتب لضعف ذات يدهم، حتى أن بعضهم كان يأتي حوانيت الكتب فيجلس فيها ويطالع ويعتمد على قوة حفظه أن يجني ما فيها دون أن يشتريها، فوجد ما عُرف بالنُسَّاخ فكان ثمَّة نسخ فكان العالم يأتي ويكتب الكتاب ثم يضيف إليه ما سمع إليه من أشياخه، فكثرتُ التصانيف بهذا الإعتبار كثيراً جداً نظراً لطبيعة أو لحقيقة ما هم عليه من مكتبات وكتب. فكان الشيخ يأتي ويكتب علم شيخه ويكتب الآخر فتكثر ويطلق عليه إسم، فكثرت الكتب خاصة في الفقه بهذا الإعتبار، وأيضاً حصل الانتصار للمذاهب فصُنفت الكتب انتصاراً للمذاهب، كذلك أيضاً صُنفت الكتب باعتبارات كثيرة جداً، فالمقصود إن كان في وضع معين. أما في زمننا هذا، فمقتضيات التصنيف تختلف تماماً عن مقتضايته في الأزمنة السابقة، ففي هذا الزمن ينبغي لمن أراد أن يكتب أن ينظر فيما يكتبه، إن كانَ مُتَضَمنًا في أقوال السابقين، يعني أنا لا أُريد أن أبحث في هذه المسألة الآن، لكن مقصودي التنبيه؛ لأننا بُلينا في هذا الزمن بأنَّ هُناك من يأتي يُحقّق المخطوطات ويتخذُ من خلال تحقيقهُ للمخطوطات طريقة لطلبِ العلمِ وللشهرة، فوُجِد بعض المُحققين ممّن ليسوا من أهل العلِم، راجَ سوقُهم عند الناس أنهم أهل العلم لأنهم أخرجوا بعضَ الكُتب، فهذه طريقة ينبغي أن يُنتبه إليها، فالتحقيق هذا صناعةٌ محضّة، التحقيق صناعة محضّة، ليس من طلبِ العلمِ في شيء، إنما هو صناعة يُرادُ منها إخراجُ المخطوط من حيز المخطوط إلى حيز المطبوع ينتفعُ منه الناس، فقضية التحقيق ينبغي أن تُوضعُ في إطارها الصحيح. هذه نقطة وكما قُلت لا يمكن جمع الأمر. فنأتي الآن إلى الجواب على السؤال المهم، طبعًا هناك مسائل كثيرة في هذا الباب، يعني مثلًا فيه مسألة وهي مثلًا، أطرح هذا السؤال وهو: هل كثرة الكُتُب نعمةٌ أو نقمة؟ يعني هل كثرة التصانيف هذه هي من نعم الله- عزَّ وجلّ- على هذه الأمة؟ أو أنهُ أمرٌ ليس بجيد؟
إذا نظرنا إلى هذه المسألة من الجهة الأمرية، أعني من الجهة الشرعية، من جهة هدي السلف الصالِح في الكتابة، فلاشكَ أن كثرة التصانيف وتنوعها جعلت المسافات إلى المقصود الأول الأصلي، وهو كلام الله وكلام النبي- صلى الله عليهِ وسلم- وكلام الصحابة والتابعين ومعانيها، جعلت الطريق إليها شاقًا وكثيرًا وطويلًا. فبهذا الاعتبار هذا الأمر يُعتبر من الأمور المذمومة التي حالت بين الناس وبين الرجوع إلى المصادر الأولى النقية، فبهذا الاعتبار هذا الأمرُ أمرُ غير جيد، وقد نصَّ المعصومي الخُجَنْدي- رحمهُ الله- وهو من أهل العلم على هذا المعنى، وأن كثرة التصانيف صارت وعورة وسبب في الحيلولة بين الناسِ وبين الوصولِ إلى الحقائق العلم الذي يُحتاجُ إليه حتى اضطرَ أهلُ العلمِ للتنبيهِ على هذا المعنى في مقامات السنة والاعتقاد فقالوا – رحمهم الله تعالى- وليست كثرة العلمِ بكثرة الكتب ولكن بإصابة الحقّ تنبيهًا على عدمِ انشغال الإنسان بالوسائط الكثيرة دونَ أن يذكر حصول المقصود من الرجوع إلى العلمِ الصحيح الأول، لكنها من جهةٍ أُخرى فإنَّ العلماء المُتَبحرين في العلم قد يحتاجون إلى أنواع من العلوم ما لا يحتاج غيرهم كما هو معلوم، فهُنا قد يكونُ بعض الكتب في حقهم نعمة لأنهم يُحسنونَ الإستفادةَ منها وجِناية الخيرِ المُراد منها، ولذلك لمّا سألَ سائِلٌ شيخ الإسلام ابنُ تيمية - رحمهُ الله تعالى- عن طلبِ العلِم وماذا يوصيه فأشار إلى كثرة التصانيف ثُمَّ قَال له عليكَ بصحيح البخاري، ثُمَّ نبهَ- رحمهُ اللهُ تعالى- على أنَّ صحيح البُخاري لا يكفي المُتَبَحر في العلِم، فدلَّ ذلك على أنَّ هناكَ مقامات فمقام المُقتصد غير مقامِ المُتَبحِر، واللهُ أعلم، وإن كانَ من الناحية القَدَرية قد يكونُ ثمةَ في كثرةِ تصانيف أهل الإسلام من رسوخِ اسمهِ ومن تمامِ ذكرهِ، ومن حمايةِ علومهِ أشياءَ وأشياء قَدرية فهذا أمرٌ موكولٌ إلى الله –سبحانهُ وتعالى- وحكمتهُ فيما يقضيهِ – تبارك وتعالى- إذ أنَّ قضاء الله- تبارك وتعالى- مليءٌ بالحِكَمِ التي لا يُعلَمُ إلا بعضها.
هُنا أُحِب أن أختم إذًا بأن أُجاوب على السؤال المُهم وهو كيف نجمع بين الاعتصام بالكِتاب والسنة ومذهب السلف الصالح رحمهم الله - تعالى - وبين الاستفادة من المكتبة الإسلامية ؟.
فأستطيع أن أُجيب بنصائح، أستطيع أن أُجيب على هذا السؤال بنصائح :
النصيحة الأولى، التذكير بقول السلف الصالح -رحمهم الله تعالى - : إن هذا العِلم دين فانظروا عمن تَأخذونَ دينكُم، وقولَ شيخنا محمد أمان رحمه الله - تعالى - : الأُستاذُ أهم مِن الكِتاب، فندرُس على أيدي عُلمائِنا الموثوقين ما استطعنا إلى ذلك سبيلًا .
النصيحةُ الثانية، أن نعتني بالكُتب التي يعتني بها أهل العِلم مِن أهل السنة وينصحون بِها .
النصيحة الثالثة، ترك الشذوذ وترك الشُّدود وترك تتبع الغرائب، وتنويع المصادر مِن غير بصيرة وكذلك التقدم بين يدي أهل العلم .
النصيحة الرابعة، أن نأخُذَ ما نحتاج إليه ويقوم المُقتضى لهُ، كما قيل: خُذ من العربية كما يُأخذ من الملح في الطعام، أي ما يُصلِحُهُ .
النصيحة الخامسة، توقي أثر العلوم الطارِئة لاسيّما الآليةُ منها في اصطلاحاتِها ومَعانيها المُحدثة وأساليبِها المُتكلِفة، وقد نسيت أن أذكر إن مما أحدثَهُ أهل البدع التوسع في الاصطلاحات، فحيلَتُهم في التوسع في الاصطلاحات سواء كان مِن جهة اللغة أو الأصول أغرب في ذلك أيما إغراب أنسى المَقصود الأول، حتى يجعلوا العِلم صِناعةً تَخُص من يريدونه هم وليس كما هي الحقيقة أن العِلم دين.
كذلك مما يُنصح به في هذا الباب سادِسًا، تذكر الأصل الأكبر مِن الاعتصام بالوحي والآثار دائِمًا وأبدًا والسعي في تحقيق الإتباع عَملِيًا ليس شِعارًا نظريًا فقط .
والوصية والنصيحة السابعة، تنويع مصادر الحق وشُيوخ السنة كما قال الإمام أيوب السُختياني رحمه الله - تعالى -: لست تعرف خطأ شيخك حتى تُجالِس غيرهُ. إذًا فلا نَعِقّ ولا نخرجُ ولا نطعن بِكُتب العِلم مُطلقًا ونسارع إلى كذلك كما صنع بعض السُفهاء في كِتاب ابن حجر -رحمه الله تعالى - الحافظ فتح الباري، فكان يُسميه حداد مُبتدع بينما يقول عنه الإمام مُقبِل - رحمه الله تعالى - : أنه خِزانة عِلم، فانظر إلى الفرق بين الوصفين، فلا نغلو هذا الغلو وهذا الشطط بالنقد السريع ذو الأنفاس الغالية التي لا يُحقق مقصود الشرع، ولا أيضًا نقذف بالشباب إلى سائر الكُتب بِحُكم كونها مُنتشرة أو مُعتبرة دون أن يُصاحب ذلك تحقيقٌ للبصيرة، أو ما سماه الإمام الألباني - رحمه الله تعالى - بالتصفية والتربية، فإن هناك عُلوم كثيرة قد فُرِضت وهي واقِعٌ موجود فلا بد من الولوج إلى هذه الأبواب ببصيرةٍ وحِكمةٍ وتؤدة فيُنتفع من صنيع العلماء ومُصنفاتهم على وجه راشد يُؤخذ به الحق ويُترك به الخطأ والباطل، كذلك لا يُنصح أبدًا بأن يُسارع الشاب إلى شيءٍ جديدٍ قد صُنف لا يُعلم أن أهل العِلم قد قرؤوه قِراءة دِراسة وتدبر، أو أنهم يكونون قد قرؤوه لكن لا يستطيعون أن يُعلِنوا بالنكيل عليه لاعتبارات تقتضيها المصالح والمفاسد فإن أهل العلم - رحمهم الله تعالى - وحفِظ الله الأحياء منهم يُقدِّرون المصالح والمفاسد؛ فينبغي للشباب عمومًا ولطلاب العلم خصوصًا أن يكونوا عونًا للعلماء في تحقيق مقاصد دعوة السنة، فلا يمتحنوا العلماء في أشياء من أجل أن يتكلموا فيها يعلم طالب العلم ذو البصيرة وصاحب السنة ذي النور أن فيها شيءٌ يقتضي الريبة ويقتضي الحذر، فأنت قد علمت ذلك بالنور وباعتصامك بالحق، فلماذا تمتحن العلماء امتحانًا إلا أن يتكلموا، فقد تكون هناك مفسدة أو مصلحة تقتضي أن العلماء يتريثون ويُطيلون النفس، فلا تكن محنةً على العلماء وكن عونًا لهم في تحقيق؛ وهذا يدل على أن دور الطلاب والشباب مع العلماء هو دور التعاون على البر والتقوى. فليس دعوة السنة ينهض بها العلماء فقط، بل إن الأعوان والأنصار ينهضون بها إذا كانوا على بصيرة. وهذا يُذكرني بمثال حين صنّف ذلكم الرجل الذي اسمه مصطفى إسماعيل، صنف رسالته المنهاج أو كذا في الاعتقاد، فصنفها وأوهم أن العلماء قد قدموا لها وكان آنذاك قد سأل مسائل جيدة للإمام الألباني -رحمه الله تعالى-، وأظهر النسبة إلى السنة والطعن على البدعة، فسارع بعض الشباب، ومازلت أذكر حين دخلتُ بعض المجالس، فرأيت شابًا يُطالع في كتابه هذا، عَلِمَ الله -تبارك وتعالى- أن ذلك كان أمرًا غير جيد، لكن لم أستطع أن أقول له شيء، ثم بعد ذلك لما أُخْضِعَ كتابه هذا للدرسِ وللتدقيق رُؤُيَ فيه من الطوام ما علمه القاصي والداني، فالمقصود أن على الشاب ذو البصيرة أن يعرف مسؤوليته المختصة به فيقتصر عليها، ولا يكون في أمر السنة مُتَفَكِّهًا، يسألُ تَفَكُّهًا ويسأل هكذا للمعرفة لا، ينبغي أن يقوم بدوره المطلوب منه بتقوى الله-عز وجل- في هذه الدعوة المباركة.
فأسأل الله-تبارك وتعالى- أن يمنحنا وإياكم وأن يرزقنا العلم النافع والقلب الخاشع والعمل الصالح، وأن يُقيّض لدعوة السنة أمر رُشدٍ تُنصر به، وتُقمع البدع والأهواء كلها على اختلاف مدارسها، وعلى اختلاف توجُهاتها في هذا الوقت والزمان. هذا والله أعلم، وصلى الله وسلم على محمد وعلى آل وسلم.