بسم الله والحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله، نستأنف الدرس في تفسير سورة البقرة اليوم 15 من رمضان 1435من الهجرة مع شيخنا الفاضل خالد بن عبدالرحمن - حفظه الله تعالى ووفقه وسدده - وقبل أن أشرع في تلاوة ما توصلنا إليه من الآيات الكريمة. أحب أن أنبه فيما يختص بالأسئلة التي ترد إلينا فينبغي أن يكون هناك نوع من تنظيم هذه الورقات، الأصل أن الورقات تأتي إلى وأنا -إن شاء الله- سأحرص على إيراد هذه الأسئلة على الشيخ، فإن كان في بعض الأسئلة مايمنعني طرحها وقراءتها فسأمنعها وذلك لمصلحة ما أراها وهذا مما خولت به جزاهم الله خيرًا المشايخ وقد يكون ذلك بسبب ضيق الوقت فإن كان كذلك، فلا يحمل نفس أحد منكم في نفسه شيء على إني امتنعت من طرح سؤاله لأجل غرض ما أو كذا. فإنما هي لأمور، وقد أرجئ هذا السؤال حتى أطرحه في اليوم الذي بعده. الأمر الثاني أن الأسئلة الأصل فيها أن تكون فيما يتعلق في تفسير سورة البقرة، وهو الغرض الأساسي الذي وضع لأجله هذا الدرس، فنلتزم هذه الشروط بارك الله فيكم. إذًا، الأسئلة ترد إلي جزاكم الله خير.
أعوذ بالله العظيم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه }وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴿١٣٥﴾ قُولُوا آمَنَّا بِاللَّـهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴿١٣٦﴾ فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوا وَّإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّـهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴿١٣٧﴾ صِبْغَةَ اللَّـهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّـهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ ﴿١٣٨﴾ قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّـهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ﴿١٣٩﴾ أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ قُلْ أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّـهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللَّـهِ وَمَا اللَّـهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴿١٤٠﴾ تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴿١٤١﴾ سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُل لِّلَّـهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴿١٤٢﴾ وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّـهُ وَمَا كَانَ اللَّـهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّـهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ ﴿١٤٣﴾ قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَمَا اللَّـهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ ﴿١٤٤﴾ وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَّا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُم بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم مِّن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَّمِنَ الظَّالِمِينَ ﴿١٤٥﴾ { ]سورة البقرة: 135-145[
جزاك الله خيرا وسددك الله، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وأصحابه وسلم أجمعين، أما بعد:
وصلنا في تفسير سورة البقرة في دروسنا إلى هذه الآيات التي تلاها علينا الشيخ علي جزاه الله خيرا أبو عبدالرحمن ونفع الله به.
يقول الله – عز وجل -: }وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ تَهْتَدُوا } قال اليهود وقال النصارى للمسلمين كونوا هودا أو نصارى، قال اليهود للمسلمين كونوا يهودًا، تهتدوا إذا صرتم يهودًا، وقال النصارى كذلك للمسلمين كونوا نصارى تهتدوا، فزعم اليهود أن الهداية في دينهم وما هم عليه من الدين الباطل المحرَّف، وزعمت النصارى الزعم نفسه، قال الله – عز وجل-: } قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا } أي الحق والهُدى ليس عند اليهود ولا عند النصارى الكاذبون المُحرِّفون كتاب الله، } وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّـهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّـهِ } [التوبة: 30]، فهؤلاء الكاذبون المحرِّفون المُدَّعون بأن عزيرًا ابن الله وهم اليهود، والمُدَّعون بأن المسيح ابن الله وهم النصارى فهذا كفرهم وضلالهم، فقال الله – عز وجل – آمِرًا نبيه – صلى الله عليه وسلم -: } قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا }، والحنيف كما أخرج الطبري بإسناد صحيح عن قتادة، قال: الحنيف هو قول لا إله إلا الله، أي من تمسَّك بتوحيد الله – عز وجل – فهو الحنيف، وأصل الحنيف في اللغة: هو الذي يميل من جهة أو من شيء إلى شيء فهو حنيف، نبي الله إبراهيم مال عن الشرك وتمسك بالإسلام – عليه الصلاة وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام -، وقد ثبت في الصحيح: (( أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم -كان يمشي ذات يومٍ في السوق فناداه رجلٌ من خلفه فقال: يا خير البرية فألتفت إليه النبيَّ -عليه الصلاة والسلام-قال :ذاك إبراهيم)). أي خيرُ البرية عليه الصلاة والسلام، وثبت في صحيح البخاري أنَّ النبيَّ –صلى الله عليه وسلم قال: ((أولُ من يُكسى يوم القيامة من الخلائق إبراهيم يجمعُ الله الناس حُفاةً عُراةً غُرلاً))، كما في صحيح البخاري، فقال النبيَّ -صلى الله عليه وسلم -: أول من يُكسى يوم القيامة من الخلائق إبراهيم، فإبراهيمُ عليه الصلاة والسلام جاهد في توحيد الله، وهو أبو الأنبياء ولذلك وصفه الله-عزَّ وجل- بوصفٍ عظيم فقال: }وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّىٰ ﴿٣٧﴾} [النجم: ٣٧]. وفّى ما أمره الله به من قيامه بالحنيفية السمحة. وقوله تعالى : قل بل ملَّة إبراهيم حنيفاً، وقد ثبت عن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم – فيما صحح الألباني وغيره أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم – قال: ((بعثتُ بالحنيفية السمحة))، فالحنيفية كما جاء عن قتادة وغيره من السلف فيما روى الطبري وغيره: "الحنيفية هو قول لا إله إلا الله وهو التوحيد"، قال الله –جل وعلا-: } قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} أثبت له التوحيد ونفى عنه الشرك وإنما نفى الشرك بعد إثبات التوحيد رداً على دعوى اليهود حين قالوا إن إبراهيم كان يهودياً وحين قال النَّصارى كان نصرانيا فكذبهم الله –عزَّ وجل- فقال: }مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَـٰكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [آل عمران: ٦٧].
فكذبهم الله حينما نسبوه إلى الشرك؛ لأن إبراهيم إذا نُسب إلى اليهود في قولهم بأن عزيراً ابن الله أو نُسب إلى النصارى على اعتقادهم حين يقولون: عيسى ابن الله فهذا هو الشرك، قال الله –جل وعلا- : }وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴿١٣٥﴾}، فبعد أن أمر الله نبيَّه: }قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ}، خاطب عامة المسلمين فقال الله –تعالى-: } قُولُوا آمَنَّا بِاللَّـهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰوَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴿١٣٦﴾} .
وقد ثبت في صحيح البخاري من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: ((كَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يَقْرَءُونَ التَّوْرَاةَ بِالْعِبْرَانِيَّةِ وَيُفَسِّرُونَهَا بِالْعَرَبِيَّةِ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ((لَا تُصَدِّقُوا أَهْلَ الْكِتَابِ وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ ، وَقُولُوا : }آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ﴾ )).
إذن فالنبي –صلى الله عليه وسلم- بيّن أنّ اليهود أهل كذب وخيانة فلا يُعتمد على ما ينقلونه من التوراة فقد يكذبون وقد يصدقون، فقال لا تصدقوهم ولا تكذبونهم، لا نصدّقهم لأنّهم ليسوا أهلًا للأمانة والصدق بل الكذب والخيانة معروفٌ في اليهود ولكن أيضًا لا نكذبهم في هذا الخبر المعيّن الذي أدّعوه وفسّروه من التوراة لأنّ الكاذب قد يصدق، والخائن قد يؤتمن في موقف ما، وهذا هو من تمام العدل، فلم يقل كذبوهم بإطلاق لأنّ التوراة حُرّفت، ففيها حقّ وباطل فربما إذا كذّبناهم في خبر معيّن؛ أن نكون قد كذّبنا صدقًا أخبر الله به في التوراة فقال –صلى الله عليه وسلم-: ((لا تصدقوا ولا تكذبوا ))، قال الله –جل وعلا- }قُولُوا آمَنَّا بِاللَّـهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ } [البقرة:136] من كلام الله -عز وجل- } وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ } فكلام الله -عز وجل- وشرعهُ منزلٌ من عنده -عز وجل- ولذلك أستدّل أهل السنّة على علو -جل وعلا- وأنّ الله مستوٍ على عرشه استواءً يليق بجلاله، فإنّ الله أنزل كلامه من السّماء إلى الأرض لأنّ الله في السّماء كما قال تعالى – } أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاءِ أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ } [تبارك:16]، وقال تعالى }إِذْ قَالَ اللَّـهُ يَا عِيسَىٰ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ } [ال عمران:55]، فاستدل أهل السنة بالآيات الدالة على تنزيل القرآن وغيرهِ من كتب الله على صفة علو الله-جل وعلا- وأنّ الله مستوٍ على عرشه استواءً يليق بجلاله كما ذكر ذلك ربنا في كتابه }ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ } [الفرقان:59]ـ }الرَّحْمَـٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ} [طه:5] في سبعة مواضع من كتاب الله –جل وعلا- فإيّاك أن تقول كما يقول بعض الجهّال الله في كلّ مكان هذا قولٌ باطل، فإنّ الأماكن منها الطاهر والنجس والقذر، وإنّما نصف ربنا بما وصف به نفسه وبما وصفه نبيُه، ربنا مستوٍ على العرش تنزل منه الأحكام وتصعد إليه الأعمال ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.
قال الله -جل وعلا- }قُولُوا آمَنَّا بِاللَّـهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ ﴾ وقد ثبت عن جماعة من السلف فيما روى الطبري عن قتادة وغيره أنّ المراد بالأسباط هم إخوة يوسف -عليه الصلاة والسلام- والمراد أنّهم ولدوا قبائل كما قال تعالى-عزّ وجل- }وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا } [ الأعراف:160]، وهم اليهود فالسبط القبيلة، فالله -جل وعلا- بيّن أنّه جعل اليهود على هذا العدد في قبائلهم، } وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا } [160: الأعراف] وهؤلاء الأسباط القبائل فيهم الأنبياء كما قال الله -عزّ وجل- ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاءَ وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ} [المائدة:20]، فجعل الله -جل وعلا- كثرة الانبياء في بني إسرائيل وهذا الذي حملهم أن لا يؤمنوا بمحمد –عليه الصلاة والسلام-. حسبوا أن يأتي العرب نبيٌ منهم، وقد إعتاد اليهود أن تكون الأنبياء كثرةً فيهم، وكان هذا من مِنة الله - عز وجل - حتى قال نبي الله موسى { اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاءَ وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا} ، قال الله -جل وعلا - : { وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}، فالمسلمون آمنوا بأنبياء الله ورسله فمن كذّب نبيًا واحِدًا فهو كافر، فمن سمّ الله لنا من الأنبياء والرسل آمنا به على التفصيل بأسمائهم كما بيّن الله - عز وجل -، وما أُخبرنا عنه من الأنبياء إجمالًا آمنا به إجمالًا { وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلًا لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ}[النساء:164]، إذًا هناك رسل نُؤمن بهم ولا نعرف أسمائهم ولا أعيانهم ولا إلى من بُعِثوا لكننا نُؤمن بما أخبر الله - عز وجل - بأن الرسل منهم من قص الله علينا خبره فنُؤمن به على ما أخبر ربُنا ومنهم من أجمر الله ذكره { وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلًا لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ}، قال الله - جل وعلا - : { وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } وقد تقدم معنى الإسلام أنه الإنقياد التام والاستسلام لأمر الله - جل وعلا -، وكما جاء في الصحيح لما جاء جبريل فسأل النبي - صلى الله عليه وسلم- فقال : ما الإسلام؟ قال : (( الْإِسْلَامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إنْ اسْتَطَعْت إلَيْهِ سَبِيلًا )) هذه أركان الإسلام، قال الله - جل وعلا - : { فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوا }[البقرة:137]، هذه الآية أصلٌ عظيم للكافرين وللمسلمين، فإن اليهود والنصارى ادعوا الهُدى فيما هم عليه، فبيّن الله كذبهم وبيّن أن الهُدى على ما كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه من الاعتقاد الصحيح ومن الإسلام الحق والتوحيد الصادق من عبودية الله وحده، لا كما يدّعي اليهود والنصارى، لذلك فهذه الآية دليل على أن من سلك في الإيمان مسلك الصحابة فالله - جل وعلا - بيّن هِدايته وأن هذا هو الهُدى، وأن من سلك في إيمانه وعِباداته وأعماله وسلوكه غير مسلك أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فهو ضالٌ مُضِل، ولذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - قال فيما حسنه الإمام الألباني وغيره : ((افْتَرَقَتْ الْيَهُودُ عَلَى إحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً )) وفي رواية مِلة ((وَافْتَرَقَتْ النَّصَارَى عَلَى اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً)) أو قال ملة ((وَسَتَفْتَرِقُ هَذِهِ الْأُمَّةُ عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً))أو ملة ((كُلُّهَا فِي النَّارِ إلَّا وَاحِدَةً ))...... على ثلاثٍ وسبيعن فرقةٍ أو ملة، كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة)) أي الصحابة –رضي الله عنهم- والجماعةُ الأولى التي تمسكت بدين الله –عز وجل- حق التمسك، وفي روايةٍ أخرى حسَّنها الألباني ((ما أنا عليه اليوم وأصحابي)).
إذًا فهم الدين في الاعتقاد في توحيد الله، في العبادات، لا يمكنُ أن يتحقق لك فيه الهدى إلا بأن تتبع الصحابة، ولذلك جاء في الصحيحين أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: ((خير الناس قرني ثم اللذين يلونهم، ثم اللذين يلونهم))، لذلك علامةُ صاحب السُّنة أنه لا يفهمُ دين الله إلا كما فهمه الصحابة، فإذا انحرفَ في فهمهِ أن أفهام الصحابة في الإعتقاد أو في العبادات أو في الأحكام الفقهية، فهو منحرف عن سواء السبيل، قال الله –جل وعلا-: {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوا} [البقرة : 137]، وفيه الدليل على أن الله –جل وعلا- شَهِدَ للصحابةِ بالهدى، فمن طعن فيهم أو كفَّرهم أو فسقهم أو ذكرهم بسوء، فهو مكذبٌ لخبر الله –عز وجل- قَصَدَ أو جهل، فإذا رأيت الرجل يتناول أصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم- بالسوء، بتكفيرٍ أو تفسيق أو قدح، فاحذرهُ وأعلم أنه منحرف عن كتاب الله وراد لخبر الله –جل وعلا-، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "أجمع أهل العلم على أن من كفَّر الصحابةَ جميعهم أو فسقهم جميعهم أو كفَّر أكثرهم أو فسَّق أكثرهم، أو طعن في عائشة حيثُ أنزل الله براءتها" قال شيخ الإسلام: "فهو كافرٌ بإجماع أهل العلم، لأنهُ مكذبٌ لخبر الله –جل وعلا-، وأما إذا طعن في الواحد والاثنين منهم، فهو فاسقٌ فاجرٌ مستحقٌ للعقوبة"، وأيضًا قد جاء عن بعض السلف، تكفيرُ من كفَّر واحدًا من الصحابة ممن أجمعت الأمة على أنهُ من أصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم-، إلا أن الذي عليه جماهير أهل العلم هو الأول، كما يقول الإمام ابن باز -رحمة الله عليه-.
قال الله –جل وعلا-: {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوا وَّإِن تَوَلَّوْا} [البقرة : 137]، فلم يتَّبعوا أصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم- في الاعتقاد وما كانوا عليه من الهدى من الإسلام والديانة، {فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ} [البقرة : 137]، وقد ثبت عند الطبري عن قَتادة وغيره، قال في قولهِ { فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ} أي هم في فراقٍ وفارقوا دين الحق، وأصل الشق هو الفجوة بين شيئين، فمعنى فإنما هم في شقاق، أي صاروا هم في شق والهدى في شقٍ آخر، قال الله مبشرا ومثبتا نبيه {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ}، وقد عد شيخ الاسلام ابن تيمية وغيره من أهل العلم هذه الآية من دلائل النبوة. فقد وعد الله نبيه بأنه سيكفيه اليهود والنصارى. على ضعف كان هو وأصحابه إذا ما قورنوا بالروم وما كانت عليه الروم من القوة والعزة والتمكن في الأرض، فوعد الله نبيه عليه الصلاة والسلام بأنه سيكفيه اليهود والنصارى. وقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :(( إذا هلك قيصرُ فلا قيصرَ بعدَه ، وإذا هلك كِسْرَى فلا كِسْرَى بعدَه ، والذي نفسي بيدِه ، لتُنْفَقَنَّ كنوزُهما في سبيلِ اللهِ))
الراوي: جابر بن سمرة المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 6629
خلاصة حكم المحدث: [صحيح] فهذه من دلائل النبوة فيما أخبر الله عز وجل من رفعه ذكر نبيه وأن الله خاذل عدوه كما قال تعالى: }إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ ﴿٣﴾{ ]الكوثر : 3[ هو مقطوع الذكر المغلوب المقهور، فعد أهل العلم قوله تعالى:{فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ} من دلائل النبوة فوقع كما أخبر الله عز وجل، فكفى الله نبيه اليهود والنصارى وقتل من قتل منهم وفرضت الجزية على سائرهم أذلة صغارا كما قال –تعالى- : { قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ } ]التوبة 29[ . قال الله -جل وعلا-: }فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ {. حين قالوا قولا باطلا سمعه الله }وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ{ فقال }وهو السميع{ لأقوالهم الباطلة الكاذبة ،كقولهم }وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ تَهْتَدُوا} وقوله }العليم{ أي عليم بما يكيدون للإسلام وأهله، فسيكفيكهم الله : بعلمه بما يكيدون به الاسلام وأهله. وهو سميع لأقوالهم الكاذبة الباطلة .فهنا السميع العليم : اسمان من أسماء الله جل وعلا كما قال تعالى }وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} ]الأعراف 180[، فينبغي إذا دعوت الله ان تدعوا الله بأسمائه ( يا عليم يا حكيم،يا سميع يابصير ) كما سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجل يدعو ( أنَّ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ سمعَ رجلًا يقولُ اللَّهمَّ إنِّي أسألُك بأنَّكَ أنتَ اللَّهُ لا إلَه إلَّا أنتَ الأحدُ الصَّمدُ الَّذي لم يلِدْ ولم يولَدْ ولم يَكُن لَه كُفوًا أحدٌ فقالَ: (( دعا اللَّهَ باسمِه الأعظمِ الَّذي إذا سُئلَ بِه أعطى وإذا دُعِيَ بِه أجابَ)) الراوي:بريدة بن الحصيب الأسلمي، المحدث:ابن حجر العسقلاني، المصدر:تخريج مشكاة المصابيح
الجزء أو الصفحة:2/430 حكم المحدث:[حسن كما قال في المقدمة].
فينبغي في الدعاء أن تدعو ربك سبحانه وتعالى بأسمائه وصفاته. وبالصفات ( كما جاء عند البخاري ( النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وقال: (( اللهم ! مُنَزِّلَ الكتابِ .ومُجْرِيَ السحابِ . وهازمَ الأحزابِ. اهزمهم وانصُرْنَا عليهم((
الراوي:موسى بن عقبة، المحدث:مسلم، المصدر:صحيح مسلم، الجزء أو الصفحة:1742، حكم المحدث:صحيح
فهذا دعاء بصفات، والأول دعاء بأسماء الله كما قال تعالى: }وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا َ{ ]الأعراف [180. قال الله - جل وعلا-: } صِبْغَةَ اللَّـهِ { قد أخرج الطبري عن قتادة وغيره صبغة الله: دين الله الذي صبغ الله عليه عباده، وقد أخرج في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( كلُّ مولودٍ يُولَدُ على الفطرةِ (فطرة الاسلام وعلى قبول توحيد الله عز وجل ) فأبواه يُهَوِّدانِه ، أو يُنَصِّرانِه ، أو يُمَجِّسانِه ، كمثلِ البَهِيمَةِ تُنْتِجُ البَهِيمَةَ ، هل ترى فيها جَدْعَاءَ .
الراوي:أبو هريرة، المحدث:البخاري، المصدر:صحيح البخاري الجزء أو الصفحة:1385، حكم المحدث:[صحيح].
فأصل الصبغة التي جعلت في القلب هي: صبغة الله؛ يجعل الله في القلب طمأنينة لتوحيده ولقبول دينه، ومن أجمل ما جاء في ذالك، أن رجلا من كبار علماء الفِرق كان ينكر علو الله على العرش ويقول الله في كل مكان، وكان يسمى بإمام الحرمين، وقد روى هذا الذهبي بإسناد صحيح وصححه الألباني، فجاء رجل من علماء السنة إلى هذا الرجل الذي ينكر صفة علو الله فقال له يا شيخ، دعنا من المناظرة، لن أناظرك بالحجة، لكن عندي سؤال، دعنا من المناظرة ولكني أسألك سؤالا، وكان هذا إمام الحرمين جالسا في المسجد بين طلابه، وذاك الهمداني من علماء أو من أهل السنة يسأل، فقال: دعنا من المناظرة ولكن أسألك سؤالا، ما قال عارف قط يا رب إلا ووجد في قلبه وجهة إلى السماء، ما أحد يقول يا رب إلا يشعر أنه يسأل ربه الذي في السماء، فكيف ندفع هذه الضرورة، يعني كيف خلق فينا هذا الشيء إن لم يكن الله في السماء حقا، فسكت إمام الحرمين، ثم قام من الدرس ودخل حجرتا في المسجد فسمعوه يبكي ويقول حيّرني الهمداني، حيّرني الهمداني، ما استطاع أن يكابر، أن الله فطر في القلب فطرة ما يستطيع أحد أن يدفعها حتى الجهال، حتى العجائز، حتى عندنا من الطرائف في مصر، أن تجي العجوز مثلا تدعو الله فتطل من جهة بعيدة عن السقف حتى تطل إلى السماء مباشرة فتدعو ربها، وقد ثبت النظر إلى السماء في صحيح مسلم ((النبي –صلى الله عليه وسلم- جاء ذات ليلة فوجد رجلا من أصحابه شرب لبنه وكذا فرفع بصره إلى السماء فقال: اللهم أطعمنا ما أطعمتنا...)) من الحديث. لعلا الوجهة التي تأملها هذه العجوز يعني؛ قال الله –جلا وعلا- :{صِبْغَةَ اللَّـهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّـهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ ﴿١٣٨﴾ قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّـهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ ﴿١٣٩﴾ }[البقرة:138-139]. المجادلة في الباطل تحاجوننا في الله فيما نعتقده من توحيد الله ومن الإيمان به، ومن إفراده بالعبودية، هذه محاججة باطلة، بل الله ربنا وربكم لا شريك له فلا عزير ابن الله ولا المسيح ابن الله بل الله ربنا وربكم، ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم، سيحاسبنا على ما نعتقد ويحاسبكم على ما تعتقدون، لذلك قال الله –جل وعلا-: {لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ ونحن له مخلصون} هذا هو زبدة التوحيد إخلاص العمل لله، النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((ما تعدون الشهداء فيكم، قالوا: يا رسول الله من قتل بين الصفين، فقال: إذن شهداء أمتي قليل)) فقال : إذا شهداء أمتي قليل المقتول شهيد والمرأة تموت بالجمع شهيد إلى آخر الحديث ثم في بعض الطرق قال -عليه الصلاة والسلام- : (( من سأل اللهَ الشهادةَ بصِدقٍ ، بلَّغه اللهُ منازلَ الشهداءِ ، و إن مات على فراشِه )) ورب شهيدا أو رب قتيل بين الصفين الله أعلم بنيته وعند البخاري سئل -عليه الصلاة والسلام- عن الرجلِ يقاتل حمِيَّةً والرجلُ يقاتِلُ ليُرى مكانُه أي ذلك في سَبيلِ اللَّهِ ، فقال: (( من قاتلَ لتَكونَ كلِمةُ اللَّهِ هيَ العليا فَهوَ في سبيلِ اللَّهِ عزَّ وجلَّ )) فإخلاص العمل لله هذا هو زبدة عمل العبد ولذلك إذا كان العمل مقرون الإخلاص فيه ربى وزاد عند الله تبارك وتعالى وإذا ذهب الإخلاص بطل العمل ولذلك بين النبي -عليه الصلاة والسلام- قال : (( إن الشِّرْكُ أخفَى في أمَّتي من دَبيبِ النَّملِ قالوا فشق ذلك عليهم فقال ألا أدلكم على ما يذهب الله عنكم به صغيره وكبيره قولوا اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئا نعلمه ونستغفرك لما لا نعلمه)) قال الله جل وعلا : { أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ قُلْ أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّـهُ } فاليهود وصل بهم كذبهم إلى أن يقولوا أن إبراهيم كان على دين اليهود الباطل فكذبهم الله، يا أهل الكتاب لما تحاجون في إبراهيم تدعون بأنه يهودي ونصراني وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده أفلا تعقلون التوراة والإنجيل ما نزلتا إلا بعد إبراهيم بعمر طويل فكيف تقولون بأنه كان على دين اليهود وكان يهوديا أو نصرانيا { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنجِيلُ إِلَّا مِن بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴿٦٥﴾ هَا أَنتُمْ هَـٰؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُم بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَاللَّـهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴿٦٦﴾ مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَـٰكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴿٦٧﴾ } قال الله جلا وعلا : { أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ قُلْ أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّـهُ } أأنتم أعلم في خبركم أم الله الذي أخبر بأنكم كذبة وهو أعلم بما كان عليه إبراهيم { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللَّـهِ } أي هم يعلمون الحق ولكن يكتمون الشهادة الحق، فقال تعالى : {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللَّـهِ وَمَا اللَّـهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴿١٤٠﴾ تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴿١٤١﴾ سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا }، وقد ثبت في صحيح البخاري من حديث البراء بن عازب أن النبي -صلى الله عليه وسلم- حين قدم المدينة مكث ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا وهو يصلي إلى بيت المقدس فكانت القبلة الأولى إلى بيت المقدس المسجد الأقصى فكان يعجب ذلك اليهود وأهل الكتاب كانوا فرحين باستقبالهم بيت المقدس وكان صلى الله عليه وسلم يحب أن يحوّل إلى الكعبة قال : فبينما هم يصلون صلاة العصر أو قال الظهر إذ جاء آت فقال أشهد أن الله أنزل قرآن وأن الله أمر باستقبال الكعبة فاستداروا كما هم في صلاتهم فاستقبلوا الكعبة فقال عندئذ اليهود ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها لماذا تَرَكُوا بيت المقدس وانتقلوا الى الكعبة وغيروا القبلة التي كانوا عليها فهؤلاء هم السفهاء الذين قال الله –عز وجل-:{سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا قُل لِّلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } المسألة ليست مسألة جهاد المسألة مسألة عبادة وطاعة لأمر الله، استقبلنا بيت المقدس سمعا وطاعة استقبلنا الكعبة سمعا وطاعة، كل ذلك طاعة لله -جل وعلا- قال: { وَ كَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا } وقد ثبت في صحيح البخاري أن النبيِّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- قرأ: { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا قال عدلًا} أي أن الله جل وعلا جعل هذه الأمة عدولا مقبولة شهادتهم على الأمم قبلهم لذلك بعد أن ذكر بأنهم عدول قال لتكونوا شهداء على الناس وقد ثبت في الصحيح (( يجاء بنوحٍ يومَ القيامةِ ، فيقال له: هل بلَّغتَ ؟ فيقول: نعم يا ربِّ ، فتُسألُ أُمَّتُه: هل بلَّغَكم، فيقولون : ما جاءنا من نذيرٍ، فيقول: من شهودُك، فيقول: محمدٌ وأُمَّتُه، فيُجاءُ بكم فتشهدون، ثم قرأ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم : وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا - قال : عدلًا - لِتَكُونُوْا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا )) فهذا معنى لتكونوا شهداء على الناس تشهدون للأنبياء أنهم بلغوا أقوامهم ويكون الرسول عليكم شهيدا فهم يشهدون للأنبياء والرسول يكون شهيدا عليهم وهذا كما قال تعالى: { فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَٰؤُلَاءِ شَهِيدًا ﴿٤١﴾} ]النساء: 41[{ وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا (وهي قبلة بيت المقدس المسجد الأقصى) إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ }
لماذا غيَّر اللهُ القبلة، ليُظهِرَ من صدَّق وآمن، ويُظهر من كذَّب وكفر.
{وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْه وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّـهُ وَمَا كَانَ اللَّـهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ }
ذكر البراء بن عازب-رضي الله عنه-، في حديث القِبلة، : (أنَّ الله لما أمر نبيَّهُ أن يستقبِل الكعبة، وقد كان مات أُناسٌ أو قُتِل أناسٌ من المسلمين، وهُم يُصلُّون إلى بيت المقدِس، فما درينا ما نقولُ فيهم، فأنزل اللهُ :{ وَمَا كَانَ اللَّـهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ }، أي صلاتكم التي صليتموها إلى بيت المقدِس، فلن يُضيِّعهُا الله).
فاستدلَّ أهلُ السُنَّة، كالإمام البُخاري، بهذه الآية، ومثيلاتِها، على أنَّ الأعمال من الإيمان، خِلافًا للمُرجِئة، الذين أرجئوا العمل عن الإيمان، وقالوا أنَّ الرجل يكون مؤمنًا تام الإيمان، وإن لم يعمل شيئًا من أعمال البر، وقالوا: بأنَّ أعمال البِرِّ من صلاةٍ وصومٍ، وزكاةٍ وحج، أنَّها ليست من الإيمان، فردوا كتاب الله، وردوا السُنَّة جهلاً، فالله –جلَّ وعلا- سمَّى الصَّلاة إيمانًا، فهذا من أبين البراهين، على أنَّ الأعمال من الإيمان، وأنَّ الإيمان يزيدُ وينقُص، يزيدُ بالطَّاعة وينقُص بالمعصية، قال اللهُ – جلَّ وعلا- : { إِنَّ اللَّـهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ }،{ قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ }[البقرة:144]
كان يلتفِتُ إلى السماء، يرجو أن ينزِل الوحي بأن يستقبِل الكعبة، { فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ } فحُوِّل –عليهِ الصَّلاة والسَّلام- من استقبال المسجد الأقصى، إلى استقبال الكعبة. والمسجِد الحرام سُمِّي بالحرام، كما جاء في الصَّحيحين: أنَّ النبي – صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم – قال: (( إنَّ إبرَاهِيمَ حَرَّمَ مكَّة، وَإنِّي حرَّمتُ المَدينَةَ كَمَا حرَّمَ إبرَاهِيمُ مَكَّةَ))، فهُو مسجِدٌ حرام يحرُمُ فيهِ ، أن يُنفَّرَ صيْدُهُ أو أن يُصاد أو أن تُلتَقَطَ لُقَطتَه، أو أن يُرفعَ فيه السَّلاح، إلى غيرِ ذلك مما جُعِلَ من أحكام المسجِد الحرام، قال اللهُ – جلَّ وعلا- : { فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ } فأُمِروا أن يستقبِلوا في صلاتِهِم الكعبة، وقد ثبتَ أنَّ النبي – صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم – كانَ إذا صلَّى ألقى ببصرِهِ في موضِعِ سجودِه.
وبعضُ الفقهاء قال : إذا صلَّى نظرَ إلى القبلة في الصَّلاة، واستدلوا بهذه الآية، { وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ }، وقال آخرون من أهل العلم: إنَّما يستقبِلُ بوجههِ وببدنِهِ القِبلة، وأمَّا بصرُه فيكون إلى موضع سجوده.
وقد صحَّحَ الإمام الألباني ما جاء: (( أنَّ النَّبي – صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم- كَانَ إذَا صَلَّى رَمَى بِبَصرِه مَوْضِعَ سجُوُدِهِ)).
{وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ} ولكن يَكتمون ويكذبون مع علمهم بالحقّ،{ وَمَا اللَّـهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ ﴿١٤٤﴾ وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَّا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ{إن أتيتهُم بكلِ بُرهانٍ وبكلِ دليلٍ يدلُ على صدقك فلن يقبلوا مِنكَ { وَمَا أَنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُم بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ} فهُم مُختلِفون ومُخالفون للكتاب ومُختلِفونَ في الكِتاب،{ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم مِّن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَّمِنَ الظَّالِمِينَ ﴿١٤٥﴾}واللهُ أعلم بِمُرادِ كلامه.
السؤال: يقولُ السائِل عند قولهِ تعالى{ وَمَنْ أَظْلَمُ } هل هذا اللفظ يقتضي التَكفير؟
الشيخ: قولهُ تَعالى {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللَّـهِ وَمَا اللَّـهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴿١٤٠﴾{ كَتمُ الشهادة على ضربين: أن يكتُم الشهادة بأنّ يكتُمَ صدقَ الأنبياء وصدقَ الرُسُل وما أخبرَ اللهُ من وصف نبيه -عليهِ الصلاة والسلام- فإذا كَتَمَ أصلَ الدين جحدًا وتكذيبًا وكتَمَ صِفةَ النبي- عليهِ الصلاة والسلام- فلا شكّ أنَّ هذا كُفرٌ أكبر كما كَتَمَ اليهود صِفةَ النبي- صلى اللهُ عليهِ وسَلَم- وكتموا صِدقهُ الذي يعلمونهُ وأما أن يكتُمَ شهادةً في حقوق الناس كشاهِد الزورِ مثلًا يكذب، يكتُمُ الشهادة فأهلُ السُنة لا يُكَفِّرون بالذنوب والكبائِر التي هي دون الشرك، فاعتقادُ أهل السُنة أنهم لا يُكفرون بالذنوب كالزنا وشُربِ الخَمر وكتَم الشَهادة وشهادة الزور فهذه لا يُكَفِروا أهلُ السُنة بها وإنما يكونُ آثِمًا عاصيًا فاجِرًا عاصيًا لا يكفُرُ بهذه الذنوب وإنما الذي يُكفِرُ بها هُم الخوارِج، نعم.
السؤال: يقول السائِل ما صحةُ الحديث (( طُوبَى لِمَنْ رآني وَ لِمَن رأى من رَآنِي)) الحديث؟
الشيخ: هذا حديثٌ صحيح أن النبيَّ – صلى الله عليهِ وسلم- قَال: (( طُوبَى لِمَنْ رَآنِي وَآمَنَ بِي، طُوبَى لِمَنْ رأى مّن رآني)) وفي لفظ (( طُوبَى لِمَنْ لَمْ يَرَنِي، ثُمَّ طُوبَى ، ثُمَّ طُوبَى)) إلى آخره، فهو حديثٌ ثابِت فيما استحضرهُ وأنهُ مِن بِشارة النبي- صلى اللهُ عليه وسلم- لمن رآهُ وآمن بهِ وبِشارة لِمَن آمنَ بهِ ولم يرهُ.
السؤال: ما فائِدةُ قولِه تعالى ،{ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم مِّن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ} ]البقرة-145[ التَّخصيصُ على العِّلم ما فائِدتُه ؟
الجواب: قَوله تعالى: {ولَئِن اتَّبَعْتَ أهْواءَهُم} لو أنَّه قال ولئِن اتَّبعت أهواءَهُم إنكَ إذًا لمِن الظَّالمين لَصحَّ المعْنى ولكِن هذه الزِّيادة كما يَقولُ العُّلماء الزِّيادةُ في المبْنى مسْتلزِمةٌ الزِّيادَة في المعنى فما الفائِدة التَّي اسْتفيدتْ من قَولِه {مِّن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ} ؟ استُفيدَ منْ هذا أنَّه لابدَّ منْ إقامةِ الحُّجة على الجَّاهِل وعلى منْ وقَع في الكُّفر فإذا وَقع الإنسانُ في الكُّفر ولَم تُقم علَيْه الحُّجة فإنَّ الله لا يُعذِّبه قال تعالى: { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا ﴿١٥﴾{ ]الإسراء: 15[، فلا بدَّ منْ إقامةِ الحُّجة وهي العلم فإن قولَهُ -سبحانَه وتعالى-: { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا ﴿١٥﴾{ دليلٌ على أنَّ الله يُعذِّب منْ لم تُقَم عليْه الحُّجة ولمْ تَصِلهُ الرِّسالَة وقدْ ثَبتَ عن النَّبي – صلى الله عليه وسلم – قال أربَعةٌ يُدْلونَ إلى الله يوم القِّيامة بِحجَّة فذَكر منْهُم وصاحِب فتْرة يقول ما جاءَنا رسول ولا بَلَّغنا فيَعذُرهُم الله ثمَّ يَختَبِرهُم الله - تبارك وتعالى – . فالفائِدة الأولى منْ قوله {مِّن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ} فيها البُّرهان على أنَّه لابدَّ من قِيام الحُّجة على من وَقع في الكُّفر
ثانِيًا : فائِدةٌ أخرى وفيهِ الشَّهادةُ للنَّبي – صلى الله عليه وسلم – بِأن ما جاءَهُ حقٌ من الله فقولُه {مِّن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ} ففيهِ ردٌ على اليَّهود والنَّصارى الطَّاعنينَ في القُرآن وفيه والخبرٌ من الله والتَثبيتْ بأن القُرآن الذَّي جاءَ محمدًا – صلى الله عليه وسلم – هُو منْ عِلم الله – جلَّ وعلا – ومنْ الحَّق الذي لا يَأتيه البَّاطِل من بيْن يَديْه ولامنْ خَلفِه فهاتانِ فائِدتان اسْتفيدتا منْ قولِه {مِّن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ}.
السُّؤال: كثيرٌ ممنْ أشيعتْ من الألفاظُ في هذا الزَّمن في إدِّعاء الوسطيَّة لهذه الأمة فَكيْفَ يُقال أو كيفَ يُرد على مِثلِ هذه الإدِّعاءاتْ المحْدَثَة ؟
الجواب: الله المستَعانْ قدْ فَسَّر النَّبي – صلى الله عليه وسلم – الآية عند البُّخاري وغَيرِه لما قَرأ – صلى الله عليه وسلم – { وكَذلِكَ جَعلْناكُم أمَّةً وَسَطًا} ]البقرة- 143[، فقال النَّبي – صلى الله عليه وسلم – عَدْلا فمعنى وسَطًا عدل عدولًا فأمَّة محمد – صلى الله عليه وسلم – وعلى رأسِهم أصحابُ النَّبي – صلى الله عليه وسلم – هم الذَّين عدَّلهُم الله – عزَّ وجل – وهُم العُّدولُ الصَّادِقون وأما ما يُدندنُ بعضُ النَّاسِ حوْلهُ يقولونْ لماذا تتشدَّدون في أمورِ الحَّلال والحَّرام فمثَلًا دينُ الله وسطْ والوسَطيَّة في الإسلام ما معنى الوسطيَّة في الإسلام؟ يعني أننا لا نُشدِّدُ على النَّاس في الأمور الشَّرعية وإن كان الله أمرَ بها يَقولون مثَلًا ما الإشكال لو أن المسْلم أراد أن يَصيرَ يهوديَّا أو نصرانيا؟ فدين الله وسط، لا تشددوا على الناس، وما المشكلة أن تتنصر المسلمة أو أن تتزوج المسلمة الكافر؟ ولماذا تفرضون على الناس اللحية؟ وما أشبه ذلك ولبس الحجاب ولماذا يُفرض لبس الحجاب، فدين الله قائم على الوسطية، كذلك يجي يقولوا مثلًا اليهود والنصارى إخواننا في الإنسانية نحبهم ويحبوننا، لأن دين الله وسط، هذا كله جهل وكله تضييع لأحكام الله، ما أمر الله به وما أمر به رسوله هو الحق وهو الوسط الذي يجب العمل به لا أن تترك أمر الله وأمر رسوله وتقول بأن دين الإسلام وسطية فتفرط بأحكام الله بهذه الدعوة المزعومة، فهذا تفسير للوسطية بتفسير باطل، وهي كلمة يُراد بها الباطل كما نسمعها في هذا الزمان في كثيرٍ من الناس الذين يميلون إلى هذه الأفكار، والعياذ بالله ونسأل الله السلامة.
السؤال: ما هو حكم استقبال القبلة؟
الجواب: هذا ما فيه خلاف بأن استقبال القبلة في الفريضة هو شرطٌ من شروط صحة الصلاة، فمن تقصّد أن يُصلي إلى غير القبلة بعد أن علِمَ جهتها، فهذا لا تصح صلاته، صلاته تكون باطلة، لذلك قال العلماء من شروط صحة الصلاة استقبال القبلة، وأما في النافلة فلا بأس أن يترك استقبال القبلة، فإنه قد صح عن النبي –صلى الله عليه وسلم- في الصحيحين أنه كان يتنفّل حيثما توجّهت به راحلته، فإذا أراد فريضةً نزل.
السؤال: ما هو دليل اشتراط استقبال القبلة هل يؤخذ من الآية؟
الجواب: الدليل على ذلك أمران، الأول: أمر النبي –صلى الله عليه وسلم- أنه أمر بذلك.
الثاني: ما جاء من الدليل الصريح ببطلان الصلاة حيث قال –صلى الله عليه وسلم- للمسيء صلاته وهو الصحابي الذي دخل المسجد فصلّى ثم قال له النبي –صلى الله عليه وسلم- ارجع فصلِ فإنك لم تصلِّ حتى فعل ذلك ثلاث مرات، فقال: أنه لا تُقبل صلاة أحدكم حتى يتوضأ فيحسن الوضوء ثم يستقبل القبلة، فبيّن النبي –صلى الله عليه وسلم- لا تصح الصلاة إلا أن يستقبل القبلة كما قال حتى يتوضأ أي لا تصح الصلاة بدون وضوء، كذلك لا تصح حتى يستقبل القبلة.
السؤال: هذا سائل يسأل عن صحة الحديث: رأيت ربي بصورة رجل أمرد يقول كما في كتاب شيخ الإسلام.
الجواب: هذا حديث منكر أتى من طريق حمّاد بن سلمة عن قتادة عن أنس، وقتادة مُدلّس –رحمه الله- وقد عنعن، وحماد بن سلمة وإن كان إمامًا من الأئمة فإنه تغيّر بأَخرَ، ثم الحديث قد رواه الثقات أو رواه بعض الثقات على غير هذا اللفظ، فقوله رأيت ربي في صورة شاب أمرد واضعًا قدميه في خضرةٍ وكذا، قد حكم الحافظ الذهبي وغيره من أئمة الحديث على هذا الحديث بالبطلان والنكارة لتدليس قتادة، وأن حماد كان يغلط في مثل هذه الأحاديث وأن الثقة قد رواه على غير هذا الوجه فحكم الذهبي وغيره من علمائنا والألباني بأن الحديث منكر باطل لا يصح.
بارك الله فيكم وفي علمكم وجزاكم الله خيرا، والحمد لله رب العالمين
الشيخ: جزاك الله خير، وفقك الله.