}وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّـهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّـهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّـهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّـهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّـهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ ﴿١٦٥﴾ إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ ﴿١٦٦﴾ وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَٰلِكَ يُرِيهِمُ اللَّـهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ ﴿١٦٧﴾ يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ﴿١٦٨﴾ إِنَّمَا يَأْمُرُكُم بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّـهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴿١٦٩﴾َ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّـهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ ﴿١٧٠﴾وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ ﴿١٧١﴾ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّـهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴿١٧٢﴾ إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّـهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴿١٧٣﴾ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّـهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَـٰئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّـهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴿١٧٤﴾ أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَىٰ وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ ﴿١٧٥﴾ ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّـهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ ﴿١٧٦﴾{ ﴿البقرة ﴾
الشرح :
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فقد وصلنا في هذه الدروس في سورة البقرة إلى هذه الآيات التي تلاها علينا أخونا الشيخ علي - جزاه الله خيرًا -.
يقول الله - عز وجل - } وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ { فهذه الآية هي عن المشركين الذين جعلوا لله أندادا، وأصل الند هو النظير والمثيل، والله
-جلّ وعلا- لا ندّ له،}لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ{ [الشورى: ١١ [ وقد ثبت كما تقدم معنا في الصحيح من حديث عبدالله بن مسعود؛ أنّ النبيّ-صلى الله عليه وسلم- سُئِل:(( أيُّ الذنبِ أعظمُ ؟ قال:أن تجعلَ للهِ ندًّا وهو خلقَك))
المصدر:صحيح البخاري- الجزء أو الصفحة6001:
أن تجعل لله نظيرا، ومثيلا، والمشركون ما كانوا يعتقدون أن الأنداد مساويةٌ لله في كل شيء، ولذلك كانوا يقولون في تلبيتهم: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك إلا شريكًا تملكه وما ملك" إذًا هم يعلمون أن أصنامهم ليست مساويةً لله، وليست مكافئةً لله من كل وجه، وقد صرّحوا بذلك، قال-تعالى-:}وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّـهِ زُلْفَىٰ{ ]الزمر: ٣] إذًا هم يعلمون أن معبوداتهم ليست مساويةً لله من كل وجه، بل يعلمون أن هذه المعبودات إنما هي تُقرِّبُهم إلى الله.
إذًا فمعنى جعل العبد لله ندًّا:
- أن تصرف شيئًا من عبادة الله لغيره، فقد جعلت هذا ندًّا لله، سواءٌ اعتقدت أنه مساوٍ لله أو تبرأت من ذلك.
فالمشركون حين يُسألون لماذا تعبدون هذه الأصنام؟ يعلمون أنها ليست مساوية لله:}وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّـهِ زُلْفَىٰ{ هم يعلمون أن الله أعظم وأجل من أصنامهم لكن جعلوا عبادتهم للأصنام؛ جعلوا أصنامهم مقرِّبةً لهم إلى الله.
فتبيّن من هذا: أنّ الشّرك ليس معناه أن تعتقد النّدية فيما أشركت به، بل إن اعتقدت ذلك أو لم تعتقده؛ ما دُمت جعلت لله شريكًا فقد جعلت لله ندًّا وإن كنت تعتقد أنّهُ ليس مُساوٍ لله، لماذا هذا التنبيه؟
-لأن كثير من النّاس من جُهّال المسلمين يأتون إلى القبور في كثيرٍ من البلدان، ثمّ يلجؤون إلى أهل القبور ويستغيثون بالأموات، ويذبحون لها، وينذرون لها، ويسألون الأموات الخير ودفع الشّر، فإذا ما أنكرت عليهم بادروك وقالوا: نحن نعلم أن الله هو المعبود بحق، ونحن نعلم أن هؤلاء إنما هم مجرد وسائل تُقرِّبنا إلى الله لأنهم أقرب إلى الله منا، فوقع هؤلاء الجهّال من المسلمين في مثل ما وقع به المشركون الأوائل، المشركون الأوائل ما كانوا يعتقدون أن أصنامهم مساويةٌ لله-عزّ وجل- ما كانوا يعتقدون ذلك
{وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّـهُ{ [الزخرف: ٨٧] فهم يعلمون أن أصنامهم لا تخلق ولا ترزق، وهذا أمرٌ يجب على من يُعلّم الناس التوحيد يجب أن يُنبّه عليه، فإن هؤلاء الجُهَّال من المسلمين ظنُّوا حين يعتقدون أن هذا الولي ليس مما يستحق أن يُعبد، وإنما هو وسيلة لأنه أقرب إلى الله منهم هكذا يظنون، فهذا هو الشرك بعينه، وهذا هو الكفر الذي يخرج به الإنسان عن الإسلام إلا أن هذا الجاهل يُتوقف عن تكفيره حتى تُقام عليه الحجة وتنتفي عنه الشبهة، فإن أهل العلم لا يُكفِّرون المسلم إذا وقع في ذنبٍ جهلا حتى تُقام الحجة وتنتفي الشُّبهة .
نقول نعم فعله كفر، فعله شرك، أما هو فلا يكفر إلا بعد قيام الحجة، وقد ذكر الإمام شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب النَّجدي –رحمه الله- كما في الرسائل النجدية فقال في بعض رسائله: "ونحن نُكفِّرُ من توجَّه إلى القبور واستغاث بأصحابها وفعل كذا وكذا، ولا نُكفِّرُ من قام على قُبَّة البدوي في مصر" قال الإمام محمد بن عبد الوهاب قال: "فإن هؤلاء لم يجدوا من يُبيّن لهم العلم" فكان الإمام محمد بن عبد الوهاب يُكفِّر من قام في جزيرة العرب وفي الحرمين بعبادة القبور، الاستغاثة بالأموات والدعاء لهم وسؤالهم فكان يُكفّر هؤلاء، وأما من نشأ في بلاد مصر فكان يقول: لا نُكفّر من قام على قُبَّة البدوي" وإن كان معلومًا أنه قد أتى بالكفر الصريح ثم علل الفرق بين تكفيره من صنع ذلك في تلك البلاد التي ظهر فيها آثار العلم وفي عدم التكفير لمن قام على قُبَّة البدوي بأن هؤلاء لم يبلغهم العلم الذي جاء به الرسول –صلى الله عليه وسلم- .
فهذا أصلٌ عظيم يُنتبه إليه وهو أصل العذر بالجهل مع مسألة ما معنى النِّد لله.
قال الله –جلَّ وعلا- : {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّـهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّـهِ }
قال المفسرون: هؤلاء المشركون يحبون أصنامهم كما يحب المؤمنون ربهم، {يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّـهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّـهِ } .
قال قتادة وغيره من السلف : ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّـهِ﴾ من حب المشركين لأصنامهم .
{وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّـهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّـهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ﴿١٦٥﴾ إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ} [البقرة: ١٦٥ - ١٦٦ ]
يوم القيامة يجمع الله المؤمنين والكافرين قال الله -جل وعلا- : {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ}[الزخرف: ٦٧ ]{الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ } يوم القيامة {بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ } وأما الكفار فيتبرأ بعضهم من بعض { إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا}
قال قتادة وغيره من السلف فيما رواه الطبري وغيره: الذين اتبعوا هم الرؤساء وكبارهم، رؤساء الكفار ورؤوس الضلال فيهم، فهؤلاء يتبرؤون من الأتباع {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا }وهذا الموضع مما يُنبّه عليه في طريقة القراءة فإن أكثر من يقرأ يغلط هنا فيدغم في غير إدغام (إذ تبرأ) هذا خطأ هنا ليس فيه ادغام في هذين الحرفين وقد جاء التنبيه على ذلك في قوله أيضا : { فَمَنِ اضْطُرَّ } { إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُم}ْ ونحو ذلك.
{إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ }
قال ابن عباس -رضي الله عنه- بإسناد جيد قال: {وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ } تقطعت بينهم المودة فما كان بينهم من مودة الدنيا ينقطع يوم القيامة {وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً } [البقرة: ١٦٧] يتمنون أن يعودوا إلى الدنيا حتى يتبرؤوا من كبرائهم {فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَٰلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ ۖ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} [البقرة: ١٦٧] فالكافر لا يخرج من النار أبدا ولا يدخل الجنة كما قال تعالى: { وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّىٰ يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ } [الأعراف: ٤٠] فعلّق الله -جلّ وعلا- دخول الكافر الجنة حتى يدخل الجمل في سم الخياط ولن يدخل الجمل في سم الخياط قط، فهذه الآية {وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّار}ِ هي في الكافر، فعمد الخوارج الضلال قالوا: من دخل النار لا يخرج منها قط مسلمًا كان أو كافرا، فجعلوا أهل الذنوب من المسلمين بمنزلة الكافرين في الخلود في النار، ولذلك لما جاء أحد الخوارج قبل أن يهديه الله كما في صحيح مسلم فجاء ووجد جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- يُدّرس في المسجد، فوقف الخارجي ثم هداه الله بعد فقال: ما هذا الذي تحدثون به يا أصحاب رسول الله، تحدثون بأحاديث تخالف القرآن وقد قال الله {يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا} [المائدة: ٣٧ ] فكيف تحدثون بهذه الأحاديث ؟! يعني أحاديث الشفاعة بأن عصاة المسلمين يخرجون من النار، فهذا الخارجي قبل أن يهديه الله لم يفهم القرآن بالسنة فهم القرآن دون أن يستعين بالسنة، فترفّق به جابر بن عبد الله فقال: ادنُ، فقال له جابر هل قرأت القرآن؟
قال: نعم قرأته، قال: فهل قرأت قوله: { عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا { [الإسراء: ٧٩] ؟ قال: نعم، قال: فإن المقام المحمود هو مقام الشفاعة حين يُخرج الله به من النار عصاة المسلمين، إذًا انظر كيف يَضل الخوارج، كما يقول ابن عمر فيما علّقه الإمام البخاري في صحيحه عن ابن عمر، وجاء موصولا إلى ابن عمر – رضي الله عنهما - قال ابن عمر واصفًا حال الخوارج: "عمدوا إلى آيات نزلت في الكفار فجعلوها في المسلمين" ومن هذه الآيات هذه الآية التي نقرأها الآن، قال الله – عز وجل – بعد أن ذكر حال الكفار من المتبوعين والتابعين، قال: {كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار } وأما المؤمنون العصاة الذين دخلوا النار بذنوبهم فقد تواترت الأحاديث في الصحيحين وغيرها أن النبي – صلى الله عليه وسلم – والمؤمنين والملائكة يشفعون لمن دخل في النار، وِمن أظهر وأبين تلك الأحاديث حديث الشفاعة الطويل اللذان أخرجاه في الصحيحين البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد، أن الله يقول بعد أن تنتهي شفاعات الخلق، يقول الله: ((شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا شفاعة أرحم الراحمين، فيقبض قبضة من النار فيُخرج أقوامًا لم يعملوا خيراً قط، فيدخلهم الجنة فيسميهم المؤمنون عتقاء الرحمن، فيقولون: هؤلاء عتقاء الرحمن أدخلهم الله الجنة بغير عمل عملوه ولا خير قدموه)) إذًا احذر طريقة الخوارج الضّلال الذين يأتون بالآيات التي هي في الكفار فيجعلونها في المسلمين فيستحلون دماء المسلمين، وترى هؤلاء داعش وغيرهم من الخوارج كما حكم أهل العلم عليهم بذلك بأنهم من خوارج العصر، يكفِّرون المسلمين بالكبيرة وبالتالي يستحلُ دمه، فيذبحون المسلمين دون أن يتورعوا عن ذلك، لأنهم يعتقدون كفر المسلمين. ولذلك كانوا يقولون في زمنٍ مضى: "من لم يهاجر إلى أيمن الظواهري في أفغانستان في زمنٍ من الأزمنة فهو كافرٌ منافقٌ مرتد". هذا هو فكر الخوارج، ويجب أن تعلمهم لتحذرهم، وانتبهوا لأبنائكم إذا كان الشاب مقبلاً على طاعة الله ورسوله فاحذر أن تتلقفه الجماعات والحزبيات، وإنما يتلقى العلم والسُّنة من أهل العلم ممن مضى من علماءنا كالإمام ابن باز والإمام ابن العثيمين وممن هو موجود الآن من أهل العلم والبصيرة، فهذا مما ينبغي أن يُنتبه له، قال الله –جل وعلا-:{ كَذَٰلِكَ يُرِيهِمُ اللَّـهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ ﴿١٦٧﴾ يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ﴿١٦٨﴾} [البقرة: ١٦٧ -١٦٨ ] .
وَقَدْ رَوْىَ مُسَّلِمْ في صًحِيْحِه: أنَّ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قام خَطِيْباً فَقَاْلَ: ((أيها الناسُ ! إنَّ اللهَ طيِّبٌ لا يقبلُ إلا طيِّبًا، وإنَّ اللهَ أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ. [ 23 / المؤمنون / الآية 51 ] وقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ [ 2 / البقرة / الآية 172 ]))
فالله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، بأن يأكلوا الطيب ويجتنبوا الحرام، قال ثم ذكر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – ((ثم ذكر الرجلَ يطيلُ السَّفرَ ، أشعثَ أغبَرَ ، يمدُّ يدَيه إلى السماءِ . يا ربِّ ! يا ربِّ ! ومطعمُه حرامٌ ، ومشربُه حرامٌ ، وملبَسُه حرامٌ ، وغُذِيَ بالحرام . فأَنَّى يُستجابُ لذلك ؟))
المصدر:صحيح مسلم - الجزء أو الصفحة1015:
أو كما قال:- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والحديث في صحيح مسلم .
إذًا هناك ارتباط بين أكل الحلال وبين إجابة الدعاء، فإن من الأسباب التي تمنع قبول الدعاء أكلُ الحرام. ثم ذكر الرجل؛ يطيل السفر، أشعث أغبر، فيقع في ضرورة ويلتجأ إلى الله ليدفع الله عنه الشر ويأتيه بالخير، يا رب يا رب، يُلحُ بالدعاء ويكرر ويؤكد وهو مأكله ومشربه وملبسه من الحرام، فكيف يستجاب له؟ فأكل الحلال مظنّة لقبول الدعاء، وأكل الحرام مانعٌ من قبول الدعاء. قد يأتي الرجل ويتعبد ويصلى ويتنفل وهو يأكل الربا ويتعامل بفوائد البنوك الربوية وقد يصلى صلاة الفجر في جماعة ولا يلتفت إلى أنه غارقٌ في أكل الحرام، فأكل الحرام مانعٌ من قبول الدعاء.
قال: {كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ﴿١٦٨﴾} ليس عدوًا تخفى عداوته بل عداوته ظاهره بيّنه قال : { فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ﴿٨٢﴾ } [ ص : ٨٢] صرّح بالعداوة وأظهرها وبيّنها، وقد قال قتادة : فيما رواه الطبري وغيره خطوات الشيطان قال قتادة : " كل معصية فهي من خطوات الشيطان" ثم بيّن الله –جلّ وعلا- هذه الخطوات وما تؤول إليه { إِنَّمَا يَأْمُرُكُم بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ} [البقرة: ١٦٩] هذه هي خطوات الشيطان، السوء والفحشاء.
قال الحافظ الإمام ابن كثير : السوء الأعمال السيئة والفحشاء الأشد فحشًا من السيئة كالزنى وما أشبهه، إذًا فهو يأمرك بصغير الذنوب وكبيرها، وقد لا يدفعك إلى الفحشاء ابتداءً، لا يدفعك إلى الذنب الأكبر وإنما يدفعك إلى الأصغر وهي الأعمال السيئة فإذا استسهلت واعتدت صغار الذنوب قد يجرك هذا إلى الفحشاء كالزنى وغيره يجرك إلى كبار الذنوب، ولذلك حذّر النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: كما صححه الإمام الألباني -رحمه الله- حين سئل ((يا رسولَ اللهِ أنؤاخذُ بكلِّ ما نتكلمُ به فقالَ ثَكِلتْك أمُّك يا معاذُ بنَ جبلٍ وهل يكُبُّ الناسَ على مناخرِهم في جهنمَ إلا حصائدُ ألسنتِهم))
المصدر:السلسلة الصحيحة - الجزء أو الصفحة: 7/845
إذًا الذنوب التي يستصغرها الإنسان ويستقلها من الأفعال السيئة قد توردك المهالك وتؤدي بك إلى الفحشاء وهي كبار الذنوب كالزنى وغيره عياذًا بالله{وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّـهِ مَا لَا تَعْلَمُون {[البقرة: ١٦٩] انظر جعل القول على الله من أشد الذنوب، أشد من الفحشاء، أشد من السوء، القول على الله بلا علم، ولذلك انظر كيف تدرج الله بالذنوب من الأصغر إلى الأكبر فقال تعالى : {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّـهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّـهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴿٣٣﴾} [ الأعراف : ٣٣]
قال ابن القيم: "فجعل القول عليه بلا علم أكبر الذنب" لماذا؟ لأنك تنسب إلى الله بالكذب دينًا وشرعًا لم يأمر به، لذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية : المبتدع أشد خطرًا من العاصي والبدعة أشد خطرًا من المعاصي، قال فإن المعاصي ترك فعل المأمور أو ارتكاب المنهي، قال: وأما البدع فهو تشريع دينٍ لم يأذن به الله ونسبة شيءٍ إلى الله في شرعه ودينه ولم يقله الله، ولذلك تجد أن العاصي إذا ذُكّر بالله ربما يتذكر ويتوب، لكن المبتدع لا يتفكر أصلا أن يتوب من بدعته، بل هو يعتقد أن بدعته تزيده قربةً إلى الله ولذلك جاء الحديث الصحيح كما صححه الإمام الألباني وغيره ((إنَّ اللهَ حجب التوبةَ عن كلِّ صاحبِ بدعةٍ حتى يدَعَ بدعتَه))
المصدر:صحيح الترغيب - الجزء أو الصفحة54:
قال الله – جلَّ وعلا – { وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّـهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ ﴿١٧٠﴾} [ البقرة: ١٧٠] وهذا من الموانع التي تمنع الإنسان من قبول الحق التقليد للآباء والأجداد ولذلك لما أمر الله المشركين بالإيمان ذكّرهم بأبيهم التَّقي قال { مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ}[ الحج: ٧٨﴾] إن كان لابدَّ من اتباع الآباء فأن تتبع الأب الذي على الحق ولا تتبع الأب الذي على الباطل والضلال فإن كنتم متبعين للآباء فذاك إبراهيم هو أبوكم وهو القائم بتوحيد الله – عزَّ وجل – { مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ} [الحج: ٧٨] فلا ينبغي أن يترك المسلم الحق إذا جاءه من الكتاب والسُّنة لقول أحد من الناس ولا لتقليد مقلَّدًا من الناس أبًا أو غيره فإذا جاء أمر الله وأمر رسوله قُدِما على كل أمر وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّـهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ۗ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ ﴿١٧٠﴾وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً } [ البقرة: ١٧٠ - ١٧١] مَثَلُ الكفار كمثلك حين تنعق بالبهيمة كالبهيمة تسمع الأصوات ولا تدري هذه البَّهيمة ما المراد من هذا الكلام الذَّي يُتكلَّم، فشبَّه الله – عزَّ وجل – الكفار في غفلتهم وضلالهم وكُفرِهم كحال البهائم التي لا تعقل الخطاب ولا تفهمه { وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ ﴿١٧١﴾ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [ البقرة: ١٧١ - ١٧٢] هذه الآية هي التي ورد عليها حديث مسلم المتقدم لا الآية التي قبلها { يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ } [البقرة: ١٦٨ ] وإنما تصحيح ما تقدم، ما رواه مسلم في صحيحه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خطب فقال في خطبته: (( وإنَّ اللهَ أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ. [ 23 / المؤمنون / الآية 51 ] وقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ [ 2 / البقرة / الآية 172 ]))
وقد أخرج الإمام أحمد فيما صححه الألباني وغيره، أن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال: ((من لم يشكرِ القليلَ لم يشكرِ الكثيرَ ، و من لم يشكرِ الناسَ ، لم يشكرِ اللهَ ، و التحدُّثُ بنعمةِ اللهِ شكرٌ ، وتركُها كفرٌ ، و الجماعةُ رحمةٌ ، و الفُرقةُ عذابٌ((
المصدر:صحيح الترغيب- الجزء أو الصفحة 976 :
هذا حديثٌ صحيح فيه بيان كيف يشكر المسلم ربه ؟ يقول كما أخرجه الإمام أحمد في المسند وصححه الألباني وغيره، يقول - عليه الصلاة والسلام - : ((من لم يشكرِ القليلَ لم يشكرِ الكثيرَ )) يأتي الإنسان رزقٌ من الله لكنه قليل، فلا يهش به نفسًا ولا يشكر ولا يفرح، لأنه شيءٌ قليل، وهذا مما يدل على ضعف الشكر عند العبد، بل إن الله يُحِبك أن تحمده على الشربة تشربها وعلى الأكلة تأكلُها، قال : ((من لم يشكرِ القليلَ لم يشكرِ الكثيرَ )) فإذا اعتدت أن لا تُبالي بشكر الله على قليل النعمة عاقبك الله، وقد يصل بِك الأمر أنك لا تشكر الله على كثير النعمة، لذلك شكر النعمة سببٌ لثبوتها ونمائها، هذا وعد الله، شُكر النعمة سببٌ لثبوتها ونمائها وزيادتها {لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [ابراهيم: ٧]
قال: ((من لم يشكرِ القليلَ لم يشكرِ الكثيرَ ، و من لم يشكرِ الناسَ ، لم يشكرِ اللهَ)) رَجُلٌ أحسَنَ إليك في أمر دينك أو دنياك، فأنِفت وتكبرّت أن تشكره وقد أسَرَك بإحسانه، وأبتدئك به دون مقابل ودون قصد شيء {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّـهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا} [الانسان: ٩ ] فأبيت أن تشكره، فعدم شكرك له مستلزمٌ لعدم شكر الله، فأنت لم تشكر الله، لأن الله أوجب عليك أن تشكر المحسن إليك، فإذا تَركت شكر المحسن إليك من الخلق، فقد تحقق فيك عدم شكر الخالق، وهذا مما ينبغي أن يكون عليه المُؤمن من حسن الخُلق مع الناس، سيّما من أحسن إليك في أمر دينك أو دنياك.
قال: ((من لم يشكرِ القليلَ لم يشكرِ الكثيرَ ، و من لم يشكرِ الناسَ ، لم يشكرِ اللهَ ، و التحدُّثُ بنعمةِ اللهِ شكرٌ ، وتركُها كفرٌ ، و الجماعةُ رحمةٌ ، و الفُرقةُ عذابٌ(( هذا مما عُطِف على شكر الله أن يكون المسلمون جماعة واحدة لا جماعات وصراط واحد لا عشرات، فالمسلمون جماعة واحدة لا جماعات، ويسلكون صراطًا واحدًا لا عشرات، أما تفرّق الناس إلى شيع وفرق وأحزاب، وكلٌ يوالي جماعته وحزبه ويدعو لجماعته ويتحزّب للجماعات، فهذا كله طريق أهل البدع، وأما أهل السُّنة فلا جماعة لهم ولا حزب لهم إلا ما كان عليه النبي –صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، فإذا رأيت الرجل يدعو إلى جماعة ويغضب لفلان ويتعصّب لفلان ويترك ما جاء عن السلف الصالح من الصحابة والتابعين والقرون التي شُهِد لها بالخير فاعلم أنه على غير السبيل، قال والجماعة رحمة والفرقة عذاب.
قال الله –جلّ وعلا-: { وَاشْكُرُوا لِلَّـهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴿١٧٢﴾ إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ}[البقرة: ١٧٢] الميتة يَحرُم أكلها ولا يُستثنى من الميتة إلا ميتتان كما روى البيهقي بإسناد صحيح من قول ابن عمر، وجاء مرفوعًا والصحيح وقفه كما رجّح هذا حفّاظ الحديث كأبي حاتم وغيره أن ابن عمر –رضي الله عنهما- قال: ((أُحلَّ لَنا مَيتتانِ ودمانِ، فأمَّا الميتتانِ: فالسَّمَكُ والجرادُ ، وأمَّا الدَّمانِ فالكبدُ والطُّحالُ)) المصدر: عمدة التفسير - الجزء أو الصفحة:1/624
فأكل الدم حرام، لكن أُحِلّ لك أكلُ الكبد وهو دم، والطحال وهو دم، وأما ما كان من غير هذه الدماء كالدم المسفوح فيحرم أكله ولا يجوز، قال: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ} [البقرة: ١٧٣] ما خلا، ميتة الجراد وميتة السمك، والدم ما خلا الكبد والطحال، ولحم الخنزير، ولذلك شدد النبي –صلى الله عليه وسلم- في أمر الخنزير كما في صحيح مسلم، قال: ((من لعب بالنَّردِشيرِ، فكأنما صبَغ يدَه في لحمِ خنزيرٍ ودمِه)) المصدر: صحيح مسلم - الجزء أو الصفحة:2260
وهذه اللعبة مشهورة عندنا في مصر، اللي يسمونها لعبة الطاولة، بالنرد، هذه من الكبائر من محرمات الأفعال، فجعل النبي –صلى الله عليه وسلم- من لعب بالنرد، من لعب بالنردشير فكأنما صبغ يده في لحم خنزير ودمه، قال –سبحانه وتعالى-: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّـهِ} [البقرة: ١٧٣] اتفق كلام السلف كقتادة وغيره فيما نقل الطبري وابن أبي حاتم وغيرهما، أن ما أُهلّ به لغير الله هي الذبائح التي كانوا يأتون بها يجعلونها لآلهتهم فتُذبح، يؤتى بها ويُهلُّ بها لآلهتهم، هذه لا يجوز أن تأكل منها، لأنها ذُبحت لغير الله، فصارت كالميتة، هي ليست ميتة، لأن الله فرّق بين الميتة وبين ما أُهل، فهي مذبوحة مُذكّاة، ولكن التحريم من أكلها، لأن أُهلّ بها لغير الله، مثل هؤلاء الذين يأتون بالذبائح إلى القبور ويذبحون عند القبر فهذا مما أُهلّ به لغير الله، فلا يجوز أن يُطعم ويصير كالميتة في تحريم تناوله، ولا يجوز أن يُمص ولا أن يُذاق منه لقمة، لأنه أُهلّ به لغير الله، وأصل الإهلال كما يقول الطبري: والإهلال أصله رفع الصوت، وإنما قيل إنما "وما أُهِلّ به لغير الله" لأنهم كانوا يأتون بالذبائح إلى معبوداتهم فيرفعون أصواتهم بأسماء الأصنام التي يُذبح لها، هذا لمناة، هذا للعُزى، هذا لكذا وكذا، ولذلك من هذا الباب ما ثبت عند أبي داود في السُنن، وصححه الألباني أن رجلًا نذر أن يذبح إبلًا ببوانه، بوانه بلدة، فهذا الرجل نذر أن يذبح إبلًا ببوانه، فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فسأله فقال: ((هل كانَ فيها وثَنٌ من أوثانِ الجاهليَّةِ يعبدُ قالوا: لا، قالَ: هل كانَ فيها عيدٌ من أعيادِهم قالوا: لا، قالَ رسولُ اللَّهِ - صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ-: أوفِ بنذرِكَ فإنَّهُ لا وفاءَ لنذرٍ في معصيةِ اللَّهِ ولا فيما لا يملِكُ ابنُ آدمَ)) المصدر:صحيح أبي داود- الجزء أو الصفحة3313 :
رواه أبو داود وصححه الألباني وغيره، إذًا أُنظر هنا أراد الرجل أن يذبح إبلًا ببوانه وهو مسلم، ولكن النبي – صلى الله عليه وسلم - منعه أن يوفي بالنذر في بوانه إذا كان هناك وثنٌ يُعبد من دون الله، هو لا يقصد أن يذبح للوثن، ولكنه سدَّ الذَّريعة، لأنه إذا جاء وذبح، حيث يذبح المشركون لأوثانهم ظُن أنه يذبح للوثن مثلهم، فَنُهي عن ذلك سدًا للذَّريعة، ثم سأل: هل كان فيها عيدٌ مِن أعيادهم؟ يجتمعون، يحتفلون، ويجتمعون على أعيادهم الباطلة؟ قال لا، قال أوفِ بنذرك، فمنع من الذبح، في موضع أعياد المشركين لما في ذلك من إظهار المنكر ومن تأييد الباطل، ونهى أن يُذبح ببوانه، إذا كان فيها وثن، فلما أُخبر أنه لا وثن فيها، وليس فيها عيد في هذه الأيام التي يذبح فيها، فقال أَوفِ بنذرك، وقد ثبت في صحيح مسلم من حديث علي – رضي الله عنه- أن النبي – صلى الله عليه وسلم – لعن من ذبح لغير الله، قال ربنا - عزَّ وجل -: {وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ ۖ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ } [ البقرة: ١٧٣] جاء عن مجاهد وغيره {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ} أي لم يبغِ على غيره، ولم يخرج على ولي الأمر، ربما يأتي الرجل كالخوارج يخرج عن طاعة ولى الأمر، فيخرج إلى الصحراء، ويُكفّر ولاة أمر المسلمين، ويقطع على المسلمين طرقهم، فلا يجدُ طعاماً لأنه نفر من بلد المسلمين وسار في الصحراء يتيه كما تتيه الدواب الشاردة، ثم وجد ميتة، يقول مجاهد: لا يحلُ له أن يأكل منها، قال: لأن {غَيْرَ بَاغٍ} قال مجاهد: غير معتدٍ غير باغٍ خارجٍ عن السلطان و{غَيْرَ بَاغٍ} غير ظالمٍ وعاصٍ، معتدٍ على غيره بالمعصية، قال: {وَلَا عَادٍ} قالوا: ولا عادٍ أي ولا عاصٍ لله في نفسه، فلا هو عاصٍ لله في نفسه ولا هو باغٍ على غيره، {فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} فيأكل من الميتة ويأكل من الدم، ويأكل من الخنزير، ويأكل مما أُهل به لغير لله، إن اضطر أكل، ولا يأكل إلا ما يدفع عنه الهلاك، ولذلك قال العلماء: "الضرورات تُبيح المحظورات" و"الضرورات تقدّر بقدرها"، تقدّر بقدرها يعني تأكل ليس لكي تشبع، تأكل لتدفع عن نفسك هلاك الموت، لأن هذا هو الاضطرار، وأما إذا أكل حتى شبع فقد خرج عن الاضطرار، وإنما أُبيح لك أن تأكل بقدر الاضطرار، قال: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴿١٧٣﴾ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّـهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَـٰئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ } [البقرة: ١٧٣- ١٧٤] تقدم هذا قريباً، قال الله –عز وجل- {وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّـهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}[البقرة: ١٧٤] فمن ضمن عقوبات الله لهؤلاء الكافرين الكاتمين لأحكام الله، أن يحرمهم الله من تكليمه لهم، فكلام الله صفة من صفاته، وكلام الله دليلٌ على فضل من كلمه الكلام المقترن بالرحمة والخير، ولذلك قال الله- عز وجل- مبيناً فضل نبيه موسى: { إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي} [الأعراف: ١٤٤] فجعل من أسباب اصطفائه أنه-سبحانه وتعالى- اصطفاه بالرسالة وبكلام الله –عز وجل- {وَلَا يُزَكِّيهِمْ }[البقرة: ١٧٤ ] بل يبقيهم على رجسهم ويبقون على نجاستهم. قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـٰذَا } [التوبة: ٢٨] وقال في نزول الآيات وإعراض الكفار عنها:{فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَىٰ رِجْسِهِمْ} [التوبة: ١٢٥] قال الله -جل وعلا-: { وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴿١٧٤﴾ أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَىٰ وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ ﴿١٧٥﴾ ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّـهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ ... ﴿١٧٦﴾} [البقرة: ١٧٤ -١٧٥] فلا عُذر لهم، فقد تقدّم إعذار الله –عز وجل- وقامت حجته على خلقه ﴿بِأَنَّ اللَّـهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ﴾ وقوله: ﴿بِالْحَقِّ﴾ ﴿نَزَّلَ الْكِتَابَ﴾ فالكتاب هنا مفعولٌ به، و ﴿بِالْحَقِّ﴾ الجار والمجرور متعلقان بمحذوف حال، والمعنى: نزّل الكتاب مُتلبّسًا بالحق، كما قال تعالى: ﴿وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ﴾ [الإسراء: ١٠٥] فهو حقٌّ في نفسه، وحال الإنزال نزل بحق، لم يَشُبه باطلٌ في طريقة الإنزال، فهو بحقٍّ بعد أن استقر نزوله، وهو بحقٍّ حال النُّزول، محفوظ من كل باطل، حال الإنزال محفوظ من كل باطل بعد أن استقر إنزاله، وهذا معنى قوله: {وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ} [الإسراء: ١٠٥] قال الله –جل وعلا- {وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ} [البقرة: ١٧٦] والله أعلم.
أحسن الله إليكم
السؤال:
يقول السائل في الآية الأولى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا﴾ [لبقرة: ١٦٨] والآية الثانية: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾ [البقرة: ١٧٢] فما هو المعنى من هذا التّفريق؟
كأنه يُريد ما الفرق بين الآيتين؟
الجواب:
أولًا: الآية الأولى جاءت بعد ذكر الكافرين {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ} [البقرة: ١٦٦] ثم قال: {وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} [البقرة: ١٦٧] كما تقدّم معنا أنّها في الكفار خِلافًا للخوارج الذين تقدّم ذِكرهم وكيف يستدلون بهذه الآية، فبعد أن ذكر الله الكفار، وبعد أن خوّفهم وأخبرهم بعقابه، قال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا} [لبقرة: ١٦٨] فعمّ الجميع، ففيه تنبيه للكافر على إنعام الله عليه في الدنيا، وأنه جاز ما يُقابل من إنعام الله من الرزق الذي جعله الله للكافر والمسلم، أمّا المسلم فأخذ النعمة فشكر، وأما الكافر فأخذ النعمة وكفر، ولذلك هذا يُفسّره ما جاء في صحيح البخاري، أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: ((ما أحدٌ أصبرَ على أذًى سمعَه من اللهِ ، يدعون له الولدَ ، ثم يُعافِيهم ويَرزُقُهم)) المصدر:صحيح البخاري- الجزء أو الصفحة: 7378
فهذا هو التّنبيه في علاقة الآية بعد أن ذكر الكافرين، قال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا} [لبقرة: ١٦٨] وأما الآية الأخرى فهي خطاب الله –جلّ وعلا- للمؤمنين لما سيُرتّب على الخطاب من أحكام شرعية لن يلتزم بها إلا أهل الإسلام، فبعد أن قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [البقرة: ١٧٢] مهّد ذلك للأحكام الشرعية من الحلال والحرام الذي هو التزام المؤمن بأحكام الله، فبيّن إنما حرّم عليكم كذا وكذا وكذا، فناسب أن يذكر ما قبله أهل الإيمان، وناسب في ذاك أن يذكر عموم الناس، والله أعلم بمُراد كلامه.
السؤال : أرجو توضيح معنى قوله تعالى: { وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ} [البقرة: ١٦٦]
وهل يدخل ذلك في أسباب الحزبية المعاصرة؟
الجواب : الأسباب كل ما تمسّك به الإنسان في صلة مودة ومحبة وولاء مع غيره فيقال: بينه وبينهُ سبب. فمثلاً :إذا أحبَّ الإنسان أخاه يُقال : بينهما سبب وهو المحبة، وقد تكون الأسباب خارجةً عن ذلك. سبب قرابة، تُحسِن إليه لسبب قرابة، فقد تكون الأسباب التي تربط الإنسان بغيره أسباب شرعية كالحب في الله، وصلة الرحم، وموالاة المؤمن للمؤمن، فهذه أسباب تربط الناس بعضهم ببعض وهي أسباب شرعية، وقد يرتبط الإنسان بغيره كارتباط هؤلاء الكفار بعضهم ببعض بأسباب ليست شرعية، أن يجتمعوا على الكفر والضلال وأن يتفقوا عليه، وأن يتوالوا وأن يتحابوا على الضلال وعلى الكفر، ومن ذلك أن يتوالوا على المعصية، ومن ذلك أن يتوالوا على البدعة، فهذه أسباب تربط الناس بعضهم ببعض ولكنها أسباب غير شرعية، فالأسباب التي تربط الناس بعضهم ببعض إما أن تكون أسبابًا شرعية، وإما أن تكون أسبابًا باطلة، لذلك الأسباب التي تربط الناس بعضهم ببعض وهي الأسباب الشرعية، تنفعهم يوم القيامة { الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ } [الزخرف: ٦٧ ]
وأما الأسباب التي تربط بين أهل الضلال فتنقطع كالحبل الذي تمسكه ثم ينقطع فلا تستفيد وتسقط ولا ينفعك هذا الحبل، فقال: { وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ} [البقرة: ١٦٦] ومن هذه الأسباب المحرمة ما يجتمع الناس عليه من البدعة والضلالة كما قال - صلى الله عليه وسلم - في صحيح مسلم (( لا حلفَ في الإسلامِ، وأيمُّا حلفٍ، كانَ في الجاهليةِ، لم يزدْه الإسلامُ إلا شِدَّةً))
المصدر: صحيح مسلم - الجزء أو الصفحة:2530
فلا يجوز أن تجعل بينك وبين المؤمن حزباً وحلفاً ويكون هذا الحلف سبباً للمودة وبين التعلُّق بينكم : (( لا حلفَ في الإسلامِ)) فلا يجوز أن تجعل الحزبية سبباً لربط المسلم بأخيه ..لماذا؟!
لأن الأصل أن المسلمين جميعًا يكونوا على قلب رجل واحد جمعهم الكتاب والسنة، فالكتاب والسُنَّة هو حبل الله ولذلك قال: { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّـهِ جَمِيعًا} [آل عمران: ١٠٣]
هذا الحبل لا ينقطع وهو السبب الدائم الذي لا ينقطع. وأما أن يتوالى الناس على حزبيةٍ بينهم وعلى عصبيةٍ بينهم، حزبية في بدعة وضلالة، حزبية، قبائلية، عرقية، أُمَمَية، كل هذا يدخل في ضمن الأسباب التي حرَّمها الله ورسوله ومن ذلك ما جاء في صحيح مسلم قال - صلى الله عليه وسلم - (( لا حلفَ في الإسلامِ))
السؤال: ما إعراب قوله تعالى: {فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ} [البقرة: ١٧٥]
الجواب: هذه التي يقولها العلماء بأنها "ما التعجبية " وإعرابها في قوله تعالى {فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ} يقولون أن ما : تعجبية ناصبة للفعل بعدها، فما "أصبرهم" والضمير المتصل في "أصبرهم" في محل نصب بفعل مقدر، يقول فما أصبر، فأصبر: ناصبة للضمير المتصل بها، "أصبر هم" والفاعل هو الضمير المستتر، في قوله فما "أصبر هو "هم"، فصار المعنى من هذا أن ما هي التعجبية الناصبة وأن " أصبر" هو منصوبٌ ب "ما التعجبية" وأن الفاعل مستتر وهو تقديره هو، وأن الضمير المتصل بالفعل "أصبرهم" في محل نصب مفعولٍ به.
السؤال: فكيف؟ يعنى ما وجه صبرهم على النار؟
الجواب: قال العلماء: هؤلاء الكفار اشتروا الضلالة بالهدى، فما الذي جعل هؤلاء يرضون بذلك حتى استلزم ذلك أنهم رضوا بأن يعذبوا في النار فصبروا على النار، فهو أسلوب توبيخٍ وذمٍ واستنكار!! يقول: ما الذى حملكم أن تشتروا الضلالة بالهدى حتى كأنكم صرتم راضين وصابرين على أن تعذبوا بالنار؟
السؤال: يقول السائل أحسن الله إليكم؛ ما حكم تخصيص شهر رمضان بالتفسير؟
الجواب: هذا ليس معروفاً عن السلف، ولا أحد من علماءنا يقول بأن يخصص شهر رمضان بالتفسير، هذا لا قائل به، وإنما التفسير، الحديث، الفقه، كل هذا في رمضان وفى غير رمضان، وما أحسن ما قاله العلامة الشيخ الفوزان عن طلب العلم في رمضان؛ فقال: طلب العلم في رمضان من أعظم العبادات. وعلى كل حال ابشر السائل من باب زيادة الفائدة، أنا عندنا درساً في (بلوغ المرام) بعد التراويح في منزل أخونا الله يحفظه أبو عبد الرحمن نسأل الله أن يوفقه وأن يسدده. والحمد لله نُدّرس التفسير ونُدّرس الفقه، أما أن يخصص رمضان بالتفسير هذا لا أعلم قائلاً به من أهل العلم، ولا نقول به والحمد لله وإنما رمضان كغيره في سائر العلوم الشرعية؛ التفسير، الحديث، الفقه وما يسّر الله –عز وجل- من العلم .
مقدم الدرس: جزاك الله خيرًا وأحسن الله إليكم
الشيخ: تسلم، بارك الله فيك وسلمك الله، جزاك الله خيرًا